Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘الدراسة’

هذه التدوينة يجدر بي أن أسميها : “مادة الهروب” المستوى الثالث ، أو : الهروب 301 ، إذ أنني أمارس فيها عادتي السيئة بالهروب من المذاكرة ، فالاختبارات كما قد لا تعلمون بعد ثلاثة أيام .

في الحقيقة أنا بحاجة إلى بعض الراحة ، إذ بدأ النعاس يداهمني  وآلمني فكي لكثرة التثاؤب فآثرت ( تغيير الجو ) عبر كتابة تقرير لما حصل معي في رحلتي لحضور اليوم العالمي للمتعافين من السرطان ..

والآن ، هل تودون معرفة التفاصيل المملة للزيارة ، وكما يقولون : من طأطأ لسلامو عليكو ، أم تريدون تلميحات سريعة؟

بما أني لم أعرف ماذا اخترتم فسأكتب كيفما اتفق ونرى ماذا ستخرج يديّ  الماهرتان .

سافرت للرياض يوم الأربعاء 11/6/1433 مع ابني خالد ، وكانت الرحلة طيبة بفضل الله إلا بقايا ذكريات أصابتني ببعض الحسرة حينما أجريت مقارنة سريعة بين مستوى الخطوط السعودية قبل ثلاثين عاماً ومستواها الآن .

هذه المقارنة تمت حين رأيت “علبة ” الإفطار والتي حوت ” عينات ” من الطعام ، وعلى الفور توافدت إلى ذهني صور قديمة لطعام الخطوط السعودية المشهور آنذاك . الصينية التي تحتوي على عصير وكوب للشاي/القهوة والأطباق الفاخرة التي تحوي على مقادير جيدة من الطعام المعد والمزين بعناية ، فتأكل عيناك قبل أن يتذوق لسانك . وتذكرت الكراسي التي كانت أكثر راحة وتعامل المضيفين الراقي ..

أقول لكم ؟ لا داعي لأن نفتح هذا الموضوع وإلا فسيتحول التقرير إلى : الخطوط السعودية وأثرها على الفرد والمجتمع !

حينما وصلنا للرياض كنت مبتهجة لأننا سندخل إلى المطار عن طريق الممرات المتحركة الموصلة بالطائرة والتي يسميها البعض ” خراطيم” .

 كنت أشعر أني “متحضرة ” وأنا أمشي بزهو في هذه الخراطيم ذات الأرضية المنقشعة والتي يصنف لونها من درجات البني أو ربما الأحمر .. وقد يكون البرتقالي ، فهو لون كما تلحظون : دقيق للغاية !

العجيب أنه عُرضت في ذهني صور فلاشية لأرضيات الخراطيم في مطارات أوروبا  وأمريكا كما رأيتها منذ 27 سنة .. ولا أعرف ما السبب !!

 ودعوني أؤكد لكم .. كانت أرضيات مرتبة ، وقد لا أكون مخطئة لو قلت أنها مكسوة بالبساط .

المضحك في الأمر أننا بعد أن دخلنا المطار صعدنا ونزلنا وذهبنا يمنة ويسرة متتبعين الأسهم ثم وجدنا أنفسنا فجأة خارج المطار مرة أخرى لنركب باصاً ..

لا.. ( ورايا ورايا ) الباص ؟ في جدة ، والمدينة وحتى الرياض ؟

ركبنا الباص لننتقل من مبنى الرحلات الدولية ( والتي لا أعرف لم توقفنا في مواقفها ) إلى مبنى الرحلات الداخلية ، فشعرت فعلاً بما شعر به صاحب المثل الأشهر : فين إذنك يا جحا !

ما علينا .. لابد أن أقاوم بشدة الرغبة في حش الخطوط السعودية ومطاراتنا المهيبة لئلا أُتهم ( بالفقعنة ) و( البطرنة) وكل ما كان على وزن ( فعلنة ) ..

 والسؤال هو : هل هناك وزن فعلنة أصلاً ؟

في الثانية عشر والربع بدأنا رحلة البحث عن مركز الملك فهد الثقافي والذي أقيمت فيه هذه الفعالية الرائعة .

 بلا شك كانت الطرقات ممتلئة بالسيارات فهو وقت الذروة ، أضف إلى ذلك أنه الأربعاء الجميل .

وصلنا أخيراً .

 

من الداخل كان المركز راقياً ، مرتباً ، ومرة أخرى تداعت صور استاد الأمير عبد الله الفيصل بجدة إلى ذهني . فقبل 28 سنة أقامت مدرستي دار الحنان فيه يوماً رياضياً كان من أجمل أيام حياتي المدرسية ..

كان المركز خلية نحل ، يغص بالعاملين والمتطوعين والأطباء والمرضى في خليط متناغم  ومرتب ويبعث البهجة في القلوب فعلاً ..

تستطيع للوهلة الأولى أن تدرك ضخامة الجهد المبذول ليبدو المكان بهذا التنظيم والأناقة .

البالونات الملونة في كل مكان .. الأركان المختلفة موزعة في نظام .

المكيفات تعمل بكفاءة ممتازة وضوء النهار البهيج يغمر المكان .

استلمت طاولتي وعليها لوحة تعرف بي ، ورصصت كتبي التي كنت أعرضها للبيع وجلست أنتظر .

كنت أطالع المكان بانبهار ، فأنا أحب هذه الأجواء للغاية .. وكوني آتي إلى هنا بصفة رسمية كمتعافية تحكي للناس قصتها مع المرض لتبث الأمل في القلوب بالنجاة والشفاء ، لا شك أنه كان أمراً غاية في الإثارة .

كنت مهتمة – طبعاً – ببيع كتابي والتوقيع عليه لمن يرغب ، ولكن اهتمامي الأول كان منصباً على فكرة ( بث الأمل) ومساعدة الأطباء والمهتمين بمعرفة المشاعر التي مررت بها أثناء مرضي ، خاصة إذا علمنا أنه ليس كل المرضى تواتيهم الجرأة في طرح مشاعرهم للتداول والنقاش ، وأن أكثرهم يفضلون الاختباء والانزواء إما خشية العين  ، أو رغبة في نسيان هذه الحقبة الزمنية المؤلمة.

