Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘متع’

هل تصبرون معي لقراءة ذكريات لن تهمكم ، لعلكم تجدون في بعضها بعضاً منكم ، فالذكريات كثيراً ما تتشابه ، وما ألذ حديث الذكريات السعيدة ، وهي لعمر الله من المتع المبهجات..

إن لم تطلع على الجزء الأول من  استجلاب الذكريات ، فلعلك تفعل الآن ..

في الإجازة الصغيرة منتصف الفصل الدراسي ذهبت في زيارة شائقة إلى الذكريات .. إلى مسقط رأسي .. إلى الخبر الجميلة على الساحل الشرقي .

كانت هذه المرة الأولى التي تجتمع فيها كل هذه العوامل معاً منذ 31 سنة : أذهب أنا وأمي أخي إلى الخبر لأرى جميع أهلي هناك .

هل لي أتحدث عن انطباعاتي عن تغير الدرجة الأولى في الخطوط السعودية عنها قبل ثلاثين سنة وتردي خدماتها ومقاعدها ووجباتها أم أجعل التدوينة خالصة لسرد الذكريات ؟

لا داعي لحرق الدم ، أليس كذلك ؟ حسناً , لننطلق إلى الساحل الشرقي .

حين هبطت في المطار الجديد – بالنسبة لي –  هالني حجمه ورقيه مقارنة بمطار جدة التعيس في جميع نواحيه ..

يكفي الخراطيم التي تنقل المسافرين من وإلى الطائرة  في حين لا يزال مطار جدة يعيش على الباصات والسلالم .

عذراً عذراً ، وعدتكم أن لن أتكلم بما يحرق الدم ..

تذكرت وأنا أمشي في مطار الملك فهد مطارَ الظهران القديم .. شعرت أن طعم الذكريات في حلقي .. أحسست بالروائح والمشاعر تتلبسني . هل تعرف هذا الشعور ، حينما تستغرق في تفاصيل ذكريات قديمة ، وتنفصل عن الواقع تدريجياً حتى لتكاد تشعر بحرارة الهواء آنذاك على جلدك ، تستنشق تلك الروائح وتسمع تلك الأصوات ..

كنت أمشي كالمغيبة ، منبهرة ومنتشية ، لا من هذا المطار الجديد ، وإنما من ذاك الذي برز في مخيلتي ، حين كان أبي رحمه الله يأخذني وأنا صغيرة لنقضي بعض الوقت نتفرج على الطائرات وهي تصعد وتهبط ريثما تقضي أمي زيارتها لصديقتها التي كانت تسكن في سكن المطار الفاخر . كان المدرج قريباً ومتاحاً ويحكي لي أخي أنه كثيراً ما أفلح حين كان طفلاً في الإفلات من بين قضبان السور ليمشي بحرية في مدرج المطار .. أخبرته أني لا زال أذكر في المطار وجود حديقة ما تنضح بعشب قوي الرائحة ، وفيها مراجيح معلقة ، فأطرق بذاكرته إلى خمسين سنة مضت ليقول بصوت حالم : كانت تلك حديقتي المفضلة حينما كنا نسكن في المطار قبل انتقالنا إلى الخبر ..

كلما شممت الآن رائحة العشب الأخضر تدرج ذاكرتي تلقائيا صورة تلك الحديقة التي كنت ألعب فيها وأنا ابنة الخامسة  ، أتمرجح عالياً مع أطفال آخرين لا أعرفهم ، لا يجمع بيننا إلا  صخب الطفولة ..

من قال أن أطفال الخامسة والسادسة تكون ذاكرتهم قصيرة ولا تسعفهم بتفاصيل تلك الحُقب حين يشيبون ..

لو قال بذلك قائل فأنا أؤكد له أنه مخطئ بجدراة .

كان اجتماعنا ليلة الوصول في بيت خالتي لتناول العشاء . دخلت البيت الجديد وتذكرت ذلك البيت القديم الذي كنا نقضي فيه أعيادنا بعد انتقال عائلتي للسكن في جدة قبل أربعين سنة .

كان العيد في جدة مؤلماً وكئيباً وموحشاً حيث لم يكن لدينا هناك إلا بيوت أخوالي فقط ، الذين لم ننشأ معهم ولم نألفهم بعد . كم حاولت أمي تزيين عيدي بفساتين جميلة وزينات مزركشة وأنوار ملونة ، وتأخذني في زيارة لملاهي لونا بارك عصر يوم العيد ، ولكن ما كان ذلك ليفلح في إسعادي وإبعاد ذكريات أعياد الخبر عن ذهني .

إلى أن قررت أن نذهب بعد ذلك لقضاء العيد مع الأهل ..

 الأهل .. يالها من كلمة جميلة عظيمة .. عندها شعرت أن العيد قد عاد له رونقه وبهاءه وجماله .

كنت أجمع من مصروفي الشهري طوال السنة لأشتري به هدايا العيد البسيطة لخالاتي وبنتي خالتيّ اللتين كانتا – ولا زالتا- أختين حين منعني الله الأخوات الحقيقيات .

كان  العيد في بيت خالتي من أجمل ما يمكن أن يحدث لي .. اجتماع العائلة الممتع ، إفطار اليوم الأخير من رمضان، إعداد الزينة من ورق الكريشة الملونة ، والإحساس بالأهمية وسط كل هؤلاء الكبار ، محاولات إخفاء الهدايا المغلفة سلفاً عن أعين الفضوليين من الصغار .. حتى غسل الصحون هائلة العدد كان ممتعاً ما دام مع القوم .

والان أنا أدخل الدار التي فيها نفس الأشخاص الذين كنت أقضي معهم أعيادي القديمة .. إلا أن الدار غير الدار .. هل أزعم أن قيساً كذب بعض الشيء ليضفي نوعاً من الرومانسية على قصته حين قال :

وما حب الديار شغفن قلبي                     ولكن حب من سكن الديارا

هذه دار جديدة ، أنيقة ولكن ليس فيها أياً من الذكريات . ليس فيها تلك المخابئ التي احتوتنا صغاراً ، ولا بقايا اللصاق الذي ثبتنا به زينة العيد ، ولا الجدران التي كانت تسترق السمع لأحاديثنا ليلاً بعد أن ينام الكبار .

كذب قيس – غفر الله له – فحب الديار له شغف ووجد ، خاصة لو حَوَت لحظات جميلة .

في اليوم التالي اصطحبني أخي في الصباح المبكر مع بناتنا لنبحث عن ذكرياتنا القديمة .. مررنا بشارع الأمير خالد ، شارع السوق الكبير في زمني .. رأيت هذا المحل الجميل الذي كان يجلب البضائع المستوردة ، ومنه كانت أمي تشتري ألعابي الفاخرة  . تذكرت للحال لعبة  طابور البطات الصغيرات اللاتي يمشين وراء البطة الأم ، والتلفزيون الصغير الذي يعرض صوراً متحركة بأناشيد الأطفال الانجليزية  المشهورة : ماري عندها حمل صغير ، وجسر لندن يسقط ويسقط  .. رأيت الشارع الضيق الذي كنت أراه كبيراً ، وما علمت إذ ذاك أن عيون الأطفال ترى كل شيء كبيراً .

مشينا قليلاً فإذا بي أمام مدرستي .. صارت الآن مأوى لعمالة ما ، مهدمة ومرقعة ، ولكني أبحرت في فصولها ودهاليزها بذاكرتي .. هنا كان فصلي .. وهنا مستودع الكتب الدراسية التي كانت تسحرني رائحتها .. وهذا المسرح الذي كنت أقف عليه لأنشد في الحفلات .. أما هنا فحجرة التدبير المنزلي .. أتذكر جيداً حين كان موقد حجرة التدبير يعطب فينادونني من فصلي لآخذ صينية البشاميل لبيتنا الذي لا يفصله عن المدرسة إلا شارع صغير ضيق ، فأعطيها لأمي مصحوبة بسلام المعلمة كي تضعها في فرننا حتى تنضج .. لا تسل عن اعتزازي وشعوري بالخطورة وأنا أخرج أمام صديقاتي شامخة الرأس ، فخورة للعبي دور المنقذة من هذا الموقف السخيف الذي سببه الفرن الكهل .

جلت ببصري أبحث عن بيتنا فارتد إلي بصري خاسئاً وهو حسير .. ما وجدت إلا دكاكين صغيرة تتثاءب استعداداً لبداية يوم جديد .. أحسست بشيء من القهر .. أين ذكرياتي ؟ هنا كان بيتنا .. أذكر في فنائه بيت أرانب صغير، وحجرة إخواني بالطابق العلوي ملأها أخي الماهر بالرسم رسوماً متقنة للشخصيات الكارتونية المعروفة آنذاك ، أذكر القطط التي كانت تجول ، ومن هناك نما شغفي بالقطط . أذكر شجرة الفل والتي كانت تهبني يومياً فلة ضخمة عبقة أهديها لمعلمتي في الصف الأول الابتدائي ..

شعرت بشيء من الإحباط وخيبة الأمل ، ولكني سرعان ما نفضته عن ذهني قائلة : أصلا عادي !

أما عن زيارتي لشواطئ الخبر فتلك حكاية أخرى .. شواطئهم غاية في الروعة والجمال .. شواطئ “متعوب عليها” ، والجميل أنها للشعب .. لكل الشعب .. كل الشعب يستطيعون أن ينزلوا في الشاطئ ويستمتعوا بالبحر والرمل ..

هنا ، في شاطئ العزيزية أو في شاطئ نصف القمر والذي لا نزال نسميه بتسميته القديمة جداً Half Moon Bay ، كنا نقضي أول يوم من أيام عيد الأضحى قبل أكثر من ثلاثين سنة .. نبحث عن بقعة فارغة ، غالباً خلف أحد الطعوس المجاورة للشاطئ ونخيم مع عائلة خالتي .. نسبح  ونشوي ونتسامر و ( نشب الضو ) ونقضي أجمل الأوقات دون أن يتطفل علينا أحد من الخارج .. كنا إذا وصلنا انطلق زوج خالتي في ممارسة هوايته في المشي ، فيمشي حتى يغيب عن أنظارنا .. قد ألحق يه إلى مسافة معينة ، أبثره بأسئلتي وثرثرتي ولكنه كان دائماً يجيب بابتسامة عذبة وصدر رحيب .. كم تمنيت أن أراه هذه المرة .. ولكن الزهايمر ثم الموت غيّباه عنا ، فتوفي قبل أن ألقاه لأذكّره بكل ما مضى.

حديث أيام الطفولة عذب .. ذكراها لذيذة ، ونشواها تفرح القلب الحزين .. وعلى آثارها نعيش لحظات جميلة .

 غادرت الخبر آسفة .. كم تمنيت لو جلست هناك أسابيع ..

يومها قلت لإحداهن  : لولا أني في المدينة ، ولا أرضى لها بدلاً لرجعت أعيش في الخبر ..

أطلت عليكم ، سامحوني ، ولكن يخفف عني أني أعلم يقيناً أن بعضكم كان له ذكريات تشبه ذكرياتي . وسأحب حتماً لو شاركتموني بهذه المتعة :  استجلاب الذكريات .

Read Full Post »

يقولون أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ، ويقولون : جنة بلا ناس ما تنداس .

ما الذي يمنع من أن أضع بصمتي كذلك في عالم الأقوال ،  فأقول : إذا أردت أن تستمتع بحياتك فأحط نفسك بفرقة تشجيع Cheerleaders .

حينما أُصبت بالسرطان قبل سنتين ، أحاطني الله بمجموعة جميلة من فرق التشجيع ..

كنت أحياناً أعاني من الغثيان ، أو الألم بسبب عقار التاكسوتير ، أو الإحباط حينما أرى رأساً كالبيضة يتوسط كتفي ، أو أنظر إلى وجهي فلا أجد رموشاً ولا حواجب ، أو يقرصني الجوع ويرفض لساني بعناد قبول أي طعم .

لم أكن أترك لنفسي العنان للانسياق في المشاعر السلبية ، فكنت كلما حشرني موقف صعب استعنت بالله وتجلدت له ورميته وراء ظهري فقد كنت موقنة أنه لا ينبغي لي أن أبكي .

ربما لأني شعرت أن البكاء فيه نوع تسخط على قضاء الله عليّ، على الرغم من محاولات صديقاتي المستميتة في إقناعي بأن البكاء لا يتنافى مع الرضا ، ولكن هيهات ، يبدو أن الكيماوي سبب لي بعضاً من الثخانة في قشرة الدماغ الخارجية.

ربما لأني كنت أكره أن تراني أمي أبكي فيألم قلبها لي ، أو تراني شمس فتنزوي في رعب حين ترى الجبل الشامخ يهتز.

ربما لأني أعلم أني لو بكيت فلربما لن أتوقف إلا بعد ساعتين وقد انتفخت أجفاني واحمر وجهي ، وارتفعت درجة حرارتي.

فكنت أفضل تجاهل الأمور ، وتمثيل اللامبالاة وكأن الأمر لا يعنيني ، وكأن غيري أصيبت بالسرطان، وكأن غيري استؤصل ثديها ، وكأن غيري أصيبت بالصلع ، وكأن غيري ابتعدت عن أبنائها لتتلقى العلاج ، وكأن غيري انفصلت عن زوجها.

ولكني رغم كل شيء كنت – ولا زلت – بشراً  يعتريني من لحظات الضعف ما يعتري الآخرين ، فأتخاذل ، إلا أنني بحمد الله كنت دائماً أتخاذل أمام الناس ( الصح ) .

