Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for the ‘من هنا وهناك’ Category

عندما يبلَّغ شخص ما بأن عنده مرض السرطان فإنه لا يمكن لأحد أن يقدر حجم الضعف الذي يصير فيه هذا المريض . سيدمر هذا الخبر حواسه وتقديره وقدرته على التفكير بوضوح ، وهذا حال كل من أصيب بصدمة ما : يتردى معنوياً ويصبح محتاجاً –وبشدة – للرعاية .

لذا كان من الضروري بمكان أن يرافق مريض السرطان قريب أو صديق أثناء زياراته إلى الطبيب ، يدوّن الملاحظات ، ويسأل الأسئلة ، ويخبر الطبيب بأشياء حصلت مع المريض ، ذلك لأن المريض يكون ذهنه مشوشاً بطريقة لا يمكن تخيلها .. حتى هو لا يعي أهمية ذلك إلا إذا جرب ، وذهب وحده فإنه ينسى أغلب ما قيل له مالم يسجله .

إلا أن المقرب من المريض بشكل عام والمرافق بشكل خاص  ينبغي أن يتحلى بصفة شديدة الأهمية ، وهي أن لا يكون ثرثاراً . المريض يحتاج أثناء زيارته للطبيب أو لإجراء فحوصات أو أخذ جلسات العلاج إلى هدوء وخلوة بالنفس .. أشعره أنك قريب منه ، وأن بإمكانه أن يعتمد عليك فيما يطلب أو يحتاج ولكن بصمت ..

كنت أذهب إلى مستشفى الحرس  التي تبعد مسافة 45 دقيقة عن بيت أمي في جدة وأرفض رفضاً تاماً أن يُفتح المسجل أو الإذاعة إلا أن يكون قرآناً . كنت أملأ وقتي بتسبيح واستغفار أعلم أنه سيربط على قلبي .. أو قد أتظاهر بالنوم ، وأصدر غطيطاً مزيفاً لئلا يكلمني أحد .. كنت أريد هدوءاً وتركيزاً وتأملاً في وضعي الجديد .. لعلي كنت أحاول أن أضبط نفسيتي لتتماشى مع ما يحصل .. لعلي كنت أريد أن أرثي لحالي بعض الشيء دون أن يعظني أحد لا يشعر بمصابي .. وبفضل الله كل مرافقيّ  أدوا عملاً جيداً .. كانوا يأتون لي بالقهوة والفطائر دون أن أطلب ، يصغون جيداً لما يقوله الطبيب ، لا يتكلمون أثناء العودة إلا إذا تكلمت أنا وأبديت مخاوف أو قلقاً ، يذكّرونني في المساء بما قاله الطبيب ، ويتحملون “معابطتي” بصبر إذا كذبتهم فيما أخبروني به إذ أني “لم أسمعه”!!

بعض المرافقين يكثرون الكلام ، ويحسبون أنهم بذلك يشغلون ذهن المرض عن حاله .. والحقيقة أنهم يشوشون عليه تفكيره ، وقد يستحي هو أن يطلب من مرافقه الصمت.

فيما عدا ذلك فكن على سجيتك مع المرض وتكلم ما لم يكن متعباً أو تعرف من شخصيته أنه يفضل الهدوء .. أقول ذلك لأن بعض الناس يحبون – أصلاً- أن يحيطوا أنفسهم بالناس وقت مرضهم ، في حين يفضل البعض الآخر الهدوء والعزلة .. وفي نهاية المطاف ، عليك أن تقدم للمريض ما يحتاجه ويناسبه هو ، لا ما يناسبك أنت .

لكن انتبه .. حتى لو كان المريض يرغب بالكلام إلا أن هناك “لاءات” يجب عليك أن تجتنبها .

–       تجنب : “لا تقلق” و “لاتخف” .. أنت تعلم جيداً أنه خائف وقلق : من الكيمو ، من الغثيان ، من فقدان الشعر ، من الموت .. إذا طلبت منه ألا يخاف فأنت تطلب منه مستحيلاً يعجز عنه فتزيد من أحماله . لا تعلم أنه خائف أو قلق ؟ معك حق .. ” الي يده في الموية مش زي الي يده في النار” . لذا لا تغضب لو أقصاك أو امتنع عن استعانته بمساعدتك .. إذا أفضى لك بقلقه أو خوفه فاستمع فقط ، ولا يلزم أن تعطيه رداً أو رأياً أو حلاً .. هو يحتاج إلى الكلام فقط ، وعليك أنت الاستماع .

–       تجنب : “لا تبالغ”  فهذه مدمرة .. بعد عدة جلسات من الكيماوي لاحظت أني صرت كثيرة النسيان وقليلة التركيز .. كنت إذا لم أعبر عن الفكرة التي تدور بخلدي في وقتها مباشرة فإنها سرعان ما تطير ولو أخرتها لبضع ثوان .. كان هذا الأمر يصير حنقي جداً ، إلا أن ما كان يثير غضبي الشديد حين كنت أشتكي لأحد أولادي فيقول لي بطريقة لا مبالية : لا تبالغي يا أمي .. ليس الأمر كما تقولين . ويشرع في ذكر تفسير يراه علمياً يبرر هذا النسيان : إما بسبب السن ، أو بسبب تراكم الضغوط أو لأي شيء .. كنت أشعر بالعجز والقهر.. كبرت فجأة مثلاً ؟ تراكم الضغوط يجعلني أبدو وكأني مصابة بالزهايمر ؟ كنت أعلم أنه يفعل ذلك ليزيل من ذهني أي إيحاء سلبي بأن هذا بسبب المرض ، ولكني كنت أغضب جداً منه لأن كلامه كان يشعرني أني “أتدلع” وأنا أبعد الناس عن حب ذلك .. إلى أن اطلعت في إحدى المواقع الأمريكية عن ما يسمى بـ chemo brain والذي يحكي عن حالة التشوش الذهني الذي يصيب من يتناول الكيماوي .. وكم كانت فرحتي بالغة وأنا أقرأ ذلك ، وفي المرة التالية التي اشتكيت فيها من النسيان ، وشرع في ديباجته المعتادة ، قاطعته بلهجة المنتصر وأبلغته بالمعلومة الجديدة .. لابد أن أعترف أنه لم يعد بعد ذلك إلى تفسيراته الخنفشارية .. ببساطة لأني لم أعد إلى شكواي بعد أن عرفت السبب .. فقد بطل العجب !

كذلك هناك لاءات مهمة أريد ان أذكرك أنت بها  :

–       لا تنصحه .. لا تقدم لمريض السرطان نصائح هو لم يطلبها  . حين انتشر خبر مرضي صار كل من يكلمني يعظني ويأمرني بالصبر ، ومع أني لم أكن أشتكي بفضل الله إلا أني كنت آخذ أمرهم لي بالصبر باستخفاف ولسان حالي يقول : ” عارفة .. إيش حأسوي غير كدة يعني ؟” ، ولكني عندما هاتفت الدكتورة سامية العمودي والتي أصيبت بسرطان الثدي وعافاها الله ، وحدثتني عن الصبر فقد وقع كلامها على قلبي كوقع القطر على الأرض الجدباء .. نعم . هذه امرأة جربت الألم والهم والمعاناة وصبرت .. هذه التي تستحق أن أستمع لنصحها .

–       لا تكذب عليه .. إذا اشتكى من خوفه من الكيمو أو من الألم أو من الموت وكانت حالته متردية بالفعل فلا تعطه وعوداً أو أوهاماً كاذبة هو يعلم يقيناً أنها ليست كذلك . هو لا يعبر لك عن مخاوفه لأنه يريد أن يستدر عطفك أو يطلب اهتماماً منك ، وإنما هو يعبر عن نفسه ، فلا تكذب عليه وتقول : لن تموت ، لن تتألم  ، ستكون طيباً ..سيعلم أنك تكذب عليه . الأفضل أن تستمع له بصمت وتدعه يتكلم ويعبر عن نفسه .. لا يلزم أن تعطيه حلاً .. اسمع منه فقط .. وإذا أبيت إلا أن تعبر ، فإذا اشتكى من خوفه من الألم مثلاً ، فلا تقل : لا تخف ، وإنما قل : الله يعينك ، هو مخيف فعلاً ، أو طهور إن شاء الله ، أو أجر وعافية .

–       لا تخبره بما قد يؤلم قلبه من الأخبار .. حينما كنت لا أزال في مرحلة الفحوصات وقبل تلقي أي علاج حدثت حادثة سيول جدة ، وبعدها بعدة أسابيع أصاب جدة أمطاراً غزيرة أخرى وثارت مخاوف من حدوث سيول جديدة .. أذكر جيداً كيف آلمني قلبي في تلك الفترة وكيف أني اكتئبت وبكيت وأحسست بدنو الأجل . ليلتها هاتفني ابني خالد وأحسست أنه ود أن يطير إليّ من المدينة ليهزني من كتفي يأمرني ألا أستمع للأخبار .. مريض السرطان يكون حساساً جداً ، فيحسن بك أن تكلمه بأحاديث خفيفة ومرحة . ويقع بعض الناس في خطأ عظيم حين يخبرون مريض السرطان أن لهم عماً أو خالة توفي بمرض السرطان ، أو أن ابن عم صديق أبيك أخذ الكيماوي وعانى الأمرّين منه أو أن جارة جدتك قاست كثيراً من السرطان . أفهم أنك تقصد خيراً ، وأنك قد تقصد إخباره بأن حاله أفضل من حال أولئك ، ولكنك في الحقيقة تفعل أسوأ ما يمكنك فعله . مريض السرطان يعلم بخطر مصابه إلا أنه يتجاهل ويتغافل عن حقيقة إمكانية أن يموت بسبب السرطان ، ويظل يدفع هذا الاحتمال لأنه إذا ظل يفكر فيه فإنه لن يتمكن من العيش بهناءة .فإذا سمع قصة شخص توفي بأي سرطان فإن هذا يقوض خط الدفاع الذي أقامه حول نفسه بالتجاهل ويعيده مرة أخرى للدقيقة التي تم تشخيص المرض فيها ، ويضع نفسه مكان هذا المتوفى وتسوء نفسيته . هل أفشي سراً لو أخبرتك أني الآن ، وبعد مضيّ سنتين من انتهاء علاجاتي إلا أني لا يزال كياني يتزلزل إذا ما سمعت بخبر وفاة مريض بالسرطان ، أو انتشار المرض في جسده .

تذكير أخير :  انتبه على كلامك ، فبه قد تعين المريض وبه قد تخذله .

Read Full Post »

هذه الأيام التي ستقدم علينا أيام كالذهب في نفاسته ، وفرص لا يكاد يفوتها أولو النهى .

بالمعيار الدنيوي هي أعظم من فرص التخفيضات للمحلات الراقية حين ينخفض ثمن الحقيبة التي تباع عادة بخمسة آلاف ليصل إلى الألف .

ولكن للأسف فإن الناس تتهافت على شراء هذه الحقيبة تهافت الفراش على النور ، في حين أن أيام الذهب تكاد تمر دون أن يحُفل بها ، إلا ما كان من أمر الصيام تأسياً واستئناساً ببقية الناس .

هذه الأيام تعيد شحذ الهمم والطاقات الروحانية و التي بدأت بالتخلخل بعد انتهاء رمضان ، وعلينا –كعقلاء- أن نستغلها فيما شرعها الله من أجله .

ومن المتقرر أن العبادات وإن تفاوتت في رتبها إلا أن أداء العبادة في وقتها يرفع من رتبتها لتفضُل على غيرها .

فإذا كانت قراءة القرآن من أعظم الذكر ، فإن ترديد الأذان والدعاء بعده يكون أعظم من قراءة القرآن في تلك الأثناء لأن وقت الترديد خلف المؤذن يفوت .

فكذلك العمل الصالح في هذه الأيام من أعظم ما يشغل المرء نفسه به لينال حب الله تعالى .

كنت أقرأ كلمة كتبتها في مذكرة جوالي سمعتها من أحد الدعاة تقول : إن من إجلال الله ألا تجعل له الفضلة : لا تقرأ القرآن فيما بقي لك من الوقت ، ولا تتصدق إن بقي مال من مصروف البيت ، ولا تصم لأن كل البيت صائم ..