بعد أن استقريت في مكاني بلحظات زارتني مجموعة من متابعاتي الجميلات في تويتر ، طلبن الكتاب وطلبن توقيعي عليه. وأؤكد لكم .. كانت لحظات سعيدة ..

أحسست أن دعائي الذي توجهت به إلى الله تعالى بإعجاب الناس بالكتاب قد أخذ في التحقق شيئاً فشيئاً.

نعم .. شعرت ببعض الأهمية .

قابلت كذلك إحدى الأخصائيات النفسية والتي أجرت معي حديثاً مطولاً عن أهمية مجموعات الدعم لمريض السرطان وكم أسعدني حين قابلت عندي مسؤولة القسم النسائي في الجمعية الخيرية لمكافحة السرطان وتفاهمتا بشأن التعاون على إنشاء هذه المجموعات .. شعرت أنني ( وفقت بين راسين بالحلال ) .

بلغت الإثارة أوجها حين طلبت مني صحفية بجريدة الشرق الأوسط إجراء مقابلة صحفية معي .

مرحى مرحى .. أنت تخطين نحو العالمية يا هناء .

وبوجل جلست أراقب بعض العمال وهم يحملون السماعات الضخمة ليضعوها في بهو المركز حيث كانت طاولتي ، ودق قلبي بعنف .. أعلم أن هناك عروضاً موسيقية ولكن هل تكون هنا؟

وصرت أتمتم بشدة  وأدعو الله ألا تكون هنا حتى لا أضطر لمغادرة المكان ، فلست في حاجة ولا ضرورة لأمكث في المكان وسط المنكر .

ولكن ربك حميد .. كانت هذه السماعات لمقدم الحفل الذي ظل يعلن عن الفعاليات والمشتركين فيها عدة مرات ليلفت نظر الزوار إليها .

كان هناك ركناً لأحد المصورين ، وركناً آخر لأحد رسامي الكاريكاتير ، وإحدى الفنانات التشكيليات ، كما كان ثمة ركن للمأكولات الشعبية ، والتي – حتى هذه اللحظة – أعض على أناملي ندماً أني لم أتذوق المرقوق والجريش بسبب يبوسة  قشرة المخ عندي !

في الحقيقة وددت لو أني استطعت التجول في أنحاء المركز والمرور بأركان الجمعيات والتي كانت توزع أكياساً تحوي أشياء  لا أعرف كنهها ..

 أحب تجميع العينات والكتيبات التعريفية ، لأعود بها إلى المنزل كتذكارات ولكني لم أتمكن من القيام عن مقعدي .. شيئ ما كان يشدني للجلوس ، فاكتفيت بالنظر هنا وهناك فقط .

قدمت جهة ما طعام الغداء للمحاضرين ولكني لم أتمكن من تناوله في الوقت المناسب نظراً لانشغالي بالحديث مع طالبات التوقيع أو مع بعض المريضات اللاتي أتين يستفسرن عن مرضي والعلاج .

حين وجدت فسحة من الوقت هرعت سريعاً لتناول ما يمكن تناوله من الغداء والذي كان قد برد وتلاشى من الحافظات الضخمة ، ولكنك تراه للأسف في الأطباق التي انتشرت على الطاولات كعادة السعوديين الشهيرة التي تنص على ملء الأطباق بجميع أنواع الطعام المقدمة وتذوق لقمة من كل نوع وترك الباقي ، فلا هم أكلوا ما حملوا ، ولا أنهم تركوه غيرهم يأكل .

عدت سريعاً لطاولتي لأتلقى المزيد من المستفسرات وطالبات الكتاب والتوقيع .

وبدأ عرض القبة الفلكية والذي كنت أتطلع لحضوره ، ولكني لسبب أجهله لم أفعل ..

أشياء كثيرة فاتني رؤيتها , ففي الحقيقة أستطيع أن أؤكد لكم أن هذا التقرير المزيف الذي تقرؤونه هو تقرير قاصر بكل معاني الكلمة .

ولكن عموماً ، أنتم تقبلونني بكل قصوري ، أليس كذلك ؟

أمامي في  بهو المركز كان فريق هارلي ديفدسون مع أربع أو خمس دراجات بخارية ، تتراوح أسعارها فيما أعلم بين 40000- 90000 ريال . أتاحوا الفرصة للحضور في امتطائها والتصور معها .

وللحق أني لم أعلم السر في إصرار الفريق على الظهور بمظهر غربي بحت : التي شيرتات الغريبة والبندانات وبعض السلاسل والتي أظهرتهم كقراصنة .

أحدهم كان ينقصه عصابة العين السوداء أو الذراع المنتهية بخطاف حديدي ضخم ..

همممم ، ربما لو أحضر ببغاء ليقف على كتفه لوفى ذلك بالغرض .

نعم .. أعترف .. لست “كولاً” لهذه الدرجة التي تتيح لي تقبل الكثير من المشاهد التي رأيتها أمامي في ذلك اليوم .

مع أنني أدعي ” الكوالة ” إلا أني أقيدها على الدوام بكونها من الطراز القديم .

لذلك لم أتقبل أبداً رؤية ” التميلح”  الذي انتهجه الشباب والشابات الإعلاميين والمتطوعين أمامي ..

أنا في البهو – كما أخبرتكم – فكانت كاميرات القنوات التلفزيونية الفضائية وكمية هائلة من الناس كلهم يحملون الكاميرات الاحترافية يقومون بالتصوير والتميلح في الوقت ذاته ، وصراحة أني أعد الجمع بين ذلك عبقرية !

انزعجت جداً من رؤية مظاهر تراجع الدين المعروفة .. وأرجو أن لا يأتي أحد ويتهمني بالتدخل في النوايا .

أنا أتكلم عن أمور ظاهرة وبعيدة عن الخلاف الفقهي .

أفهم أن هناك خلافاً في كشف الوجه وغطاءه ..

أفهم أن هناك خلافاً في مفهوم الاختلاط ، مهما بلغ قوة الخلاف أو ضعفه .

ولكني لم أفهم بم يمكننا تفسير تخلي الكثير من النساء عن غطاء الشعر إما جزئياً أو كاملاً ،  ووضع مساحيق التجميل والعطور التي كانت تصلني لأنفي مخترقة نقابي .

