Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for the ‘طالبة في سن جدتي’ Category

صار من ضمن فعاليات الاختبارات النهائية أن أكتب تدوينة خاصة بالدراسة وما يتعلق بها .

سمه تسلية ، سمه هروباً من الدراسة ..

سمه ما شئت ، المهم النتيجة النهائية : خروج التدوينة.

أول تدوينة  تحمل عنوان طالبة في سن جدتي كتبتها أيام اختبارات الدورة التأهيلية منذ سنة تقريباً .

كتبت فيها عن المشاعر الغريبة التي شعرت بها وأنا أدلف مبنى المعهد العلمي المتهالك في المدينة لأداء اختباري .. هو بذاته المبنى الذي درس فيه خالد وسهل المتوسطة والثانوية  .

اليوم أشعر بنفس الشعور وأنا أخطو إلى الجامعة وأمشي في نفس الطرقات التي تمشي فيها ابنتي فاطمة صباحاً .

أنتظر أن تستوقفني إحدى الدكتورات أو موظفات الأمن لتسألني : أختك الصغيرة تدرس في الجامعة .

لا أحد يضحك .. نعم .. يحسبون فاطم أختي في كثير من الأحيان .

لا أعتقد أني أبدو صغيرة لهذه الدرجة ، ولكن لِم أهتم ؟  المهم عندي ما استقر في الأذهان .

أيام الاختبارات هذه السنة كانت عصيبة نوعاً ما .

كنت أدرس ثمان مواد فيها كم كبير من الصعوبة ، ولكنها كانت تحدياً بالنسبة لي .

أنا من عشاق جمع الA+ ، وقد أصاب بالأرتيكاريا إذا لم أحصل عليها في كل موادي .

لذا فإن أعلن النفير قبل 6 أسابيع من الاختبارات في محاولات محمومة للإحاطة بمناهج المواد الثمانية إحاطة تامة .

ولكن النفس تصدأ أحياناً ويعتريني الملل .

هذا الفصل الدراسي هو فصل تعرفي على تويتر رسمياً .

كنت أذاكر لأرى شاشة الآيباد تضاء معلنة عن وصول ( منشنٍ ) ما .

أترك الكتاب والتلخيص ، وأطّلع على المنشن وأرد وأكتب وهكذا ، ليضيع من وقتي ساعة وساعتان وأكثر .

أضطر أحياناً للحلف أني لن أمسك الأيباد لمدة ساعتين ، فقط لأستطيع أن أركز .

لا ، لست مدمنة ، ولكنه الهروب ..

هل قرأت تدوينتي الموسومة ب : جارٍ تطبيق الهروب ؟

إن لم تفعل فافعل الآن .. ستضحكك بعض الشيء .

في الفصل الماضي كنت أهرب إلى الطعام ، فكان نتيجة ذلك زيادة 8 كيلوات لم أفلح حتى الآن في التخلص منها .

لذا قررت في هذا الفصل أن أقف وقفة حازمة مع نفسي ، فبدأت بالحلف على عدم تناول إلا قطعة شوكولاتة واحدة في اليوم ( مع أني لا أحب الشوكولاتة إلا أن فترة الاختبارات تجعل الحليم حيراناً ) واتجهت إلى المشي في الممشى أربع مرات يومياً .

كانت فرصة طيبة لاصطحاب أبنائي معي للحصول على بعض اللياقة في هذه الأجواء الباردة والرائعة .

في ليلة السبت قررت أن أمشي مع أني لم أنه مذاكرة مادة الأصول ، والتي تعتبر أصعب مادة في كلية الشريعة بسبب اتصافها بالعُجمة ..

نعم ، كأنك تقرأ هيروغليفية معربة  ، أو عربية ” مهغرفة ” .

أدركت أني أمضيت وقتاً زائداً في ( التسريح ) وأحلام اليقظة  ولم أنجز شيئاً  يذكر خلال ساعتين .

فقررت أن أحرك دورتي الدموية وأجدد نشاطي واتجه إلى الممشى .

فاتجهت وأنا ( مستصيبة ) : هناء !! بكرة أصول !

فأهز كتفي بلا مبالاة وأقول : ويعني ؟

الحمد لله ، كان قراراً جيداً.

مشيت ثلاثة كيلومترات في أربعين دقيقة .

كنت أمشي بنشاط في البداية ، ولكني مع مرور الأمتار والدقائق بدأت أتهادى نوعاً ما ، كالبطريق .

أعوذ بالله ، هاجس الخلخلة يتلبسني .

هل تعرفون المثل القائل : كذب الكذبة وصدقها ؟

المسألة بدأت بسخرية من الذات في تدوينة الخالة .

ولكنها تغلغلت في أعماقي بشكل مزعج ، وساهم المتابعون الأعزاء في تويتر  في المشي في هواي ومجاراة عقليتي الطفولية ، وامتنعوا بكل إخلاص عن مناداتي بلفظ : يا خالة ، وإنما أبلة فقط .

أنا صدقت المسألة . فصرت أمشي في الممشى بنشاط ( على أساس أني أبلة ) ، ولكن بعد فترة ، أنظر في ظلي المتطاول على الأرض فأراه يتهادى يمنة ويسرة شيئاً ما ..

ثم ألمح امرأة مسنة تمشي في الجهة المقابلة ( أو حاملاً ) فأقول في نفسي : امممم.. هذه مثلك يا خالة ! على من تضحكين ؟

أرخي زاوية فمي اليسرى بشيء من الخيبة وأنهي مشيي .

ليلة السبت ، بعد نهاية المشي رجعت إلى البيت و اغتسلت وقد تجدد نشاطي وأمضيت قرابة الساعة والنصف على تويتر أرد على تهنئة المهنئين بمناسبة نزول كتابي الجديد ، ثم – وبكل نشاط – أطفأت النور ونمت !

لكن مهلاً مهلاً .

ليس الأمر كما تتخيلون ؛ لست الحسناء الجبارة ، ولا النابغة الذبياني ، ولا زرقاء اليمامة حتى – بجامع الإعجاز في كل منهم – ( حاولت أن آتي بمصدر لكون الإنسان خارقاً فجربت : خراقة ، خورقة ، تخريقاً ، فلم ينفع أياً منها ) ، وكل ما في الأمر أني كنت ألخص المواد من أول الفصل وأتابع اللقاءات الحية لذا صدقت علي – بفضل الله – النظرية المعروفة: ذاكر من بدري تنجح .

وعلى هذه السيرة فإن اكتشفت فائدة رهيبة ” للخلخلة ” .

حضرت للاختبار يوماً ولم أكن صليت العصر بعد ، فأخذت أبحث عن قاعة فارغة نظيفة لأصلي فيها ، فوجدت واحدة مفروشة بالسجاد الرخيص فسلمت على الدكتورة الظريفة التي بالداخل واستأذنتها أن أصلي في القاعة ، فهشت في وجهي وبشت وقالت : آه طبعاً تفضلي يا دكتورة !

(!!!!!!!)

ضحكت رغماً عني وقلت : لالا ، أنا لست دكتورة .

فقالت : أهلا ً بك أياً كنت .

أستغفر الله . أظنني لم أفقه شيئاً من صلاتي إذ ظللت أفكر : أنا دكتورة ؟ خخخ ، هذا من ميزات أن تبدي ” خالة ” “متكولنة” في الجامعة . الخالة لابد أن تكون غير طالبة ، وبما أني أبدو كبيرة عن أن أكون معيدة ، فلأكن دكتورة !

أنهيت صلاتي وأذكاري ، وقمت لأخرج ، فوجدتها تنتظر طالباتها في الخارج .

شكرتها فأجابتني : العفو يا دكتورة !