لا تجعل لله الفضلة ، وإنما اجعله مقدماً ، وانتظر البركة ، وفي هذا إحسان ظن بالله .

فأنت حينما تقتطع من مصروف بيتك مبلغاً معيناً ولنقل مئتي ريال شهرياً ، تخرجه قبل أن تتجه إلى البقالة الكبرى لشراء المستلزمات الشهرية خالصاً لوجه الله تعالى تبتغي به أن تفك كرب مسلم ولو أفضى إلى التضييق عليك بعض الشيء ، فهل تتوقع بعد ذلك أن يخذلك الله بتقصير النفقة عليك وتركك للحاجة تنهشك ؟

حينما تقتطع من أول يومك مقدار ثلث ساعة فقط لتقرأ فيها جزءاً واحداً من القرآن ألا تنتظر من الله تعالى بعدها أن يبارك لك في باقي يومك ؟

اجعل الله تعالى ورضاه مقدماً على كل شيء .

صم في هذه الأيام لأنها أيام يحب الله تعالى فيها العمل الصالح .

تصدق لأنك تريد أن يكرمك الله كما أكرمت عباده ، ويفك كربك كما فككت عنهم كروبهم .

ضح بجزء من وقتك لأنك تريد أن يبارك الله فيما بقي .

نوّع في العبادات ، فمن رحمة الله أن شرع لنا كماً من العبادات لتناسب مختلف الشخصيات والاهتمامات والقدرات .

لا يقتصر العمل الصالح على العبادات المعهودة المعتادة ، جرب أموراً أخرى .

ما رأيك في إحياء بعض السنن التي اندثرت أو قاربت : كنفض الفراش عند النوم ، والدعاء بالمأثور عند السفر ، وكافة الأذكار غير أذكار الصباح والمساء ( عند الدخول و الخروج من المنزل ، عند لبس الجديد ، عند النظر في المرآة ، عند الجماع .. الخ ) ، وصلاة الضحى أو الوتر في السيارة أو الطيارة عند السفر .

ربما تفضل الدعوة إلى الله – وكلنا يستطيعها مع تفاوت الدرجات في ذلك – فالمدونات وتويتر والفيسبوك مجالات خصبة لذلك ، ولا يكن المسلمون الجدد بأفضل منك وأكثر حماساً لهذا الدين .

أكاد أسمع صوتاً في المؤخرة لا أتبين وجه متحدثه يقول :  ما عندي علم يكفي .

فأقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سد هذا الطريق فقال : ” بلغوا عني ولو آية ” .

أفتعجز عن تبليغ آية أو معلومة صحيحة تعلمتها تحشرها في تدوينة أو تغريدة بين الفينة والأخرى ؟ أو لعلك لا تحب أن يخرب ( برستيج ) مدونتك أو تغريداتك ، وتصنَف من فئة الوعاظ ؟

ماذا عن القيام ببعض الأعمال التطوعية تبغي بها الأجر والمثوبة من الله ( لا الفلة مع الأصدقاء ) .

بإمكانك شراء كتيبات عن الإسلام بلغات الأوردو والتقالو واللغات الأفريقية وتوزيعها على العمال كلما وقفت عند إشارة مرور أو محطة بنزين ، كما يمكنك أن تدل على الخير فتبحث عن المحتاجين وتصلهم بالموسرين الراغبين في العطاء ، أو تشترك في أحد مكاتب توعية الجاليات لأداء أعمال إدارية أو ميدانية ، ولو كنت تتقن لغة أخرى فسيكون لك شأن عندهم .

وإذا عجزت عن كل ذلك ، فأجزم أن بإمكانك أن تبر والديك وتطيعي زوجك ، وتحسن أخلاقك ، وتلزم التكبير والاستغفار ، وتتصدق بعشرة ريالات ، فإن النية لو صاحبت أي عمل صحيح رفعته وجعلته عبادة.

فقط تحتاج إلى أن تستعين بالله و لاتعجز .

 العجز سمة المسلمين مؤخراً .

علينا أن نقوم بثورة من تلكم الثورات ، فنتجه بقلوبنا أولا إلى الله بالدعاء ( مع تحريك الشفاه ورفع بعض الصوت ) أن يعيذنا من العجز والكسل ، ثم نستعين بالله لأداء ما يطلبه منا إما وجوباً أو استحباباً ، فإذا فعلت فانتظر بداية النصر .

 

Read Full Post »

في عام 1985م تحالفت مجموعة من المنظمات الأمريكية لإقامة حملة وطنية كبرى ( أصبحت عالمية فيما بعد ) للتوعية بسرطان الثدي National Breast cancer awareness Month (NBCAM).كان من أهداف هذه الحملة : توعية النساء حول أهمية الكشف المبكر ، وجمع الأموال اللازمة لتمويل الأبحاث والدراسات المتعلقة بسرطان الثدي ، بالإضافة إلى إمداد المرضى بالدعم والمعلومات الضرورية ، إلا أن الهدف الأصلي لهذه الحملة كان تعزيز دور أشعة الماموغرام كوسيلة أساسية لمحاربة سرطان الثدي .

وفي عام 1993 قامت إيفيلين لودر ، نائب رئيس مجلس إدارة شركات إستي لودر المشهورة في مجال التجميل والعطور بإنشاء مؤسسة أبحاث سرطان الثدي وجعلت من الشريط الوردي علامة لها .

وفي كل عام تقام في المدن العالمية في شهر أكتوبر النشاطات التي تذكر بهذا المرض والجهود المبذولة في التوعية على مدار العام . فتقام سباقات الماراثون والبازارات ، وتكتسح الأسواق المنتجات الوردية أو التي تحمل الشريط الوردي والتي تجعل جزءاً من ريعها لتمويل الأبحاث وترتيب زيارات مجانية للنساء لإجراء الماموغرام ، وتضاء بعض المباني المشهورة باللون الوردي كالبيت الأبيض  ومبنى الإمباير ستيت في الولايات المتحدة ، وقصر باكنغهام البريطاني وبرج العرب الإماراتي ، وغيرها من المعالم العالمية المشهورة .. كم اشتهيت أن أرى قصر المصمك أو برج المملكة يضاءان بالوردي ..

وفي عام 2004  قامت هند البرعي الطالبة في مدرسة ثانوية في ولاية ميزوري الأمريكية بإنشاء ما يسمى بيوم الحجاب الوردي شاركت فيه مع مجموعة من الناشطات ( والناشطين ) في الفعاليات القومية للتوعية بسرطان الثدي مرتديات حجاباً (وطواقي) وردية في محاولة جيدة لإثارة فضول الشعب الأمريكي للسؤال عن هذه الشعيرة وعن الإسلام .

الكثير والكثير يتم ترتيبه من أجل التوعية في مجال سرطان الثدي والذي أدى إلى زيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر وبالتالي سرعة معالجة المرض وانخفاض معدل الوفيات بإذن الله تعالى .

في شهر ذي القعدة من عام 1430هـ وأثناء قيامي بالكشف المنزلي للثدي اكتشفت ورماً صغيراً  بحجم حبة الليمون بنزهير أو كرة الطاولة . كان ورماً صلباً  كحبة الجزر لا رخواً ولا ليناً ، ثابتاً لا يتحرك تحت أصبعي . لم يكن ثمة ألم ولا إفرازات .. ورم فقط ، كان اكتشافي لذلك الورم  بوابة لدخولي عالم جديد ..

حينما زرت الطبيب ليشخص الورم سألته : هل سأعيش إلى سنة ؟ فضحك الطبيب وقال : يا شيخة أذكري الله .

بعد ذلك بثلاثة أسابيع دخلت دوامة مرض السرطان من فحوصات وعلاجات . كان لا بد لي أن أواجه هذا الشبح المروع الذي يجثم على (صدور) النساء ، وفي ذهني الآلاف من الصور السلبية التي تلقيناها من الإعلام والناس من حولنا والتي مفادها شيء واحد : السرطان يعني الموت .

 لوهلة كدت أنجرف وراء ذلك التفكير إذ لم تكن لدي معلومات كافية عن السرطان أبداً –وأنا التي كنت أعد نفسي من فئة المثقفين –  كما أن فكرة الإصابة بالسرطان لم تكن واردة في ذهني ألبتة ، فهذه الأمور السيئة تحدث للآخرين فقط ، فلم يكن ثمة داع للقراءة فيها . ولكني لما شُخص ورمي تأكدت أن هذه الأمور قد تصيبني أنا أيضاً ، وكان علي أن أختار أحد طريقين : إما الاستسلام للنظرة السوداوية السائدة  – وقد كدت بالفعل حين كففت عن شراء أي شيء شخصي حتى لا أبدد أموال (الورثة) – أو أن أقف لأحارب المرض وأنقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى لي من أيام قلّت أو كثرت .

 قرأت في إحدى الكتب مقولة أرشدتني للطريق الصحيح : لا يختار المرء متى يموت وكيف ، ولكن يمكنه أن يختار كيف يعيش.

 اخترت أن أعيش في نور العلم ، إذ أن ظلام الجهل يعطي تصورات خاطئة وقد يعطي أبعاداً للمرض أكبر من حجمها. بعض الناس يموتون لا لأجل المرض ولكن لأجل الخوف والجزع والوهم الذي يقتل ببطء .

من قال أن السرطان يميت بالضرورة ؟ أنظر حولي وأرى الكثير والكثير من النساء اللاتي تجاوزن هذه القنطرة بسلام واستعدن حياتهن الطبيعية . علمت أن المشكلة في مجتمعنا في الموروثات التي تجعل السرطان عند الناس البعبع المخيف الذي يخشى الناس من ذكر اسمه صريحاً فيكتفون بالإشارة إليه (بالخبيث) كما يسمون الجن (بسم الله) .

كل يوم يمر أقرأ فيه الجديد من المعلومات والتلميحات المفيدة في مواقع السرطان الأمريكية كان يشعرني بحاجة مجتمعنا الشديدة إلى نشر ثقافة السرطان بطريقة أكثر جدية وفائدة من بيع الدبابيس الوردية الأنيقة في البازارات وتسلق جبل إيفرست وإنشاء أكبر شريطة وردية في العالم ..

كل يوم أطلع في الانترنت على إلمام المريضات الأمريكيات بأنواع العلاجات التي يتناولنها ومراحل مرضهن وتشاورهن مع أطبائهن بشأن خطط العلاج وتعامل الأهل والأقارب مع المرض ، والمئات من الكتب التي تتكلم عن السرطان في جميع مجالاته وجزئياته بلغة موجهة للعوام ، والآلاف من مقاطع الفيديو المعدة بعناية لتثقيف المريض ومن يرعاه في كل شيء يمكنك أن تتخيله ، كل ذلك كان يصيبني ببعض الإحباط أن لا زال الوضع في مجتمعي مبهم وعائم .

 أين الجهود الحثيثة في التوعية ؟ أين دور مراكز الأورام في التثقيف الصحي ؟ أين دور رجال الأعمال والبنوك والشركات في خدمة مجتمعاتهم ؟ ما هو دور الجامعات في التوعية ؟ ماذا عن الإعلاميين؟ حينما أقيم ملتقى المتعافين من السرطان في الرياض في شهر جمادى الثاني عام 1433 هـ عبّر في تويتر الدكتور عصام مرشد @emurshid  رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للأورام وأحد الأطباء المنظمين للملتقى عن ضيقه وخيبة أمله من رفض بعض المشهورين لتقديم فقرة إلا بمبلغ مالي لا يتناسب مع طبيعة الملتقى الخيرية غير الربحية ، في الوقت الذي قام فيه  بعض الأطباء بالتبرع من أموالهم للمساهمة في إقامته !!