لم أفهم لم تجاوز الأمر حد الاختلاط المحترم ليصل إلى الضحك الرقيع وهذا التميلح والتلامس أحياناً .

كنت أنظر إلى إحداهن وقد بدا من وجهها أكثر مما خفي ، لأنها كانت ( منقبة )!

الحق أن فمها فقط هو الذي كان مغطى !!

كانت تضحك مع مجموعة من الرجال بصوت عال وتصورت معهم ، وأنا أحدث نفسي : لعله أخوها ، لعله قريبها ..

حتى رأيتها تتصور مع أحدهم وهي تربت على ظهره وكتفه !!!

لم أفهم السبب في أن الموسيقى والرقص غدا أمراً عادياً دالاً على الرقي والتحضر ، حيث أن  ايقاعات الموسيقى الغربية التي رقص عليها  بعض مقدمي العروض كانت تصلني من المسرح المجاور .

لم أفهم لم تغيرت المفاهيم بهذا الشكل السريع والمزعج ..

لم تعد المسألة خلافات فقهية ، إذ ليس كل خلاف له حظ من الاعتبار .

نحن نتكلم الآن في مسائل  دلت النصوص الشرعية الواضحة على تحريمها  ، فما بال الناس ؟

ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ؟

هذه المشاهدات كانت كفيلة بإفساد استمتاعي بذلك اليوم .

لم أبع نسخاً كثيرة كما كنت أرجو ، ولكن أعتقد أن اللقاءات الصحفية والتلفزيونية والإذاعية التي أجريت معي ، كانت كافية للتعريف بكتابي في الأوساط المختلفة .. أضف إلى ذلك مقابلتي للعديد من المرضى والمتعافين واستماعي إلى شيء من تجاربهم جعلني أسترجع ذكرياتي الشخصية مع المرض ليلهج لساني بحمد الله على منّه عليّ وعليهم بالعافية .

يوم الخميس في التاسعة صباحا كانت مغامرتي المضحكة المحزنة وللمرة الثانية مع مطار الملك خالد  .

المطار الذي من “المفترض ” أن يكون مطار عاصمة البلد الذي ” يفترض ” أن يكون أغنى بلد في العالم !

جملة ركيكة هي الجملة السابقة أليس كذلك ؟

نعم .. ولكن صدقوني الوضع الركيك لا يمكنك أن تعبر عنه بجملة مستقيمة أبداً .

إذ حتى لو استقامت لفظاً ، فإنها لن تستقيم معنى .

ركبت الباص محوقلة ومسترجعة ، ومتذكرة من جديد خراطيم مطارات أوروبا وأمريكا قبل أكثر من 27 سنة ، وانتظرنا في الباص ما يقارب العشر دقائق ليمتلئ ، فانتهزت الفرصة لكتابة بعض التغريدات .

أغلق الباب وتحرك الباص ، وبعد 30 ثانية بالضبط توقف ..

رفعت رأسي لأرى أننا نقف أمام سلم الطائرة ..

نعم .. الطائرة تبعد عن باب المطار أقل من خمسين متراً .

يبدو أن الخطوط تحب أن تريح ركابها لأقصى درجة ..

أخذنا أماكننا ، ولا تزال الصور من حفل البارحة تتوارد على ذهني .. الجميلة منها والسيئة .

وبعد تأخير استمر أكثر من ثلث ساعة نظراً لازدحام المدرج بالطائرات المقلعة والهابطة ( هل يملكون مدرجاً واحداً فقط ؟ ) طارت الطائرة أخيراً ..

بعد ساعة لاحت لي الحرة التي تحيط بالمدينة ، فنبض خافقي بحب المدينة .

المدينة التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا ” .

تمتت شفتاي ودمعت عيناي :  اللهم اكتب لي فيها معيشة ووفاة ..

هذه مدينتي ، فمن له بمدينة مثل مدينتي ؟

Read Full Post »

” أمي ! أنت اليوم مو طبيعية !”

هكذا ألح علي عبد الرحمن وعبد الله .. لا أبدو طبيعية اليوم !

لماذا يا ترى ؟ أنا كذلك أشعر أني متضايقة ، ولكن ما عساه يكون السبب ؟

هممم ، دعوني أفكر في كل ما حصل لي منذ أن استيقظت ..

حسنٌ . ترجمت تدوينة اليوم ، راجعت درس السند ، مشيت للحديقة المجاورة مع البنات ـ وأؤكد لكم أني استمتعت كثيراً ، أجبت على أسئلة اللقاء الانترنتي الذي أجراه معي نادي السرطان التطوعي بمناسبة صدور كتابي .

ما المشكلة إذن ؟

أهاا . أعتقد أني عرفت .

اتصل بي سهل اليوم وأخبرني أن موعد سفره إلى الولايات المتحدة سيكون بعد 20يوم تقريباً  لدراسة الماجستير .

تذكرون تلك التدوينة التي كتبتها في اليوم الذي غادر فيه بيتي لأول مرة ؟

كان اسمها : رحلة إلى عالم النسيان .

قلت فيها لعل خروجه هذا تمهيد من الرب الرحيم للبعثة ، وهاهي الأيام تمر ، وتمضي سبعة أشهر منذ أن غادر سهل البيت  .

في هذه الأشهر السبعة تعلمنا كيف نعيش بدون سهل ، رجل المهام الصعبة .

ما كنت أراه إلا كل 3 أسابيع مثلا ، ويحادثني بين الحين والآخر ، وهذا كل شيء .

الآن سيغادر البلد بأكملها ولن أراه إلا بعد سنة تقريباً .

هل تدركون كم هو صعب أن يغادر الابن البلاد ولا تراه أمه إلا بعد سنة ؟

لطالما أمضى أطفالي أيامهم عندي ، ولم يتركوني إلا بعد سن الجامعة في رحلات قصيرة جداً .

كنت دائماً أحب وجودهم معي على الرغم من الإزعاج الشديد الذي يسببونه لي ، ولكني معهم عرفت معنى : هم دمي ولحمي .

الآن دمي ولحمي سيتركني إلى بلد غريب وجو غريب ولغة غريبة .