برضه ؟

لابد أن الفتيات في الجوار حملن لي بعض الاحترام عندما رأين دكتورتهن تخاطبني بهذا التبجيل والإجلال .

أختم مذكراتي بحادثة ضحكت لها طويلاً .

يومها كنت مشغولة جداً بالمذاكرة ولم يتسن لي إعداد طعام الغداء فطلبنا من أحد مطاعم الوجبات ” السريعة ”  .

هل قلت سريعة ؟

حسناً .. وصلنا الطعام بعد ساعتين بالضبط .

طبعاً كنت في حال من الغضب و( حرقان الدم ) ما جعلني ألغي الطلب وأوجه عبد الله ليطلب من مطعم ( سريع ) آخر  ، وغادرت إلى الاختبار ( على لحم بطني ) .

القاعة هادئة ، صامتة ، لا تكاد تسمع فيها صوتاً ، والتكييف مركزي .

جو يغري بالنوم فعلاً .

قطع الصمت صوت إحدى المشرفات تناولني زجاجة ماء وتقول : تفضلي .

تناولتها وجرعتها سريعاً ، فأنا بعد العلاج الهرموني صرت أعطش كثيراً .

وانهمكت في الكتابة .

نصف ساعة مضت حتى أنهيت اختباري ، ولبثت في مكاني أنتظر انتهاء نصف الوقت ليؤذن لي بالخروج .

هل ذكرت أن الجو مغرٍ بالنوم ؟

ستقرؤون في كتابي أني أتمتع بموهبة النوم في أي مكان تقريباً وتحت أي ظرف .

أغمضت عيناي ( لأريحهما ) بعض الشيء .

يبدو أني دخلت في سنة من  النوم ، أيقظني منها مواء قطط وهدير صواعق .

تلفتُّ حولي بهلع ..

لكني لم أجد قطة واحدة ، وأنا في داخل المسرح .

أين القطط والصواعق إذن ؟ لا بد أني كنت أحلم .

استرخيت في مقعدي وحاولت إكمال نومي ..

لا يزال عليّ الانتظار لربع ساعة أخرى .

وقبل أن أغمض عيني مجدداً سمعت ذاك التناغم العجيب بين مواء القطط وهدير الصواعق .

شهقت في سري وكتمت ضحكة ، فقد كان هذا الصوت يصدر من بطني الخاوية .

من قال أن صوت الجوع ( كصوصوة العصافير ) ؟

الحقيقة أن زقزقة العصافير صوت ناعم ورومانسي ولا يشبه بحال الصوت الذي سمعته .

صوت الجوع وحده كمواء القطط الضالة ، فلما شربت المياه حصل التفاعل الرهيب مع عصارات المعدة الخاوية فكان الصوت الهادر .

صرت أتطلع حولي مع كل صوت يصدر، وتمثلت قول الأول : ( الي على راسه بطحة يحسس عليها ) .

خيّل إلي أن  كل من في القاعة يسمعني .

ولازالت الأصوات تتزايد ، وصرت أشتم في سري ذاك المطعم الأول الذي تأخر علينا في الطلب حتى أخرجني من بيتي جائعة . و كلا ، لن أذكر موعظة بهذا الصدد عن نعمة الله بالطعام وما إلى ذلك ، فأنا نفسي لا أحب الوعظ في كل فرصة.

صرت كلما شعرت بأن صوتاً سيصدح ، أحني ظهري لأي سبب ، مرة لالتقاط القلم الذي سقط ،ومرة لتناول زجاجة الماء ، ومرة لأضع رأسي على الطاولة ..

أي سبب ، المهم أن لا تكون أمعائي ( مفرودة ) وفي وضعية مرتاحة لئلا تصدح بأصوات عالية .

انتهت الربع ساعة في ربع قرن بالنسبة لي وتحررت .

حرصت بعد ذلك الاختبار على تناول أي طعام قبل خروجي من البيت ، وإن لم أتمكن فإني أمتنع عن شرب الماء ، وما أحلى صوت العصافير مقارنة بهدير الصواعق .

Read Full Post »

تحدثت في التدوينة الماضية عن صور شتى للهروب .

واليوم أود ممارسة هذا الهروب فعلياً .

الموضوع وما فيه ، أني بدأت في قراءة مذكرة أصول الفقه ، ومنهجنا في هذا الفصل عن المنطق .

قاتل الله المسرحيات .

كلما ذكرت كلمة المنطق أتذكر هذا الحوار في إحدى المسرحيات التي كان التلفزيون السعودي يتحفنا بها في كل عيد :

المعلمة : تعرف إيه عن المنطق ؟

الطالب الخائب : أعرف أن الواحد لما يضرب واحد على دماغه يوأع ما يحطش منطق !!

من الفصل الماضي وأنا ألحظ أن المناطقة صعبوا علينا الأمور جداً في أصول الفقه والعقيدة ، اللذين – لو لم يدس المناطقة فيهما أنوفهم العريضة لاستقامت كتبهما لنا –

أشبه المنطق بمنهج الرياضات المطورة في هذه السنة : فين إذنك يا جحا ، ومن عنده في البيت طالب يدرس هذه الرياضيات فسيدرك ما أرمي إليه .

من ساعتين تقريباً وأنا ( أقرأ ) مذكرة أصول الفقه وأرسم تفريعات وأشجاراً للتقسيمات .

تقسيمات تقسيمات ، ذكرتني بالحديث الموضوع : من قال كذا وكذا خلق الله من كل كذا مئة ألف طائر ، لكل طائر مئة ألف لسان ، كل لسان يقول بمئة ألف لغة ، وهكذا ..

كلما قلبت الصفحات وجدت المزيد من التقسيمات ، وضاقت الورقة بهذه التشجيرات ، وضاق صدري كذلك .

آااااه ، إني أختنق ..

أحتاج لتنفس بعض الهواء النقي .

أحتاج للهروب لبعض الوقت من هذا المنهج الغثيث .

أين المفر ؟

وهنا تدوي اللمبة الوهمية فوق الرأس : إلى المدونة .

أبثكم أشجاني وأستقي بعضاً من الراحة النفسية في الكتابة .

أحياناً ، أشتهي الإجازة وأنتظرها بفارغ الصبر لكثرة المشاريع التي أقمتها في خيالي وأريد إقامتها على أرض الواقع.

فإذا جاءت الإجازة ، مرت الأيام بجنون وانقلب النظام الليلي والنهاري في بيتنا حتى أعود فأتمنى رجوع الدراسة لتنتظم الأوقات .

الآن ، أنا في المزاج الأول .

أنظر إلى طاولتي الصغيرة بجانب سريري فأرى كتباً مكدسة ، بعضها ينتظر دوره في القراءة ، وبعضها ينتظر  أن أنهيه .

والله لا وقت لدي .

كل يوم أمسك أحد كتبي بشغف ، وأقلب صفحاته وأهمس بحب : سأنهيك قريباً إن شاء الله ، صدقني..

أعتقد أني بدأت هذه الممارسة منذ بداية الفصل الماضي ، يعني من 8 أشهر تقريباً .

المشكلة أني أبدأ أحياناً في قراءة كتاب جديد ولما أُنهِ ما قبله بعد .

سؤال عارض  من تأثير ماذة النحو : ما إعراب ( أُنهِ ) هنا ؟

لو فتحت صفحتي في موقع Good Reads لوجدت أن عندي 10 كتب يجري قراءتها الآن .

عشرة كتب ؟

الصراحة أنها أكثر ، ولكني استحيت أن أسجل الأشياء الجديدة التي بدأت في قراءتها خشية أن يتفلسف علي الموقع ويقول : ( خلصي الّي عندك أول ) !!

