ذهب الظمأ !
1 أوت 2011 بواسطة هناء
لا زال رمضان مقترناً في ذهني بالمسرات ..
فعلا كالضيف الحبيب الذي ( يتغلى ) ..
يطبق حقاً ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : زر غباً تزدد حباً .
بدأ رمضان البارحة .
البارحة بالذات كان يوماً مغبراً في مدينة جدة .
تنظر إلى الأجواء عبر النافذة في حجرتك المكيفة فلا ترى للشمس سطوعاً ، فيخيل لك أن الجو مغيماً.
القلوب تتأهب لاستقبال رمضان ..
الشوارع مليئة بمن يشتري ( مقاضي رمضان ) في آخر لحظة .
وفي فمي طعم غريب ..
تذكرت مثل هذا الوقت في العام الماضي .
حين كنت أتلقى العلاج في جدة، بعيدة عن أولادي .
لم يزل جسدي يئن تحت آثار التاكسوتير المزعج ، لا شعر ، لا رموش ولا حواجب .. فقط ظهر محدودب قصمه الوهن والوحدة ، وملامح متعبة منهكة ، وقلب ينبض رضا بالله وعن الله ..
كان لساني يجد طعوماً مضحكة لأشياء أستطيع أن أقسم أن طعمها لم يكن كذلك في يوم من الأيام.
ودعوني أؤكد لكم أن الطعوم كانت سيئة !
حركتي بطيئة ، ومشيي مثقل مهموم ، ولا عجب ..
فمهما كنت أتمتع بنفسية متفائلة إلا أني لابد أن أضعف أحياناً بين الحين والآخر .
لا تنسوا أني كنت مصابة بالسرطان .
أرجوكم لا تطالبوني بأن أكون المرأة الحديدية .
حتى الحديد يضعف مع كثرة الطرق أحياناً .
كنت أنظر إلى نفسي في المرآة وأتحسس رأسي الذي يبدو كالبيضة .
فيه شعر خفيف جداً ، أخف من زغب الطير .
أكاد لا أرى حواجبي ، وربما أقلت أجفاني ستاً أو سبعاً من الشعيرات .
أتحسس وجهي وأتنهد .
لم أبدو وكأني في السبعين ؟
والله لا أبكي يومياً ، بل ولا أسبوعياً ، فلم هذه الملامح ؟
هل يغير الكيماوي الملامح ؟
أمشي وتلتقط عيناي صورتي في المرآة ، فأرى جسداً محنياً يمشي مشية ( بطريقية ) ، ويصيبني الذعر ..
لكني لست في السبعين ..
أنا في الخامسة والأربعين فقط ، ولياقتي لا بأس بها ..
أقصد ، لياقتي (كانت ) لا بأس بها .
فلم هذا الوهن والضعف ؟
وفي مؤخرة عقلي أسمع صوتاً مرحاً يقول : مرحباً بك في نادي السرطانيات نياهاهاهاهاهاها .
فأهز رأسي وأقول : يا لك من خفيف الظل !
حين دخل شهر رمضان في العام الماضي لا أعرف كيف استطعت أن أصوم.
بل لعل الصيام كان أسهل علي بسبب قلة شهيتي لتناول الطعام .
لم يكن لشوربة الحب التي تعدها أمي ذات المذاق اللذيذ ، ولا للسمبوسك ( البف ) الشهير .
أما العصيرات فحدث ولا حرج .
هذا عصير فيمتو ؟ لابد أنك تمزح .. هذا دواء ( الكحة ) !
هل هذه بيتزا ، أم شراب ابنتي القديم ! ( وراجع إن شئت التدوينة التي تحمل هذا الاسم )
كان الصيف شديد الوطأة في تلك السنة ، وجسمي يتصبب عرقاً في حر جدة الرطب .
العلاج الهرموني يسبب الكثير من اختلال الهرمونات وأعراض كأعراض انقطاع الطمث .
كنب أمي الجلدي يزيد الأمر صعوبة .
كنت أجلس أمام المكيف فتصرخ رجلاي ألماً .
أغطي رجليّ بغطاء سميك فقط لأبدو كجدة عجوز :
نظارة ، ملامح متعبة ، ظهر محدودب ، طاقةخائرة وغطاء على الرجلين ..
ينقصني كرسي هزاز حتماً .
يا الله ..
متى تنقضي هذه الأيام ؟
متى أستعيد عافيتي لأستمتع بالمشي السريع دون حاجة إلى الاعتماد على ظهر الكنبة أو طرف الطاولة؟
لأستمتع بالبيتزا والتبولة وماء الزمزم ؟
لأستمتع برؤية ملامح واضحة لوجهي دون الحاجة إلى تحديدها بالقلم : هنا حاجب وهذه رموش .
لأستمتع بالمشي بلا بندانا في هذا الجو القائظ تزيد من ارتفاع حرارتي.
ولمن يسأل : نعم ، لم أكن لأخرج حاسرة الرأس أبداً .
لم أرد أن يصاب الناظر إليّ بصدمة وهو يرى رأس بيضية ( نسبة إلى البيض ) لامرأة !
قلت من قبل أن الناس يألفون رؤية رجل أصلع ، ولكن امرأة صلعاء ….. لا أعدكم بذلك كثيراً .
متى أستعيد عافيتي لأستعيد حياتي ؟
والآن ..