أدرك أنه غدا رجلاً يستطيع الاعتماد على نفسه ، ولكن أين قرأت أن الرجل يظل طفلاً في عين أمه ؟

سفره بالنسبة لي كسفر شمس ، كلاهما سواء .

شمس الصغيرة تدخل حجرة الأولاد أحياناً وتنظر إلى سريره الفارغ وتقول بلهجة باكية : أمي ، وحشني سهل !

فأتجلد وأقول سنراه قريباً في جدة إن شاء الله .

الآن ، وبعدما يغادر ماذا عساني أن أقول لها ؟

طيب يا هناء ، لم أنت حزينة ؟

حزينة أنا لأني بشر ؛ أخاف على ابني وأفتقده ..

 أفتقد يوم أن كان صغيراً يلعب حولي ويلتصق بي .

أفتقد لثغته في حرف الراء ورقته .

أفتقد براءته المتناهية وأفكاره الجهنمية .

أفتقد مراهقته الهادئة إذ كان له من اسمه نصيب عظيم .

أفتقد بره بي و تحمله لثورات غضبي بدون أن ينبس بحرف .

هذا بلاء جديد ، ولاشك !

مرت به أمهات كثيرات وصبرن وعاد لهن أبناؤهن بالبشرى ، وهاهو اليوم دوري .

ثق يا بني أني لن أفتأ أدعو لك ان يوفقك الله ويحفظك من كل سوء ويردك لي سالماً غانماً .

اللهم رافع السموات بغير عمد ، أفرغ عليّ صبراً ورضني بقضائك ، واخلف لي خيراً .

Read Full Post »

تحدثت في التدوينة الماضية عن صور شتى للهروب .

واليوم أود ممارسة هذا الهروب فعلياً .

الموضوع وما فيه ، أني بدأت في قراءة مذكرة أصول الفقه ، ومنهجنا في هذا الفصل عن المنطق .

قاتل الله المسرحيات .

كلما ذكرت كلمة المنطق أتذكر هذا الحوار في إحدى المسرحيات التي كان التلفزيون السعودي يتحفنا بها في كل عيد :

المعلمة : تعرف إيه عن المنطق ؟

الطالب الخائب : أعرف أن الواحد لما يضرب واحد على دماغه يوأع ما يحطش منطق !!

من الفصل الماضي وأنا ألحظ أن المناطقة صعبوا علينا الأمور جداً في أصول الفقه والعقيدة ، اللذين – لو لم يدس المناطقة فيهما أنوفهم العريضة لاستقامت كتبهما لنا –

أشبه المنطق بمنهج الرياضات المطورة في هذه السنة : فين إذنك يا جحا ، ومن عنده في البيت طالب يدرس هذه الرياضيات فسيدرك ما أرمي إليه .

من ساعتين تقريباً وأنا ( أقرأ ) مذكرة أصول الفقه وأرسم تفريعات وأشجاراً للتقسيمات .

تقسيمات تقسيمات ، ذكرتني بالحديث الموضوع : من قال كذا وكذا خلق الله من كل كذا مئة ألف طائر ، لكل طائر مئة ألف لسان ، كل لسان يقول بمئة ألف لغة ، وهكذا ..

كلما قلبت الصفحات وجدت المزيد من التقسيمات ، وضاقت الورقة بهذه التشجيرات ، وضاق صدري كذلك .

آااااه ، إني أختنق ..

أحتاج لتنفس بعض الهواء النقي .

أحتاج للهروب لبعض الوقت من هذا المنهج الغثيث .

أين المفر ؟

وهنا تدوي اللمبة الوهمية فوق الرأس : إلى المدونة .

أبثكم أشجاني وأستقي بعضاً من الراحة النفسية في الكتابة .

أحياناً ، أشتهي الإجازة وأنتظرها بفارغ الصبر لكثرة المشاريع التي أقمتها في خيالي وأريد إقامتها على أرض الواقع.

فإذا جاءت الإجازة ، مرت الأيام بجنون وانقلب النظام الليلي والنهاري في بيتنا حتى أعود فأتمنى رجوع الدراسة لتنتظم الأوقات .

الآن ، أنا في المزاج الأول .

أنظر إلى طاولتي الصغيرة بجانب سريري فأرى كتباً مكدسة ، بعضها ينتظر دوره في القراءة ، وبعضها ينتظر  أن أنهيه .

والله لا وقت لدي .

كل يوم أمسك أحد كتبي بشغف ، وأقلب صفحاته وأهمس بحب : سأنهيك قريباً إن شاء الله ، صدقني..

أعتقد أني بدأت هذه الممارسة منذ بداية الفصل الماضي ، يعني من 8 أشهر تقريباً .

المشكلة أني أبدأ أحياناً في قراءة كتاب جديد ولما أُنهِ ما قبله بعد .

سؤال عارض  من تأثير ماذة النحو : ما إعراب ( أُنهِ ) هنا ؟

لو فتحت صفحتي في موقع Good Reads لوجدت أن عندي 10 كتب يجري قراءتها الآن .

عشرة كتب ؟

الصراحة أنها أكثر ، ولكني استحيت أن أسجل الأشياء الجديدة التي بدأت في قراءتها خشية أن يتفلسف علي الموقع ويقول : ( خلصي الّي عندك أول ) !!

عندي مثلاً كتاب اشتريته مؤخراً من أمازون ( الموقع طبعاً وليس النهر ) واسمه  123Magic، وهو كتاب جيد ومثير في تربية الأطفال بين 2-12 سنة .

حتى الآن قرأت ثلث الكتاب ، ولكن أشغالي الكثيرة تحول بيني وبين إتمامه ، وصدقوني أني متشوقة لمعرفة نهايته لسببين : لأتبع  الأنظمة التربوية الجدية التي ذكرها المؤلف مع لطيفة وشمس ، ولأضع مقتطفات منه في المدونة علها تفيد أحداً .

في انتظاري أيضاً كتاب ” طفولة قلب ” للدكتور سلمان العودة ، قرأت ثلثه كذلك .

كتاب زاخر بالأسلوب الأدبي الرفيع المعروف عن الدكتور .

أسلوب يشبه قراءته تناول لوح من شوكولاتة الجالكسي الذائبة بالبندق .