عندي مثلاً كتاب اشتريته مؤخراً من أمازون ( الموقع طبعاً وليس النهر ) واسمه  123Magic، وهو كتاب جيد ومثير في تربية الأطفال بين 2-12 سنة .

حتى الآن قرأت ثلث الكتاب ، ولكن أشغالي الكثيرة تحول بيني وبين إتمامه ، وصدقوني أني متشوقة لمعرفة نهايته لسببين : لأتبع  الأنظمة التربوية الجدية التي ذكرها المؤلف مع لطيفة وشمس ، ولأضع مقتطفات منه في المدونة علها تفيد أحداً .

في انتظاري أيضاً كتاب ” طفولة قلب ” للدكتور سلمان العودة ، قرأت ثلثه كذلك .

كتاب زاخر بالأسلوب الأدبي الرفيع المعروف عن الدكتور .

أسلوب يشبه قراءته تناول لوح من شوكولاتة الجالكسي الذائبة بالبندق .

هناك كتاب : ” عشت سعيداً ، من الدراجة إلى الطائرة ” للكاتب عبد الله السعدون ، وهو سيرة ذاتية كذلك .

أحب السير الذاتية .

على الأقل هي تحكي قصص ناس واقعيين مثلي ومثلك .

ناس باستطاعتك أن تقلدهم لو أعجبوك ..

مروا بظروف ومواقف ، قرأت كلامهم ورأيت تصرفاتهم واستفدت منهم ، وليست وليدة خيال مؤلف واسع الخيال ، وقد يكون ضيق الأفق فيضيق عليك حياتك .

بانتظاري أيضاً أحد كتب سلسلة Chicken Soup المعروفة ، وهو بعنوان Think Positive.

كتاب ماتع فعلاً ( توني أربط بين ممتع وماتع وأرجو أن يكون استعمالي لماتع صحيح هنا )  ومليء بالتفكير الإيجابي الذي تحتاجه مريضة السرطان خاصة ، والناس بشكل عام .

أنا أعتبر حسن الظن بالله من أقوى صور الإيجابية .

إنها محاولة دؤوبة لتغيير التفكير والنظرة للأمور المختلفة إلى هيئات إيجابية .

ألم أقل من قبل أن السبب في عدم تحقق الكثير من الأمور هو سوء الظن ؟

عندما يفكر المرء أنه لن ينجح لأنه لم  يذاكر جيداً بسبب انشغاله مع والدته ، أو لن يدرك الوظيفة الفلانية لأنه فضل مساعدة والده ، أو لن يصير غنياً لأنه مشغول بقضاء حوائج الناس ولا يعمل بشكل كاف  ، فعندها لن يتحقق ذلك فعلاً .

لماذا ؟ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي : ” أنا عند ظن ( وليس حسن ظن ) عبدي بي ، فليظن بي ما شاء ” .

وهذا الشخص أساء الظن ولم يحسنه ، فكان الله عند ظنه به .

بما أن هذه التدوينة هروباً ، فلعلي أختم بذكر آخر إحسان ظني بالله .

كنت أبني فيلا في الخيال ..

ألا يستخدمون تعبير ( بناء قصور في الخيال ؟) حسناً ، أنا لست طماعة ، تكفيني الفيلا .

حلمت ( في يقظتي ) أني استلمت ( لا أعرف من أين ، ولا دخل لي بذلك فهذا من تدبير الله تعالى ) مليوني ريال ،  اشتريت بأحدهما المبنى الذي أسكن فيه حالياً ، وبالآخر رممت وجددت وغيرت .

هل كان حلماً ؟

نعم .. هو حلم يقظة ، ولكنه من النوع القابل للتحقيق وليس مخالفاً للسنن الكونية ..

من أين سآتي بمليوني ريال ؟

لا أعرف ..

قالت فاطم : ربما ستشتري هولي وود كتابك وتحوله إلى فيلم .

ضحكت كثيراً ، وقلت : ما شاء الله ، ستشتريه هولي وود بعد أن تسلم .. كتابي مليء بالإيمانيات وإحسان الظن بالله .

لست مسؤولة من أين سآتي بالمليونين ، ولكني أعلم أن الله سميع قريب مجيب .

وأكثر من ذلك ، أعلم أنها لن تكون مليونين  فقط ، فإني سألت الكريم ولا يكتفي الكريم أبداً بإعطاء مقدار ما سئل  وحسب.

أختم ( هذه المرة حقيقة ، فقد جاوزت الأربع صفحات ) بهذه القصة الغريبة التي تعلمكم فعلاً لماذا أحسن الظن بالله لهذه الدرجة ..

قبل أسبوع تقريباً سألت خالداً عن نسخة كتابي التي فيها الفسح الإعلامي وترقيم مكتبة الملك فهد ، والذي استصدره من بضعة أشهر .

قال لي بثقة : أعطيتك إياه .

استرجعت فوراً ، فهو لم يعطني شيئاً لأنه رجع من الرياض إلى جدة عن طريق الطائف ولم يمر بالمدينة ، فعلمت أنه ضاع .

اتصلت على أمي وطلبت منها أن تبحث في بيتها ، واتصلت على كل من قد يكون له صلة بالأمر ، لكنهم نفوا رؤيته أو وجوده عندهم .

عدت للمذاكرة ، إلا أن خيالي كان يسبح بعيداً في محاولة يائسة للبحث عن الكتاب ، أسترجع الذكريات لعلي أجد في تفاصيلها ما يدلني على كتابي الحبيب .

أمضيت نصف ساعة عجزت فيها عن التركيز ، والوقت يمضي وعندي أطنان من المذاكرة .

عندها دعوت الله بصدق : رب أسألك أنت لا غيرك أن تأتي لي بكتابي .كيف ؟ لا أعلم فأنت ربي ومدبر أمري .. توكلت عليك وحدك وفوضت أمري إليك وحدك .

ثم رميت الأمر خلف ظهري وعدت للمذاكرة ونسيت الموضوع .

عشر دقائق فقط ، وتجيئني فاطم  في حجرتي وتسألني : ماذا تعطين من يجد كتابك ؟

أصدقكم القول أني لوهلة شعرت بالخوف الشديد .

أحول أن أفسر سر خوفي ولكني أعجز ..

هل هو خشوع  ، هل هو رهبة من الموقف ، هل هو خوف حقيقة ؟

أخبرتني فاطم أنه قبل عشر دقائق طلب خالد من أروى أن تبحث له عن الهارديسك ، فبحثت ولم تجد ثم تذكرت حقيبة اللاب توب القديمة المغبرة ، فبحثت فيها فوجدت الكتاب !

يا الله . اقشعر جلدي ..

لماذا طلب الهادريسك في هذه اللحظة بالذات ؟

ما الذي دفعها للبحث عنه في هذه الحقيبة القديمة المغبرة ، في حين يكون فرصة وجوده فيها أقرب ما يكون ل2% ؟

كم نضيّع على أنفسنا بسوء ظننا بالله .

لماذا يكون حسن الظن بالله علينا عسير ؟ هل جربنا عليه مساءة أو جوراً أو سوء تعامل ؟

أنا بالنسبة لي لم أر منه إلا كل جميل ، حتى في مرضي ..

نعم ابتلاني ، ولكنه أنزل من أنوار الألطاف والرحمات ما أعشى عين البلاء ، فما عدت أرى إلا هذا اللطف وتلك النعم ..

أفتراني يجمل بي أن أسيء الظن به ؟

لازلتم تضحكون من المليونين كيف ستأتيني ؟

اضحكوا ، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله .

لكن لا يأتيني عندها أحد منكم يطلب مني أن أدعو له .

والآن ، وبعد أن ضربت رقماً قياسياً في الثرثرة اليوم ، لابد لي من العودة إلى الواقع المرير .

إلى أحضان المنطق والفلسفة ( اللغوية) .