أمام بنات أخواني اللواتي يسكنّ مع أمي في ذات العمارة حيث أقمت لتلقي العلاج . كثيراً ما كنت أسمع ثناءهن على حكمتي ، كثيراً ما أشعرنني بأنني ملكة ، لا تحتاج إلا أن تشير فيخدمها الجميع ، كثيراً ما كن يستشرنني في أمورهن الخاصة ، كثيراً ما كن يدفعنني للحديث عن نفسي لأن النفس تحب ذلك ، كثيراً ما  أوحين إلي بحب الحياة ، فعلمتني إحداهن التصوير ، وأهدتني أخرى دفتراً ملوناً وقلماً جميلاً استعداداً للدراسة  الجامعية ، وأنا التي كدت أن ألغي شراء حقيبة  أوصيت بها قبل معرفتي  بتشخيص المرض لأني لم اشأ أن أضيع أموال ( الورثة ) .

كثيراً ما كنت أتهاوى لثقل ما  أتحمله فأبكي لأجدهن يبكين معي ، حتى إذا ما  أفرغت انفعالاتي المضطرمة  في دقائق وسكتُّ ، سكتن كذلك وغيرن الموضوع في مرح ، وكأنهن لا يحتجن إلا إلى ضغطة زر ليتقمصن المزاج الذي كنت فيه فيوافقنني ، وكانت الصغريات منهن يستمتعن بالمسح على شعري النامي القصير ، ويراقبن بفرح وحماس نموه يوماً بعد يوم .

معهن شعرت أني في عوالم رحبة ، لا أني مريضة سرطان على وشك أن تموت كما يوحي إلينا اسم ( السرطان ) .. شعرت وأنا في تلك الفترة الحرجة بأني أريد أن أعيش لأسعدهن كما أسعدنني .

وفي المدينة كانت هناك فرق تشجيع أخر ترسل الطعام لأولادي بين الحين والآخر ، غداء أو عشاء ، أو مجرد فطائر وكيك، من نادية وعائلتها المباركة ، من لينا ، من لمياء ، وتصلني الأنباء من الأولاد ، ويمتلئ قلبي شكراً لله ثم لهؤلاء الأخوات الرائعات اللاتي ما فتأن يرسلن رسائل مخبأة في ( البريك المديني ) أو ( الرز الكابلي ) أو ( البيتزا ) بأننا هنا فلا تشيلي هم !

وقبل أشهر ألقيت  دورة مكثفة في أحد المعاهد العلمية في فن مصطلح الحديث استمرت شهراً . ولما كنت – بطبعي-لا أستطيع أن أظل جادة جداً لأكثر من ربع ساعة ، فكثيراً ما كنت أخرج عن الموضوع الأصلي لألقي طرفة هنا أو قفشة هناك وكونت الطالبات عني بعض الأفكار .

في يوم كنت ألقي الدرس أمام 24 طالبة وفجأة انتبهت أن في الصف الأيمن جلست ست طالبات متجاورات يرتدين ثياباً بدرجات البنفسجي المختلفة ، فقطعت الدرس وقلت : ” الله ، هذي الناحية لونها جميل” ، وأدرت نظري إلى الجهة الأخرى لأرى نفس المنظر ، وحينما أمعنت النظر وجدت أن 18 من الأربع والعشرين يرتدين اللون البنفسجي والذي علمن بمحض الصدفة ولعي به ( و لا ، لا يترتب على الدراسة أي درجات ، لو تفهمون قصدي ) .

تصايحت الطالبات : ( توك يا أبلة تنتبهي ؟ ) .. نعم لا أتمتع بقوة الملاحظة فلم أنتبه إلى هذا التوافق اللوني إلا  في المحاضرة الثانية بعد الفسحة ، وعلمت باتفاقهن على ارتداء البنفجسي إدخالاً للسرور على نفسي .

لم أتمالك نفسي ودمعت عيناي . هاهنا رسائل حب مغلفة بالبنفسجي أعطتني دفعة أقوى للحياة في الوقت الذي كنت أحاول أن أتكيف مع خروج سهل من البيت ، شكرتهن وأخبرتهن أنهن فرقة من فرق التشجيع التي وهبني الله إياها بعد انتهاء فترة علاجي وابتعادي عن بنات إخواني .

أما الحفل الختامي فكان حكاية أخرى : هدايا بنفسجية وكلمات رقيقة وحب جارف ملأ قلبي حبوراً .

وفي هذه الأيام أقيمت مسابقة في عالم تويتر الأخاذ لأكثر من يُرشح متابعته هذا الأسبوع .

فوجئت بمن يرشحني مع سبع متسابقين آخرين .

لن أكذب وأقول أن الأمر لم يهمني أو أن ترشيحي وعدمه سواء .

بالعكس ، فرحت وتحمست للأمر ومن باب ( البهللة ) قمت بحملات انتخابية ودعائية وكم كانت سعادتي بتلقي كماً هائلاً من التشجيع والحب من أناس لا أعرفهم ولم أقابلهم في حياتي ، وإنما كان هذا العالم الافتراضي هو مكان لقاءاتنا المتكررة .

وسبحان الله ، مرة ثانية تكون فرق التشجيع هذه شاغلاً لذهني عن البلاء الجديد الذي اقترب موعده ( فضلاً مراجعة التدوينة التي تحمل هذا الاسم ) .

أحياناً حينما ( يكبس ) عليّ مود الحزن يهتف صوت عميق في داخلي محاط بموسيقى تصويرية مأساوية ، يقول : هناء، احزري .. بقي عشرة أيام فقط على سفر سهل إلى أمريكا ، ولن تريه إلا بعد سنة .. سنة .. سنة .. سنة ..

الله العالم من سيموت ومن سيعيش في هذه السنة .. سيتركك الابن البار .. سنة .. سنة .. سنة ..

وتدمع عيناي وأبدأ في الاندماج في هذا ( المود) لأسمع صوت ( المنشن ) في الآيباد وأجد رسالة تشجيع جميلة من أحد المتابعين ودعاء بالفوز في هذه المسابقة ، فأكفكف دمع قلبي وأنهمك في حملاتي الانتخابية والتصويت .

واليوم انتهت المسابقة ولم تعلن النتيجة بعد .

إلا أن الحب والتشجيع والكلمات الدافئة التي أحاطني بها المتابعون الأعزاء أضفت سروراً عطراً على حياتي  لم يعد يهمني معه على أي مركز حصلت .

أشعر أني بكل تلك المشاعر الدفاقة قد حصدت أعلى النتائج .

سبحان الله ، كم من الكلمات والتصرفات والهدايا البسيطة التي يمكننا أن نقدمها ولا نلقي لها بالاً يمكنها  أن ترفع أناساً إلى قمة السعادة .

لماذا نعاني من البخل في الألفاظ والمشاعر مع أنها قد تقلب كيانات لأناس كثيرين ، وقد يكونون  بأهمية  بالغة في حياتنا كآباء أو أبناء أو أزواج ، أو مجرد أصدقاء .

العلاقة الطيبة تحتاج إلى وقود يبقيها مضرمة .. الكلمات الرقيقة والمشاعر الصادقة خير وقود لهذه العلاقة .

متابعي الأعزاء .. لا أملك إلا أن أشكركم على دعمكم وتشجيعكم ، أسعدتم قلبي الكهل بالفعل ، ورسمتم البسمات المتتاليات على شفتي ، ووهبتموني بكرم أخلاقكم وجميل خصائلكم سويعات غاية في الإمتاع .

أسأل الله أن يتولاكم برحمته ويرزقكم من فيض خزائنه .

Read Full Post »

في إحدى التعليقات التي تلقيتها مشكورة ، ذكرت ريم أنها تفضل وجود بعض الصور بين الحين والآخر .

حسناً .. لست مصورة ماهرة ، ولكن ( يجي مني أحياناً ) .

أحب التصوير جداً ، إلا أني لا أرغب في تعلم أساسياته ومهاراته ، ربما بسبب السن ، وصراحة (ماعاد ليّ خلق ) .

أهاا ..

( على طاري السن ) عندي موضوعان الآن يمكنني أن أتحدث فيهما وأرجو أن تكفيني المساحة لذلك ( وأشك في أن تكفي 3 صفحات لذلك ، فأنا ثرثارة كما تعهدونني ) .

ختمت إجازتي الصيفية برحلة إلى مكة ..

بدأ الأمر حينما فتحت التلفاز وشاهدت الحرم ( الفاضي نسبياً ) .

هاج في قلبي الحنين إليه وتاقت نفسي لزيارته .

صحيح أني لن أتمكن من القيام بعمرة لأن الحر يتفاعل مع جسمي تفاعلاً غير محمود العواقب خاصة تحت تأثير العلاج الهرموني الذي يعطيني – أنا على الأقل – نتائج تماثل ( الحرمة القاطعة ) فيغلي جسمي أحياناً بسبب الحر ، وأشعر بقرصات في مختلف أنحائه ، فأي خشوع سأخشع في العمرة والحال ما ذكرت  .

لذا فقد تفتق الذهن عن قضاء ليلة بجوار الحرم وأستمتع بالصلاة فيه على الأقل ، وشجعني على ذلك محفظتي المتخمة بالعيديات ..

اتفقت مع مجموعة الدعم الحبيبة ( بنات إخواني ) على قضاء ليلة في فندق فيرمونت برج الساعة .

هل أقوم الآن بعمل دعاية له ؟

طيب ، لنتفق مبدئياً أنني لا أقوم بعمل أي دعاية ، ولا أتقاضى أي أجر ( ووددت لو أني فعلت)، ولكني شُجعت على الككتلة ( من كوكتيل ) في الموضوع السابق وتنويع المواضيع ، كما طُلب مني وضع صور ، لذا كانت هذه الوقفة .

انطلقنا في يوم الأحد الأخير من الإجازة إلى مكة ..

لم نحتج أن نحجز مسبقاً فموسم العمرة والحج مغلق الآن والأسعار تعتبر ( لقطة) بتسكين القاف ، وليس بفتحها !

اقتربنا من الموقع نوعاً ما فكانت هذه الصورة ، واعذروني أن كانت صوري كلها غير احترافية ، وإنما بالآيفون ، إذ لا زلت أجد حرجاً في الإمساك بآلة التصوير في وسط الشارع والتقاط الصور .

الفندق حسب ما أعتقد يتكون من 14 طابقاً في برج الساعة ..

نعم ، برج الساعة ( ما غيره ) ، الذي يضيء هلاله أثناء الأذان مذكراً إياك بالعيد ، أو قاعات الأفراح .

هذه الأدوار الأربعة عشر تعلو ستة عشر دوراً  لا أعرف ماذا تحتوي  .

فحين كانت حجرتي في الدور الرابع عشر من الفندق ، فإنها في الحقيقة كانت في الدور الثلاثين من المبنى .

الردهة ( اللوبي ) فاخرة ..

أظنها فاخرة ، لعلي لم أزر فنادق فاخرة في المملكة إلا هذا الفندق فلن أتمكن من المقارنة ، وأرجو ألا أُتهم ( بالهياط ) لأجل هذه الجملة ..

صدقوني ، أنا أتكلم معكم على طبيعتي !!

اختار لي خالد حجرة ثنائية تطل اطلالة مباشرة على الكعبة .

الحجرة لا بأس بها على الإطلاق .. السرير واسع  ووثير فعلاً .

هنا مرآة ذات إطار جميل ، وهذه السماعات تنقل لك  الأذان والصلاة من الحرم  مباشرة .

غرفة فاخرة بالفعل ، لكني لا أعرف لماذا يرون أن وضع علب المناديل في الغرفة لا يعد من ” الكوالة ” .

كلما أردت منديلاً ذهبت إلى الحمام !!

والآن .. إليكم هذا الجمال و الروعة ..

الإطلالة  !!

هذه كلفتني قرابة الخمسمئة ريال زيادة على ثمن غرف رفيقاتي ..

محفظتي تئن بلا شك .. لكن لا بأس .. في سبيل هذه الإطلالة  قد يفيدك بعض البنادول يا محفظتي الغالية .

اعذروني على عدم دقة هذه الصورة بالذات ، لكن الزجاج من الخارج كان مغبراً ..

أعتقد أنهم يجدون بعض الصعوبة في تنظيف الزجاج في الدور الثلاثين .

جلست على الأريكة أتناول قهوة مجانية صنعتها ، وأخذت أراقب الحركة في الحرم .

تخيلت نبي الله إبراهيم عليه السلام يمضي منفطر قلبه على ابنه إسماعيل الرضيع وزوجه هاجر تتشبث به وتقول : يا إبراهيم ، أين تتركنا في هذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء ، فيمضي في طريقه ولا يلتفت إليها .

حتى إذا خرج عن مكة التفت إليها ودعا :” ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقميوا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم “.

أنظر إلى الصحن الممتلىء بالطائفين والركع السجود .

في هذه الساعة من العصر ، الجو لا يزال حاراً ، والناس لا يزالون يملؤون الحرم دون اكتراث .

 قد هوت أفئدتهم إلى بيت الله الحرام قبل أبصارهم وتعلقت قلوبهم بهذا البنيان البسيط العظيم دون أن يتنبه أكثرهم أنهم يحققون دعاء إبراهيم عليه السلام .

انتقل ناظري إلى الجالسين على البسط ينتظرون الصلاة .

هززت رأسي متعجبة من فشل كثير منا في التجارة ..

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في المسند من حديث جابر : ” صلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه ” .

ويقول كما في البخاري من حديث أبي هريرة : ” ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ” .

كم من الحسنات نضيع بحسنا التجاري الخائب ؟

نعد بعضها ؟

صلاة الضحى التي تعدل صدقة عن كل مفاصل الجسم والبالغ عددها 360 .

السحور الذي يصلي الله وملائكته على فاعله .