هناك كتاب : ” عشت سعيداً ، من الدراجة إلى الطائرة ” للكاتب عبد الله السعدون ، وهو سيرة ذاتية كذلك .

أحب السير الذاتية .

على الأقل هي تحكي قصص ناس واقعيين مثلي ومثلك .

ناس باستطاعتك أن تقلدهم لو أعجبوك ..

مروا بظروف ومواقف ، قرأت كلامهم ورأيت تصرفاتهم واستفدت منهم ، وليست وليدة خيال مؤلف واسع الخيال ، وقد يكون ضيق الأفق فيضيق عليك حياتك .

بانتظاري أيضاً أحد كتب سلسلة Chicken Soup المعروفة ، وهو بعنوان Think Positive.

كتاب ماتع فعلاً ( توني أربط بين ممتع وماتع وأرجو أن يكون استعمالي لماتع صحيح هنا )  ومليء بالتفكير الإيجابي الذي تحتاجه مريضة السرطان خاصة ، والناس بشكل عام .

أنا أعتبر حسن الظن بالله من أقوى صور الإيجابية .

إنها محاولة دؤوبة لتغيير التفكير والنظرة للأمور المختلفة إلى هيئات إيجابية .

ألم أقل من قبل أن السبب في عدم تحقق الكثير من الأمور هو سوء الظن ؟

عندما يفكر المرء أنه لن ينجح لأنه لم  يذاكر جيداً بسبب انشغاله مع والدته ، أو لن يدرك الوظيفة الفلانية لأنه فضل مساعدة والده ، أو لن يصير غنياً لأنه مشغول بقضاء حوائج الناس ولا يعمل بشكل كاف  ، فعندها لن يتحقق ذلك فعلاً .

لماذا ؟ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي : ” أنا عند ظن ( وليس حسن ظن ) عبدي بي ، فليظن بي ما شاء ” .

وهذا الشخص أساء الظن ولم يحسنه ، فكان الله عند ظنه به .

بما أن هذه التدوينة هروباً ، فلعلي أختم بذكر آخر إحسان ظني بالله .

كنت أبني فيلا في الخيال ..

ألا يستخدمون تعبير ( بناء قصور في الخيال ؟) حسناً ، أنا لست طماعة ، تكفيني الفيلا .

حلمت ( في يقظتي ) أني استلمت ( لا أعرف من أين ، ولا دخل لي بذلك فهذا من تدبير الله تعالى ) مليوني ريال ،  اشتريت بأحدهما المبنى الذي أسكن فيه حالياً ، وبالآخر رممت وجددت وغيرت .

هل كان حلماً ؟

نعم .. هو حلم يقظة ، ولكنه من النوع القابل للتحقيق وليس مخالفاً للسنن الكونية ..

من أين سآتي بمليوني ريال ؟

لا أعرف ..

قالت فاطم : ربما ستشتري هولي وود كتابك وتحوله إلى فيلم .

ضحكت كثيراً ، وقلت : ما شاء الله ، ستشتريه هولي وود بعد أن تسلم .. كتابي مليء بالإيمانيات وإحسان الظن بالله .

لست مسؤولة من أين سآتي بالمليونين ، ولكني أعلم أن الله سميع قريب مجيب .

وأكثر من ذلك ، أعلم أنها لن تكون مليونين  فقط ، فإني سألت الكريم ولا يكتفي الكريم أبداً بإعطاء مقدار ما سئل  وحسب.

أختم ( هذه المرة حقيقة ، فقد جاوزت الأربع صفحات ) بهذه القصة الغريبة التي تعلمكم فعلاً لماذا أحسن الظن بالله لهذه الدرجة ..

قبل أسبوع تقريباً سألت خالداً عن نسخة كتابي التي فيها الفسح الإعلامي وترقيم مكتبة الملك فهد ، والذي استصدره من بضعة أشهر .

قال لي بثقة : أعطيتك إياه .

استرجعت فوراً ، فهو لم يعطني شيئاً لأنه رجع من الرياض إلى جدة عن طريق الطائف ولم يمر بالمدينة ، فعلمت أنه ضاع .

اتصلت على أمي وطلبت منها أن تبحث في بيتها ، واتصلت على كل من قد يكون له صلة بالأمر ، لكنهم نفوا رؤيته أو وجوده عندهم .

عدت للمذاكرة ، إلا أن خيالي كان يسبح بعيداً في محاولة يائسة للبحث عن الكتاب ، أسترجع الذكريات لعلي أجد في تفاصيلها ما يدلني على كتابي الحبيب .

أمضيت نصف ساعة عجزت فيها عن التركيز ، والوقت يمضي وعندي أطنان من المذاكرة .

عندها دعوت الله بصدق : رب أسألك أنت لا غيرك أن تأتي لي بكتابي .كيف ؟ لا أعلم فأنت ربي ومدبر أمري .. توكلت عليك وحدك وفوضت أمري إليك وحدك .

ثم رميت الأمر خلف ظهري وعدت للمذاكرة ونسيت الموضوع .

عشر دقائق فقط ، وتجيئني فاطم  في حجرتي وتسألني : ماذا تعطين من يجد كتابك ؟

أصدقكم القول أني لوهلة شعرت بالخوف الشديد .

أحول أن أفسر سر خوفي ولكني أعجز ..

هل هو خشوع  ، هل هو رهبة من الموقف ، هل هو خوف حقيقة ؟

أخبرتني فاطم أنه قبل عشر دقائق طلب خالد من أروى أن تبحث له عن الهارديسك ، فبحثت ولم تجد ثم تذكرت حقيبة اللاب توب القديمة المغبرة ، فبحثت فيها فوجدت الكتاب !

يا الله . اقشعر جلدي ..

لماذا طلب الهادريسك في هذه اللحظة بالذات ؟

ما الذي دفعها للبحث عنه في هذه الحقيبة القديمة المغبرة ، في حين يكون فرصة وجوده فيها أقرب ما يكون ل2% ؟

كم نضيّع على أنفسنا بسوء ظننا بالله .

لماذا يكون حسن الظن بالله علينا عسير ؟ هل جربنا عليه مساءة أو جوراً أو سوء تعامل ؟

أنا بالنسبة لي لم أر منه إلا كل جميل ، حتى في مرضي ..