نساؤنا يرفضن إجراء الكشف المبكر خشية اكتشاف المرض ، المتعافيات لا يردن الحديث عن  تجاربهن لأنهن يتمنين طي هذه الحقبة من حياتهن للأبد ( مع أنهن بالأمس القريب كن يبحثن عمن يقدم لهن الأمل ) ، السرطان لا يزال يرتبط في أذهان الناس بالموت ، المكتبات العربية تعاني من القحط والتصحر في الكتب التي تتحدث عن السرطان بشكل مبسط يفهمه العامة ، والمريض الذي أصيب يتخبط بحثاً عن المعلومة الموثقة بلغة يفهمها لأنها عربية أولاً وسهلة ثانياً .

أنا أتقن الانجليزية وأعرف كيف أستخرج المعلومات التي أحتاجها من مظانها ، ولكن ماذا عن الآلاف من النسوة اللاتي لا يكدن يجدن المعلومة بسبب انشغال الأطباء بالكم الهائل من المرضى الذين ينتظرون خارج العيادات ، وبسبب ضعف الإعلام في تغطية هذا المجال مقارنة بمجال الرياضة ( وكرة القدم على وجه التحديد) والفن  ، وبسبب اقتصار دور المستشفيات ومراكز الأورام على تقديم العلاج وبعض النصائح داخل المركز وعلى نطاق ضيق .

سنة كاملة عايشت فيها الفحوصات المختلفة والعلاج الكيماوي وعملية استئصال الثدي والعلاج الإشعاعي . كان رفيقي في هذه السنة : مواقع السرطان الأمريكية ، وكتب كنت أشتريها عبر موقع أمازون والتي تتحدث عن شتى المجالات، فهناك كتب كاملة ومفصلة للعوام عن العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي ، وأخرى عن العملية الجراحية ، وثالثة مصورة عن التمارين الرياضية  التي تحتاجها المرأة بعد إجراء عمليات الاستئصال والترميم ، بل واشتريت كتاب طبخ خاص بمرضى السرطان يذكر فيه الكثير من المعلومات الغذائية الهامة ووصفات صحية تناسب مرضى السرطان في إخراج فني احترافي راق. كما رافقتني في تلك الفترة المدونة التي أنشأتها في البداية والتي كنت أصب فيها مشاعري وأحداثي اليومية لأتلقى الدعم المعنوي من الأهل والأصدقاء.

 تغيرت حياتي كلية بعد الشفاء .. فبعدما أحسست أن الحياة تتفلت من يدي صرت أبحث عن أشياء مثيرة لأستمتع بها. صرت أهتم بالتثقيف والتوعية ، ولذلك حولت مدونتي تلك إلى كتاب أسميته  الحياة الجديدة ، أيامي مع سرطان الثدي ،  وضعت فيه كل ما مررت به من فحوصات وعلاجات وآثار حتى تطلع المرأة العربية على ما اطلعت عليه لعلها تستفيد كما استفدت، وصرت أهتم بالرياضة والتزام الطعام الصحي قدر الإمكان  ، استأنفت دراستي الجامعية عن بعد وصرت أبحث عن نشاطات تشعرني بالإنجاز ، كل إنجاز أقوم به ولو كان تدوينة تلقى إعجاباً من القراء ، ولو كان كيلوغراماً أفقده من وزني ، ولو كان جزءاً من القرآن أنهي مراجعته ، أي إنجاز كان يشعرني بالرغبة في الحياة التي كدت أفقدها لولا أن منّ الله علي .

ولا زلت أتساءل بحسرة : متى تنتشر ثقافة السرطان بشكل جاد ومدروس في بلادنا ؟ متى نجد أطفالنا وشبابنا يفهمون تداعياته ، ويجد المريض فرق الدعم support groups  منتشرة في كل مكان ، وتقام الفعاليات المستمرة ويعتاد الناس سماع اسمه حتى لا يعود شبحاً مرعباً ترتعد له الفرائص وتنقبض منه القلوب  ، وتمتلئ أرفف المكتبات بالكتب التي تتناول جوانب هذا المرض حتى لا يعود مريض السرطان يشعر بالغربة ، فهاهو الكتاب الذي يخصه جنباً إلى جانب كتاب يتحدث عن الروماتويد أو تصلب الشرايين أو السكري .. أمراض مزمنة وخطيرة ، لكنها ليست قاتلة بالضرورة . متى تجد المريضة المحلات المتخصصة في بيع مستلزمات (السرطان) متاحة في جميع الاسواق ، وتقيم المستشفيات ومراكز الأورام الدورات لعامة الشعب للتثقيف في هذا المرض وطرق التعامل مع المريض . متى يتمكن المريض من الاستمتاع – ولو جزئياً- بحياته ويقيم إنجازاته بعيداً عن الهموم والمخاوف  في مجتمع واعٍ ومثقف.

متى سيتعاون الجميع للتصدي لهذا العمل البطل وتحقيق أحلامنا ؟

من سيجعل حياة نسائنا وأُسَرهم وردية ؟

Read Full Post »

كنت في الخامسة والعشرين من  عمري حينما قابلت مرة ابنة خالتي التي تعيش في مدينة ثانية . كانت تكبرني بست عشرة سنة ، وكانت قد اتبعت حمية غذائية ورياضة مستمرة ، صبغت شعرها وارتدت ثوباً جميلاً فهتفت بها : إيش الحلاوة دي يا أبلة ما شاء الله ؟ فقالت لي ضاحكة : الحياة تبدأ بعد الأربعين .

علقت جملتها هذه في ذاكرتي طويلاً ولا أدري ما السبب ، فأنا في ذلك الوقت كنت بعيدة جداً عن الأربعين .. أو على الأقل يُخيل إلي ذلك . وتمضي الأيام سريعة إلا أنها لم تكن بالسرعة الكافية التي تلهيني عن رؤية الخطوط الدقيقة التي بدأت بالظهور على جانبي عيني ، ولا غزو الشعيرات البيضاء لرأسي ، ولا ظل ظهري المحني قليلا على أرض الممشى ، ولا اضطراري لخلع النظارة كلما أردت أن أقرأ شيئاً قريباً. لم تفُتْني كل هذه المظاهر التي يؤكدها نداء حفيدتيّ ” يا جدة ” وكتابتي في خانة العمر في استمارة عبأتها قريباً : 46 سنة .

لسبب ما تذكرت جملة ابنة خالتي : الحياة تبدأ بعد الأربعين ، فهل بدأت حياتي أم أنها قاربت على الانتهاء ؟

تحرياً للدقة فإني أقول إن حياتي شارفت على الانتهاء قبل سنتين ونصف حينما أصبت بسرطان الثدي , إلا أنها بدأت من جديد بعد الشفاء . لا أخفيكم أني أدندن كثيراً على تقدمي في السن ، ولعل مرد ذلك اعتقادات مسبقة سببتها الرسوم الكاريكاتيرية والإعلام أن من تعدى الأربعين فقد بدأت رحلة نهايته .

 في الأدب الانجليزي –وأعتقد في كل الآداب – نجدهم يمثلون الشباب بفصل الصيف وشمس الظهيرة ، والكهولة بفصل الخريف والشمس الآفلة  .

حسناً ، قد يكون في تلك الاعتقادات بعض الصحة ، ولكن هذا لا ينبغي أن يحملنا على ترك الحياة ، بل العمل للآخرة مع عدم نسيان النصيب من الدنيا.. على الأقل هذا ما فهمته مؤخراً .

لماذا يسود هذا الظن عند الكثير من الناس ؟ لماذا يربط بعض الناس التقدم في السن بالعجز الجسدي والفكري ، فتجدهم تلقائياً يغلقون نوافذ التطور والتجديد في حياتهم بحجة السن ؛ النساء يرفضن ارتداء الألوان الزاهية ( عشان إيش يقولوا الناس ؟) والرجال لا يكادون يفلحون إلا في خوض غمار المراهقة المتأخرة واللحاق بما فاتهم من المتع . كلا الجنسين لا يحاولون تطوير أنفسهم في مجال العمل مكتفين بإنجازات الشباب ، عدم مواكبة العصر الحديث تقنياً وثقافياً، فقدان الرغبة في تغيير نمط الحياة مفضلين البقاء على روتينهم المعتاد ، عدم القدرة على التوافق مع شريك الحياة وكثرة الخلافات الزوجية بسبب عزوف المرأة عن الرغبة الجنسية إما زهداً فيها أو انصرافاً عنها إلى الأولاد والأحفاد ، وإقبال الرجل على ذلك في محاولة للتشبث بالشباب المتفلت ، العناد بدلاً من التفكير ، والسخرية من المخالف بدلاً من محاورته، والانغلاق على النفس أو على فئة معينة من الأصدقاء بدلاً من الانفتاح وتجربة مذاقات جديدة للحياة .

أليس من المفترض أن تكون الأربعين نقلة إلى حياة أفضل ، حيث تزداد الحكمة ويستقر الفكر ويستفاد من الخبرات والتجارب ؟

باعتقادي أن ما نراه من بعض النماذج السلبية يرجع سببها إلى الشخصية أولاً ، إذ أن الشخصية ؛ عيوبها ومحاسنها تتضخم بتقدم المرء في السن ، فإذا كان سلبياً فلن تزال سلبيته تتضاعف حتى تنسد السبل في وجهه وتضيق عليه الدنيا برحابتها ، ومثل هذا يكون عجوز القلب ولو كان في ربيع العمر ، أما لو كان إيجابياً فسيعيش في ظلال إيجابيته حياة معطاءة وسينعم بنجاحات متوالية  تنسيه سنه الحقيقي فيبقى قلبه في شباب دائم .

إلا أن الشخصية ليست هي العامل الوحيد ، فهناك الثقافة التي تحدد توجهات الفرد ، و المجتمع الذي يثبط أو يشجع .

حين ننظر إلى كبار السن في الدول الأمريكية والأوروبية نجد أن حياتهم الحقيقية تبدأ بعد الأربعين ، حين يكبر الأولاد وتتحقق الإنجازات وتنضج الشخصية عندها يركن الفرد إلى الاستمتاع بالحياة ، إما عن طريق تجربة أشياء جديدة لم يجربها من قبل ؛ سفر ، طعام جديد ، مزاولة رياضات ، أو عن طريق إنجازات تعيد الحيوية إلى عروقه كالأعمال التطوعية وخدمة المجتمع ، وهو إن فعل ذلك فإنه يجد المجتمع الذي يشجع ويكافئ مادياً ومعنوياً على هذا التوجه فيستمر في العطاء حتى يصاب بالعجز أو الزهايمر !

أذكر أن والد امرأة أخي الهولندية كان يزاول رياضة التنس وهو في الثمانين من عمره ولم يتوقف عن ذلك إلا حين أصيب بمرض السرطان الذي توفي به ، بل كان يقود دراجته بعد أن أصيب بالزهايمر ويضيع أحياناً عن منزله ، ونحن نعد من يحافظ على رياضة المشي فينا وهو في الخمسين شخصاً “رياضياً” !

إلا أن الوضع ليس بهذا السوء عند الجميع ، إذ لا ينحى كل الأربعينيين والخمسينيين ومن فوقهم منحى ( كذب الكذبة وصدقها) ، وإنما كثير منهم بدأت حياته الحقيقية عندما أسن . هم أولئك الذين يعتقدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) رواه أحمد وصححه الألباني . هم أولئك الإيجابيون الذين يرون أنه طالما بقي في الصدر نفس يتردد ، وفي الجسد بقايا من قوة ، فلابد من  العطاء . هم الأشجار التي تحب أن تموت و اقفة  .

حدثتني صديقتي اليوم عن قريبة زوجها ، طبيبة تخصصت في الأشعة ، وبعد التقاعد من العمل الحكومي وتزويج الأبناء عملت لفترة في القطاع الخاص ، ثم انخرطت في العمل مع الجاليات ومكاتب الدعوة . هذه امرأة لم تدع سنها يقهرها ، وإنما هي من اتخذت المبادرة وجعلت فراغها من شغلها ومن مسؤولية الأطفال ميزة أحسنت استغلالها .

كل يوم أرى في الممشى نماذج جميلة لكبار في السن يمشون يومياً ، وبعضهم يمشي ( كالطلقة ) في سرعته ونشاطه مما يجعلني أتمتم بالتبريك عليه ، ولم يحملهم سنهم على الخلود في المنزل انتظاراً لهجمة الروماتويد .