قيام رمضان إيمانا و احتساباً ( وهذه أهديها لأبنائنا الذين قتلهم الكسل والصوارف ) .

ركعتا الفجر اللتان هما خير من الدنيا وما فيها ، والتي يقصد بهما راتبة الفجر لا الفرض ، ( وهدية أخرى لأبنائنا ) .

قول “سبحان الله وبحمده ” مئة مرة ، لا تستغرق أكثر من ثلاث دقائق ولكنها تحط الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر ..

كفاية ؟؟

هذا أفضل ..

انتهت مساحتي ..

نكمل معكم في مساحة قادمة بإذن الله لأخبركم عن إعتراف خطير ..

ابقوا معنا !

Read Full Post »

كنت قد عزمت على أن أخصص لرمضان تدوينة واحدة لأني لا أعرف ما الذي يمكنني أن أكتب فيه أكثر من ذلك ، وعندما قرأت تعليق فاطم على التدوينة السابقة ، ذكرتني برمضاناتي الفريدة مع أولادي حينما كانوا صغاراً .

كان الثلاثة الكبار يساعدونني دائماً في المطبخ – في رمضان وغيره – حينما كنت أكثر شباباً وأطول نفساً في توجيههم و الصبر على أخطائهم ..

كانوا يساعدونني في تقشير البصل ودق الثوم ، وطقطقة المفرومة ، وتنقية الرز ( في العصور التي كان الرز يأتينا مسوساً أحياناً أو به حبات سمر لا تزال بأغلفتها ) وإحضار ما يلزمني من الثلاجة أو الدولاب ، ولما كان أحدهم يعترض بأن ذلك ليس هو نوع المساعدة التي كان يتخيلها ويأملها كنت أجيب بحكمة أن الطاهي المحترف ( الشيف) لا يصبح طاهياً محترفاً في يوم وليلة ، وإنما يبدأ من الصفر : من غسل الصحون وتقشير البطاطس ويظل يترقى حتى يبدأ في الطهي الفعلي وينتهي به المطاف ليصبح ( شيفاً ) ذا خمسة نجوم ..

لا أدري من أين أتيت بهذه المعلومات ومدى صحتها ..

ربما أكون قرأتها في إحدى قصص ميكي وبطوط ..

المهم أنك يا بني تحتاج للمرور بكل هذه المراحل لتصير (شيفاً ) ممتازاً .

وأكاد أقرأ أفكارهم وهم يتسائلون بحيرة : ومن قال أني أريد أن أصبح شيفاً ؟!

قبل رمضان بعشرة أيام تقريباً أقوم في كثير من الأحيان بإعداد كميات من السمبوسك وكنزها في الفريزر تحسباً للأيام التي أكون فيها متعبة ولا أتمكن من إعدادها .

كما أني أنتهز فرصة رخص البقدونس قبل رمضان والذي يقفز سعره 300% في أول يوم من رمضان .. فالحزمة التي تباع عادة بريال ، نشتريها في رمضان بثلاثة ريالات !

فإذا كانت الليلة الثلاثين من شعبان تسمرنا أمام التلفزيون ( هذا في أيام قنوات المجد والفلك ، أما قبل ذلك فكنا نتسمر أمام المذياع ) ونضطر للاستماع إلى كل البرامج حتى يخرج لنا المذيع الذي يعلن نبأ دخول رمضان ، فيتقافز صغاري فرحين ..

سبحان الله .. حتى الصغار يحبون هذا الشهر العجيب ، ولا أظنه بسبب الشوربة و السمبوسك ، فهذه أطعمة صرنا نعدها في غير رمضان .

لابد أن لرمضان سحراً خاصاً يفتن البشر .

حينها أعد السحور التقليدي والذي عودتنا عليه أمي مذ كنا صغاراً : الاسباجيتي وصلصة البولونيز. والسر في اختيار هذه الأكلة هو سهولة إعداد الصلصة من وقت مبكر ، فلو أعلن عن رمضان فلا نحتاج إلا إلى إعداد الاسباجيتي وتسخين الصلصة للسحور ، وأما لو أكملنا شعبان ثلاثين فبإمكاننا حفظ الصلصة في الثلاجة لغد .

وفي يوم رمضان فإنا نستيقظ جميعاً عند صلاة الظهر لأداء الصلاة ثم نقرأ شيئاً من القرآن قبل العصر ..

يمكنني بمزيد من الدقة أن أقول ( أقرأ ) شيئاً من القرآن ، وذلك لأن أولادي يتجهون مباشرة إلى محاريبهم الخاصة : أجهزة الكمبيوتر والتي تنوعت في بيتنا : ابتداء بكمبيوتر ( صخر ) ومروراً بالأحدث تقنية كالننتيندو بأنواعه وانتهاء بالإكس بوكس ، في حين أظل أذكرهم بفضل قراءة القرآن في رمضان وأجره ، وأحياناً إذا ما ثارت ثائرتي أمنعهم من اللعب حتى يقرؤوا جزءاً واحداً على الأقل .

ولايزال سهل مثار تندرنا جميعاً عليه حينما اعترف لنا أنه قرأ ما بين العصر والمغرب في أحد الأيام من سورة آل عمران إلى سورة يوسف !

أفهم أن يكون المرء سريع القراءة ، لكن يقرأ في ساعتين عشرة أجزاء ، فهذا ما يسمى بالقراءة النووية .. لو كان ثمة قراءة بالفعل .

طبعاً كل ذلك في الأيام التي كنا ننعم فيها بالإجازة الصيفية ، أما إذا وافق رمضان الدوام المدرسي فيكون عذاباً بحق ، إذ كنت أستيقظ مرة قبل الفجر لأدس في أفواه أولادي التمر وأجرعهم الماء وهم يبتلعون كل ذلك آلياً وأعينهم مغمضة بشدة في محاولة يائسة للإبقاء على الأحلام التي انتزعتهم منها .

ثم أوقظهم مرة ثانية ليقوموا فعلياً للذهاب إلى المسجد لصلاة الفجر ، ثم أوقظهم مرة ثالثة في الثامنة و النصف للذهاب إلى المدرسة ، ثم أستيقظ للمرة الأخيرة في الثانية عشر لبدء اليوم .

(وعلى طاري ) إيقاظ الأطفال ، فكم أضحك من أفعال بعض من أوقظهم لأداء الصلاة ، أو للذهاب إلى الحمام قبل أن يحدث مالا تحمد عقباه..

أحدهم حينما أوقظته نظر إلي بعينين فارغتين ثم مد يده وهمهم بكلمات سريعة : أديني أديني ، وكأنه يأخذ كتاباً من شخص مجهول ثم يقلب صفحات الكتاب ، فأنبهه مرة أخرى فينظر إلي ثانية ، ليعود إلى الوسادة من جديد .

وآخر أوقظه لصلاة الفجر فيقوم ويتجه على الحمام فيجده مغلقاً فيحتار قليلاً ، ثم لا يلبث – تحت وطأة النوم – أن ييمم وجهه شطر باب الحمام ويكبر ويصلي ركعة واحدة ويقفل راجعاً إلى فراشه !

قبل صلاة العصر يبدأ الإعداد لطعام الإفطار ..

وكل يوم تقريباً أفكر بنفس السؤال : أمكث في المطبخ كل هذا الوقت لإعداد إفطارنا والذي لا يتجاوز غالباً الشوربة والسمبوسك والفول ( أو سلطة التونة ) وما يماثل وجبة غداء عادية ( رز وإيدام) لزوجي الذي تربى على هذه النوعية من الإفطار الدسم وصنف واحد فقط من الحلويات أحياناً ، فكم تقضي النساء اللاتي يقمن بإعداد نوعين أو ثلاثة من المعجنات وأنواع الحلويات ونوعين من الشوربة للإفطار ، ثم طعاماً آخر للعشاء ، ثم السحور ؟

ماذا يمكننا تسمية هذا الإهدار للوقت في رمضان ؟

أشعر أن رمضان له عند الناس جاذبية خاصة في ما يتعلق بأنواع المأكولات ، والبرامج التلفزيونية .

كل يوم رمضاني أفتح إذاعة القرآن عصراً أثناء إعداد الإفطار لأستمتع بقراءة الشيخ محمد أيوب ، والذي صار بالنسبة لي علماً على رمضان ، حتى إذا ما سمعت قراءته في أي وقت آخر تلتقي نظراتي بنظرات فاطم ويبتسم قلبانا ثم تتداعى على ذهني فوراً بقية المكونات لأصنع في خيالي يوماً رمضانياً مجيداً : رائحة الشوربة على النار ، والبقدونس المقطع ، واللحم المفروم ( وهو يتطقطق ) ، وماء الزهر في طبق الحلوى ، وهدير المكيف ، والحلق الناشف ، و الطاقة التي بدأت تخور في نهاية اليوم .

وهنا يأتي دور الذكور في المساعدة : أناديهم لتعبئة دوارق المياه ، وشيء خاص بزمزم بعد تبخيره بالمستكة ، وثالث لمشروب الفيمتو الرمضاني الشهير ، ورابع حديث أضفناه مؤخراً لتانج البرتقال كل ذلك نرصه بحرص في الفريزر الكبير ليكون مثلجاً عند الإفطار ..

وبعد ذلك يأتي دور تعبئة التمر .. أنا أحب الصقعي أو سكري عنيزة الضخم لو توفر ، وأولادي يحبون السكري ( المرقد ) فنعبئ من النوعين لإرضاء كافة الأذواق .

وبين هذا وذاك يهربون لإكمال لعبة الكمبيوتر التي ( حطوها على ستارت ) دون إتمام عملهم فأناديهم مرة ثا*نية لإعطائهم محاضرة في إتقان العمل وأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه..

في العصر الرمضاني يأتيني كل يوم الابن الصغير الذي بدأ للتو في التعود على الصيام مخبراً أنه بدأ منذ اللحظة في الصوم !!

ومنذ أن يخبرني هذا الولد بذلك إلى أن يؤذن المغرب ، يكون قد طلب مني ما لا يقل عن خمس مرات أن ( يكنسل ) صيام اليوم ويبدأ من غد ، فقط ليشرب فنجاناً من الفيمتو البارد ، أو تتناول ملعقة من مفرومة السمبوسك ، أو لأنه عطشان ، أو لأنها نسيت أن ( تتسحر ) قبل العصر !

وأظل في أخذ ورد مع هذا الصغير إلى أن يؤذن المغرب فأتنفس الصعداء أن : هذا يوم آخر انقضى.

في المساء يكون الجو الرمضاني الرهيب بسماع أصوات الأئمة في المساجد المجاورة تختلط في قراءات مختلفة في صلاة التراويح ، كثيرمنه اقراءات سريعة لا تستغرق أكثر من نصف ساعة حتى يبدؤوا بدعاء القنوت ، ويتخلل ذلك كله أصوات الألعاب النارية ( الطراطيع ) التي يبدأ موسمها في أواخر شهر شعبان ، وأصوات الأطفال وهم يتجمعون في الشارع أمام لعبة ( الفرفيرة ) التي نصبها أحدهم ليلعب أطفال الحي ومراهقوه ( وربما بعض الزائرين من الأحياء المجاورة ) مقابل مبلغ مالي بسيط ، أو أمام عربية لبيع البليلة والذرة .

رمضان هو الشهر الوحيد الذي لا أجد فيه غضاضة من إرسال ولدي الصغير الذي يبلغ العاشرة إلى البقالات المجاورة في الثانية عشر ليلاً ، إذ جميع الدكاكين مفتوحة ، وحركة الشارع مستمرة ، وكأن الوقت لا يزال الثامنة مساء .

كم من أشياء لا نجد لذتها ولا فرحتها إلا في رمضان .

يكفيني الشعور بالسلام النفسي ..

أتراه من إحساسي الشخصي بتصفيد الشياطين ؟

أم أن هناك سكينة فعلاً في رمضان ، تجعلنا نتمنى لو كانت أيامنا كلها رمضان ؟

رمضان اقترب ..

فاللهم سلمنا إلى رمضان وتسلمه منا ..

Read Full Post »

بدأ العد التنازلي لوصول شهر رمضان ..

الحبيب المرتقب ، الذي يحل علينا ونحن في أوج حاجتنا إليه ، ويرحل عنا ونحن لا نزال نتمسك به ونريده ، وهذا من أسرار مكانته العظمى في قلوبنا : التغلي !!

شوفوا ..

لن أتكلم عن روحانيات رمضان لأن ليس من منهجي إلقاء محاضرات في مدونتي ، وإنما هي خواطر وبعض الهراءات التي أجد فيها نوع من المتعة لتذكرها واستطعام طعومها في حلقي ، ولعل كثيراً منكم يشاركني هذه المتع .

اقترب شهر رمضان ، وبدأت الذكريات والخيالات  بالتزاحم عل عقلي..

هناك أشياء معينة مرتبطة برمضان لا تكاد تجدها إلا فيه .

في ذهني أنا هناك ومضات رمضانية تنتمي إلى زمن الطفولة لا أزال أذكرها بحذافيرها رغم تقادم الزمان.

تبدو في عقلي كصور بالأبيض والأسود ..

ولكن من يخالفني في أن صور الأبيض والأسود هي الأجمل على الإطلاق ، خاصة ولو كانت مقضومة الأطراف وتحمل في أركانها عبق الماضي وعبيره ، حينما كنا صغاراً .

أحب أن أقوم بعملية تنشيط الذاكرة في استجلاب مثل هذه الذكريات ، فبعد الكيماوي يُعد ذلك عملية هامة جداً .