نعم ابتلاني ، ولكنه أنزل من أنوار الألطاف والرحمات ما أعشى عين البلاء ، فما عدت أرى إلا هذا اللطف وتلك النعم ..

أفتراني يجمل بي أن أسيء الظن به ؟

لازلتم تضحكون من المليونين كيف ستأتيني ؟

اضحكوا ، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله .

لكن لا يأتيني عندها أحد منكم يطلب مني أن أدعو له .

والآن ، وبعد أن ضربت رقماً قياسياً في الثرثرة اليوم ، لابد لي من العودة إلى الواقع المرير .

إلى أحضان المنطق والفلسفة ( اللغوية) .

إلى أقسام المفرد و المركب ، ما تعدد معناه وما اتحد معناه ، التقييدي منه وغير التقييدي ، ما كان قاطعاً وما كان ممكناً ، والمتواطئ والمشترك والمنقول ( ويتلاشى الصوت شيئاً فشيئاً ) .

Read Full Post »

أعتذر إليكم ، أعلم أني قد تأخرت عليكم ولكن تعلمون ظروف الإجازة ، والأعذار المتكررة في مثل هذه الظروف .

كما أعلم أني ربما أكون قد ( غثيتكم) بالحديث عن نفسي وذكرياتي التي قد لا تهم أحداً ، ولكنا اتفقنا من قبل أن هذه المدونة مشتركة بيني وبينكم ، فبعضها قد لا يهمكم ألبتة ( مثل الحديث عن نفسي وذكرياتي ) إلا أنها تدخل على نفسي بعض المتعة ، وقد أتحدث عن أشياء لا تهمني كثيراً ولا تروقني ولكني أفعله لأجلكم – صدقوني J –

يكفي هذا الهراء الذي لابد منه لصنع مقدمة لا بأس بها حين تفتقر إلى مقدمات مناسبة .

هذه الحلقة الأخيرة من استجلاب الذكريات السعيدة عن مدرستي دار الحنان .

سنوات الثانوي كانت حافلة بالعديد من النشاطات التي كانت لا تكاد توجد إلا في دار الحنان في تلك الفترة من الزمان .

لا أعرف في الحقيقة عم أتحدث وماذا أدع .. لا أكاد أذكر شيئاً سيئاً في تلك الفترة ..

قد يكون هناك شيئاً سيئاً وأسقطه عقلي من الذاكرة ، لكن فيما أراه ماثلاً في ذهني فلا أكاد أذكر أي مرارة أو أسى .

وإنما أذكر أشياء كثيرة أنظر إليها الآن ، وأحللها فقط لأكتشف نعم الله عليّ .

فمثلاً ، كانت من أنشطة دار الحنان رعاية المواهب الموسيقية ، وكانت لدينا مدرسة موسيقى تجيد العزف على البيانو ( الذي كنت أعشقه ) وتجيد قراءة النوتة الموسيقية ، وحين قررت مع بعض صديقاتي إنشاد أغنية وداعية استقيناها من إحدى الأفلام الأمريكية  على أن تعزف مقطوعتها هذه المدرّسة إلا أن الفريق الغنائي الذي كان معي لم يكن متقناً جداً فألغت الإدارة هذه الفقرة لعدم الإتقان . والآن أفكر في لطف الله بي إذ صرف عني الغناء والموسيقى في وقت كنت أحبهما وأجيدهما جداً ، والله وحده يعلم لو لم يصرف عني ذلك ماكان حالي الآن ؟

هل أخبرتكم من قبل عن مكتبة المدرسة ؟

كانت لدى المدرسة مكتبة كبيرة مرتبة ومنظمة ، ومنيرة بشكل مريح ، باردة ، واسعة ، وباختصار: مبهجة . وكان يعجبني منذ سني الابتدائية أن أزورها باستمرار لاستعارة الكتب ..

كنت أجد نهمتي البالغة للقراءة في قصص الأطفال المتينة نوعاًما ..

 كنت أستعير الكتاب في الفسحة وأشرع في قراءته بين الحصص ، وفي الباص ، وبعد تناول الغداء لأعيده في اليوم الثاني مع تعجب أمينة المكتبة ، فقط لأستعير كتاباً آخر .

 أين قرأت قصة بنوكيو وروبنسون كروزو و جزيرة الكنز وكتب نجيب الكيلاني إلا في مكتبة مدرستي؟

في علية المكتبة كانت غرفة السينما ، حيث تقبع آلة عرض الأفلام وكمية من الأفلام التعليمية والوثائقية التي كنا نتفرج عليها في بعض حصص الفراغ ..

نحن نتحدث عن أحداث تمت منذ قرابة الثلاثين سنة .. في تلك الفترة كان التفرج على الأفلام في المدرسة يعد ضرباً من الترف والرفاهية ، خاصة لو كان المكان نظيفاً وبارداً ..

حتماً كان ينقصنا بعض الفيشار والمرطبات .

في السنة الأولى الثانوي كان الذهاب إلى معامل الكيمياء والفيزياء من المتع كذلك ..

الخروج من الفصل الروتيني في طابور منظم لمعمل الكيمياء حيث تحاول غالبيتنا الجلوس في المقاعد الخلفية والعلوية من مدرج المعمل ، أو بجانب النافذة حيث تقتنص نظرات الجالسة هناك الرائحات والغاديات في الفناء ، وقد تكون إحداهن صديقتها فتظل ترسم وجوهاً مضحكة لتضحكها بها فتوقعها في شراك المدرّسة .

لا أنسى التجارب المعملية التي كانت تكلفنا بها المدرّسة أحياناً ، والتفاعلات الكيميائية ، والأدخنة المتطايرة ، والتعامل مع المجاهر ( الميكروسكوب ) . حقاً كانت متع لا تنسى .

كانت سنوات الثانوي حافلة بالمسابقات ، وكنت دائماً في الفرق المشاركة ..كانت هناك المسابقات الثقافية بين الفصول والتي كانت بمثابة اختبارات لمعرفة جودة الدراسة ، إذ أنها مراجعة على جميع المناهج الدراسية ، إضافة إلى سرعة البديهة في كثير من الأسئلة .