إلى أقسام المفرد و المركب ، ما تعدد معناه وما اتحد معناه ، التقييدي منه وغير التقييدي ، ما كان قاطعاً وما كان ممكناً ، والمتواطئ والمشترك والمنقول ( ويتلاشى الصوت شيئاً فشيئاً ) .

Read Full Post »

وأخيراً ..

بعد عمل متواصل دؤوب استمر قرابة التسعة أسابيع سأنهي اختباراتي اليوم .

أشعر بشعور متسلق الجبال حينما يصل إلى القمة وينظر بشموخ من علٍ إلى البلدة الغافية في سفح الجبل ، ويعلن انتصاره على الجبل .

لا أعرف متى تسلقت الجبل لأعرف هذا الشعور ، ولكني أتوقع .

إنه شعور الإنجاز .

أنا اليوم أعلن انتصاري على الدراسة .

صحيح أني لم أستلم نتائجي بعد .

ولكن أتوقع بمشيئة الله أنها ستكون سارة .

إليكم انطباعاتي عن هذا الفصل في وقفات :

 الوقفة الأولى : كانت غلطتي الكبرى أني بدأت متأخرة جداً ، تماماً كالأرنب الذي يسابق السلحفاة ، وقد ذكرت ذلك في أول تدوينة لي عن الدراسة .

قضيت الشهرين الأولين منذ بداية الفصل في لعب ولهو ، فأنا بعيدة العهد عن الدراسة الجامعية .

حتى إذا ما انتصف الفصل بدأت الدراسة الفعلية ، ويا لهول ما وجدت .

سبع مواد مختلفة الأحجام تنتظرني هازئة ، أن أرينا ماذا ستفعلين الآن ؟

كنت أستيقظ يومياً في العاشرة لأستدرك ما فاتني ، فأسمع المحاضرات المسجلة وألخص ، وأحضر اللقاءات الحية اليومية .

تركت المتع المبهجة التي تمتعني : القراءة ، التصوير ، متابعة برامجي المفضلة ، وتقلص عملي في المنتدى والمحاضرات الدعوية ، وانحصرت متعتي في اللقاء بكم مرتين أسبوعياً قدر الإمكان .

وفي الأسبوع الأخير الذي سبق الاختبارات زاد العمل حتى أني كنت أستيقظ من بعد الفجر وأذاكر حتى السابعة صباحاً ثم أنام ، لأعاود العمل في التاسعة والنصف .

أعتقد أني اكتسبت عادة جيدة كنت أتوق منذ زمن بعيد إلى اكتسابها وهي عادة التبكير .

قبل الدراسة كنت أستيقظ في الحادية عشر ظهرا أو بعد ذلك بقليل ، ,أظل أتمرغ في كسلي طوال اليوم ، حتى إذا ما هبط الظلام ظللت أندب يومي الضائع وأني لم أستغله بما يكفي .

الآن ، أشعر بالمتعة والحبور . أستيقظ مبكرة ، أتفرج على بعض البرامج ، أتفقد منتداي وأحكي شمسي حكاية ، ثم أبدأ دراستي ، ولا زالت الساعة العاشرة والنصف .

أرجو فقط أن تستمر معي هذه العادة خاصة مع قدوم الإجازة الصيفية .

الوقفة الثانية : كنت أقرأ دائماً أن أعضاء الجسم تكتسب قوتها من تمرينها ، فكلما مرنت العضو على أداء عمله الذي خلقه الله له قوي وصقل . ومن ذلك التمارين الهوائية cardio التي تنفع القلب جداً بحملها إياه على العمل بقوة لضخ الدم .

لا ينفع القلب أبداً الجلوس بدعة واسترخاء ، بل إن ذلك قد يؤدي إلى تصلب الشرايين وحدوث الجلطات ، ولكن ما يفيده هو الحركة الكثيرة والمجهدة (باعتدال)  .

وكذا الذهن .. بعد العلاج الكيماوي ، شعرت أن تروس عقلي قد علاها بعض الصدأ .

صار تفكير بطيئاً ، وقل تركيزي جداً ، حتى أني لو لم أنطق بما في ذهني خلال خمس ثوان من تفكيري فيه لضاع فوراً ، ولا تسل عما حفظته من القرآن كيف اختفى في مكان ما من أدراج الذاكرة ، ربما تحت قميص أو جورب في أحد الأركان .

ما كنت أعتقد أبداً أنه سيكون باستطاعتي استعادة قدراتي الدراسية القديمة .

ولأني طالبة علم قديمة فقد كانت الدراسة الشرعية الجامعية ولمدة 9 أسابيع مصدر سعادة واستمتاع لا كما كان البعض يشعر بأنها ( شهادة و السلام ) .

كنت أستمتع للغاية بشعور الإنجاز حينما أنهي تلخيص مسألة من عشرين صفحة في ورقتين ، أو أستظهر بعض الفقرات فأجدها لا زالت في مكانها بعد أسبوعين أو أكثر من استظهارها .

بدأت أشعر بشعور الرياضي ذي البطن المتهدلة وهو يرى عضلات بطنه تزداد صلابة وانكماشاً بزيادة التمارين ( هذا شعور أزعم أني أعرفه جيداً لا كشعور متسلق الجبال ) .

كنت أشعر بالحياة تدب من جديد إلى عقلي ، وأن تروسه بدأت تدور بسلاسة أكبر ، وأن الصدأ آخذ بالانجلاء .

أقول لكم بثقة : جميل هو الإحساس بالإنجاز ..

الإحساس باستعادة النشاط بعد الإغماء ..

الإحساس أنك حي ، وتؤدي دوراً  مفيداً في هذه الحياة .

وأقول لمن تقرأ  عيناه كلماتي من وراء شاشته ، وقلبه من وراء يأسه واستسلامه : لا تستسلم !

فإن كنتُ قد نجحت بفضل الله ، فبإمكانك أن تنجح أنت كذلك .

فقط اكسر حاجز الرهبة وأقدم ، قد تتعثر في أول الطريق عدة مرات ، ولكن من يتهيب صعود الجبال يظل أبداً بين الحفر ..

ولا شك أن الجو في جبال أبها أجمل بكثير منه في منخفضات تهامة .

الوقفة الثالثة : حسبي الله على المعتزلة وأهل الكلام ، فإنهم ما دسوا أنوفهم العريضة في شيء إلا أحالوه جحيماً .

عانيت بشدة من هذه الفرق الضالة التي تظلم  النهار وتغطي عين الشمس بباطلها وفلسفتها ، وذلك في علمي العقيدة وأصول الفقه .

العقيدة ؟؟؟

هل هناك أسهل من أن تكون مادة العقيدة تتحدث عن حق الله علينا من العبادة والانقياد والتوحيد ، ومعرفة أسمائه وصفاته وجماله وكماله ، وما أعد لعباده المؤمنين من الكرامة في دار الخلد ، وما أعد للأشقياء من الهوان والخزي ..

عالم جميل من رقة القلب ودمع العين خشية لله وحباً ورجاء وتعظيما ً .

فإذا بأهل الكلام ينقطون العلقم في الشراب السائغ ليكون مراً صبراً .

إليكم بعض هذه المسائل العربية كتابة ، الهيروغليفية معنى ( وكانت مهمتنا فهم هذه الهيروغليفية وترجمتها إلى العربية في أذهاننا ) :

  • مسألة التسلسل : فيقولون أن التسلسل في صفات الله ممتنع في الماضي وفي المستقبل لا يمتنع، وأما الجهمية والمعتزلة – قاتلهم الله-  فمنعوا تسلسل صفاته تعالى في الماضي والمستقبل . أرأيتم المصيبة العظمى والفرية الكبرى ؟

  • تعريف المعتزلة للعلة ( أصول فقه ) : العلة هي المؤثر في الحكم بذاته وهذا التعريف هو بناءً على ما ذهبوا إليه من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين . فالعلة عندهم : ما أثرت في الحكم وأوجبته لا محالة، فإن ذلك عندهم من قبيل الاستلزام العقلي بحيث لا يتصور انفكاك المعلول عن علته !!