في رمضان الطفولة كنا نستيقظ بعد الظهر بقليل لنصلي ونقرأ شيئاً من القرآن ثم نمضي فترة العصر في مشاهدة برامج الأطفال الرمضانية : جراندايزر و الدوق فليت ، شركان شركون ( الي له أربع عيون ، لخزّك ، وتقول له : ممنون ممنون ) ، و( أقشر أقيشر يبي مصباحه ، راح وتعنى لقى تفاحة ) في حين تتعالى رائحة شوربة الكويكر والتي كانت أمي قلما تصنعها إلا في رمضان ، فأصبحت معروفة عندنا باسم : شوربة رمضان .

في رمضان الطفولة كانت رائحة السمبوسك واللقيمات تطيش عقولنا قرب المغرب حين يبلغ منا الجوع والعطش مبلغه ، فنصبح بالفعل مثل ( توم القط ) حين يسيل لعابه على صدره إذا ما رأى طعاماً شهياً ..

كانت أمي تعد السمبوسك عصراً ( وللعلم فإن هناك أكلة هندية تماثلها تدعى samosa وتحشى بالخضار المفلفلة ، ولا أعلم أهي أصل السمبوسك التي نعرفها أم أنها شبيهتها فقط ) وكنت أساعدها بطريقتي الخاصة : أرص حبات السمبوسك في الصينية ، وأناولها ما تحتاجه من الأدوات ،  وآكل اللحم المفروم كلما غفلت عيناها عني !!

 وكانت أمي تحب الاستماع إلى الإذاعة أثناء إعداد وجبة الإفطار ، وكان يبث فيها في ذلك الوقت من اليوم البرنامج الاجتماعي الفكاهي ” عباس وعباسية ” فأظل أستمع له بشغف وأغفل عما تطلبه مني أمي .

وأحياناً كان أبي رحمه الله يفاجئني برحلة إلى ( البلد ) لشراء الفول ..

حسناً .. لا أريد أن أبدو مبالِغة للضرورة النثرية ، وفي الحقيقة أن هذا الأمر حدث فيما تعترف به ذاكرتي مرة واحدة فقط .

ذهبت إلى ( البلد ) وهناك كان الانبهار التام ..

روائح اللقيمات والسمبوسك تختلط مع رائحة عوادم السيارات ، الحلاوة اللوزية والحمصية الملونة معروضة بشكل يغري قلوب الأطفال الصغار على شاكلتي ، البسطات التي تبيع المأكولات الشعبية  المختلفة ، جرار الفول الساخن بالسمن البري  ، ودكاكين الشريك ..

في رمضان الطفولةكانت تعرض الفوازير التي كنت أشترك فيها سنوياً ولم أفز فيها قط ، ولا أدري هل هذا لأن حظي كان يخونني ، أو لأني لم أكن أرسل الإجابات أصلاً .

فوازير رمضان الطاهرة البريئة ، البعيدة عن الإسفاف والمجون الذي نراه في الفوازير الحديثة ..

فوازير رمضان التي تكاد تكون قمة في السذاجة إذا ما قورنت بما يُعرض الآن في ( شهر الخير ).

هل من قرائي من هو من جيل : ( شي مدور فيه حب أحمر يطلع إيه ؟ رمانة رمانة ) ؟

جيل الفساتين المنفوشة زاهية الألوان وحركات اليد التي لا تكاد تختلف في جميع الأناشيد : الأصبع الذي ينزلق طولياً على الخد ( دلالة على جمال الشيء ) ، واليد التي تنفتح يمنة أو يسرة ( دلالة على : هنا وهناك ) ، واليدان اللتان تنفتحان معاً ( للدلالة على اتساع العالم ) !!

في بيتنا كان نظام الإفطار كالتالي : تناول الماء المبخر بالمستكة و التمر فقط قبل أداء صلاة المغرب جماعة مع أبي رحمة الله عليه ، ثم مشاهدة برنامج محمد علي الطنطاوي ..

وعلى الرغم من حبي لهذا البرنامج لعفوية الشيخ المحببة إلا أن الأصوات التي كانت تصدر من بطني الصغيرة تمنع ذهني في كثير من الأحيان من متابعة ما يقول ..

وأظل أتململ وأقطع الوقت ذهاباً وإياباً إلى المطبخ للتأكد من عدد حبات السمبوسك ومقدار الشوربة وعصير قمر الدين وسلامة كؤوس الكسترد والجيلي في الثلاجة .

وفي المساء كانت أصوات الأئمة في قراءة التراويح تتعالى في الأجواء لتبث الرهبة في القلوب ، ويالها من روحانية .

لكن يغفر الله لنا ، كنا نمضي هذه الأوقات أمام جهاز الكمبيوتر ( الأتاري وقتئذ ) أو العروض السخية من البرامج الرمضانية ( المخصوصة لشهر الخير ) ..

فإذا ما حل الليل الموغل في ( الليلية والوقت المتأخر ) أصدرت أمي أوامرها بالخلود للنوم ..

طبعا كان ذلك في السن الذي كنا لا نزال ننصاع فيه للأوامر ، وأما حين راهقنا ، فقد نفضت أمي يدها عنا وصارت تتركنا لتنام هي مع الوعيد الشديد ألا نصدر أصواتاً تزعجها في نومها الخفيف ، فقط لنمضي الوقت في أشياء أكثر إثارة : المزيد من اللعب بالأتاري ، ومشاهدة المزيد من البرامج الرمضانية والتي اقتصرت في بيتنا على برامج القناة السعودية الأولى نظراً للطف الله بنا وعدم قدرتنا على استقبال القنوات المصرية التي كان يستقبلها عامة أهل جدة في ذلك الوقت بواسطة المستقبلات المقوية .

وقبل الفجر بساعة كانت أمي توقظنا لتناول طعام السحور ، والذي كان يعد بمثابة الغداء في الأيام العادية : رز وإيدام وسلطة وما إلى ذلك ..

حتى اليوم لا أعرف كيف كنا نستطيع تناول طعاماً دسماً فور الاستيقاظ من النوم .

ولكني أعتقد أن سن الطفولة والشباب يفعل الكثير من الأعاجيب .

يكفي أنه يفلح في تحسين أي ذكرى أو أكلة أو أو مناسبة .

هل لي أن أطمع في أن تكتبوا لي تعليقاتكم عن رمضان زمان بالنسبة لكم ؟

Read Full Post »

أعتذر إليكم ، أعلم أني قد تأخرت عليكم ولكن تعلمون ظروف الإجازة ، والأعذار المتكررة في مثل هذه الظروف .

كما أعلم أني ربما أكون قد ( غثيتكم) بالحديث عن نفسي وذكرياتي التي قد لا تهم أحداً ، ولكنا اتفقنا من قبل أن هذه المدونة مشتركة بيني وبينكم ، فبعضها قد لا يهمكم ألبتة ( مثل الحديث عن نفسي وذكرياتي ) إلا أنها تدخل على نفسي بعض المتعة ، وقد أتحدث عن أشياء لا تهمني كثيراً ولا تروقني ولكني أفعله لأجلكم – صدقوني J –

يكفي هذا الهراء الذي لابد منه لصنع مقدمة لا بأس بها حين تفتقر إلى مقدمات مناسبة .

هذه الحلقة الأخيرة من استجلاب الذكريات السعيدة عن مدرستي دار الحنان .

سنوات الثانوي كانت حافلة بالعديد من النشاطات التي كانت لا تكاد توجد إلا في دار الحنان في تلك الفترة من الزمان .

لا أعرف في الحقيقة عم أتحدث وماذا أدع .. لا أكاد أذكر شيئاً سيئاً في تلك الفترة ..

قد يكون هناك شيئاً سيئاً وأسقطه عقلي من الذاكرة ، لكن فيما أراه ماثلاً في ذهني فلا أكاد أذكر أي مرارة أو أسى .

وإنما أذكر أشياء كثيرة أنظر إليها الآن ، وأحللها فقط لأكتشف نعم الله عليّ .

فمثلاً ، كانت من أنشطة دار الحنان رعاية المواهب الموسيقية ، وكانت لدينا مدرسة موسيقى تجيد العزف على البيانو ( الذي كنت أعشقه ) وتجيد قراءة النوتة الموسيقية ، وحين قررت مع بعض صديقاتي إنشاد أغنية وداعية استقيناها من إحدى الأفلام الأمريكية  على أن تعزف مقطوعتها هذه المدرّسة إلا أن الفريق الغنائي الذي كان معي لم يكن متقناً جداً فألغت الإدارة هذه الفقرة لعدم الإتقان . والآن أفكر في لطف الله بي إذ صرف عني الغناء والموسيقى في وقت كنت أحبهما وأجيدهما جداً ، والله وحده يعلم لو لم يصرف عني ذلك ماكان حالي الآن ؟

هل أخبرتكم من قبل عن مكتبة المدرسة ؟

كانت لدى المدرسة مكتبة كبيرة مرتبة ومنظمة ، ومنيرة بشكل مريح ، باردة ، واسعة ، وباختصار: مبهجة . وكان يعجبني منذ سني الابتدائية أن أزورها باستمرار لاستعارة الكتب ..

كنت أجد نهمتي البالغة للقراءة في قصص الأطفال المتينة نوعاًما ..

 كنت أستعير الكتاب في الفسحة وأشرع في قراءته بين الحصص ، وفي الباص ، وبعد تناول الغداء لأعيده في اليوم الثاني مع تعجب أمينة المكتبة ، فقط لأستعير كتاباً آخر .

 أين قرأت قصة بنوكيو وروبنسون كروزو و جزيرة الكنز وكتب نجيب الكيلاني إلا في مكتبة مدرستي؟

في علية المكتبة كانت غرفة السينما ، حيث تقبع آلة عرض الأفلام وكمية من الأفلام التعليمية والوثائقية التي كنا نتفرج عليها في بعض حصص الفراغ ..

نحن نتحدث عن أحداث تمت منذ قرابة الثلاثين سنة .. في تلك الفترة كان التفرج على الأفلام في المدرسة يعد ضرباً من الترف والرفاهية ، خاصة لو كان المكان نظيفاً وبارداً ..

حتماً كان ينقصنا بعض الفيشار والمرطبات .

في السنة الأولى الثانوي كان الذهاب إلى معامل الكيمياء والفيزياء من المتع كذلك ..

الخروج من الفصل الروتيني في طابور منظم لمعمل الكيمياء حيث تحاول غالبيتنا الجلوس في المقاعد الخلفية والعلوية من مدرج المعمل ، أو بجانب النافذة حيث تقتنص نظرات الجالسة هناك الرائحات والغاديات في الفناء ، وقد تكون إحداهن صديقتها فتظل ترسم وجوهاً مضحكة لتضحكها بها فتوقعها في شراك المدرّسة .

لا أنسى التجارب المعملية التي كانت تكلفنا بها المدرّسة أحياناً ، والتفاعلات الكيميائية ، والأدخنة المتطايرة ، والتعامل مع المجاهر ( الميكروسكوب ) . حقاً كانت متع لا تنسى .

كانت سنوات الثانوي حافلة بالمسابقات ، وكنت دائماً في الفرق المشاركة ..كانت هناك المسابقات الثقافية بين الفصول والتي كانت بمثابة اختبارات لمعرفة جودة الدراسة ، إذ أنها مراجعة على جميع المناهج الدراسية ، إضافة إلى سرعة البديهة في كثير من الأسئلة .

كما كانت تقام المساجلات الشعرية ، فكنا نحفظ مئات من أبيات الشعر والتي كنت أستخرجها من الدواوين الشعرية التي اكتظت بها مكتبة والدي رحمه الله ، نكتبها في أوراق كثيرة ، ونحفظها في عدة أسابيع لتعقد المساجلات بين الفرق : حيث يأتي كل فريق ببيت يبدأ بالحرف الأخير من البيت الذي ذكره الفريق الذي قبلنا .

أستغفر الله ، كنا نقوم أحياناً بعملية غش صغيرة إذا ما ( تورطنا ) ببيت نحتاج أن يبدأ بحرف الواو أو الفاء أحياناً ، فكنا نأتي بالبيت الذي يبدأ بأي حرف ، ونضيف إليه واواً زائدة أو فاء زائدة ، (ولا من شاف ولا من دري ) .

طبعاً لم نكن نستطيع أن نقوم بهذه الحركة مع كل الأبيات ، فمثلاً لو قلت :

“و” على قدر أهل العزم تأتي العزائم    وتأتي على قدر الكرام المكارم

لانكشفت حيلتك مباشرة..لعل شمسي تحفظ هذا البيت ، فلا يمكنك بحال تغيير أي شيء فيه .

لكن لو قلت :

“و”ما جال بعدكِ لحظي في سنا القمر          إلا ذكرتكِ ذكر العين بالأثر

فمن بربك يحفظ ديوان ابن زيدون ليكتشف غشنا ؟؟

من ابن زيدون أصلاً ؟؟

في السنةالأولى ثانوي انتقلنا إلى مبنى المطار القديم نظراً لوجود ترميمات في مبنى المدرسة الذي بلغ من العمر قريباً من العشرين سنة أو يزيد وبالتأكيد كانت سنة متميزة ..

أقيمت الفواصل في إحدى مباني المطار لتكون فصولاً دراسية ، وكانت مدرسة الأحياء تشرح درساً في الفصل المجاور فيطغى صوتها على صوت مدرسة اللغة العربية في فصلنا ، فتقع النوادر والقفشات.

كنت نصطحب معنا الزلاجات إذ لا يمكن أن تجد مكاناً أنسب من أرض  مبنى المطار الناعمة والانسيابية للتهادى بالزلاجات عليها ، وكانت بعض الفتيات يستعرضن مهاراتهن في التزلج والتي اكتسبنها من سفرهن للخارج .

قاربت السنة على الانتهاء .. واقترب التخرج .