ابنة خالتي إياها ، أنشأت مواقع على الشبكة العنكبوتية للتعريف بالمملكة العربية السعودية ودين الإسلام باللغة الانجليزية وموقعاً آخر لأشغالها الفنية . كما أنها ناشطة اجتماعياً في حيها السكني حيث تقوم بتعليم الانجليزية لفتيات الحي عن طريق المحادثة والمحاورة ، ولها حلقة تحفيظ قرآن في أحد المساجد .

 أذكر جيداً كم كان يلفت نظري مشهداً كنت أراه أيام سكني في عنيزة في العقد الماضي .ففي الحين الذي كان يخرج (الشيّاب) من بعد صلاة العصر ليجتمعوا أمام أحد البيوت ( يتقهوون ويسولفون) حتى صلاة العشاء ، كان الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله –وهو في مثل سنهم- يجد الخطا على رجليه غالباً من بيته إلى الجامع الكبير حيث يقوم بتدريس طلبة العلم بعد صلاة العصر والمغرب والعشاء يومياً . كنت أرى هذه الفروق في النفسيات ، ففي حين كان الشيبان يبدون كما لو أنهم فرغوا من مهامهم في الكد لتحصيل لقمة العيش وتزويج الأولاد وأحيلوا إلى التقاعد وجلسوا ينتظرون الموت ، كان الشيخ رحمه الله كأنه يخطو في كل يوم خطوة إلى الجنة ، يعلم الناس ، ويصل رحمه ، ويشفع للمحتاج ، حتى بعد أن مرض كان يصر على التعليم كلما وجد في نفسه قوة على الكلام حتى كان آخر درس ألقاه في رمضان ليلة العيد وهو لا يكاد يتكلم من التعب ، وتوفي بعد ذلك بأسبوعين .

هل أذكر أمي الحبيبة التي كانت تستغل مواهبها الفنية فتشتري الصوف لتصنع منه قمصاناً وبناطيل ترسلها لنا لنوزعها على طلبة العلم المحتاجين في عنيزة ، وكانت تصنع بكلات الشعر وتبيعها ثم تضع ثمنها في صندوق جعلته قرب باب الدار لجمع التبرعات والصدقات . كانت تتسلى وتتصدق ولم تدع فرصة في يوم لأن يثنيها السن أو آلام الكهولة عن ممارسة الحياة . والآن حين وهن عظمها وثقلت عليها الأشغال الفنية أصبحت أكثر تطوراً وقامت بنقلة نوعية هائلة في التجديد ، إذ انضمت إلى فيس بوك وفتحت حساباً في انستاغرام وأخيراً في تويتر ، وأصبحت أمي الجدة الكول.

أعود إلى نفسي وأقول : نعم ، كنت عجوزاً قبل السرطان ، فلما مرضت أحسست أن هناك  الكثير من جمال الحياة قد فاتني ، لعل أعظمها : الإحساس بالإنجاز .

ما ذلك الوهم الذي عشت فيه ؟ أني كبرت لمجرد أني تعديت الأربعين ؟ أني صرت جدة فعليّ أن أتصرف كما تتصرف الجدات : يسيطر عليهن الضعف والوهن والصوت المرتعش .. أني سأموت قريباً .. ومن يدري متى سيموت .

حين أصبت بالسرطان وشارفت على الموت فعلاً ثم ردني الله تعالى إلى الحياة قررت أن أعيش الحياة .

كان أول ما قمت به هو تأليف الكتاب الذي يحكي قصتي مع المرض : الحياة الجديدة .. نعم .. كانت بداية حياة جديدة . حياة مليئة بالتطلعات لإنجاز شيء جديد كل يوم . ألفت الكتاب أثناء المرض ، تعلمت مبادئ التصوير الاحترافي ( وأنا التي كان عقلي ينغلق تلقائياً لأي كلام في التقنية ) ، ساهمت في إنشاء مجتمع طهر لمرضى السرطان وقمت بترجمة العديد من المقالات التي تهتم بالسرطان من المواقع الأمريكية المعتمدة ، عدت إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد انقطاع دام 27 سنة  وصرت طالبة في سن جدتي ! زاولت رياضة  المشي يومياً ، استمتعت بركوب الدباب في البر ، والأدهى من ذلك أني ركبت القارب في ينبع أخيراً . أنا التي كنت أرفض رفضاً قاطعاً ركوب القارب لخوفي الشديد من البحر وعدم اتقاني السباحة ، وأؤكد لكم أن تلك الرحلة كانت من أمتع الرحلات في حياتي .. كادت أنفاسي تتقطع من الإثارة .. ها أنا الآن أتغلب بفضل الله على خوفي القديم . أواه كم من المتع ضيعت على نفسي .

والآن أشعر بفخر شديد وأنا أصف نفسي في تويتر بأني الجدة الكول . صدقوني ، كم هو جميل أن يكون المرء كبيراً و كول في الوقت ذاته !

أستطيع أن ألحظ بجانب عيني فخر أولادي بي .

أسعد كلما وصلني تعليق يثني على كتابي ، أو أقوم بتصوير صورة جميلة تلقى إعجاباً ، أو أنهي جزءاً متقناً من القرآن وتثني شيختي على أدائي في درس السند الذي بدأته العام الماضي ، أو أفقد كيلاً من وزني كل أسبوعين ، أو تشكرني إحدى المريضات على استشارة طبية سرطانية ..

بقي لي من المتع ما أسأل الله أن يقر عيني به قبل أن ألقاه : أن يسلم بسببي وعلى يدي بعض الأشخاص ، أسمع شهادتهم بأذني ، وأمسح دموع الفرح بيديّ ، هنا أكون قد عشت الحياة الحقيقية بعد الأربعين .

Read Full Post »

اعذروني على اختيار عنوان كهذا ، ولكني أعاني من متلازمة : اختيار-الموضوع-العنوان-المقدمة-الخاتمة .

قبل عدة أيام شاهدت في قناة ماسة المجد فيلماً أعده مكتب توعية الجاليات بالطائف ويسمى همة شبل  يحكي باختصار عن الولد الذي يحاول أن يدعو سائقه الفليبيني إلى الإسلام ويهديه الكثير من الكتب الدعوية ولكن السائق يأبى أن يقرأ

خيل إلي وقتها أن تساؤلاً أثير في نفس الولد : لماذا لا يقرأ السائق الكتب التي أعطاها إياه ،وفي الوقت ذاته ثار في نفسي تساؤل مشابه : لماذا لا يقرأ الكثير من المسلمين عن دينهم ليتعلموه ؟ لماذا صار تعلم الدين أو معرفة أسماء الله وصفاته أو أي شيء يمت للإسلام بصلة قريبة أو بعيدة ثقيلاً على نفوس الكثير ( ولا أريد أن أقول أكثر أو أغلب ) من الشباب؟ كيف يمكن للشباب أن يعبدوا ربهم على بصيرة إن هم لم يقرؤوا ولم يتعلموا أو على الأقل يستمعوا لمن يعلمهم؟

باختصار : لماذا يهربون من الدين ؟

هل هم يهربون من التعلم هرباً من التطبيق ؟

هل هم يهربون لأنهم يودون أن يعيشوا في أهوائهم دون أن يشعروا بالذنب ؟

هل هناك تلبيس شيطاني أنك لن تحاسب على الأحكام التي لم تطبقها لجهلك بها ، ولكنك لو تعلمت ولم تطبق فستحاسب ؟

كالعادة توجهت إلى تويتر وطرحت هذا السؤال وتطايرت عليّ الإجابات .. بعضها كنت أعرفه مسبقاً ، والبعض الآخر فتح لي آفاقاً جديدة أنثرها كلها بين أيديكم ، فالموضوع مقلق ومزعج خاصة لو وضعنا في الحسبان دائماً قوله تعالى : (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ) وقوله ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم تُوفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) وأكاد أسمع تلك الأصوات المتذمرة في عقول البعض : يوووووه ، هذه تدوينة وعظية ، فأقول لكم : لا .. هي ليست وعظية ، ولا أفلح في الوعظ كثيرا على أية حال، وإنما هي محاولة لوضع اليد على أسباب ( بدء ) تخلي بعض الشباب عن دينهم وأعتقد أنه أمر خطير .

-قد تكون أهم الأسباب عن الكثير من الشباب هو عدم الحصول على التربية الصحيحة .. وقبل أن يثور عليّ الآباء محتجين بأنهم فعلوا كل ما بوسعهم لمنح أبناءهم هذه التربية ، أقول : مهلاً .. أنا في معسكركم . أعترف-وبكل أسف- أني لم أحسن تربية أولادي دينياً بشكل صحيح . لي خمساً من الأولاد البالغين ، ليس فيهم ملتزماً إلا ابنتي فاطمة . ربيتهم تربية ( كنت ) أراها مثالية : حفظتهم القرآن والمتون العلمية ، جاهدت على أن يتزيوا بالزي (الإسلامي) من شماغ بدون عقال وثياب قصيرة (جداً ) ، ونزهت أسماعهم عن سماع الأغاني وأبصارهم عن مشاهدة جميع أنواع البرامج المصورة .. باختصار: ربيتهم تربية طلاب علم .. طيب ما المشكلة ؟ المشكلة أني غفلت عن أهم سبب وهو : العناية بالقلب .

وأقول هذا لئلا يتفلسف عليّ أحد ويقول : إذن لا نفعل ، ولنتركهم يفعلون ما يحلو لهم ( لعل ) الله يهديهم يوماً من الدهر . لذلك ذكرت أني غفلت عن أهم سبب وهو العناية بالقلب : ربطه بالله تعالى ، تغذية حب الله في القلوب (أكثر من الخوف) ، مشاهدة ألطافه ونعمه ، إحسانه وكرمه ، السعي إلى مرضاته بكل وسيلة ولو صغرت ، لا بمجرد تقصير الثوب وارتداء الشماغ وعدم سماع الأغاني (مع أهميتها) . إذا فشل القلب في محبة الله تعالى كيف سيرضيه ؟

الطاعة سلوك ، وبإمكاني أن أحمل أولادي على نهج سلوك معين ، وسيفعلونه إرضاء لذاتي وغروري ولئلا يقال ابن فلانة الداعية أو ابنة فلان طالب العلم الشهير ( ماهم مطاوعة مثل آباءهم ) .

 ولكن هل هذه أولوياتي كمربي ؟ إذا شبوا عن الطوق ، وخرجوا من بيتي هل سيكملون على نفس النهج إذا لم تمتلئ قلوبهم بحب الله وتعظيمه ؟ هل هذا ما أريده ؟ هل تغيير السلوك وحده كاف ، أم أن الأجدى هو تغيير الفكر الذي يحرك السلوك ؟

لماذا مكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة يعلم أتباعه العقيدة ، وفيها نزلت سور المفصل التي تزخر بآيات اليوم الآخر والعقيدة ؟ لماذا تأخر نزول آيات الأحكام حتى نزلت في المدينة حيث فرض الصيام والحج والحجاب وباقي الأحكام .. ألا يدل ذلك على عظم أهمية ترسيخ العقيدة في القلوب ؟ هل فعلنا ذلك مع أبنائنا ؟

تغيير الفكر يبدأ بغرس تعظيم الله تعالى في نفوس الأطفال مع منعهم بحب ولطف وشيء من تغافل عن المعاصي المعروفة الواضحة، وكلما نما الطفل وتوسعت مداركه الفكرية والوجدانية زادت ملاحظته لعظمة الله وزاد تقديره له وإيمانه وأدى ذلك إلى العمل .. العمل الذي كنا نسعى له .

-التعليم الديني في المدارس – برأيي- ساعد على النفور من الدين . ففي الحين الذي تحظى به مقررات العلوم والرياضيات بالورق الصقيل والصور الجميلة والإخراج الفني الجيد للكتب المدرسية ، فإنا لا نجد ذات الأمر في المقررات الدينية ، وإنما ( دَش) متواصل ، يقطعه فاصل مزخرف هنا ، أو برواز ملون هناك .