  • من معاني التركيب : التركيب من الهيولي والصورة ، كالخاتم مثلاً : هيولاه الفضة ، وصورته معروفة ( ما عرفوا يقولوا ” عنصر ” مثلاً ؟) ، وأهل الكلام قالوا : الجسم يكون مركباً من الجواهر المفردة!! إذاً ، كلما أعوزتك الحاجة فاعمد إلى سن أو ظفر فانزعه وبعه فأنت غالي الثمن وأنت لا تدري !!

  • قال أحدهم عند موته : ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح !

أي ممكن وأي مرجح لا بارك الله فيك !

لذلك قيل أن العلم قليل ولكن الكلام كثير .

العلم الحق سهل سائغ مريء ، إلا أن صاحب الكلام فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر وجاء لنا بالعجائب في صفات الله الجميلة الحسنى ليجعله – تعالى عن إفكه – علواً كبيراً : ” جسماً ” عاجزاً عن الكلام ، وإذا أراد شيئاً فإنه يقوله في نفسه فيفهمه جبريل عليه السلام فيتكلم به ، فقاتلهم الله كيف جوزوا الكلام لجبريل ومنعوه عن الله بأقيستهم وخيالاتهم الفاسدة .

والكلام في هذا يطول ، وحسبي أني أوردت لكم بعض الغثاء الذي كنت ( أتصبح وأتمسى  به للأسابيع التسعة الماضية ) نرد على هؤلاء المرضى بدلاً من الاسترواح بنسيم العلم الحق والتقلب في معاني التوحيد والأسماء والصفات ، ولكنهم أفسدوا علينا ديننا وعقائدنا ، أفسد الله عليهم هناءة رقادهم في قبورهم .

الوقفة الأخيرة : كانت لي بعض التأملات في مادة التفسير ، ومع تحفظي الشديد للأسئلة (#@%$ ) التي أتى بها أستاذها ، إلا ان ذلك لا يمنع أن هذه المادة كانت مثار تأملات ووقفات عديدة .

خذ مثلاً ما أوردته في تدوينة سابقة عن تحقيق الأمنيات ..

حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب نظره في السماء ينتظر أن يأمره الله بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وكان يعجبه أن يصلي إلى الكعبة .

ولبث بضعة عشرة شهراً  يصلي إلى بت المقدس ، فلما نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة ، كيف عساها أن تكون فرحته ؟

العجيب في الأمر شدة استجابة الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يبلغهم بنفسه . فقد صح أن جماعة منهم كانوا يصلون صلاة الفجر في حيهم ( وذكر في سنن أبي داود أنهم كانوا في قباء )  فمر عليهم أحد الصحابة من بني سلمة وهم ركوع وصاح فيهم مرتين: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ، فيمموا وجوههم مباشرة إلى الكعبة وهو ركوع ..

مهلاً مهلاً ..

هذه وقفة لاينبغي أن تمر بسهولة .

أرأيتم شدة الاستجابة ؟

أمر تحويل القبلة أمر شاق على النفوس .. تخيل ! هم يصلون إلى بيت المقدس مذ قدموا إلى المدينة .. بضعة عشرة شهراً يصلون إلى جهة معينة ، مع ما كانت تعنيه الصلاة لذلك الجيل الذهبي ( وتلك شأنها تدوينة أخرى ) ..

وفي جملة واحدة قالها أحد الصحابة غير المعروفين عندنا ، (ليس أبا بكر ولا عمر ) تحول المصلون عن قبلتهم التي كانوا عليها لأشهر ، ولم يفكروا في أنفسهم : لعله كاذب ، أو واهم ، لعله أخطأ الفهم ، لننه الصلاة أولاً لنتأكد ثم نستجيب في الصلاة التالية ، هذا أمر شاق كيف نفعله ، ماذا سيقول عنا السفهاء من الناس ؟

ولكنهم تحولوا جميعاً وتلقائياً إلى الكعبة ، إذ المطلوب أولاً الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم  .

هؤلاء الصحابة الذين فعلوا ذلك كان منهم من أسلم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، يعني لم يتجاوز إسلام بعضهم السنة ، ورغم ذلك أطاعوا بشكل مثير للدهشة .

ثم يقول البعض حينما يحتج لهم بطاعة الصحابة لأوامر الشرع : ( هاذولي صحابة ) .

ماهذا الاستغفال ..

صحابة من الفضاء الخارجي ؟

إنهم بشر مثلنا ولكن امتلأت قلوبهم بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتاهم الأمر نقلاً عنه وليس مشافهة لم يتلجلجوا أو يضطربوا وإنما سمعوا وأطاعوا ..

لذلك ملكوا الدنيا ..

بل ملكوا الدنيا والآخرة ..

أما  نحن ، فيا رب رحمتك !!
هذه تأملاتي لهذا الفصل الدراسي ، وهناك الكثير مما لا تفي هذه الصفحات الخمس من استيعابه ، ولعلي أبثها في ثنايا التدوينات القادمة إن شاء الله .

أما الآن ، فعليّ أن أنهي قراءة مذكرة مادة النظم  المتفرعة عن الثقافة الإسلامية .

يبدو أن لدي مشكلة ما مع هذه المادة ..

فأنا لا أحبها وأشعر أنها نوع من الفلسفة التي يمكن اختصارها في ملخص مفيد لا يتجاوز العشر صفحات ولكنهم مططوها لتبلغ ثمانين صفحة وليصدق عليها اسم ( مادة ) .

كفى حديثاً وإلا فلن ننتهي اليوم إلا بعشر صفحات ..

وإلى لقاء قريب ..

دمتم بود وإيمان .-

Read Full Post »

لا زلنا في الاختبارات ، ولا زالت الضربات تتوالى من الأساتذة الذين يملكون حساً غريباً في وضع الأسئلة. غريباً جداً لدرجة أنك تتساءل في نفسك وأنت تنظر بغباء إلى ورقة الأسئلة مخاطباً الأستاذ  ( وش تحس فيه ) ؟

كفانا حديثاً عن الأسئلة فهذا موضوع تحدثت فيه إلى أن بح صوتي ولا يزال منسوب الأدرينالين (لعله) يرتفع بسببه وترتفع معه أشياء أخرى ( ربما الضغط والكلسترول ، والسكر الذي لست مصابة به والحمد لله .. حتى الآن على الأقل !) وأخشى أن أرتفع بذاتي محلقة في سقف الحجرة كلما تذكرت الأسئلة ، وألجم لساني بشدة خشية أن أدعو على هذه النوعية من الأساتذة وأفكر في نفسي : بل أريد من حسناتهم .. أريد رفعة من الله .. أريد أن أصيب ( عزم الأمور ) .

ما أهداف هذه التدوينة إذا ؟

الأهداف :

  • محاولة تعويد النفس على كتابة تدوينات من صفحتين فحسب .

  • استجلاب بعض الترويح للنفس المرهقة باستجلاب الذكريات .. أية ذكريات ؟ تعرفها في الهدف الثالث :

  • تحية لزميلة الدراسة الدكتورة منى باسليم ، استشارية جراحة أورام الثدي بمستشفى الملك فهد بجدة .

كنت أسمع باسمها وأتساءل ..

 منى ؟ أتكون منى التي أخبرها في مدرستي الجميلة دار الحنان ؟

وأعود بذاكرتي إلى الوراء ، وتتوالى علي الذكريات بمختلف الطعوم والروائح والألوان .