أقامت المدرسة يوما مفتوحاً ، مفاده أن تقوم من أحبت من طالبات الصف الثالث الثانوي بتقمص أدوار من تشاء من ا لمدرسات و الإداريات بعد استئذانهن .

انطلقت جرياً إلى وكيلة المدرسة الأثيرة لدي : أبلة فايزة كيال ، والتي كانت معروفة عندنا بأناقتها وقربها من قلوب الطالبات واستأذنتها في أداء دورها فوافقت .

وفي صباح ذلك اليوم ، دخلت في أول الدوام المدرسي مكتب أبلة فايزة .. وجلست على مكتبها..

جاءتني وعلمتني كيفية استخدام الهاتف ( السنترال ) وسمحت لي بفتح أدراجها والاطلاع على الأوراق الموجودة واشترطت ألا أفشي سراً وخرجت .

كان من أمتع الأيام إلى قلبي . استمتعت فعلاً بقراءة الملفات الموجودة ، والاتصال على بعض صديقاتي ممن آثرن أن يتقمصن دور المديرة أو الناظرة ..

كنت أؤدي دور أبلة أحبها وهذا يكفيني .

وكنت أحياناً أتصل على ( غرفة الخالات ) لتحضر لي إحداهن كوباً من الماء أو فنجاناً من القهوة.

للأسف لم تستمر هذه المتعة لأكثر من أربع حصص ، ورجعنا بعدها طالبات مرة أخرى .

في إحدى الأيام مررت ببعض الأبلات وهن يتحدثن ، كان منهن أبلة فايزة ، وأبلة ميسر رحمها الله ولما اقتربت سمعت إحداهن تقول بصوت منخفض : شش جاءت جاءت .

تحدثت معهن لبرهة ثم انصرفت وفي قلبي نما أمل ما ، حاولت طرده لئلا أنساق في الأحلام السعيدة .

وأخيراً حان يوم حفل التخرج . في ذلك اليوم ذهبت إلى مصففة الشعر وارتديت فستاناً أبيض أشبه ما يكون بفساتين الزفاف ، وعليها العباءة العودية والشريط والوشاح الورديين ، وكانت المسيرة على أنغام أغنية وطنية : بلادي بلادي منار الهدى .

اصطففنا على المسرح الذي أقيم في ساحة المدرسة وأدينا السلام الملكي ونشيد المدرسة ..

كنت أودع المدرسة التي قضيت فيها أجمل سنوات عمري ، والتي تعلمت فيها مهارات أجني ثمارها ونتائجها الآن :حيث تعلمت اللغة العربية السليمة ، وإلقاء الكلمات أمام الجماهير ، والتحدث باللغة الانجليزية بطلاقة ، وقراءة القرآن بأحكام التجويد الأساسية ، باختصار ، كنت أفعل كل شيء بثقة تامة ، وكلها أمور تفيدني الآن في المحاضرات الدعوية العربية والانجليزية على حد سواء ، وفي درس القرآن الأسبوعي الذي أنال به السند ..

ماذا ؟ لم أخبركم أني آخذ السند ؟

في تدوينة أخرى إن شاء الله ، ولكن دعوني أنهي هذه الآن .. أشعر أني قد أطلت فيها كثيراً .

غنينا معاً وبحزن نشيد المدرسة ، حتى وصلنا إلى مقطع مؤثر :

هنا في الحنان مشينا سوى         وسرنا معاً في رحاب الوفا
لنرفع أوطانــــــــــــــــــــنا للسما           ونسمو بها نحو فجر جديد

شعرت بالغصة  تخنقني ، ودمعت عيناي ، ولم أستطع إكمال النشيد ..

شعرت بشعور العروس السعيدة بزفافها ، ولكن مغادرة مرابع صباها حيث أجمل الذكريات لابد أنه
كان يكدر عليها شيئاً من فرحها ..

انتهت المسيرة وابتدأ الحفل الفعلي ، كلمة الخريجات التي ألقتها إحدى صديقاتي ، ثم التكريم ..

كانت ثمة فعاليات كثيرة طوال السنة الدراسية ، والآن حان وقت الحصاد .

حصدت في تلك الليلة ست شهادات تقدير ، لمشاركتي في جمعية الصحافة والإذاعة والمكتبة ..

مهلاً ، المكتبة ؟ كيف ؟

منذ أن دخلت الثانوية قلّت استعارتي للكتب من مكتبة المدرسة جداً لاعتمادي على شراء الكتب التي أود قراءتها ، لكن أمينة المكتبة أبلة مشيرة أشارت لهم بوضع اسمي ضمن المتفوقات في استعارة الكتب بناء على ما سبق .

ست مرات صعدت على خشبة المسرح لأستلم شهادات التقدير من الأميرة لولوة الفيصل .. وفي المرة الثالثة بدأت تهمس : ما شاء الله كلما رأتني .. وفي قلبي يتضخم الزهو والفرح ويتحرك لساني “ما شاء الله ” وبالحمد ..

بعد أن تم توزيع شهادات التقدير  ، استلمت درع التفوق الذهبي مكتوب عليه اسمي بمناسبة حصولي على المركز الأول على فصول الأدبي .

ولا يزال الفرح ينمو ويزهو ، حتى حُبست الأنفاس للإعلان عن الطالبة المثالية لذلك العام .

فلما تردد اسمي هاجت الساحة تصفيقاً وتصفيراً وصياحاً باسمي وأنا كالمذهولة ..

حقاً اختاروني الطالبة المثالية ؟

وهنا تداعت إلى ذهني الأحداث التي لم افهم مغزاها في وقتها : لم كانت الأبلات يسكتن إذا قدمت عليهن في اجتماعهن مع أبلة فايزة أو الناظرة أبلة هيام ، لم خبأت أبلة فايزة الكأس المكتوب عليه اسم الطالبة المثالية لما دخلت عليها أسألها عن شيء ما . لم كانت أبلة فايزة تضحك بمكر كلما سألتها أن تغششني وتخبرني عن الفائزة بلقب الطالبة المثالية .

قمت وسط صياح الجمهور واعتليت خشبة ا لمسرح ، وهنا سمعت الأميرة تقول بصوت واضح : ما شاء الله ، مبروك !!

استلمت الكأس واستدرت إلى صديقاتي والجمهور ورفعت الكأس عالياً فوق رأسي وسط الصياح والتصفير لأنال نفس فرحة رئيس الفريق الفائز بكأس الدوري .

وفي اليوم الأخير الاختبارات ، كان الأسى مخيماً على المدرسة ..

نعم ، كان هناك بعض الفرح بمناسبة التخرج والانتقال من مرحلة المدرسة على مرحلة الجامعة ، ولكن كانت هناك الغصة في الحلوق .

بعض البنات قذفن بالكتب عالياً في صراخ فرح لتسقط وتتشقق في حركة غير حضارية ألبتة .

وبعضهن طفقن يكتبن على قمصان بعضهن البعض العبارات الوداعية التذكارية ، في حين التقطت الكثير والكثير من الصور التذكارية .

مشيت مع صديقتي لنودع المدرسة ..

أقبل ذا الجدار وذا الجدار ..

تعانق عيني الفناء الواسع .. صالة الألعاب .. فصلي الذي درست فيه الثاني والثالث الثانوي .. المعامل العلمية ، غرفة الممرضة والتي كنا ننام فيها إذا ما باغتت إحدانا الدورة الشهرية ، النخلة العجوز التي تستقبلنا في مدخل المدرسة ، غرف الإداريات ..

مشيت أنظر وأتذكر ، وكأني أسمع الأصوات ، وأشم الروائح ..

خرجت من المدرسة ، ولكن المدرسة لم تخرج من قلبي ، ولا زلت أحتفظ عنها بأحلى الذكريات ، ولا زلت أكتب فيها أجمل السطور .

قد أكون أخفقت في توصيل مشاعري حرفياً إليكم ، ولكن فقط أقول : كلما شممتم رائحة  عطر جميلة ، أو اصطبحت أعينكم بمنظر طبيعي فريد ، أو غمرتكم السعادة في أوقات ما ، فاعلموا أن هذه المشاعر العذبة التي تجدونها هي ما يملأ قلبي كلما تذكرت مدرستي ..

إنها قصة حب ، سطرتها بقلبي قبل أصابعي ..

أشكركم كثيراً على صبركم عليّ وتحملكم قراءة كلمات قد لا يعنيكم شأنها في شيء .. ولكن حسبكم أنكم أتحتم لي سعادة غامرة وأنا أسطر هذه الأحرف .

أشكركم ..

Read Full Post »

حسناً يا سادة ..

دعوني أعدل من جلستي قليلاً ، أحضر كوب الماء إلى جانبي ، أمد ساقيّ المتعبتين أمامي ..

أسند ظهري وأغمض عيني وأحلق في جو الذكريات السعيدة لأعود إلى دار الحنان .

هلا بدأنا ؟

حسن ، ماذا لدي الليلة ؟

كنت قد ختمت المرة الماضية بذكر اليوم الرياضي .

في الحقيقة ، هناك أشياء لا أكاد أذكر تفاصيلها لأن ذاك عهد قديم وانقضى .. فقد أخطئ في ذكر بعض التفاصيل ولكن أعتقد أنه لا بأس بذلك .. فنحن لا نؤرخ للدولة السعودية ، أليس كذلك..

أقامت المدرسة يوماً ما يسمى باليوم الرياضي .

كانت هناك بعض المسيرات والتشكيلات بالرايات الملونة ولا أذكر فعلياً ما كان فحوى هذا اليوم..

لكن الاستعدادات التي سبقته لا تكاد تمحى من ذهني .

اتفقت المدرسة مع إدارة الاستاد الرياضي في طريق مكة والمعروف باستاد الأمير عبد الله الفيصل لإقامة اليوم الرياضي فيه .. وليومين متتاليين كنا نذهب من العصر وحتى المساء لأداء البروفات اللازمة لهذا الاحتفال .

غني عن الذكر أن الاستاد كان فارغاً تماماً إلا منا .

كان بارداً واسعاً لم تنله يد البلى والأنوار الكاشفة في كل مكان .

كان مثيراً بحق ، إذ أن هذه المرة الأولى التي ندخل فيها إلى مكان رياضي مرتب كهذا ..

حجرات تغيير الملابس ، المغتسلات ذات الفواصل و ( الأدشاش ) القوية .

الأرضية الناعمة التي تسمح لنا بممارسة التزلج عليها بسهولة ونعومة .

و لاداعي أن أذكر أن وجبات الغداء والتي كانت تتكفل بها المدرسة لكامل الفريق كانت من ..

نعم .. البروست !!

وفي يوم الحفل كان علي أن أرتدي إلى جانب اللباس الرياضي المقرر : قفازات بيضاء ( كتلك التي يرتديها رجال الشرطاة الملكية البريطانية ) ، وحذاء رياضيا أبيض .. ذلك الخاص براقصي الباليه ، والذي كنا نشتريه من محلات الفالح للرياضة .

لكني لا أعرف كيف ، نسيت حذائي ولم أكتشف ذلك إلا بعد أن قارب الحفل على البدء وقد خرجت أمي من بيتها ، ولم تكن الجوالات قد اخترعت بعد ..

فكان علي أن أؤدي الاستعراض مرتدية شرابي الأبيض فقط ، داعية الله أن لايلحظ الجمهور أني الوحيدة بين الطالبات من كانت ترتدي شراباً وليس حذاء !

وكالعادة ، فإن ( من على رأسه بطحة ، يحسس عليها ) . كنت أشعر أن كل الأنظار اجتمعت لتنظر إلى قدمي ، وأن تلك الأم التي كانت تضحك في الصف العاشر إنما كانت تضحك سخرية مني لأني أؤدي استعراضي بالشراب لا بالحذاء .

لم تفلح محاولات أمي في إقناعي أن الناس لن ينتبهوا إليّ بالذات من بين خمسين طالبة كانت تشاركني  الاستعراض ، ولكن لم تكن بيدي حيلة .. فصرت أؤدي دوري وأنا بكامل ( فشالتي ) .

والآن ، كلما يخبرني أحد أولادي أنه لن يستطيع تأدية صلاة الفجر في المسجد لأن ثوبه مبقع قليلاً أو ( مكرمش ) أبدأ في إعطائه المحاضرة إياها : أن الناس ( يا دوب ) يفتحون أعينهم في هذا الوقت فلن يهتموا بمراقبة فلان الفلاني كيف هو ثوبه .. ولكنه لايقتنع ويظل متبرماً متسخطاً إلى أن ألزمه إلزاماً بالذهاب إلى المسجد ، وصوت ما يهتف في ذهني : ألا يذكرك بنفسك في تلك الحادثة؟ فأتنهد وأقول وقد جف ريقي من مهاترته :  الله يرحم أمهاتنا ويجزيهن عنا خيراً .

حصص النشاط كانت مثيرة عندنا . كان علينا  أن نختار من عدة ( جمعيات ) لننضم إليها ..

حاولت معي مدرسة الانجليزي أن أنخرط معهن في جمعية ( الباسكت ) أو كرة السلة طمعاً في طولي، ولكني لم أحب هذه اللعبة أبداً ، وأعدّ نفسي من أفشل خلق الله في إصابة الأهداف ، فكنت أرفض على الدوام كل محاولاتها .

كنت دائماً أعتقد أن المدرسة المكان المثالي للطلاب لتنمية المهارات الفردية . لذا فقد اخترت جمعية الصحافة .

كنت دائماً أطمح لأن أكون صحفية .