ولو نظرنا إلى ذات المناهج تجد أن منهجي الحديث والتفسير لم يختلف كثيراً عما كنت آخذه قبل 30 سنة .. أين تطوير المناهج ؟ أين الدورات التدريبية التي تعطى لمدرسي اللغة العربية والدين ليحققوا الجودة التامة في أداء أعمالهم، أم تراها مقصورة –إن وجدت – على معلمي العلوم والرياضيات ؟ هل يحتاج طلاب المدارس لمعرفة تفاصيل زكاة الإبل والبقر والغنم والمعادن ، وأنواع البيوع المختلفة والمعاملات كالمساقاة والإجارة والمخابرة والحوالة ..الخ

ألا يحتاجون لزيادة ترسيخ أسماء الله وصفاته ( المهمشة مع شدة أهميتها وكونها القسم الثالث من أقسام التوحيد ) وترسيخ فقه الأخلاق والتعامل والذي تحاول مادة التربية الوطنية يائسة أن تدلي فيه بدلو .

حين يتشبع الطالب من حفظ أرقام وأحكام ومصطلحات شرعية يعلم جيداً أنه لن يحتاجها ( على الأقل الآن ) وأنه إذا احتاجها فبإمكانه أن يستخرجها من أقرب طالب علم أو من النت ، فإنه يُزرع في قلبه أنه (ليس محتاجاً ) لهذا الدين الذي فُرض عليه فرضاً ، وهنا تزداد الهوة اتساعاً .

– وفرة الفتاوى في وسائل الإعلام المختلفة والتي تلغي في نفس الشاب/الشابة أهمية البحث والقراءة وتعلم أحكام الدين، إذ سرعان ما يجد ما يريد من معلومات بضغطة زر .. زر ريموت أو زر كمبيوتر . ومع أني لا ألغي أهمية برامج الفتوى إلا أني أرى لها بعض السلبيات ، منها تضارب الأقوال في حكم واحد مما يدفع ببعض الناس إلى اختيار الأسهل . لا مشكلة عندي من اختيار الأسهل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما .. ولكن المشكلة : هل هذا الأسهل الذي اختاره السائل ليس إثماً ؟ هل يعضده دليل قوي من القرآن أو السنة أو فهم السلف الصالح ؟ ألا يخالفه ما هو أقوى من  النصوص الصحيحة ؟ والأهم من ذلك : هل يحقق هذا الاختيار التقوى والعبودية التي هي المقصد الأعظم من خلق الكون ؟ هذا المقصد غفل عنه الكثير من الناس فصاروا لا يفتشون إلا عن من (يحلل) لهم الأحكام ( المعقدة ) ويغفلون عن تحقيق التقوى .

-لعل من أكثر الأسباب التي أشير إليها في استفتائي : الأسلوب ! كثيرون يعانون من أسلوب طرح الخطاب الديني (الممل) ( غير المفهوم) ( المتعالي ذي الوصاية ) . لنكن واقعيين .. هذا زمن الإعلام الجديد  ، وعلى العلماء وطلاب العلم أن يعوا ذلك جيداً . شبابنا فيهم خير كثير ، وأنا أرى ذلك في تواصلي مع الكثير منهم في تويتر ، ولكن الأسلوب يتعبهم .. على المشايخ أن يخففوا من غلواء الإعلام القديم المتمثل في الشريط والكتاب والمحاضرة التقليدية ويجددوا أنفسهم طالما لم تكن في الأساليب الجديدة محاذير شرعية ، فالهدف ليس التمسك بطريقة طرح معينة ، وإنما الهدف هو الدعوة إلى الله ، ولذلك وسائل كثيرة بحمد الله .

لعل في خروج طلاب العلم الشباب في برامج اليوتيوب القصيرة نفع ، أو في التواصل مع الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي كفيس بوك وتويتر ( وأقول تواصل أي من الطرفين وليس مجرد تغريدات وعظية ) أو في تصوير حلقات مع شباب يتناولون أطروحات شائعة بينهم بأريحية وهدوء ومرح ، ولو كانت هذه الأطروحات تتعلق بالتوحيد والإلحاد ، ولو كانت تتعلق برفض بعض تعاليم الدين ، فالهدف أولاً وأخيراً توجيه الشباب ، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة ما يدور في رؤوسهم  .. أو لعل بعض طلبة العلم يعمد إلى تأليف كتب شرعية بأسلوب مبسط ولا بأس من بعض الصور التوضيحية والكثير من الأمثلة الواقعية العصرية ، والبعد التام عن المصطلحات الغريبة والأمثلة النادرة .. باختصار مراعاة كونهم يخاطبون بكتبهم وبرامجهم هذه شباباً لا يعرفون الكثير عن دينهم ( ويودون أن يتعلموا ) وليسوا طلبة علم .

وبدي لو شاهدتم هذا المقطع للشيخ  سامي الحمود  لترون ما أقصد

-الصحبة .. الكلمة السحرية التي يحبها جميع الواعظين والدعاة .. ولكن علينا أن نكون منصفين ونعترف ( ولو في دخيلة أنفسنا ) أن للصحبة دور كبير في تحديد الاتجاه .. قد يتجه الشاب إلى الالتزام وتعلم أحكام الدين بعد (الدشرة)، وقد ينحرف عن المسار المستقيم الذي رسمه له أبواه في المنزل بسبب صاحب ساحب ، ولكلا الحالين رأينا أمثلة كثيرة.

ففي الحين الذي نرى فيه شباباً يتفقون على الالتقاء في مجمع تجاري (ليوسعوا صدورهم) ، نجد شباباً في مثل أعمارهم يتفقون على الاجتماع لحضور محاضرة أو دورة علمية .. نعم .. شباباً لا شيّاباً .. المسألة يحددها أولويات الشاب واهتماماته.

– المفاهيم التي اختلفت في تعريف الشخص الكول ، والذي يسعى لنيل هذه المكانة ( المشرفة ) الكثير .. ودعوني أؤكد لكم أنه ليس من مفردات هذه المكانة أن تكون قراءاتك شرعية للعلماء ( التقليديين ) والذين جرى ( شطبهم ) بالقلم الأحمر العريض .. قد يُتغاضى في المذهب الكولي عن قراءة بعض ( المشائخ التنويريين ) الذين قلبوا الموازين المعروفة بأفكارهم وآرائهم ( وتجديداتهم وتغييراتهم ) , وما عدا ذلك فلابد أن تنحصر القراءة في الثقافة الغربية وبعض من الأدب المعاصر.

-خلط بعض الناس بين الدين والمتدينين ، فيصدون عن كل ما له علاقة بالدين بسبب (الأخلاق) السيئة لبعض المتدينين . لهؤلاء أقول : ترى يا جماعة هما شيئان مختلفان وهذا التلازم الوهمي إنما هو كاسمه : وهم ..

نعم أعترف أن كثيراً من المتدينين قصروا الدين على العبادات والقالب الخارجي فقط وتغافلوا ( ولا أقول غفلوا ) عن موضوع الأخلاق والتعامل بينهم وبين ( الآخرين ) سواء كانوا من المخالفين ( العصاة ) أو الأهل والأقارب أحياناً كثيرة. وأقول تغافلوا لأن أمر تقويم الأخلاق أمر صعب ، فهذه طباع نشؤوا عليها ، وتغييرها يحتاج للكثير من التركيز والمجاهدة ، إضافة إلى أنها لا تظهر ( مباشرة ) في القالب الخارجي ( الملتزم ) ، كما أن البعض قد لا يتصور أثرها في الحصول على رضا الله كما تفعل النوافل والعبادات ، لذا جرى تحجيمها وتطنيشها ، وإني لأعجب أن يحدث ذلك بالفعل على الرغم من كل تلك النصوص التي تدل على أهمية الأخلاق . فكان نتيجة ذلك إعراض الكثير جداً من الناس عن الالتزام بالدين وتعلم أحكامه كردة فعل للمظاهر المؤسفة التي يرونهم ، ولهؤلاء أقول : ألا يسعك أن تلتزم بأحكام دينك وتتعلمه وتعامل الناس بخلق حسن ؟ هل يعجزك أن تتجنب الوقوع فيما وقعوا فيه ؟ أم أن حجة البليد ….!!

 

وأخيراً..  لا أقصد في هذه التدوينة التبرير لهؤلاء الشباب في عزوفهم عن الالتزام وتعلم أمور الدين ، ولكني فقط أحاول أن ألفت النظر لبعض الأخطاء التي ينبغي أن تصحح ، وإلا فعلى الشباب أنفسهم أن يعوا خطورة تجاهلهم للتعلم والتعرف على خالقهم وأحكام دينهم ، ومهما كانت أسبابهم ومبرراتهم مقنعة فإنها لن تنفعهم عند لقاء الله لأن العقل الذي حبانا الله به قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة ، أو اختيار تلك الخاطئة الأكثر لمعاناً وبريقاً زائفاً( بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره).

Read Full Post »

أثار خطاب منال الشريف في مؤتمر الحرية بأوسلو جدلاً كبيراً وازداد انقسام الناس بسببه وتفرقهم . وما كنت لأسمع الخطاب لولا أن تلقيت عبر تويتر بعض الطلبات لبيان رأيي في خطابها ، فاضطررت للاستماع إليه مرتين وأنا أضع يدي على قلبي لأجل الوقت المهدر والذي كان بإمكاني الاستفادة منه في ( قراية كلمتين تنفعني ) من دراستي .

استمعت لخطاب منال وأنا أدعو الله العظيم أن تكون أنصفت في كثير من النقاط لأستطيع أن أدافع عنها فأمحو بذلك عن نفسي وصمة التشدد والانغلاق على الرأي ، وعنها بعض ما أسمعه من اتهام بالعمالة والخيانة ، ولكني في الحقيقة لم أتمكن من ذلك .

كنت قد بدأت في تدوين بعض الردود على كلامها ، ولكن لما اتسع الخرق على الراقع آثرت التوقف عن الكتابة والاكتفاء بمجرد الاستماع ، وفي النهاية كتبت تعليقي في بضع تغريدات .

إلا أن بعض المتابعين لم يكتف بذلك وإنما طالبني – محسنين ظنهم بي – بكتابة تدوينة مفصلة أعلق فيها على خطابها ، وللأمانة ليس عندي الكثير مما أقوله ولست بالعلم الذي يخولني بالرد على خطابها ، ولكني سأحاول ذكر بعض النقاط التي خرجت بها من استماعي للخطاب وقراءة الهاشتقات التي أنشئت من أجلها .

–       أولاً شعرت باستياء شديد من اللهجة التي تكلم بها الكثير في الهاشتاقات حيث تجاوزوا الخطاب إلى الشخصنة وتناول شخص منال الشريف بالسب والشتم . أعتقد أن هذه طريقة غير ناجحة في الحوار ولا تؤدي إلا إلى طرق مسدودة ، وأن الأفضل هو اتخاذ خطوات عملية . فمن يرى ضرورة محاسبتها قانونياً فليسع إلى رفع قضية، ومن يرى أنها أخطأت فلينتقد كلامها ، ولكن كل ذلك بأدب ورقي في الحوار .

–       عندما سمعت الخطاب انتابني شعور قوي بأن خطاب منال الشريف كان أشبه ما يكون بفضفضة ولم يتبين لي بالفعل مَن المصدر الحقيقي لمشاكلها : هل هم المتشددون ؟ هل هي الدولة ؟ هل هي أحكام الدين ؟ هل هي التقاليد ؟ أم كلهم جميعاً .

–       لاحظت أن منال أكثرت الخلط بين الأوراق . فهي خلطت بين الدين والتقاليد السائدة التي تجرّم ذكر اسم المرأة، وخلطت بين المؤسسة الدينية وعمل المتطرفين الذين قاموا بالتفجيرات إما لتكفيرهم الناس(وهذا مبدأ الخوارج) أو افتئاتاً على ولي الأمر واستهانة به . ترى يا منال ، ليسوا كلهم سواء .

–       قالت أن بعد حادثة جهيمان بدأت الدولة في التشديد على الشعب إرضاء لتلك الفئة فمُنع خروج المذيعات في التلفزيون ومنعت الموسيقى ، وتم الفصل الصارم بين الجنسين في المدارس والبنوك والمكاتب الحكومية ، وتناول الفصلُ البيوتَ ، فأصبح ( كل بيت ) له مدخلان ؛ أحدهما للرجال والآخر للنساء .