كما كانت تقام المساجلات الشعرية ، فكنا نحفظ مئات من أبيات الشعر والتي كنت أستخرجها من الدواوين الشعرية التي اكتظت بها مكتبة والدي رحمه الله ، نكتبها في أوراق كثيرة ، ونحفظها في عدة أسابيع لتعقد المساجلات بين الفرق : حيث يأتي كل فريق ببيت يبدأ بالحرف الأخير من البيت الذي ذكره الفريق الذي قبلنا .

أستغفر الله ، كنا نقوم أحياناً بعملية غش صغيرة إذا ما ( تورطنا ) ببيت نحتاج أن يبدأ بحرف الواو أو الفاء أحياناً ، فكنا نأتي بالبيت الذي يبدأ بأي حرف ، ونضيف إليه واواً زائدة أو فاء زائدة ، (ولا من شاف ولا من دري ) .

طبعاً لم نكن نستطيع أن نقوم بهذه الحركة مع كل الأبيات ، فمثلاً لو قلت :

“و” على قدر أهل العزم تأتي العزائم    وتأتي على قدر الكرام المكارم

لانكشفت حيلتك مباشرة..لعل شمسي تحفظ هذا البيت ، فلا يمكنك بحال تغيير أي شيء فيه .

لكن لو قلت :

“و”ما جال بعدكِ لحظي في سنا القمر          إلا ذكرتكِ ذكر العين بالأثر

فمن بربك يحفظ ديوان ابن زيدون ليكتشف غشنا ؟؟

من ابن زيدون أصلاً ؟؟

في السنةالأولى ثانوي انتقلنا إلى مبنى المطار القديم نظراً لوجود ترميمات في مبنى المدرسة الذي بلغ من العمر قريباً من العشرين سنة أو يزيد وبالتأكيد كانت سنة متميزة ..

أقيمت الفواصل في إحدى مباني المطار لتكون فصولاً دراسية ، وكانت مدرسة الأحياء تشرح درساً في الفصل المجاور فيطغى صوتها على صوت مدرسة اللغة العربية في فصلنا ، فتقع النوادر والقفشات.

كنت نصطحب معنا الزلاجات إذ لا يمكن أن تجد مكاناً أنسب من أرض  مبنى المطار الناعمة والانسيابية للتهادى بالزلاجات عليها ، وكانت بعض الفتيات يستعرضن مهاراتهن في التزلج والتي اكتسبنها من سفرهن للخارج .

قاربت السنة على الانتهاء .. واقترب التخرج .

أقامت المدرسة يوما مفتوحاً ، مفاده أن تقوم من أحبت من طالبات الصف الثالث الثانوي بتقمص أدوار من تشاء من ا لمدرسات و الإداريات بعد استئذانهن .

انطلقت جرياً إلى وكيلة المدرسة الأثيرة لدي : أبلة فايزة كيال ، والتي كانت معروفة عندنا بأناقتها وقربها من قلوب الطالبات واستأذنتها في أداء دورها فوافقت .

وفي صباح ذلك اليوم ، دخلت في أول الدوام المدرسي مكتب أبلة فايزة .. وجلست على مكتبها..

جاءتني وعلمتني كيفية استخدام الهاتف ( السنترال ) وسمحت لي بفتح أدراجها والاطلاع على الأوراق الموجودة واشترطت ألا أفشي سراً وخرجت .

كان من أمتع الأيام إلى قلبي . استمتعت فعلاً بقراءة الملفات الموجودة ، والاتصال على بعض صديقاتي ممن آثرن أن يتقمصن دور المديرة أو الناظرة ..

كنت أؤدي دور أبلة أحبها وهذا يكفيني .

وكنت أحياناً أتصل على ( غرفة الخالات ) لتحضر لي إحداهن كوباً من الماء أو فنجاناً من القهوة.

للأسف لم تستمر هذه المتعة لأكثر من أربع حصص ، ورجعنا بعدها طالبات مرة أخرى .

في إحدى الأيام مررت ببعض الأبلات وهن يتحدثن ، كان منهن أبلة فايزة ، وأبلة ميسر رحمها الله ولما اقتربت سمعت إحداهن تقول بصوت منخفض : شش جاءت جاءت .

تحدثت معهن لبرهة ثم انصرفت وفي قلبي نما أمل ما ، حاولت طرده لئلا أنساق في الأحلام السعيدة .

وأخيراً حان يوم حفل التخرج . في ذلك اليوم ذهبت إلى مصففة الشعر وارتديت فستاناً أبيض أشبه ما يكون بفساتين الزفاف ، وعليها العباءة العودية والشريط والوشاح الورديين ، وكانت المسيرة على أنغام أغنية وطنية : بلادي بلادي منار الهدى .

اصطففنا على المسرح الذي أقيم في ساحة المدرسة وأدينا السلام الملكي ونشيد المدرسة ..

كنت أودع المدرسة التي قضيت فيها أجمل سنوات عمري ، والتي تعلمت فيها مهارات أجني ثمارها ونتائجها الآن :حيث تعلمت اللغة العربية السليمة ، وإلقاء الكلمات أمام الجماهير ، والتحدث باللغة الانجليزية بطلاقة ، وقراءة القرآن بأحكام التجويد الأساسية ، باختصار ، كنت أفعل كل شيء بثقة تامة ، وكلها أمور تفيدني الآن في المحاضرات الدعوية العربية والانجليزية على حد سواء ، وفي درس القرآن الأسبوعي الذي أنال به السند ..

ماذا ؟ لم أخبركم أني آخذ السند ؟

في تدوينة أخرى إن شاء الله ، ولكن دعوني أنهي هذه الآن .. أشعر أني قد أطلت فيها كثيراً .

غنينا معاً وبحزن نشيد المدرسة ، حتى وصلنا إلى مقطع مؤثر :

هنا في الحنان مشينا سوى         وسرنا معاً في رحاب الوفا
لنرفع أوطانــــــــــــــــــــنا للسما           ونسمو بها نحو فجر جديد

شعرت بالغصة  تخنقني ، ودمعت عيناي ، ولم أستطع إكمال النشيد ..