ولعل إصابتي بالسرطان كانت إحدى ثمار هذا الطموح ، إذ أني اطلعت مرة على تحقيق صحفي لرجل أصيب بسرطان في وجهه وأجريت له عمليات عدة حتى عوفي وشفي . فدعوت الله – بكل حماس المراهقة التي كانت تعتمل فيّ ( وغبائها كذلك ) – أن أصاب بالسرطان وأشفى منه لأكتب عنه !

وها أنا الآن ، أصبت بالسرطان ، وكتبت عنه في كتاب لعله يولد قريباً بإذن الله ، وأسأل الله أن يتمم دعائي ويكتب لي الشفاء التام .

في جمعية الصحافة مارست أشياء لم أفكر أن أمارسها أبداً . تعلمت الكتابة بالآلة الكاتبة ، وكنا نكتب المقالات لمجلة  المدرسة ، ونجري اللقاءات الصحفية مع بعض المدرسات ، ثم أطبعها على الآلة الكاتبة ، ونصف الورق ، ونقطعه بالقطاعة الضخمة – والتي لم أفلح يوماً في عملي بها .

وفي معرض الكتاب السنوي كنا نبيع هذه المجلة للزائرات ، والآن أستحضر تلك اللحظات ولا أعرف لماذا أتذكر في الوقت ذاته باعة اللبان والمناشف قريباً من المراكز التجارية.

في إحدى الأيام جاءتني أبلة رابحة النقادي إحدى إدرايات المدرسة وطلبت مني أن أحضر للمدرسة عصراً للتعليق على عرض الأزياء الشعبية والذي ستقيمه المدرسة لمجموعة من النساء الغربيات .

حضرت عصراً بالتأكيد ، واطلعت على الملبوسات والمجوهرات الشعبية التي تقلدتها مجموعة من الطالبات من بعض البيوتات الكبيرة المعروفة في جدة والمدينة .

ثم كان التعليق .. حاولت استحضار كل الكلمات المناسبة لوصف الأزياء والمجوهرات ، والعارضات أحياناً إذا ما خانتني الأفكار ..

لماذا تخونني الأفكار ؟ لأن التعليق كان باللغة الانجليزية ، والخطأ أمام هذا الكم من النساء الأوروبيات والأمريكيات ، لم يكن شيئاً مشرفاً بالتأكيد .. ولكن الحمد لله ، مرت تلك الليلة بسلام.

لا شك أن هذه النشاطات المسائية في المدرسة كانت مثيرة وممتعة لأقصى حد ، إذ فيها كم كبير من الإثارة والخروج عن رتابة وروتين البيت .

وعلى الرغم من موافقة أمي شبة الدائمة على اشتراكي في كل النشاطات إلا أنها رفضت وبشكل قاطع انضمامي للزهرات ( الكشافة ) .

وحتى اليوم لا أعرف سبب هذا الرفض .

أحاول أن أقلب ذلك في ذهني فلا أجد سبباً ظاهراً لذلك .

كنت أفعل في النشاطات المسائية ما كنت سأفعله لو كنت في فرقة الزهرات ، من تأخر في الرجوع إلى البيت مساء ، والقيام بزيارات مدرسية إلى مدراس أخرى ، فلم كانت ترفض الزهرات بالذات؟ هذا ماينبغي لي أن أسألها عنه في لقائي بها في المرة القادمة .. إن لم أنس، وإن هي تذكرت .

كان لباسهن يبهرني .. الطاقية العودية اللون تقبع بدلال على جانب الرأس ، تتوسطها شارة الكشافة .. التحية العسكرية ، و ( الصفقة ) المميزة والتي كانت بمثابة ( صيحة ) من صيحات الكشافة.

عالم ممتع مثير لا أعرف عنه شيئاً ..

ولكني لا زلت أظن أن أقدار الله خير .. ومادام الله تعالى قد صرفه عني ، فلا بد أن له حكمة في ذلك .

هل لي أن أختم حلقة اليوم من الذكريات ؟

قبل أن أودعكم أردت أن أخبركم بخاطرة خطرت لي بعد كتابة التدوينة السابقة عن أبلة ميسر .

أخبرتكم أني دهشت وذهلت ووجمت بعد سماعي بالخبر ..

تعلمون لماذا ؟

جلست قبل أيام أحلل سبب مشاعري تلك ..

أنا لا أعرف أبلة ميسر إلا وقد تجاوزت الثلاثين من عمرها .. حينها كنت أنا في السابعة عشر .

ثم توقف بي الزمن وتجمدت تلك الذكريات حتى سمعت نبأ وفاتها بعد 27 سنة من تركي لها .

وجومي ذلك كان لأني تعجبت من وفاتها وهي بتلك السن الصغيرة ..

ولما أفقت ، بعملية حسابية صغيرة انتبهت إلى أنها لم تكن صغيرة جداً لما توفيت ..

كانت قد جاوزت الستين على الأقل .

وهنا كان وجومي الثاني ..

أنا بالذات يتوقف الزمن عندي في مرحلة الشباب ، لذا أجد نفسي دائماً أنادي بعض النساء ممن يبدو عليهن آثار الزمن أناديهن : يا خالة .

ثم أتنبه إلى أنني خالة كذلك ، وأن المرأة التي ( خلخلتها ) لا تكبرني في الحقيقة بأكثر من عشر سنوات .

هممم .. هذا ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القدى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه !

أفلح بأن أرى الخطوط الدقيقة على جانبي العينين والفم لتلك ( الخالة ) المسكينة ، وأنسى خصلة الشعر البيضاء السميكة في مفرق رأسي ..

عندما سمعت بخبر وفاة أبلة ميسر ، كأني تخيلتها صغيرة ، لأني تخيلت نفسي صغيرة ..

فلما حسبت عمرها تعجبت من مرور الزمن علينا ونحن غافلون .

وأتساءل .. ترى ، هل سيمضي وقت كالذي مضى لأفيق بعد ثلاثين سنة وأنا في الخامسة والسبعين ، وأبنائي الكبار في الخمسين ؟

اسمعوا ..

كأني أصبت بصدمة نوعاً ما .. أعتقد أن من الأفضل لي أن أختم التدوينة ..

أفضّل أن تكون تدوينتي مرحة ومليئة بالذكريات العذبة ، وما أقوله الآن لا يخدم قضيتي .

إلى لقاء قريب بإذن الله مع التدوينة الأخيرة – مبدئياً – ، وأعدكم إن شاء الله أنها ستكون جميلة .

لا لأني مغرورة بكتاباتي والعياذ بالله ، ولكن لأن الكاتب حينما يصف امرأة رائعة الحسن فلن يصفها إلا بحسنها .

ودار الحنان ، في تلك الفترة لاشك أنها كانت غادة  المدرسات وواسطة العقد .

Read Full Post »

فتحت الفيس بوك قبل قليل لأجد تحديثاً لصفحة مدرستي دار الحنان والتي اشتركت بها مؤخراً . فتحتها وكلي لهفة أن أجد شيئاً عن إحدى صديقات العهد القديم ، فكان أن وجدت نعياً لإحدى مدرساتي الحبيبات في الثانوي : أبلة ميسّر البواب مدرسة التاريخ .

وجمت لفترة لا بأس بها .

ظللت أرمق الصفحة ببلاهة ، في حين تداعت عليّ الذكريات .

أبلة ميسّر ..

من بقايا الماضي السعيد ..

كانت أبلة متميزة بالفعل ..

 لا يزال صوتها يرن في أذني في بداية كل حصة : طلعوا (الكلاسير) ، والذي عرفنا في النهاية أنه الملف ( ذي الطق طق ) والذي يأتي غالباً مع أوراق بثقبين في الجانب ، كانت تجري لنا اختباراً سريعاً تضيف درجاته لأعمال السنة  ، وتطلب منا الاحتفاظ بأوراق الاختبارات في ( الكلاسير ) بعد تصحيحها .

رحم الله أبلة ميسّر .

ما أذكرها إلا حريصة على فائدة الطالبات ، ودليل ذلك تلك الاختبارات التي سبقت المدرسات بها ، كما أنها كانت فعلاً تحترم عقلياتنا كفتيات مراهقات وتكثر من الحديث معنا خارج الحصص ، فكان أن نشأت بيننا وبينها علاقة حب امتدت للمدرسة ذاتها .

رحم الله أبلة ميسّر!

أجبرتني أخيراً  أن أجلس لأستعيد ذكريات ذلك الزمان البهيج .

كأني أرى المدرسة الآن ..

 تخيلوا معي ..

سأصف لكم القسم المتوسط والثانوي فقط .

ساحة كبيرة جداً ، يمكن لثلاث باصات من النوع الأصفر الكبير أن تصطف فيه مع باصين صغيرين كباصات خط البلدة ، ولكن أنظف بالتأكيد  وأجود تكييفاً .

كانت تقام في هذه الساحة مباريات الكرة الطائرة  في دوري بين الصفوف ..

كأني أسمع الآن هدير الطالبات وهن يشجعن الفصلين المتباريين بالتصفيق أو ( بالتخبيط ) على باب صالة الألعاب  ، حتى تلتهب الأيادي وتحمر في نهاية المباراة : ” بالطول بالعرض الأدبي يهز الأرض ” ( فصلنا ) ، أو : ” آه يا علمي يا أبهة ، إيه العظمة دي كلها “( فصل منى باسليم )  ، فإذا ما أحرزت إحدى اللاعبات هدفاً ( جيداً ) كانت المشجعات يهتفن : وحدة وحدة وحدة ، ( فلانة ) أحسن وحدة!

حتى إذا ما انتهت المباراة كانت رئيسة الفريق تُحمل على الأعناق فعلاً ( يا لتأثرنا بمباريات كرة القدم ) ومع ذلك كان جو الود بين الفريقين طاغياً واضحاً .

أما صالة الألعاب فهذه حكاية أخرى ..

كانت صالة الألعاب صالة واسعة وتستخدم لجميع الأغراض التي يمكنك تخيلها ، فهي أحياناً قاعة اختبارات تسع طالبات صف دراسي بكامل شعبه أو أكثر ( خاصة إذا ما علمنا أن عدد الطالبات في الفصل لم يكن ليزيد عن عشرين طالبة ) ، وأحياناً تكون معرضاً أيام البازار ، وقد تقام فيه حفل عيد ميلاد مفاجئة لإحدى الطالبات ( التي أول حرف من اسمها : هناء ! ) ، وهي في الأصل  كاسمها : صالة ألعاب ..

 هذا جدار كامل تغطيه المرايا الكبيرة ، وهنا مجموعة من الدواليب حشيت بمجموعة من الكرات الخاصة بلعبة الكرة الطائرة وكرة السلة والبسط الرياضية وأرواب التخرج ومجموعة من الثياب التي تصلح  للمسرحيات ، وفي  هذا الجانب جهاز المتوازي الذي تقام عليه بعض حركات الجمباز ، وعلى جانبي الصالة علقت سلتي كرة السلة عالياً .

لا أنسى أن إلى جانب مدخل الصالة كان ثمة درج يوصل إلى مكان ما لا أذكره ، ربما السطح وربما حجرة ما .. كان يحلو لي وصديقاتي الاختباء أحياناً تحت هذا الدرج في الأيام الأخيرة من السنة ، حين تكثر الاستعدادات لحفلة التخرج  ويكثر خروجنا من الحصص للسبب ذاته ، فنختبئ بعيداً عن أنظار الإداريات ونلعب لعبة ( الأونو ) التي بدأت في الانتشار في تلك الفترة .

بعض البنات ( الخطيرات ) كن أكثر (كوالة ) ، فكن يلعبن البلوت والطرنيب ، أما أنا فلم أكن لأتقن هاتين اللعبتين أبداً ، ولعل هذا من رحمة الله بي .

كان لدار الحنان نشاطات رائعة .. لا أزال أجد طعمها الحلو في فمي .

كان هناك البازار أو السوق الخيري.

يوم كامل من المتعة والسرور حتى الساعة الحادية عشر ليلاً .

تنتشر في أرجاء المدرسة العديد من الفعاليات : صد سمكة ولك هدية ، ارم الكرة على مجموعة القوارير ولك جائزة ، ضع ذيل الحمار وأنت معصوب العينين وتكسب شيئاً ، التلوين على الوجوه، و صنع الأشغال الفنية والألعاب الحركية مقابل مبالغ مالية بسيطة .

ورائحة الفشار والبرجر والبطاطس المقلية تنتشر في الجو وتسيل اللعاب ، والإذاعة تصدح بالإعلانات عن الفعاليات المقامة هنا وهناك ، وعن البضائع المعروضة في صالة الألعاب والتي ساهم في صنع العديد منها الطالبات في حصص التدبير المنزلي والأشغال الفنية والرسم .

أذكر أن شركة ألبان السعودية قدمت في إحدى السنوات تبرعاً للمدرسة متمثلاً بسيارة أيسكريم السعودية ، حيث وقفت في الساحة الجانبية عربة بها ثلاجات الأيسكريم ، وفيها شباكان كبيران كمنفذين للبيع .

واخترت مع صديقتين للبيع في هذه السيارة ، فاتفقنا على زي معين وصنعنا قبعات كرتونية رسمنا عليها شعار حليب السعودية لنشبه البائعين في مطاعم الوجبات السريعة قدر الإمكان .