حسناً .. لن أقول أن منال كانت تكذب ، وإنما سأفترض أنها كانت تتوهم أو ليست لديها معلومات صحيحة خاصة وأنها وُلدت كما ذكرت في عام جهيمان ، وكنت أنا إذ ذاك في الثانية عشر من عمري وأذكر جيداً تلك الفترة .

لا أدري عن أي اختلاط في المكاتب الحكومية والمدارس تتحدث عنه ، فأنا في مدرسة خاصة منذ أن كنت في الروضة وحتى الجامعة ولم يحدث أبداً أن تم أي اختلاط بين الجنسين ، لا قبل جهيمان ولا بعده .

أما عن التلفزيون فلا زالت الأفلام تعرض الممثلات ، ولازالت أم كلثوم تغني على المسرح وفايزة أحمد ووردة وفيروز ( على الأقل عاود ظهورهن بعد الحادثة بسنة )، ولازال فيلم السهرة الأمريكي يعرض مساء الأربعاء ، والمسرحية تعرض عصر الجمعة ، والمسلسلات المصرية اليومية تعرض بعد نشرة التاسعة . صحيح أني رأيت قبل جهيمان مقطعاً لميرفت أمين ترقص على أغنية فريد الأطرش في أحد الأفلام وهي تلبس الميني جوب وأن الإعلام منع فيما بعد ظهور القصير ( جداً) وصار يخفي قول : والنبي و وحياتك ، ولكن أعتقد أن هذا جيد أليس كذلك ؟

السينما أُغلقت ؟ البيوت انفصلت مداخلها ؟ مهلاً مهلاً .. أين هذا ؟ في السعودية تقصد ؟ هي من الحجاز مثلي أليس كذلك ؟

–       أموال الدولة صارت تُصب في حسابات المتشددين لنشر الكراهية والجهاد العالمي ضد الكفار ؟ هل مساندة الأفغان ضد الاحتلال الروسي تحت عِلم الدولة هو ما تقصده بنشر الكراهية؟ أتساءل :هل يندرج تحت هذه النقطة مساندتنا للفلسطينيين ضد اليهود ومن قبلهم للبوسنيين ضد الصرب ؟

حين ذكرت ما نصه : ” الحملات الوعظية التي كانت تدعو لنشر الكراهية ضد الكفار ، والجهاد العالمي لكل من (يخالف الأفكار ذاتها )!! ما هي (الأفكار ذاتها ) المقصودة ؟ بافتراض أنه كانت هناك دعوات للجهاد ( ولا أعرف أين كنت في تلك الأيام لأني لم أشهدها ) فهل كانت ضد من لا يحمل ذات الأفكار عن المرأة والتي أحالت إليها الضمير في ( الأفكار ذاتها) أم أنها لمن لا يوحد الله ؟ هل تريد أن تلغي الجهاد ؟

–       هل كان جهيمان بالفعل هو (سبب رجوعنا إلى الخلف في بلادنا ) ؟ هل جهيمان هو السبب في عدم حصول المطلقات على حقوقهن ، وعضل النساء ، ومنعهن من إرثهن في بعض المناطق ، والعنف الأسري ، أم أنها التقاليد( العقيم منها )  والفساد الذي نال كل شيء آخر في بلادنا وليس قضايا المرأة فقط .

–       ذكرت أن الدولة اضطرت إلى تغيير وفرض بعض القوانين إرضاء للفئة المتشددة .. باعتقادي أن الفئة المتشددة في تلك الفترة كانت تمثل نسبة كبيرة من الناس وعلى الدولة أن تسعى لإرضائها ، خاصة وأن الدولة تعلن دائماً في كل محفل أنها تحكم بشرع الله ، فكان لزاماً أن تثبت أنها تفعل ذلك بالفعل .

–       ضربت منال الشريف بشدة على أوتار العاطفة حينما خاطبت جمهوراً كافراً لا يعلم شيئاً عن الدين الإسلامي مخبرة إياه أن دينها يأمرها أن تخرج بغطاء كامل ( وعرضت صورة سيئة لامرأة متحجبة تماماً ، وكان بإمكانها – لو أرادت – أن تعرض صورة أخرى لنفس المرأة تعطي انطباعاً حسناً عن الحجاب ) وأن دينها يعلمها أن الموسيقى ( بريد الزنا ومزمار الشيطان ) في حين أنها اكتشفت كم جميلة وطاهرة ( وملائكية ) هي الموسيقى، وأن دينها لا يسمح برسم ذوات الأرواح فاضطرت  لعمل ( غير عادل ) وهو أن تقوم بحرق جميع ما رسمته !

 استأت جداً من كلام منال بهذه الطريقة عن أحكام شرعية منصوص عليها من السنة وكلام الصحابة ، وأرجو أن لا يتفذلك عليّ أحد ويقول أنها مسائل خلافية ، إذ ليس كل خلاف يكون له حظ من الاعتبار ، وإذا كنا لا ننكر إلا فيما لا خلاف فيه فقد ألغينا شعيرة النهي عن المنكر .

وبرأيي أن ضربها على هذا الوتر قد بلغ أوجه حينما ذكرت كلمة ( الجهاد ) والتي يتزلزل لها كيان الكفار ، الذين يحب الكثير أن يسميهم ( الآخر ) هرباً من لفظة ” الكافر” ( القاسية ) !

 أفهم أن تكون منال غيرت قناعاتها ، وهذا أمر يرجع إليها ولكن لا أعتقد أنه من المناسب أن تهاجم الرأي الآخر المنصوص عليه ، فضلاً عن أن تذكر ذلك أمام ملأ كافر ينتظر أي كلمة تقدح في الإسلام ليتلقفها فرحاً مسروراً أن شهد شاهد من أهله .. ألا يمكن ان نسمي ذلك تأليباً ؟

في تويتر قال لي أحدهم : إذا كنتم ترون أن هذا الإسلام الذي يهمش المرأة ويحرم الموسيقى ورسم ذوات الأرواح فلماذا يخجل البعض من تعريف الناس به ؟ هذا هو الإسلام ( الذي ترون ) وهذا هو الواقع الذي ذكرته منال ، والواجب الافتخار بهذا الإسلام بدلاً  من الخوف من عرضه على الملأ .. هي لم تؤلب ولكنها عرضت الحقيقة التي تخجلون منها وتزعمون أنكم تفخرون بها . أهـ .

حينها قلت في نفسي : ألا قاتل الله الجهل . أتألم كثيراً حين يتكلم عن الدين أشخاص لم يكلفوا أنفسهم عناء تعلم الدين وإنما اكتفوا  بحفظ بعض الكلمات ( الكبيرة ) من هنا وهناك  مما يمكن حشره في أي رأي لإضفاء بعض الأهمية والجدية على الكلام . لو أن هذا السائل التويتري كان يملك شيئاً من العلم لعرف أننا لا نخجل من عرض ديننا على الملأ بحمد الله ولكننا نراعي الأولويات ، وهذا من فقه الدعوة .

حينما أرسل النبي  صلى الله عليه وسلم  معاذاً إلى اليمن قال له : ” إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول ما  تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” متفق عليه . فبدأ بأهم معلومة وهي التوحيد التي لأجلها خلق الله العالم، ولا زال يتدرج في أركان الإسلام الأهم فالمهم ، فما بال منال تعرض على الملأ الكافر أشياء في ديننا دقيقة لا نخاطب بها  الكثير من المسلمين  فضلاً عن الكافر الذي قد يعدها من سيئات الإسلام ، وقد يصده ذلك عن اعتناق الدين .. هل يمكن أن نحسن الظن بفعلها هذا ؟

هنا كان لزاماً على منال أن تكون صادقة مع نفسها ومع الناس وتبين لنا : هل كانت مشكلتها مع المتشددين أم مع أحكام الدين نفسه ؟

–       قالت أنها كنت تخجل من كونها مَن هي : امرأة ، ولكنها بعد أن خرجت من الصندوق الذي عزلت نفسها فيه وعلمت كم هو كبير العالم خارج الصندوق ، فإنها تحررت . قلت : أما أنا فقد كنت متحررة وخارج الصندوق قبل 28 سنة ودخلته بكامل إرادتي وأصبحت ” صحوية ” ولم أشعر يوماً من الدهر أني خجلى من كوني امرأة ، ولم أشعر أبداً أني منعزلة .

ومع كوني على حد تعبيرها : بلا صوت ( لأن صوت المرأة عورة ) ، بلا وجه (لأني ألبس الحجاب ) ، بلا اسم ( لأن التقاليد تمنع من ذكر اسمي ) ، ومع أني امرأة مختفية إلا أني استطعت وغيري ممن هم مثلي ( مختفيات ) من تحقيق أشياء كثيرة في حياتنا .. استطعنا أن نقود حياتنا بأنفسنا مع أنه لم يسمح لنا بقيادة السيارة ، لأننا لم نضع العقدة في المنشار ولم نعتقد بوجود التلازم بين قيادة السيارة وقيادة الحياة ، ولا بالتلازم بين التفلت من أحكام الدين ( التي طالب بها المتشددون ) والحصول على الحرية .

–       مطالب منال كانت كلمة واحدة : الحصول على حقوق المواطنة الكاملة ، وهذه لعمر الله كلمة فضفاضة تماماً مثل كلمة ( الضوابط الشرعية ) والتي يتم حشرها في كل فعل يُعتقد فيه أنه سيكون مخالفاً للشرع .

منال : ماذا تقصدين بكلمة المواطنة الكاملة ؟ لابد أن تحددي مرادك تماماً لئلا نختلف . أنت نصبت نفسك متحدثة عن نساء السعودية المسلمات وإن كنت لم تنصي على ذلك صراحة ، ولكن يكفي أنك تقولين : المرأة في بلادي .. والمرأة في جيلي ، فعليك أن تكوني واضحة في مصطلحاتك لنرى هل نتفق في أن هذه مطالبنا بالفعل ؟

نعم .. أنا أوافقها أن المرأة في السعودية لم تحصل على كثير من حقوقها  الأساسية والتي ذكرت طرفاً منها في أول تدوينتي ، ولكني أخالفها في أن عرض هذه المشكلة أمام الشرق والغرب واستعداءهم ضد الدولة ( التي سمحت للمؤسسات الدينية المتشددة بفرض سيطرتها ) سيحل الموضوع .. لا ، لن يحله .. وإنما غاية ما هنالك هو ضرب الدولة والدين معاً . لن أقول أن نيتها في ذلك سيئة ، ولكن النوايا الحسنة لا تكفي .

كنت أتمنى لو أن منال الشريف  لم تنشر غسيلنا القذر على سطوح الجيران  ( وأعني به وضع المرأة لا ” التشدد” الديني )، أو أنها إذ اختارت نشره كانت أكثر شجاعة وإنصافاً وموضوعية في نسبة القذارة للفساد المستشري في البلاد أو للتقاليد أو لتخاذل المرأة عن المطالبة بحقوقها بشدة ، أو إرضاء للمجتمع الذكوري في بلادنا .

كنت أتمنى لو أن منال الشريف لم تستعدِ الناس على ديننا .. غفر الله لها .. أحملها مسؤولية عزوف السامعين أو المشاهدين لمقطعها عن التفكير في اعتناق الإسلام .

كنت أتمنى لو أن منال الشريف كانت أكثر وطنية بدلاً من أن تنص على أنه : “لا يوجد في السعودية الكثير لنتحدث عنه ” ، ولم أر في حياتي شخصاً محباً لوالده حقيقة يشتكيه للأغراب مهما كان ظالماً أو متعسفاً ، فما كل شيء يقال .

هذا رأيي في خطاب منال .. ولن أطالب أحداً بشيء ..

أدري أنه سيخالفني الكثير من الناس ، وهذا شأنهم .. لا أطالبهم بالتزام رأيي ، ولا أطالبهم أن يُعجبوا به ، فليس ذلك من حقي ، ولكن من حقي أن يحترموني ويحترموه.