ذكريات سعيدة لأيام سعيدة قضيتها في مدرسة دار الحنان .

كم مرة ذكرت أني لابد أن أكتب عنها تدوينات خاصة ؟ ربما في إجازة الصيف !

الهدف الآن هو الكتابة عن منى ، منى الطالبة لا الطبيبة لأني لا أعرفها كطبيبة .

ولابد أن أحصر هدفي هنا لئلا ينتهي بي المطاف إلى كتابة تدوينة من عشر صفحات هذه المرة ، إذ أن مجرد الحديث عن المدرسة يقودني مسحورة إلى عالم جميل ، ومساحات شاسعة من اللونين الزهري والتفاحي في تناغم وود ، ولا بأس على الإطلاق بحشر بعضاً من البنفجسي (لوني المفضل) بأي درجاته  هنا وهناك .

تحسونه نشازاً ؟

لايهمني ، فمادام أنه عالمي فلأضع فيه ما يدخل إلى قلبي السرور من الألوان .

هناء !!

حسناً حسناً .. الاستطراد .. فهمت فهمت !

موضوعي : منى باسليم .

كانت منى من البارزات فعلاً في السنة الدراسية 1404 ..

ياااااااه ، ذاك عهد قديم .

ماهذه المعلومة المتسربة ؟ إنها تعطي دلالة واضحة جداً على أعمارنا لا تقبل الشك ولا الريب .

ولكن ، من قال أني ( أنا على الأقل ) صغيرة .

لا أزال أذكر في كل زمان ومكان أني ( خالة ) وطالبة في سن جدتي وكل هذا الهراء ، فلن يضير إذا ما ذكرت في أي سنة كان تخرجي من الثانوية .

كانت منى تتصف منذ ذلك الوقت بالعقل والرزانة  ، وكنت دائماً أعقد مقارنات في نفسي بيني وبينها ، وأتمنى بإعجاب خفي أن أحظى ببعض ما عندها ..

صوتها منخفض نوعاً ما ، هادئة ، من النوع ( التحتاني ) الذي يلقي بالتعليقات الساخرة وهي تقرأ كتاباً ، فتستلقي أنت على الأرض و( تكفشك الأبلة ) في حين تظل هي تقرأ كتابها  في براءة . لا أقصد أن موقفاً كهذا حصل معي ، فقد كانت في القسم العلمي  وكنت في الأدبي ، ولكن أقصد أنها كانت خفيفة الظل بلا صخب  ، وغني عن الذكر أنها كانت ( دافورة ) ما شاء الله .

ولمن لا يعرف معنى هذا المصطلح (دافورة ) فهو يعني القمة في ( الشطارة الدراسية ) .

جمعني بمنى بعض الإذاعات الصباحية من فئة : مديرتي الفاضلة ، مدرساتي الحبيبات ، أخواتي الطالبات … الخ ، وبعضاً من مباريات الكرة الطائرة ( وأرجو ألا أكون أخرف أو أن الصور عندي تداخلت ) وبعض الصديقات .

لم تكن صديقتي بالمعني الفعلي ، ولكن كانت زميلتي التي أعجبت بصوتها المنخفض وحرصها على الدراسة ورصانتها وكل ما افتقرت إليه في تلك الفترة .

حينما أشارت عليّ عمة أولادي أن أحادث الدكتورة منى باسليم أعرض عليها الاشتراك في تجمع طهر لمريضات السرطان ضمن الهيئة الاستشارية للتجمع

http://www.m-tohr.com/vb/

 أغلقت عيناي وسافرت بخيالي إلى ذلك العالم الساحر .. عالم مدرستي ، ورجعت أحاول تجسيد صورة منى في ذهني ..

منى في فصل العلمي ، منى في الساحة تلعب كرة الطائرة ، منى في الإذاعة (تستهبل ) أمام (المايك) قبل أن نكون على الهواء ، منى هنا وهناك .. منى والذئب !!

ماذا ؟ أوه نعم .. تلك ليلى والذئب .. معذرة .

كنت أخشى أن تتداخل علي الصور ، وها قد حصل المحذور .

أخذت الرقم وأرسلت لها رسالة في البداية ..

أعرف هؤلاء الأطباء لا يردون على أرقام مجهولة لئلا ( يتوهقون ) أو ( يبتلشون ) مع المرضى.. وعلى سيرة (الابتلاش) ذكروني فيما بعد أن أحكي لكم كيف تقرأ الشيخة شمس ( بنتي ) القرآن .

أرسلت لمنى أذكرها بنفسي وأطلب منها أن تحدد الوقت المناسب للاتصال بها .

تجاوبت معي جزاها الله خيرا ..

لا زالت بدماثة أخلاقها الذي أعرفه فيها..

ثم حادثتها أخيراً .

نفس الصوت ..

كنت أحادثها بحذر في البداية ، فمسافة 27 سنة تفصلني عنها ليست هينة .

خفت ألا تتذكر مني طبعي الساخر والصخب الذي كنت أحدثه فتنكرني .

ولكن كانت منى هي هي ، وكنت أنا أنا .

دون أية رتوش أو زوائد .

تحادثنا لعشر دقائق عجِلة ، لحرجي من أن أكون أشغلتها عن بيتها وأولادها .

أنهيت المكالمة وقلبي يبتسم بحبور .

هذه ذكريات جديدة من ذلك العالم الفاتن ( الذي يدعى مدرسة دار الحنان ) تتداعى علي .

دكتورة منى ، أرفع باروكتي تقديراً لك ، وأفخر بأن أقول : كانت زميلتي في الدراسة !!

ملحوظة : يبدو أن وضعي ميؤوس منه .. مع كل محاولات الاختصار بلغت هذه التدوينة 4 صفحات .. لنأمل أن يحصل بعض التحسن .. فقد نقصت تدوينتي صفحة هذه المرة .

 

Read Full Post »

أعتقد أنهي جنيت في حق نفسي .. وربما لا ..

دعوني أفضفض قليلاً عن نفسي . على الأقل أتكلم عن موضوع ما .

لا أعرف في الحقيقة هؤلاء الكتاب أصحاب الأعمدة اليومية من أين يأتون بالأفكار .

أعطوني أفكاراً وأنا أكتب لكم من الآن وحتى بعد أسبوع .

مشكلتي أني ثرثارة ، ولا أقنع بتدوينة من صفحتي A4 .

إن لم تبلغ خمس صفحات فإني أشعر حينها بأني ارتديت ثيابي بالمقلوب .

هناء ، كالعادة تشطحين بعيداً عن الموضوع .

أي موضوع ؟ لم أبدأ بعد ..

حسنا حسناً ، لن أطيل عليكم في البدء ، ولا بأس بهذا : المقدمة استغرقت نصف صفحة !

لا بأس بهذا على الإطلاق .

منذ شهرين ابتدأت أدرس جدياً .

لمن لا يعرف ما الموضوع فأنا أدرس في الجامعة الآن متمثلة قول الحكماء : ( بعد ما شاب ودوه الكتاب ) !

كانت دراستي الجامعية أحد أسباب تشجيع نفسي على التمسك بالحياة بعد إصابتي بمرض سرطان الثدي ..

فأنا من جيل قديم يحب الدراسة ويجد فيها متعة .

وساهم في تمسكي بهذا الأمر أن العلاج الكيماوي ( شطف ) مخي عن كثير من العلم الشرعي الذي طلبته في الربع القرن الماضي ، فتركني أقف مترددة كثيراً تجاه الكثير من القضايا التي كنت (أفتي ) فيها بسهولة تامة قبل ثلاث سنوات فقط .