وبعد سنة كاملة ..
أنظر إلى الوراء وأبتسم .
ها أنا اليوم أقضي أول رمضان مع أمي في جدة وأولادي كلهم .
حسناً .. كلهم تقريباً فخالد لا يزال في المدينة .
أمسح على شعري المصفف بعناية وقد صار يبدو كشعر امرأة أخيراً .
أستمتع بجو المكيف دون أن تعترض علي رجليّ .
ويسيل لعابي كلما اقترب وقت المغرب فلساني في شوق إلى الأكلات الرمضانية التي حُرم منها العام الماضي .
أفكر مبتهجة أني بحمد الله لم أسخط ولا ثانية واحدة على قضاء الله علي بالسرطان .
كنت دائماً راضية عنه ، لأني اعتبرتها فرصة لتكفير جبال سيئاتي .
كنت دائماً أفكر أنه منّ عليّ بهذا المرض ليرفع درجاتي عنده وأحمد الله أنه كان بلاء محتملاً .
متعباً جداً نعم .. ولكنه يظل محتملاً .
كنت أدعو الله فأبدأ بالثناء عليه ( لأدخل في جو الدعاء ) فيقودني الثناء إلى التفكر بالنعم الهائلة التي وجدت نفسي محاطة بها لسنين ، والآن ، مع السرطان فقط انتبهت .
لِم يحتاج الإنسان أن يُبتلى ليعرف عظمة ربه وسعة رحمته وعظيم كرمه ؟
(ناس ما تقيش إلا بالشخيط ؟)
الآن ، وقد عافى الله جسدي من المرض ( مبدئياً ) وعرفني نعمه وألطافه ، وغدت تلك الأيام ذكريات ..
أحمد الله أنهاذكريات حسنة ، رأى مني الله صبراً ورضاً ، بل وشكراً .. أجلس لأكتب لكم وقد امتلأ قلبي بهجة ..
أبتسم وأقول : ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .
0.000000
0.000000
أرسلت فى خواطر ،, ذكريات بطعم السرطان | مصنف نعم الله, الفرح, الكيماوي, الأمل, الحب, السرطان, سرطان الثدي | 10 تعليقات
كل عام وانتي بخير وبصحة وسلامة يارب..تدوينة رائعه ..الله يجعل ايامك عامرة بالأفراح
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم أنت رائعة
بداخلك أديبة مبدعة
كأنك تصفين إحساس كل خلية من جسمك بسطورك
أيتها الغالية
أنت عظيمة
بكل ما تحويه الكلمة من معنى
رفع الله درجاتك وفرج عنك
لك مني خالص التقدير والود
نقاء الثلج
ملاك ونقاء
أسعدتني كلماتكما جدا .
دمتما بود وإيمان
وكل عام وأنتم بخير
يا الله ياعمتي :”
الحمد لله أن أحياكِ بعد ما أماتك ..
أذكر جيداً حالتك رمضان الماضي .. ولا أعرف كيف أصف مشاعري حينما أراكِ لاتستمتعين بأطيب الأكلات بالنسبة لك : الشوربة والسمبوسك ..
الآن .. أحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه أن أنعم عليكِ بالصحة وجعلك تستمتعين بالحياة مرة أخرى :””
وكونك تسترجعين تلك الأحداث وتستشعرين نعم الله عليكِ فهذه نعمة كبييييييرة أعانك الله على شكرها ..
أدام الله صحتك وسعادتك .. وأدامك لنا ياأطيب عمة ()
“لِم يحتاج الإنسان أن يُبتلى ليعرف عظمة ربه وسعة رحمته وعظيم كرمه ؟”
الحمد لله على عافيتك عزيزتي ،، دمتِ معافاة وفي نشاط دائم (:
تدوينة إيجابية
الحمدلله كل شيء من ربنا حلو
والحمدلله صحتك تتحسن
أختي الصغيرة تعالج إشعاع في أميركا “هيوستن”
الطب هناك مره متطور
حلو تروحي هناك خاصة إنو يستخدموا
أشياء ماتطيح الشعر
ربنا يشفيك حبيبتي
ويشفي أختي وكل مرضى السرطان
أحب تفائلك ربنا يحفظ لك أحبابك
@IbraMay
اسأل الله تعالى ان يحفظك من كل مكروه وان يجعل ماقد أصابك كفارة لك
جميل منكي اختي الفاضلة ان تسردي لنا رحلة صراعك لهذا المرض
وكيف تجاوزتي تلك المرحلة بصبر واحتساب
أتعلمي
قد تأثرت بقصتك كثيرا لدرجة انني تعايشت مع أحداثها
ربما لأنني شككت لفترة باصابتي لهذا المرض
ولا اخفيكي عن مدى القلق والأفكار المزعجة التي راودتني
ولكن بفضل الله تعالى بعد الفحص وظهور النتائج السليمة شعرت بارتياح واستشعرت نعمة الله تعالى علي
ربما ما حصل معي إشارة لكي اعي بمدى نعم الله تعالى علي
فلك الحمد يارب على نعمك التي لا تعد ولا تحصى
تقبلي مروري 🙂
الحمدلله رب العالمين، هذا من فضل الله. وكل عام وانتي بخير أبلة هناء 🙂
مدونة جميلة استمتعت بتجوالي فيها
Appreciate you bloggiing this