كان العمل متعباً بعض الشيء خاصة في ظل انعدام ثقافة الطابور المنظم والهدوء أثناء الشراء ، وإنما هو التزاحم على الشباكين لترى الأيادي الممتدة إليك ببعض الريالات ، والأصوات تتقاذف من هنا وهناك: 3 فانيلا .. واحد شوكولاتة .. أبلة أبلة فيه فراولة ؟ ( أنا أبلة ؟ )

ويبلغ الأسى مبلغه حينما تقذف لك إحدى  المشتريات في هذه الزحمة بورقة من فئة المئة ريال وتطلب ( اثنين ايسكريم ) … بريالين .. وتريد الفكة ..تقضي بعض الوقت في إخراج الفكة من العلبة  ، أو تضطر للخروج من العربية إلى إحدى الأركان الترفيهية وتطلب فكة ، ثم تعود إلى مكانك وتبدأ المهمة الشاقة في البحث عن صاحبة المال في خضم هذا البحر المتلاطم من الأطفال الذين يبدون كأنهم لم يشتروا أيسكريما من قبل .

وفي نهاية الليل كان نوماً لا أحلام فيه لشدة التعب الذي أصابني من الوقوف المتواصل لسبع ساعات مستمرة ، إلا أن الإثارة كانت تملأ قلبي ، وكنت كلما أغمضت عيني أرى تفاصيل هذا اليوم تعاد كرة وأخرى في ناظري المغمض  فتعلو شفتي ابتسامة حبور .

وكان هناك معرض الكتاب السنوي ..

كل فصل يختار مادة ما يؤلف فيها بحثاً ، شخصية علمية أو أدبية ، أو بلد ما .

أذكر أن شخصيتنا المختارة في الصف الثالث  الثانوي كانت الدكتور الشاعر غازي القصيبي رحمه الله .

كنا نجمع كل ما يقع في أيدينا عنه : أخبار ، أشعار ، كتابات ، وتبرعت أنا بطباعة البحث . فكنت أطبعه على آلة كاتبة اشتراها أخي لي خصيصاً في زمن كانت الآلات الكاتبة كأجهزة الكمبيوتر الآن ، و كان الكمبيوتر عند الناس مقتصراً على الأتاري ولعبة الباك مان !

هل جربت الطباعة على الآلة الكاتبة ؟

لا شك أن الطباعة بالكمبيوتر يعد ترفاً هائلاً مقارنة بالطباعة على الآلة الكاتبة .

هل تتخيل أنك حينما تخطئ في كلمة فإنك تضطر إلى طمسها بالطامس ( كنا نسميه ليكويد ) ، وتعيد كتابة الكلمة عليها ..

فإذا غلطت في سطرين في وسط الصفحة ، فمن الأفضل لك أن ترمي الورقة بأكملها في سلة المهملات وتعاود الكتابة .

وبعد ذلك كنا ندفع بالبحث إلى مكتبة ما لتقوم بتصوير أوراق البحث على مئة نسخة أو مئتين ، ثم نحتل حجرة فارغة ، غالباً غرفة التدبير المنزلي ونصفّ الأوراق على الطاولات الكبيرة لتقوم مجموعة من الطالبات ( ستة تقريباً )  بتجميع البحث . 

غني عن الذكر أن هذه اللحظات كانت من أمتع الأوقات ..

كنا نستأذن من الأبلة لحصتين أو ثلاث أو أربع أحياناً لننهي البحث ، وكانت دائماً توافق لأن المستأذنات هن غالباً من المتفوقات .

نخرج من الفصل وعلى وجوهنا سيماء الجد والحزم ، فنحن في طريقنا لأداء عمل مهم وهادف ، حتى إذا ما غبنا عن أنظار الأبلة انطلقنا نجري ونضحك بهجة وإثارة إلى أربع حصص من الضحك والوناسة تنتظرنا تحت مسمى العمل .

أحياناً تكون ( مربية الفصل ) ذات تفكير خلاق ومبدع ، فتقوم مع طالباتها بابتكار مجسمات تنتمي إلى موضوع بحثها فيزداد بها قوة وجمالاً ، وقد تطلب مني مدرسة هذا الفصل أو ذاك مساعدتها في كتابة أو ترتيب ، أو تعليق شيء ( بسبب طولي ) ، فتنتفخ أوداجي زهواً  وأشعر فعلاً بالأهمية ، مع أني لا أعدو في الحقيقة أن أكون سلماً بشرياً !

ولعل أكثر ما يحدث في هذه الأيام إثارة أننا نضطر إلى التأخر في اليومين الأخيرين قبل إقامة المعرض لنعود إلى بيوتنا في التاسعة مساء .

كنا نتناول غداءنا في الساحة والذي غالباً ما يكون ( البروست ) والمعروف الآن باسم ( بروست البيك ) ، ولكنه وقتها كان “بروست ” و (بس ) !

ويالبهجة تلك الأوقات ونحن نتضاحك مع صديقاتنا في متعة طعامية مدهشة مكونة من الرباعي الرائع : بروست ، وبطاطس ، وثوم ، وبيبسي !

حتى إذا كان اليوم الموعود ، ما كان ينقصنا فعلاً إلا الألعاب النارية .

أذكر أني كنت أدور بنسخ بحثي ومجلة المدرسة التي كان يحررها طالبات المدرسة المتفوقات أدبياً ، وأعرضها للبيع كما يفعل باعة الجرائد في الأفلام المصرية .

هل يتسع المقام لذكر اليوم الرياضي ؟

قاربت على إنهاء خمس صفحات ، وأخشى أن أنساق في ذكر هذه الفعالية المثيرة لأنهي تدوينتي في ست أوسبع صفحات ..

وتعلمون جميعاً رغبتي الجادة في تقليص عدد الصفحات لأني لا أعتقد أن الكثير منكم يرغب في قضاء نصف يومه يقرأ تدوينة هناء .

لذا لنرجئ ذكر اليوم الرياضي للتدوينة القادمة ..

وأعدكم أن تدوينتي التالية ستكون بنفس جمال هذه التدوينة ..

طبعاً سأتغابى وأفترض أن هذه التدوينة جميلة.

هي جميلة بالفعل ، وذلك لأني أكتبها وانا أغلق عيني بين الفينة والأخرى لأستدعي الذكريات ..

أحاول أن أشم رائحة الفشار والبرجر والبروست .

أحاول أن أعيش جو الأنس مع صديقات غابت عني شخوصهن ، ولم تغب صورهن وضحكاتهن.

كتبت هذه التدوينة وأنا في عالم وردي جميل ما فيه إلا الأيام السعيدة ..

أفلا تكون التدوينة بعد ذلك جميلة ؟

انتظروني  في التدوينة التالية ..

وأرجوكم .. من باب المجاملة فقط .. اكتبوا تعليقاتكم وذكرياتكم ..

أحب أن أرى منكم تفاعلاً فأتشجع في كتابة المزيد .

اكتبوا لي عن مدارسكم وصديقاتكم ونشاطاتكم ..

وإن كنت واثقة أنكم لن تكتبوا عن مدرسة كدار الحنان !

Read Full Post »

وأخيراً ..

بعد عمل متواصل دؤوب استمر قرابة التسعة أسابيع سأنهي اختباراتي اليوم .

أشعر بشعور متسلق الجبال حينما يصل إلى القمة وينظر بشموخ من علٍ إلى البلدة الغافية في سفح الجبل ، ويعلن انتصاره على الجبل .

لا أعرف متى تسلقت الجبل لأعرف هذا الشعور ، ولكني أتوقع .

إنه شعور الإنجاز .

أنا اليوم أعلن انتصاري على الدراسة .

صحيح أني لم أستلم نتائجي بعد .

ولكن أتوقع بمشيئة الله أنها ستكون سارة .

إليكم انطباعاتي عن هذا الفصل في وقفات :

 الوقفة الأولى : كانت غلطتي الكبرى أني بدأت متأخرة جداً ، تماماً كالأرنب الذي يسابق السلحفاة ، وقد ذكرت ذلك في أول تدوينة لي عن الدراسة .

قضيت الشهرين الأولين منذ بداية الفصل في لعب ولهو ، فأنا بعيدة العهد عن الدراسة الجامعية .

حتى إذا ما انتصف الفصل بدأت الدراسة الفعلية ، ويا لهول ما وجدت .

سبع مواد مختلفة الأحجام تنتظرني هازئة ، أن أرينا ماذا ستفعلين الآن ؟

كنت أستيقظ يومياً في العاشرة لأستدرك ما فاتني ، فأسمع المحاضرات المسجلة وألخص ، وأحضر اللقاءات الحية اليومية .

تركت المتع المبهجة التي تمتعني : القراءة ، التصوير ، متابعة برامجي المفضلة ، وتقلص عملي في المنتدى والمحاضرات الدعوية ، وانحصرت متعتي في اللقاء بكم مرتين أسبوعياً قدر الإمكان .

وفي الأسبوع الأخير الذي سبق الاختبارات زاد العمل حتى أني كنت أستيقظ من بعد الفجر وأذاكر حتى السابعة صباحاً ثم أنام ، لأعاود العمل في التاسعة والنصف .

أعتقد أني اكتسبت عادة جيدة كنت أتوق منذ زمن بعيد إلى اكتسابها وهي عادة التبكير .

قبل الدراسة كنت أستيقظ في الحادية عشر ظهرا أو بعد ذلك بقليل ، ,أظل أتمرغ في كسلي طوال اليوم ، حتى إذا ما هبط الظلام ظللت أندب يومي الضائع وأني لم أستغله بما يكفي .

الآن ، أشعر بالمتعة والحبور . أستيقظ مبكرة ، أتفرج على بعض البرامج ، أتفقد منتداي وأحكي شمسي حكاية ، ثم أبدأ دراستي ، ولا زالت الساعة العاشرة والنصف .

أرجو فقط أن تستمر معي هذه العادة خاصة مع قدوم الإجازة الصيفية .

الوقفة الثانية : كنت أقرأ دائماً أن أعضاء الجسم تكتسب قوتها من تمرينها ، فكلما مرنت العضو على أداء عمله الذي خلقه الله له قوي وصقل . ومن ذلك التمارين الهوائية cardio التي تنفع القلب جداً بحملها إياه على العمل بقوة لضخ الدم .

لا ينفع القلب أبداً الجلوس بدعة واسترخاء ، بل إن ذلك قد يؤدي إلى تصلب الشرايين وحدوث الجلطات ، ولكن ما يفيده هو الحركة الكثيرة والمجهدة (باعتدال)  .

وكذا الذهن .. بعد العلاج الكيماوي ، شعرت أن تروس عقلي قد علاها بعض الصدأ .

صار تفكير بطيئاً ، وقل تركيزي جداً ، حتى أني لو لم أنطق بما في ذهني خلال خمس ثوان من تفكيري فيه لضاع فوراً ، ولا تسل عما حفظته من القرآن كيف اختفى في مكان ما من أدراج الذاكرة ، ربما تحت قميص أو جورب في أحد الأركان .

ما كنت أعتقد أبداً أنه سيكون باستطاعتي استعادة قدراتي الدراسية القديمة .

ولأني طالبة علم قديمة فقد كانت الدراسة الشرعية الجامعية ولمدة 9 أسابيع مصدر سعادة واستمتاع لا كما كان البعض يشعر بأنها ( شهادة و السلام ) .

كنت أستمتع للغاية بشعور الإنجاز حينما أنهي تلخيص مسألة من عشرين صفحة في ورقتين ، أو أستظهر بعض الفقرات فأجدها لا زالت في مكانها بعد أسبوعين أو أكثر من استظهارها .

بدأت أشعر بشعور الرياضي ذي البطن المتهدلة وهو يرى عضلات بطنه تزداد صلابة وانكماشاً بزيادة التمارين ( هذا شعور أزعم أني أعرفه جيداً لا كشعور متسلق الجبال ) .

كنت أشعر بالحياة تدب من جديد إلى عقلي ، وأن تروسه بدأت تدور بسلاسة أكبر ، وأن الصدأ آخذ بالانجلاء .

أقول لكم بثقة : جميل هو الإحساس بالإنجاز ..

الإحساس باستعادة النشاط بعد الإغماء ..

الإحساس أنك حي ، وتؤدي دوراً  مفيداً في هذه الحياة .

وأقول لمن تقرأ  عيناه كلماتي من وراء شاشته ، وقلبه من وراء يأسه واستسلامه : لا تستسلم !

فإن كنتُ قد نجحت بفضل الله ، فبإمكانك أن تنجح أنت كذلك .

فقط اكسر حاجز الرهبة وأقدم ، قد تتعثر في أول الطريق عدة مرات ، ولكن من يتهيب صعود الجبال يظل أبداً بين الحفر ..

ولا شك أن الجو في جبال أبها أجمل بكثير منه في منخفضات تهامة .

الوقفة الثالثة : حسبي الله على المعتزلة وأهل الكلام ، فإنهم ما دسوا أنوفهم العريضة في شيء إلا أحالوه جحيماً .

عانيت بشدة من هذه الفرق الضالة التي تظلم  النهار وتغطي عين الشمس بباطلها وفلسفتها ، وذلك في علمي العقيدة وأصول الفقه .

العقيدة ؟؟؟

هل هناك أسهل من أن تكون مادة العقيدة تتحدث عن حق الله علينا من العبادة والانقياد والتوحيد ، ومعرفة أسمائه وصفاته وجماله وكماله ، وما أعد لعباده المؤمنين من الكرامة في دار الخلد ، وما أعد للأشقياء من الهوان والخزي ..

عالم جميل من رقة القلب ودمع العين خشية لله وحباً ورجاء وتعظيما ً .

فإذا بأهل الكلام ينقطون العلقم في الشراب السائغ ليكون مراً صبراً .