وجدت أن دراسة الجامعة في التعليم عن بعد ، قسم الشريعة يعيد إلي الكثير من المتع : استعادة المعلومات ، والتعلم ، وقضاء أوقات جميلة وسط الأوراق والأقلام الملونة ، وصنع التفريعات الشجرية للأقوال وأدلتها ومناقشاتها ، واختيار حقيبة جامعية لأيام الاختبارات !

أشياء جميلة تبعث على السعادة فعلا ..على الأقل في نفسي .

بدأت الدراسة الفعلية للمستوى الأول من شهرين .

وعندها هالني ما اكتشفته أني بدأت متأخرة ( حبتين ) .

عندي 25 ساعة ، و7 مواد شرعية فيها الكثير من الخلافات والأقوال والمناقشات والأدلة ، لا بد أن أحفظها في 7 أسابيع فقط .

وهنا بدأ مشوار الدراسة .

تركت في الحقيقة كل شيء لأتفرغ للدراسة .

ولأنه سيناريو معروف ويحدث كثيرا ففي هذا الوقت بالذات  تلقيت الكثير من العروض لإقامة محاضرات ودروس دعوية باللغة الانجليزية في مكتب الدعوة ، ودعوات لحضور أعراس ، كل ذلك في هذا الوقت الذي أسابق فيه الأرنب .

أية أرنب ؟

لعلك لم تقرأ تدوينتي التي كتبتها في نفس هذا الوقت بالضبط من الفصل الماضي .

هاهو الرابط على العموم .

https://hannooti.wordpress.com/2011/01/17/%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%86-%d8%ac%d8%af%d8%aa%d9%8a/

لأجل (هذا ( الهدف النبيل ) تركت ملاذ الحياة ، وعكفت في صومعتي المكتبية أقرأ وألخص وأحضر اللقاءات الحية على الانترنت.

كنت أرفع رأسي حينما أذاكر بصوت مرتفع وأستظهر ما حفظته فتصطدم عيناي بالكتب التي تجلس منشرحة في مكتبتي تنتظرني كي أقرأها .

أقوم وأمسك بكتاب ، وأمرر يدي على غلافه اللامع الجديد .

أتشمم رائحة الورق المنعشة وأقلب صفحاته سريعاً ، ثم أرجعه آسفة إلى مكانه وأهمس له بحب : انتظرني يا صغيري .. قريباً أنتهي من اختباراتي وأستمتع معك بأجمل المباهج الدنيوية  : القراءة على ضوء الأباجورة بجانب السرير تحت اللحاف في الحجرة الباردة .

أرأيتم هذه القيود والضوابط ؟

لابد من اجتماعها جميعاً لتتم البهجة .

تركت برامجي التلفزيونية المفضلة : برنامج د.ميسرة طاهر في قناة دليل يوم السبت مساء ، وبرنامج د. ياسر نصر في قناة الناس لا أعلم متى ، وبرامج الشيخ أبي اسحاق الحويني في الحكمة  ، وبرامج يوسف إيستس الأمريكي في قناة هدى ، وغيرها من المتفرقات .

رفضت طلب مكتب الدعوة بإلقاء محضرات دعوية باللغة الانجليزية لأجل الدراسة .

كل ذلك وأنا مستمتعة غاية الاستمتاع في مراجعة المعلومات وتثبيتها وتعلم الجديد ، خاصة وأن مادة أصول الفقه هي المادة الوحيدة التي لا أتقنها أبداً .

وأخيراً ..

قد حان الموعد واقتربا ..

وازدادت الدراسة كثافة ، وكثرت اللقاءات الحية مع الأساتذة للمراجعة والأسئلة ، وأنا بين هذا الكتاب وذلك التلخيص أحاول أن أستصحب نية طلب العلم في جميع ما أذاكره ..

وأخيراً دقت ساعة العمل .. دقت ساعة الانتصار.

إلى الأمام .. إلى الأمام .. لا رجوع .. ثورة .. ثورة ..

عذراً .. يبدو أن الدراسة أثرت على مخي بعض الشيء ..

أقصد : اختبار اختبار اختبار .

وبدأ اختبار الفقه البارحة .

كان اختباراً سهلاً بشكل مزعج ..

بشكل مريب .

خذ هذا السؤال : مؤسس المذهب الحنفي هو : مالك بن أنس إمام دار الهجرة : صح أو خطأ ؟

لا يا شيخ !!

كنت أواجه أسئلة أقول في نفسي حينما أقرؤها : لا بد أنه يمزح !!

لابد أن هناك خدعة ما ..

ولكن سبحان الله ليس ثمة خدعة ..

ومع ذلك أخطأت ..

خطأ لا أعرف هل أنا مخطئة أني أخطأته أم أني مصيبة في أني أخطأته .

السؤال : من سنن الوضوء ، وذكر : غسل اليدين ، وغسل الأعضاء ثلاثاً .

ما هذا السؤال المشكل ؟

كلاهما من سنن الوضوء .

ربما يكون أحدها أصح من الآخر على أساس أن ( كما في المذكرة ) من سنن الوضوء غسل اليدين (ثلاثاً ) وهو هنا لم يذكر الرقم .

يا شيخ ، هل أنت جاد ؟

غسل اليدين أصلا ( وأعني به الكفين ) سنة سواء كان واحداً أو ثلاثاً فلا أعتقد أنه من الصواب اعتبار اختياري له خطأ .

أكره الأسئلة الاختيارية ..

أنا من جيل قديم ، يعلوه بعض الغبار ، ممن نشأ على الأسئلة المقالية المطولة ، والتي تسكب فيها كل ما تعرفه لعل الأستاذ يجبر بعض أخطائك ببعض إصاباتك السديدة .

أكره الأسئلة الاختيارية من صميم قلبي .

لم أنت حانقة هكذا ؟

لأن اختبار الحديث اليوم كان من أسخف ما رأيت ..

هناء .. ( لسه بدري ) .. لم تري شيئاً بعد ..

لا زلت في المستوى الأول ، وينتظرك الكثير من العجائب .

منهجنا في الحديث هو شرح أحاديث الأحكام .

من الطبيعي أن تكون هناك أحكام فقهية في المنهج .

ولكن أخبروني يا جماعة ، هل من الطبيعي أن تكون أسئلة (الحديث) (فقهية ) أدق من أسئلة (الفقه) ذاته ؟

هذا مثل ما يقولون : ملكي أكثر من الملكيين !

طبيعي أني أصبت بخيبة أمل من هذه الأسئلة .

وطبيعي أني توقفت حائرة أمام خمسة أسئلة ، لو أخطأت فيها لودعتني عشرون درجة وهي تضحك مني بسخرية .

يا إله الكون !

وهذه الدراسة التي انكببت عليها طوال الشهرين الماضيين ، والتلاخيص التي أعددتها ..

والأربعة كيلوات التي زدتها بسبب تناولي للطعام كلما زاد الضغط علي .

ثم أخسر عشرين درجة في مدة لا تتجاوز النصف ساعة ؟

خطأ من هذا ؟

ماذا يحسب الأساتذة الطلاب ؟

أيحسبونهم ماسحات ضوئية ( سكانرات ) ؟

هل من المفيد جداً أن أعرف أن أبا سعيد الخدري توفي سنة 74 وليس 77 كما كتبت أنا ؟

هل هذا حكم فقهي يفيدني ؟

قد يقول أحدهم أن أمثال هذه الأسئلة تبين المجتهد من الكسول .

ولكن ، ألم يجد في مذكرة من 96 صفحة ما بين شروح لأحاديث الأحكام ومصطلح الحديث ما يشبع نهمته في التفريق بين المجتهد والكسول إلا معرفة في أي سنة كانت وفاة أبي سعيد ، أو أن مالكاً هو من قال بنجاسة المني وليس الشافعي ، أو أن عمر بن الخطاب هو من يرى عدم طهارة الجلود بالدباغ وليس أحمد ؟

هل هذه الأسئلة مناسبة لطلاب المستوى الأول أصلاً  ؟

أكره الأسئلة الاختيارية وأعاني منها .