فقط أقول : يا منال اتقي يوماً ترجعين فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .

غفر الله لك !

Read Full Post »

تحدثت في التدوينة الماضية عن صور شتى للهروب .

واليوم أود ممارسة هذا الهروب فعلياً .

الموضوع وما فيه ، أني بدأت في قراءة مذكرة أصول الفقه ، ومنهجنا في هذا الفصل عن المنطق .

قاتل الله المسرحيات .

كلما ذكرت كلمة المنطق أتذكر هذا الحوار في إحدى المسرحيات التي كان التلفزيون السعودي يتحفنا بها في كل عيد :

المعلمة : تعرف إيه عن المنطق ؟

الطالب الخائب : أعرف أن الواحد لما يضرب واحد على دماغه يوأع ما يحطش منطق !!

من الفصل الماضي وأنا ألحظ أن المناطقة صعبوا علينا الأمور جداً في أصول الفقه والعقيدة ، اللذين – لو لم يدس المناطقة فيهما أنوفهم العريضة لاستقامت كتبهما لنا –

أشبه المنطق بمنهج الرياضات المطورة في هذه السنة : فين إذنك يا جحا ، ومن عنده في البيت طالب يدرس هذه الرياضيات فسيدرك ما أرمي إليه .

من ساعتين تقريباً وأنا ( أقرأ ) مذكرة أصول الفقه وأرسم تفريعات وأشجاراً للتقسيمات .

تقسيمات تقسيمات ، ذكرتني بالحديث الموضوع : من قال كذا وكذا خلق الله من كل كذا مئة ألف طائر ، لكل طائر مئة ألف لسان ، كل لسان يقول بمئة ألف لغة ، وهكذا ..

كلما قلبت الصفحات وجدت المزيد من التقسيمات ، وضاقت الورقة بهذه التشجيرات ، وضاق صدري كذلك .

آااااه ، إني أختنق ..

أحتاج لتنفس بعض الهواء النقي .

أحتاج للهروب لبعض الوقت من هذا المنهج الغثيث .

أين المفر ؟

وهنا تدوي اللمبة الوهمية فوق الرأس : إلى المدونة .

أبثكم أشجاني وأستقي بعضاً من الراحة النفسية في الكتابة .

أحياناً ، أشتهي الإجازة وأنتظرها بفارغ الصبر لكثرة المشاريع التي أقمتها في خيالي وأريد إقامتها على أرض الواقع.

فإذا جاءت الإجازة ، مرت الأيام بجنون وانقلب النظام الليلي والنهاري في بيتنا حتى أعود فأتمنى رجوع الدراسة لتنتظم الأوقات .

الآن ، أنا في المزاج الأول .

أنظر إلى طاولتي الصغيرة بجانب سريري فأرى كتباً مكدسة ، بعضها ينتظر دوره في القراءة ، وبعضها ينتظر  أن أنهيه .

والله لا وقت لدي .

كل يوم أمسك أحد كتبي بشغف ، وأقلب صفحاته وأهمس بحب : سأنهيك قريباً إن شاء الله ، صدقني..

أعتقد أني بدأت هذه الممارسة منذ بداية الفصل الماضي ، يعني من 8 أشهر تقريباً .

المشكلة أني أبدأ أحياناً في قراءة كتاب جديد ولما أُنهِ ما قبله بعد .

سؤال عارض  من تأثير ماذة النحو : ما إعراب ( أُنهِ ) هنا ؟

لو فتحت صفحتي في موقع Good Reads لوجدت أن عندي 10 كتب يجري قراءتها الآن .

عشرة كتب ؟

الصراحة أنها أكثر ، ولكني استحيت أن أسجل الأشياء الجديدة التي بدأت في قراءتها خشية أن يتفلسف علي الموقع ويقول : ( خلصي الّي عندك أول ) !!

عندي مثلاً كتاب اشتريته مؤخراً من أمازون ( الموقع طبعاً وليس النهر ) واسمه  123Magic، وهو كتاب جيد ومثير في تربية الأطفال بين 2-12 سنة .

حتى الآن قرأت ثلث الكتاب ، ولكن أشغالي الكثيرة تحول بيني وبين إتمامه ، وصدقوني أني متشوقة لمعرفة نهايته لسببين : لأتبع  الأنظمة التربوية الجدية التي ذكرها المؤلف مع لطيفة وشمس ، ولأضع مقتطفات منه في المدونة علها تفيد أحداً .

في انتظاري أيضاً كتاب ” طفولة قلب ” للدكتور سلمان العودة ، قرأت ثلثه كذلك .

كتاب زاخر بالأسلوب الأدبي الرفيع المعروف عن الدكتور .

أسلوب يشبه قراءته تناول لوح من شوكولاتة الجالكسي الذائبة بالبندق .

هناك كتاب : ” عشت سعيداً ، من الدراجة إلى الطائرة ” للكاتب عبد الله السعدون ، وهو سيرة ذاتية كذلك .

أحب السير الذاتية .

على الأقل هي تحكي قصص ناس واقعيين مثلي ومثلك .

ناس باستطاعتك أن تقلدهم لو أعجبوك ..

مروا بظروف ومواقف ، قرأت كلامهم ورأيت تصرفاتهم واستفدت منهم ، وليست وليدة خيال مؤلف واسع الخيال ، وقد يكون ضيق الأفق فيضيق عليك حياتك .

بانتظاري أيضاً أحد كتب سلسلة Chicken Soup المعروفة ، وهو بعنوان Think Positive.

كتاب ماتع فعلاً ( توني أربط بين ممتع وماتع وأرجو أن يكون استعمالي لماتع صحيح هنا )  ومليء بالتفكير الإيجابي الذي تحتاجه مريضة السرطان خاصة ، والناس بشكل عام .

أنا أعتبر حسن الظن بالله من أقوى صور الإيجابية .

إنها محاولة دؤوبة لتغيير التفكير والنظرة للأمور المختلفة إلى هيئات إيجابية .

ألم أقل من قبل أن السبب في عدم تحقق الكثير من الأمور هو سوء الظن ؟

عندما يفكر المرء أنه لن ينجح لأنه لم  يذاكر جيداً بسبب انشغاله مع والدته ، أو لن يدرك الوظيفة الفلانية لأنه فضل مساعدة والده ، أو لن يصير غنياً لأنه مشغول بقضاء حوائج الناس ولا يعمل بشكل كاف  ، فعندها لن يتحقق ذلك فعلاً .

لماذا ؟ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي : ” أنا عند ظن ( وليس حسن ظن ) عبدي بي ، فليظن بي ما شاء ” .

وهذا الشخص أساء الظن ولم يحسنه ، فكان الله عند ظنه به .

بما أن هذه التدوينة هروباً ، فلعلي أختم بذكر آخر إحسان ظني بالله .

كنت أبني فيلا في الخيال ..

ألا يستخدمون تعبير ( بناء قصور في الخيال ؟) حسناً ، أنا لست طماعة ، تكفيني الفيلا .

حلمت ( في يقظتي ) أني استلمت ( لا أعرف من أين ، ولا دخل لي بذلك فهذا من تدبير الله تعالى ) مليوني ريال ،  اشتريت بأحدهما المبنى الذي أسكن فيه حالياً ، وبالآخر رممت وجددت وغيرت .

هل كان حلماً ؟

نعم .. هو حلم يقظة ، ولكنه من النوع القابل للتحقيق وليس مخالفاً للسنن الكونية ..

من أين سآتي بمليوني ريال ؟

لا أعرف ..

قالت فاطم : ربما ستشتري هولي وود كتابك وتحوله إلى فيلم .

ضحكت كثيراً ، وقلت : ما شاء الله ، ستشتريه هولي وود بعد أن تسلم .. كتابي مليء بالإيمانيات وإحسان الظن بالله .

لست مسؤولة من أين سآتي بالمليونين ، ولكني أعلم أن الله سميع قريب مجيب .

وأكثر من ذلك ، أعلم أنها لن تكون مليونين  فقط ، فإني سألت الكريم ولا يكتفي الكريم أبداً بإعطاء مقدار ما سئل  وحسب.

أختم ( هذه المرة حقيقة ، فقد جاوزت الأربع صفحات ) بهذه القصة الغريبة التي تعلمكم فعلاً لماذا أحسن الظن بالله لهذه الدرجة ..

قبل أسبوع تقريباً سألت خالداً عن نسخة كتابي التي فيها الفسح الإعلامي وترقيم مكتبة الملك فهد ، والذي استصدره من بضعة أشهر .

قال لي بثقة : أعطيتك إياه .

استرجعت فوراً ، فهو لم يعطني شيئاً لأنه رجع من الرياض إلى جدة عن طريق الطائف ولم يمر بالمدينة ، فعلمت أنه ضاع .

اتصلت على أمي وطلبت منها أن تبحث في بيتها ، واتصلت على كل من قد يكون له صلة بالأمر ، لكنهم نفوا رؤيته أو وجوده عندهم .

عدت للمذاكرة ، إلا أن خيالي كان يسبح بعيداً في محاولة يائسة للبحث عن الكتاب ، أسترجع الذكريات لعلي أجد في تفاصيلها ما يدلني على كتابي الحبيب .

أمضيت نصف ساعة عجزت فيها عن التركيز ، والوقت يمضي وعندي أطنان من المذاكرة .

عندها دعوت الله بصدق : رب أسألك أنت لا غيرك أن تأتي لي بكتابي .كيف ؟ لا أعلم فأنت ربي ومدبر أمري .. توكلت عليك وحدك وفوضت أمري إليك وحدك .

ثم رميت الأمر خلف ظهري وعدت للمذاكرة ونسيت الموضوع .

عشر دقائق فقط ، وتجيئني فاطم  في حجرتي وتسألني : ماذا تعطين من يجد كتابك ؟

أصدقكم القول أني لوهلة شعرت بالخوف الشديد .

أحول أن أفسر سر خوفي ولكني أعجز ..

هل هو خشوع  ، هل هو رهبة من الموقف ، هل هو خوف حقيقة ؟

أخبرتني فاطم أنه قبل عشر دقائق طلب خالد من أروى أن تبحث له عن الهارديسك ، فبحثت ولم تجد ثم تذكرت حقيبة اللاب توب القديمة المغبرة ، فبحثت فيها فوجدت الكتاب !

يا الله . اقشعر جلدي ..

لماذا طلب الهادريسك في هذه اللحظة بالذات ؟

ما الذي دفعها للبحث عنه في هذه الحقيبة القديمة المغبرة ، في حين يكون فرصة وجوده فيها أقرب ما يكون ل2% ؟

كم نضيّع على أنفسنا بسوء ظننا بالله .

لماذا يكون حسن الظن بالله علينا عسير ؟ هل جربنا عليه مساءة أو جوراً أو سوء تعامل ؟

أنا بالنسبة لي لم أر منه إلا كل جميل ، حتى في مرضي ..

نعم ابتلاني ، ولكنه أنزل من أنوار الألطاف والرحمات ما أعشى عين البلاء ، فما عدت أرى إلا هذا اللطف وتلك النعم ..

أفتراني يجمل بي أن أسيء الظن به ؟

لازلتم تضحكون من المليونين كيف ستأتيني ؟

اضحكوا ، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله .

لكن لا يأتيني عندها أحد منكم يطلب مني أن أدعو له .

والآن ، وبعد أن ضربت رقماً قياسياً في الثرثرة اليوم ، لابد لي من العودة إلى الواقع المرير .

إلى أحضان المنطق والفلسفة ( اللغوية) .

إلى أقسام المفرد و المركب ، ما تعدد معناه وما اتحد معناه ، التقييدي منه وغير التقييدي ، ما كان قاطعاً وما كان ممكناً ، والمتواطئ والمشترك والمنقول ( ويتلاشى الصوت شيئاً فشيئاً ) .

Read Full Post »

كثير منا تقابله مواقف في حياته قد تكون سارة أو غير ذلك ، ويريد أن يهرب من مواجهتها .

لماذا يهرب من المواقف السارة ؟

لأي سبب .. قديكون الخجل أو الرهبة أو شدة الإثارة ويخشى أن تنفلت انفعالاته بما لا يحمدعقباه .