إليكم بعض هذه المسائل العربية كتابة ، الهيروغليفية معنى ( وكانت مهمتنا فهم هذه الهيروغليفية وترجمتها إلى العربية في أذهاننا ) :

  • مسألة التسلسل : فيقولون أن التسلسل في صفات الله ممتنع في الماضي وفي المستقبل لا يمتنع، وأما الجهمية والمعتزلة – قاتلهم الله-  فمنعوا تسلسل صفاته تعالى في الماضي والمستقبل . أرأيتم المصيبة العظمى والفرية الكبرى ؟

  • تعريف المعتزلة للعلة ( أصول فقه ) : العلة هي المؤثر في الحكم بذاته وهذا التعريف هو بناءً على ما ذهبوا إليه من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين . فالعلة عندهم : ما أثرت في الحكم وأوجبته لا محالة، فإن ذلك عندهم من قبيل الاستلزام العقلي بحيث لا يتصور انفكاك المعلول عن علته !!

  • من معاني التركيب : التركيب من الهيولي والصورة ، كالخاتم مثلاً : هيولاه الفضة ، وصورته معروفة ( ما عرفوا يقولوا ” عنصر ” مثلاً ؟) ، وأهل الكلام قالوا : الجسم يكون مركباً من الجواهر المفردة!! إذاً ، كلما أعوزتك الحاجة فاعمد إلى سن أو ظفر فانزعه وبعه فأنت غالي الثمن وأنت لا تدري !!

  • قال أحدهم عند موته : ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح !

أي ممكن وأي مرجح لا بارك الله فيك !

لذلك قيل أن العلم قليل ولكن الكلام كثير .

العلم الحق سهل سائغ مريء ، إلا أن صاحب الكلام فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر وجاء لنا بالعجائب في صفات الله الجميلة الحسنى ليجعله – تعالى عن إفكه – علواً كبيراً : ” جسماً ” عاجزاً عن الكلام ، وإذا أراد شيئاً فإنه يقوله في نفسه فيفهمه جبريل عليه السلام فيتكلم به ، فقاتلهم الله كيف جوزوا الكلام لجبريل ومنعوه عن الله بأقيستهم وخيالاتهم الفاسدة .

والكلام في هذا يطول ، وحسبي أني أوردت لكم بعض الغثاء الذي كنت ( أتصبح وأتمسى  به للأسابيع التسعة الماضية ) نرد على هؤلاء المرضى بدلاً من الاسترواح بنسيم العلم الحق والتقلب في معاني التوحيد والأسماء والصفات ، ولكنهم أفسدوا علينا ديننا وعقائدنا ، أفسد الله عليهم هناءة رقادهم في قبورهم .

الوقفة الأخيرة : كانت لي بعض التأملات في مادة التفسير ، ومع تحفظي الشديد للأسئلة (#@%$ ) التي أتى بها أستاذها ، إلا ان ذلك لا يمنع أن هذه المادة كانت مثار تأملات ووقفات عديدة .

خذ مثلاً ما أوردته في تدوينة سابقة عن تحقيق الأمنيات ..

حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب نظره في السماء ينتظر أن يأمره الله بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وكان يعجبه أن يصلي إلى الكعبة .

ولبث بضعة عشرة شهراً  يصلي إلى بت المقدس ، فلما نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة ، كيف عساها أن تكون فرحته ؟

العجيب في الأمر شدة استجابة الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يبلغهم بنفسه . فقد صح أن جماعة منهم كانوا يصلون صلاة الفجر في حيهم ( وذكر في سنن أبي داود أنهم كانوا في قباء )  فمر عليهم أحد الصحابة من بني سلمة وهم ركوع وصاح فيهم مرتين: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ، فيمموا وجوههم مباشرة إلى الكعبة وهو ركوع ..

مهلاً مهلاً ..

هذه وقفة لاينبغي أن تمر بسهولة .

أرأيتم شدة الاستجابة ؟

أمر تحويل القبلة أمر شاق على النفوس .. تخيل ! هم يصلون إلى بيت المقدس مذ قدموا إلى المدينة .. بضعة عشرة شهراً يصلون إلى جهة معينة ، مع ما كانت تعنيه الصلاة لذلك الجيل الذهبي ( وتلك شأنها تدوينة أخرى ) ..

وفي جملة واحدة قالها أحد الصحابة غير المعروفين عندنا ، (ليس أبا بكر ولا عمر ) تحول المصلون عن قبلتهم التي كانوا عليها لأشهر ، ولم يفكروا في أنفسهم : لعله كاذب ، أو واهم ، لعله أخطأ الفهم ، لننه الصلاة أولاً لنتأكد ثم نستجيب في الصلاة التالية ، هذا أمر شاق كيف نفعله ، ماذا سيقول عنا السفهاء من الناس ؟

ولكنهم تحولوا جميعاً وتلقائياً إلى الكعبة ، إذ المطلوب أولاً الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم  .

هؤلاء الصحابة الذين فعلوا ذلك كان منهم من أسلم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، يعني لم يتجاوز إسلام بعضهم السنة ، ورغم ذلك أطاعوا بشكل مثير للدهشة .

ثم يقول البعض حينما يحتج لهم بطاعة الصحابة لأوامر الشرع : ( هاذولي صحابة ) .

ماهذا الاستغفال ..

صحابة من الفضاء الخارجي ؟

إنهم بشر مثلنا ولكن امتلأت قلوبهم بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتاهم الأمر نقلاً عنه وليس مشافهة لم يتلجلجوا أو يضطربوا وإنما سمعوا وأطاعوا ..

لذلك ملكوا الدنيا ..

بل ملكوا الدنيا والآخرة ..

أما  نحن ، فيا رب رحمتك !!
هذه تأملاتي لهذا الفصل الدراسي ، وهناك الكثير مما لا تفي هذه الصفحات الخمس من استيعابه ، ولعلي أبثها في ثنايا التدوينات القادمة إن شاء الله .

أما الآن ، فعليّ أن أنهي قراءة مذكرة مادة النظم  المتفرعة عن الثقافة الإسلامية .

يبدو أن لدي مشكلة ما مع هذه المادة ..

فأنا لا أحبها وأشعر أنها نوع من الفلسفة التي يمكن اختصارها في ملخص مفيد لا يتجاوز العشر صفحات ولكنهم مططوها لتبلغ ثمانين صفحة وليصدق عليها اسم ( مادة ) .

كفى حديثاً وإلا فلن ننتهي اليوم إلا بعشر صفحات ..

وإلى لقاء قريب ..

دمتم بود وإيمان .-

Read Full Post »

لا زلنا في الاختبارات ، ولا زالت الضربات تتوالى من الأساتذة الذين يملكون حساً غريباً في وضع الأسئلة. غريباً جداً لدرجة أنك تتساءل في نفسك وأنت تنظر بغباء إلى ورقة الأسئلة مخاطباً الأستاذ  ( وش تحس فيه ) ؟

كفانا حديثاً عن الأسئلة فهذا موضوع تحدثت فيه إلى أن بح صوتي ولا يزال منسوب الأدرينالين (لعله) يرتفع بسببه وترتفع معه أشياء أخرى ( ربما الضغط والكلسترول ، والسكر الذي لست مصابة به والحمد لله .. حتى الآن على الأقل !) وأخشى أن أرتفع بذاتي محلقة في سقف الحجرة كلما تذكرت الأسئلة ، وألجم لساني بشدة خشية أن أدعو على هذه النوعية من الأساتذة وأفكر في نفسي : بل أريد من حسناتهم .. أريد رفعة من الله .. أريد أن أصيب ( عزم الأمور ) .

ما أهداف هذه التدوينة إذا ؟

الأهداف :

  • محاولة تعويد النفس على كتابة تدوينات من صفحتين فحسب .

  • استجلاب بعض الترويح للنفس المرهقة باستجلاب الذكريات .. أية ذكريات ؟ تعرفها في الهدف الثالث :

  • تحية لزميلة الدراسة الدكتورة منى باسليم ، استشارية جراحة أورام الثدي بمستشفى الملك فهد بجدة .

كنت أسمع باسمها وأتساءل ..

 منى ؟ أتكون منى التي أخبرها في مدرستي الجميلة دار الحنان ؟

وأعود بذاكرتي إلى الوراء ، وتتوالى علي الذكريات بمختلف الطعوم والروائح والألوان .

ذكريات سعيدة لأيام سعيدة قضيتها في مدرسة دار الحنان .

كم مرة ذكرت أني لابد أن أكتب عنها تدوينات خاصة ؟ ربما في إجازة الصيف !

الهدف الآن هو الكتابة عن منى ، منى الطالبة لا الطبيبة لأني لا أعرفها كطبيبة .

ولابد أن أحصر هدفي هنا لئلا ينتهي بي المطاف إلى كتابة تدوينة من عشر صفحات هذه المرة ، إذ أن مجرد الحديث عن المدرسة يقودني مسحورة إلى عالم جميل ، ومساحات شاسعة من اللونين الزهري والتفاحي في تناغم وود ، ولا بأس على الإطلاق بحشر بعضاً من البنفجسي (لوني المفضل) بأي درجاته  هنا وهناك .

تحسونه نشازاً ؟

لايهمني ، فمادام أنه عالمي فلأضع فيه ما يدخل إلى قلبي السرور من الألوان .

هناء !!

حسناً حسناً .. الاستطراد .. فهمت فهمت !

موضوعي : منى باسليم .

كانت منى من البارزات فعلاً في السنة الدراسية 1404 ..

ياااااااه ، ذاك عهد قديم .

ماهذه المعلومة المتسربة ؟ إنها تعطي دلالة واضحة جداً على أعمارنا لا تقبل الشك ولا الريب .

ولكن ، من قال أني ( أنا على الأقل ) صغيرة .

لا أزال أذكر في كل زمان ومكان أني ( خالة ) وطالبة في سن جدتي وكل هذا الهراء ، فلن يضير إذا ما ذكرت في أي سنة كان تخرجي من الثانوية .

كانت منى تتصف منذ ذلك الوقت بالعقل والرزانة  ، وكنت دائماً أعقد مقارنات في نفسي بيني وبينها ، وأتمنى بإعجاب خفي أن أحظى ببعض ما عندها ..

صوتها منخفض نوعاً ما ، هادئة ، من النوع ( التحتاني ) الذي يلقي بالتعليقات الساخرة وهي تقرأ كتاباً ، فتستلقي أنت على الأرض و( تكفشك الأبلة ) في حين تظل هي تقرأ كتابها  في براءة . لا أقصد أن موقفاً كهذا حصل معي ، فقد كانت في القسم العلمي  وكنت في الأدبي ، ولكن أقصد أنها كانت خفيفة الظل بلا صخب  ، وغني عن الذكر أنها كانت ( دافورة ) ما شاء الله .

ولمن لا يعرف معنى هذا المصطلح (دافورة ) فهو يعني القمة في ( الشطارة الدراسية ) .

جمعني بمنى بعض الإذاعات الصباحية من فئة : مديرتي الفاضلة ، مدرساتي الحبيبات ، أخواتي الطالبات … الخ ، وبعضاً من مباريات الكرة الطائرة ( وأرجو ألا أكون أخرف أو أن الصور عندي تداخلت ) وبعض الصديقات .

لم تكن صديقتي بالمعني الفعلي ، ولكن كانت زميلتي التي أعجبت بصوتها المنخفض وحرصها على الدراسة ورصانتها وكل ما افتقرت إليه في تلك الفترة .

حينما أشارت عليّ عمة أولادي أن أحادث الدكتورة منى باسليم أعرض عليها الاشتراك في تجمع طهر لمريضات السرطان ضمن الهيئة الاستشارية للتجمع

http://www.m-tohr.com/vb/

 أغلقت عيناي وسافرت بخيالي إلى ذلك العالم الساحر .. عالم مدرستي ، ورجعت أحاول تجسيد صورة منى في ذهني ..

منى في فصل العلمي ، منى في الساحة تلعب كرة الطائرة ، منى في الإذاعة (تستهبل ) أمام (المايك) قبل أن نكون على الهواء ، منى هنا وهناك .. منى والذئب !!

ماذا ؟ أوه نعم .. تلك ليلى والذئب .. معذرة .

كنت أخشى أن تتداخل علي الصور ، وها قد حصل المحذور .

أخذت الرقم وأرسلت لها رسالة في البداية ..

أعرف هؤلاء الأطباء لا يردون على أرقام مجهولة لئلا ( يتوهقون ) أو ( يبتلشون ) مع المرضى.. وعلى سيرة (الابتلاش) ذكروني فيما بعد أن أحكي لكم كيف تقرأ الشيخة شمس ( بنتي ) القرآن .

أرسلت لمنى أذكرها بنفسي وأطلب منها أن تحدد الوقت المناسب للاتصال بها .

تجاوبت معي جزاها الله خيرا ..

لا زالت بدماثة أخلاقها الذي أعرفه فيها..

ثم حادثتها أخيراً .

نفس الصوت ..

كنت أحادثها بحذر في البداية ، فمسافة 27 سنة تفصلني عنها ليست هينة .

خفت ألا تتذكر مني طبعي الساخر والصخب الذي كنت أحدثه فتنكرني .

ولكن كانت منى هي هي ، وكنت أنا أنا .

دون أية رتوش أو زوائد .

تحادثنا لعشر دقائق عجِلة ، لحرجي من أن أكون أشغلتها عن بيتها وأولادها .

أنهيت المكالمة وقلبي يبتسم بحبور .

هذه ذكريات جديدة من ذلك العالم الفاتن ( الذي يدعى مدرسة دار الحنان ) تتداعى علي .

دكتورة منى ، أرفع باروكتي تقديراً لك ، وأفخر بأن أقول : كانت زميلتي في الدراسة !!

ملحوظة : يبدو أن وضعي ميؤوس منه .. مع كل محاولات الاختصار بلغت هذه التدوينة 4 صفحات .. لنأمل أن يحصل بعض التحسن .. فقد نقصت تدوينتي صفحة هذه المرة .

 

Read Full Post »

Older Posts »