في الاختبار ، صُعقت لهذه الأسئلة .

لبثت ثلث ساعة أستغفر الله ، متمثلة قول شيخ الإسلام أنه كان إذا أشكلت عليه مسألة جلس يستغفر الله ألفاً أو أكثر حتى يفتح الله عليه بالإجابة .

حاولت وحاولت ، وفكرت كثيراً ولم أتوصل لإجابة أربعة أسئلة  .

ولأول مرة في تاريخي الدراسي المجيد لا أكون من أوائل من يخرج من القاعة .

لازال أمامي ربع ساعة ليأتي عبد الرحمن فلا داعي للعجلة .

واستغفرت واستغفرت ، وهنا دق جرس ما في  مكان ما بين الأوراق المتناثرة في ذهني .

هناء ..

ما الهدف الأصلي من دراستك ؟

أتدرسين ليقال : ما شاء الله عليها ، ما أجلدها ، ما أصبرها ، ما أذكاها ؟

أتدرسين ليقال كم هي شجاعة بعد إصابتها بمرضها ؟

أم أنك تدرسين استعادة للمعلومات التي نسيتها بعد إصابتك بالسرطان ؟

إذا كانت هذه الأخيرة ، فهنيئاً لك ، لقد استعدتها وبجدارة ، ولا يبقى بعد ذلك إلا الدرجات التي تخضع لمزاجية واضع الأسئلة وحذقه .

هنا سادني رضى وارتياح .

نعم ، بفضل الله استعدت كماً هائلاً من المعلومات ، وتعلمت أشياء جديدة ، واستمتعت بوقتي لأبعد الحدود . وهذا يكفي !

أما عن الدرجات ..

فأمري إلى الله، والله يعوضني خيراً ..

آخ .. أكره الأسئلة الاختيارية !!

Read Full Post »

اليوم أنهيت اختباراتي للدورة التأهلية بحمد الله ..

ماذا ؟ لا تعرفون أني أدرس أصلاً ؟ حسنا ً .. أخبركم منذ البداية .

في البداية كان الحلم القديم بإكمال دراستي ولكنه كعادة أي حلم يحترم نفسه  : يزول حينما يريده صاحبه أن يتحول إلى حقيقة ..  يستيقظ المرء ليكتشف أنه لا يزال على فراشه ولم يغادر مكانه ، وأن كل ما رآه كان عبارة عن حلم .. المضحك في الأمر أني كنت أرى نفسي في أحلامي الحقيقية  وأنا أدرس الجامعة .. فأتنهد وأبتسم في نفسي هازئة وأقول : حتى أحلامي موضوعها حلمي الكبير ! وأقوم لأنفض عن ذهني هذه ( الكوابيس ) .

فلما أصبت بالسرطان وانخرطت في مراحل العلاج المتعبة جداً بما فيها من آلام وانخفاض طاقة وغثيان مستمر ، وبعض المشاكل العائلية ، كل أولئك كان يجعلني أحياناً أمر بفترة زهد في الحياة .. كنت أستلقي أحياناً إذا ما شعرت بتكالب الأمور عليّ ، فأسرح بفكري بعيداً وينطق ذهني دون لساني  : آآآآآه ، ألا موت يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه ، ألا موت لذيذ الطعم يأتي يخلصني من العيش الكريه !!

 إلا أني لاأطلق لنفسي العنان في الخوض في هذه الأفكار الشريرة فأرميها وراء ظهري ، فقط لأعيش بسلام .. كنت أشعر أني أحتاج إلى شيء جميل يشعرني بالرغبة في الحياة .. مع كل الأفكار المتزاحمة والآلام المنهكة لم تكن عندي  الطاقة لأجلس مع نفسي وأقنعها بأن هناك طاعة الله أعيش من أجلها .. كنت أشعر أن الصبر على مرضي والرضا به طاعة كافية ، فلأمت الآن إذاً . شعرت بأن مظاهر الحياة تنسحب مني شيئاً فشيئاً ، وإن ظل ضميري يقاوم ويصرخ : لا تستسلمي يا هناء .. هناك الكثير من مباهج الحياة تستحق أن تعيشي لأجلها .. هناك أمك العطوف ، هناك أولادك المحبون ، هناك شمس حياتك المشرقة .. نوعاً ما استطعت بفضل الله تعالى أن أتمالك نفسي وأستعيد بعض زمام الأمر ، فلما عرضت عليّ نفسي فكرة الدراسة وتأليف كتاب يحكي عن تجربتي مع السرطان ليستفيد منه الناس وجدت هاتين الفكرتين قبولاً وانشراحاً في صدري ، وكان لهما أثراً عجيباً في طرحي للأفكار الغائمة عن ذهني واستعادة تمسكي بالحياة .

انضممت لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الدورة التأهيلية . أذكر أني في أول أيام الاختبارات دخلت المعهد العلمي حيث تُعقد الاختبارات .دخلت بنقابي إلى أن أتأكد من خلو المبنى من الرجال ، وعلى شفتيّ ابتسامة وفي قلبي مشاعر متضاربة .. هناك البهجة بدخول الاختبارات والإحساس بهذا الشعور الجميل بالإنجاز وحصد الثمار . هناك التعجب من طرافة الموقف إذ أني أختبر في نفس المبني الذي كان يدرس فيه أبنائي خالد وسهل قبل سنوات . هناك الشعور الغريب الذي لا أعرف كيف أصفه إذ أدخل لأداء اختبار مع طالبات منهن من هي في سن فاطمتي . حمدت الله أن كنت بنقابي لأن البسمة طالت قليلاً ، فخشيت أن يتهمني أحد بالعته !

مضت أيام الاختبارات جميلة وممتعة – بالنسبة لي أنا على الأقل – حتى كان اليوم .. اختبار الثقافة الإسلامية .. مادة في غاية السهولة ولا أحبها كثيراً لأني أرى أنها فلسفة ( زيادة عن اللزوم ) فكنت أؤخر مذاكرتها . قمت من نومي متأخرة ، أعددت الغداء بالكثير من التلكؤ ، تصفحت النت ، وضعت رداً أو اثنين في منتداي وصليت الظهر ثم شرعت في المذاكرة .. كانت الساعة الثانية ظهراً ، واختباري يبدأ في الرابعة .. بدأت أدرس واكتشفت أن هناك الكثير من ( المُلخبِطات ) .. أهداف وخصائص ومواضيع ، وتحت كل بند يندرج عدد من النقاط ، والكثير من التعاريف اللغوية والاصطلاحية وووو ..

 وياللهول !! نمت وأكلت ولعبت والوقت يمضي ببطء مستهزئاً من قلة اكتراثي .. غرتني سهولة المادة وقدرتي ( السابقة ) على الحفظ السريع ، فلما رأيت الحقيقة بوجهها الناصع ، أدركت أني كنت كالأرنب المغرور الذي يسعى ليسبق السلحفاة المجتهدة ..

صارت عيناي تبتلع الأسطر بسرعة ، ثم تتجشؤها لتبتلعها ثانية .. يععع .. ماهذا التعبير المقرف ؟ لابد أنه من بقايا مادة البلاغة .. لابد أنها استعارة أو شيء من هذا القبيل .

أخيراً ذهبت لأداء الاختبار وقد تعلمت درساً لن أنساه .. أن المربين ضحكوا علينا بقصة الأرنب والسلحفاة ، وأنه في الحقيقة سبقها ولم تسبقه !!

Read Full Post »