أسباب كثيرة .

وباعتقادي أن لكل إنسان طريقته في الهرب .

هناك من يهرب بالنوم ، أو باللجوء إلى الكتابة ، أو طرق أخرى ملتوية !

صغارنا حين ننظر إليهم بصرامة إذا ما أخطئوا كانوا يغمضون أعينهم يحسبون أنا لا نراهم كما أنهم لا يروننا .

والبدين يهرب من تأثره بالبدانة بأن يسخر من نفسه على الدوام ، من باب ( أنا أتتريق على نفسي لا أحد يتتريق علي ) ، وقل مثل ذلك في الطويل والقصير .

حين كنت صغيرة كان أبي رحمه الله يجمعنا لصلاة المغرب جماعة .

أذكر جيداً أني كنت في العاشرة  تقريباً وكنت أقرأ قصة عن بلال بن رباح رضي الله عنه حين أمرتني أمي بالتجهز للصلاة .

طيب .. في الحقيقة لم أكن أحب صلاة الجماعة كثيراً ، ولعل سبب ذلك واضح .

لماذا تحرص بنت العاشرة على صلاة الجماعة في حين أن بإمكانها أن تؤديها منفردة في نصف دقيقة ؟

لذا كان لابد لي من الهروب ..

قلت لأمي بجدية : لا أستطيع الآن .. أنا أقرأ عن بلال بن رباح !!

قالي لي بحزم أكبر : قومي الآن .

قمت وأنا متعجبة و( مستصيبة ) ..

أستغفر الله .. أقول لكم أقرأ عن بلال بن رباح وتقولون لي : قومي صلي ؟

يعني ( إيش أفود ) ؟ التعرف على الصحابي والا الصلاة  مثلاً ؟

انتم عجيبون !!

وفي القاهرة  كان لي موقف آخر مشابه مع ابنة خالتي التي كنا في زيارة لهم .

طلبت مني أن أذرع الردهة جيئة وذهاباً بابنها الصغير أدفعه في عربيته لتنويمه .

ما هذا العمل الممل ؟

كان يصرخ ( كالكفتيرة ) .

عندها ( تذكرت ) أن أمي طلبت مني أن أصلي العصر ..

أخبرتها أني وددت لو استطعت مساعدتها ، ولكن أمي طلبت مني أن أصلي ، وتعلمين أن الصلاة يجب أداءها على الفور !!

طبعاً ذهبت وشعرت ( بحاجتي الروحية ) لتجديد وضوئي ، ثم بحثت لبرهة عن ( الشرشف ) الملقى فعلياً فوق السرير أمامي ، ثم صليت أربع ركعات خاشعات لا تسأل عن حسنهن وطولهن !!

هذه السن عجيبة بالفعل .

أقصد بين 8-10 سنوات .

فقط لإضحاككم أذكر هذه القصة .

أذكر أني في إحدى  الأيام حين كنت في هذه المرحلة العمرية العجيبة غضبت من والديّ غضباً شديداً .

لاأذكر السبب .

ولكني قررت الانتحار !

دخلت الغرفة وأغلقت الباب بالمفتاح .

وانتظرت لينتهي الأكسجين فأموت ، وعندها سيكسر أبويّ الباب ويجدانني قد فارقت الحياة وقد ازرق وجهي اختناقاً ، فيموتان كمداً ..

وبذلك أكون قد انتقمت منهم !

تصبب العرق مني .. وبدأت أشعر بالدوار .

وفجأة غبت عن الوعي ..

للأسف أنه لم يكن إغماء .

وبعد ساعتين دقت أمي الباب بشدة وأيقظتني من نومي وأمرتني أن أفتح الباب حالاً ، وضيعت علي فرصة الانتحار الذهبية !

طبعا أستفيد من هذه القصص الآن حينما أرى ما الذي تفعله بي لطيفة وشمس .

فقط علي أن أتحلى بالمزيد من الصبر وأضع نفسي مكانهما وأتذكر الأيام الخوالي التي كنت آتي فيها لأمي بالعجائب .

تناولت لطيفة يوماً  الغداء ثم قامت وغسلت يديها  .

ولما انتبهت إلى أنها لم تستغرق في غسل يديها وقتاً طويلاً علمت أنها غسلتهما بالماء فقط ، فناديتها وسألتها : هل غسلت يديك ؟

قالت بثقة : نعم .

قلت : شميها !

فشمتها وقالت : الله ( ومدت بها صوتها ) .

في الحقيقة أني شككت في فراستي لوهلة .

هاهنا ثقة مفرطة بنظافة اليدين حتى أنها تقول ( الله ) بإعجاب .

ولكني صمدت فجأة وطلبت منها أن أشمها ..

طبعاً النتيجة معروفة ..

رائحة دجاج ورز ولبن وسلطة مجتمعة :/

والآن بعد أن كبرت كلما ضاقت بي الحال أو شعرت بالملل ، أو بالضغوط النفسية فإني لازلت أهرب.

ولكن لا للأسف ..

ليس إلى الصلاة والذكر ، ولكن إلى الطعام .

وهذا ما يسمى بالأكل العاطفي emotional eating

ولهذا فقد زاد وزني في الفصل الماضي ثمانية كيلوات ..

لن أقول أنها كلها بسبب  الضغوط النفسية المصاحبة للاختبارات ، ولكن هناك العلاج الهرموني أيضاً والذي يسبب زيادة الوزن .

مالم أفلح في إتقان الهروب  فيه هو حين يثني علي أحد ما .

لا يخلو المرء من أن يفعل شيئاً يستحق أن يثنى عليه ..

هي عندي طامة .

نعم .. أحب الثناء والمديح ، وكاذب من يقول أنه لا يحبه .

ولكني ( أحوس ) فيه بشدة .

أكرمني الله ببعض الصديقات اللواتي ( أخذن مقلباً جامداً ) فيّ .

أشعر  أحياناً أنهم لا يدخرون جهداً في الثناء عليّ و (قطع رقبتي ) .

بعضهن كن يعتقدن أني عبد الله بن المبارك !

ووالله أني ليدخلني من الهم الكثير إذ لا أعرف كيف أتصرف ، وأظل أتمتم : الله المستعان ، الله المستعان ، أستغفر الله أستغفر الله .

فإن كان الثناء مواجهة ومشافهة فإنها الليلة الليلاء  والبلية الدهماء .

ماذا أفعل بيدي ؟ هل أعقدهما ، أو أرسلهما ؟

هل أنظر في المتكلم أو المستمع أو في الأرض ؟

هل أبتسم ببلاهة أو أحرك رأسي كالحكماء وأقول برصانة : الحمد لله .

وتنقضي دقيقة الثناء كالدهر ،  قبل أن أتنفس الصعداء ..

ثم حين تهدأ نفسي أجتر الكلمات التي قيلت ليستمتع قلبي بمذاقها الجميل .

هممم .

أكاد أقرأ ما يدور في أذهانكم ؟

تستجلب المدح بهذا الكلام ؟

طيب عادي ..

إذا أردتم أن تثنوا في المدونة فأهلا بكم ..

على الأقل لن أراكم وجهاً لوجه .

وإن فكرتم : كم هي صفيقة ، فعادي كذلك ..

لابد لمريضة السرطان أن تثني على نفسها أو تستجلب الثناء لتفرح ..

فمرضنا فيه الكثير من الأحزان ، ودوركم إدخال السرور على قلب المرضى .

وعلى هذا ..

فهل لكم ان تكتبوا لي عن هروبكم كيف يكون لتدخلوا بعض السرورعلى قلبي الكهل ؟

اكون لكم من الشاكرات  : )

Read Full Post »

بوادر القحط والجفاف ظهرت في عقلي .

أعتصر مخي أريد أن أستخرج شيئاً من أفكار لأنظمها في مدونتي ، ولكن لا فائدة .

أغبط الأذكياء من المدونين وكتاب الصحف الذين يمكنهم كتابة مقالات يومية أو أسبوعية بشكل منتظم ..

لا أعرف حقيقة أين عثروا على منجم أفكارهم الذي لا ينضب .

أود تقليدهم في قصر تدويناتهم ومقالاتهم فلا أكاد أفلح .

المشكلة أني – كما قيل لي من قبل – أكتب كما أتكلم .

وأنا – للحق – ثرثارة بعض الشيء ، لذا فإن صفحتين أو أقل لا تملآن عيني ألبتة .

ولكن يبدو أن علي تغيير عاداتي السيئة خاصة لو كانت ستؤدي إلى انقطاعي عن الكتابة .

همممم ، لنرى الآن ..

عن ماذا يحسن بي أن أكتب ؟

لا أريد أن أعيد أفكاري ..

أحياناً أشعر أني أكرر نفسي .

ما ههنا إلا الحديث عن ذكريات السرطان ، والتفاؤل وحسن الظن بالله .

وهي أمور جيدة لا شك عندي في ذلك ، ولكن ألا يكون الإكثار منها مملاً ؟

أريد أفكاراً جديدة ..

في بعض المرات تتكون عندي مجموعة من الأفكار لا يكفي أحدها في تكوين تدوينة كاملة ، فهل تعتقدونها فكرة جيدة أن أكتب أحياناً تدوينات تحتوي على مجموعة من
هذه الأفكار ؟

خذوا مثلاً هذه النقطة :

كنت أذاكر في مكتبي الأسبوع الماضي حين جاءتني لطيفة وجلست بجواري وأخذت تلعب بالأيباد ، في حين ظلت شمس ترمقها بفضول ، فإذا بالأيباد ينزلق ويكاد يسقط من يد
لطيفة .

هتفت : انتبهي ، لا يسقط الأيباد .

فقالت شمس بصوتها ( البطاوي ) في حماس : أحسن ، خليه يطيح عشان ( تنكب ) الألعاب الي فيه ونلعب بها !!

انتهت الفكرة .

فكرة أخرى :

تعلمت شمس أنشودة جديدة في الروضة : الرياضة الرياضة ، تنشط دمي وتزيل همي ، حبها كبير ، حبها كأمي :/ .

انتهت الفكرة ..

الآن هل يكفي ذلك في تكوين تدوينة ؟ حتى لو أضفت إليهما اثنتين أو ثلاث بنفس الطول ؟

كأنها خواطر أو يوميات  ، أو ما أشبه ما تكون بتغريدات تويتر .

 و المشكلة أني أشعر أن ذكرها بهذه الطريقة سيسبب مللاً ، وأن القارئ بعد أن يقرأ مثل هذه القصة سيقول في نفسه : طيب ؟ خير ؟ إيش يعني لما شمس تقول كذا وكذا .

أشعر أني لا أفلح إلا في التدوينات الطويلة ، لأن مَثَل هذه الأفكار مَثَل الوجبات الخفيفة ( سناك ) ، وأنا في الحقيقة لا أحب السناكات ، لأنه ينطبق عليها قول الأول : بص وفتح عينيك ، وجبة واتحسبت عليك .

أنا لا أقتنع إلا بالمفطحات أو على أقل تقدير : ما يملأ البطن ويزيد الوزن ويستغرق زمناً في التناول .

في الحقيقة ، ولأجل الأمانة : فإني ما كتبت هذه التدوينة إلا لأني وجدت أن عدد القراء يتناقصون يومياً ، واليوم وجدت أن قارئاً واحداً اطلع على مدونتي خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية عن طريق تويتر ،
ولا أستبعد أن يكون أنا! فأردت أن أسرع في إصدار هذه التدوينة قبل أن ينفض عني قرائي لكسلي ، في حين يكون السبب الحقيقي هو القحط .

لذا قيموا تجربتي القصيرة لهذا اليوم ،
وامنحوني بعض آرائكم في المواضيع التي بإمكاني أن أكتب فيها دون أن أتعرض للنقد اللاذع بسبب اختلاف وجهات النظر << خوافة .

وكما يقول المثل : ( أحلق رمشي لو عشرة عبّروني ) .

 ملحوظة : هذه التجرية القصيرة استغرقت صفحتي A4 ..

سبحان الله لا أحب المكسرات ولا الشبسات !! من أخذ طبق المكرونة الذي كان هنا ؟

Read Full Post »