شعرت بشعور العروس السعيدة بزفافها ، ولكن مغادرة مرابع صباها حيث أجمل الذكريات لابد أنه
كان يكدر عليها شيئاً من فرحها ..

انتهت المسيرة وابتدأ الحفل الفعلي ، كلمة الخريجات التي ألقتها إحدى صديقاتي ، ثم التكريم ..

كانت ثمة فعاليات كثيرة طوال السنة الدراسية ، والآن حان وقت الحصاد .

حصدت في تلك الليلة ست شهادات تقدير ، لمشاركتي في جمعية الصحافة والإذاعة والمكتبة ..

مهلاً ، المكتبة ؟ كيف ؟

منذ أن دخلت الثانوية قلّت استعارتي للكتب من مكتبة المدرسة جداً لاعتمادي على شراء الكتب التي أود قراءتها ، لكن أمينة المكتبة أبلة مشيرة أشارت لهم بوضع اسمي ضمن المتفوقات في استعارة الكتب بناء على ما سبق .

ست مرات صعدت على خشبة المسرح لأستلم شهادات التقدير من الأميرة لولوة الفيصل .. وفي المرة الثالثة بدأت تهمس : ما شاء الله كلما رأتني .. وفي قلبي يتضخم الزهو والفرح ويتحرك لساني “ما شاء الله ” وبالحمد ..

بعد أن تم توزيع شهادات التقدير  ، استلمت درع التفوق الذهبي مكتوب عليه اسمي بمناسبة حصولي على المركز الأول على فصول الأدبي .

ولا يزال الفرح ينمو ويزهو ، حتى حُبست الأنفاس للإعلان عن الطالبة المثالية لذلك العام .

فلما تردد اسمي هاجت الساحة تصفيقاً وتصفيراً وصياحاً باسمي وأنا كالمذهولة ..

حقاً اختاروني الطالبة المثالية ؟

وهنا تداعت إلى ذهني الأحداث التي لم افهم مغزاها في وقتها : لم كانت الأبلات يسكتن إذا قدمت عليهن في اجتماعهن مع أبلة فايزة أو الناظرة أبلة هيام ، لم خبأت أبلة فايزة الكأس المكتوب عليه اسم الطالبة المثالية لما دخلت عليها أسألها عن شيء ما . لم كانت أبلة فايزة تضحك بمكر كلما سألتها أن تغششني وتخبرني عن الفائزة بلقب الطالبة المثالية .

قمت وسط صياح الجمهور واعتليت خشبة ا لمسرح ، وهنا سمعت الأميرة تقول بصوت واضح : ما شاء الله ، مبروك !!

استلمت الكأس واستدرت إلى صديقاتي والجمهور ورفعت الكأس عالياً فوق رأسي وسط الصياح والتصفير لأنال نفس فرحة رئيس الفريق الفائز بكأس الدوري .

وفي اليوم الأخير الاختبارات ، كان الأسى مخيماً على المدرسة ..

نعم ، كان هناك بعض الفرح بمناسبة التخرج والانتقال من مرحلة المدرسة على مرحلة الجامعة ، ولكن كانت هناك الغصة في الحلوق .

بعض البنات قذفن بالكتب عالياً في صراخ فرح لتسقط وتتشقق في حركة غير حضارية ألبتة .

وبعضهن طفقن يكتبن على قمصان بعضهن البعض العبارات الوداعية التذكارية ، في حين التقطت الكثير والكثير من الصور التذكارية .

مشيت مع صديقتي لنودع المدرسة ..

أقبل ذا الجدار وذا الجدار ..

تعانق عيني الفناء الواسع .. صالة الألعاب .. فصلي الذي درست فيه الثاني والثالث الثانوي .. المعامل العلمية ، غرفة الممرضة والتي كنا ننام فيها إذا ما باغتت إحدانا الدورة الشهرية ، النخلة العجوز التي تستقبلنا في مدخل المدرسة ، غرف الإداريات ..

مشيت أنظر وأتذكر ، وكأني أسمع الأصوات ، وأشم الروائح ..

خرجت من المدرسة ، ولكن المدرسة لم تخرج من قلبي ، ولا زلت أحتفظ عنها بأحلى الذكريات ، ولا زلت أكتب فيها أجمل السطور .

قد أكون أخفقت في توصيل مشاعري حرفياً إليكم ، ولكن فقط أقول : كلما شممتم رائحة  عطر جميلة ، أو اصطبحت أعينكم بمنظر طبيعي فريد ، أو غمرتكم السعادة في أوقات ما ، فاعلموا أن هذه المشاعر العذبة التي تجدونها هي ما يملأ قلبي كلما تذكرت مدرستي ..

إنها قصة حب ، سطرتها بقلبي قبل أصابعي ..

أشكركم كثيراً على صبركم عليّ وتحملكم قراءة كلمات قد لا يعنيكم شأنها في شيء .. ولكن حسبكم أنكم أتحتم لي سعادة غامرة وأنا أسطر هذه الأحرف .

أشكركم ..

Read Full Post »

حسناً يا سادة ..

دعوني أعدل من جلستي قليلاً ، أحضر كوب الماء إلى جانبي ، أمد ساقيّ المتعبتين أمامي ..

أسند ظهري وأغمض عيني وأحلق في جو الذكريات السعيدة لأعود إلى دار الحنان .

هلا بدأنا ؟

حسن ، ماذا لدي الليلة ؟

كنت قد ختمت المرة الماضية بذكر اليوم الرياضي .

في الحقيقة ، هناك أشياء لا أكاد أذكر تفاصيلها لأن ذاك عهد قديم وانقضى .. فقد أخطئ في ذكر بعض التفاصيل ولكن أعتقد أنه لا بأس بذلك .. فنحن لا نؤرخ للدولة السعودية ، أليس كذلك..

أقامت المدرسة يوماً ما يسمى باليوم الرياضي .

كانت هناك بعض المسيرات والتشكيلات بالرايات الملونة ولا أذكر فعلياً ما كان فحوى هذا اليوم..

لكن الاستعدادات التي سبقته لا تكاد تمحى من ذهني .

اتفقت المدرسة مع إدارة الاستاد الرياضي في طريق مكة والمعروف باستاد الأمير عبد الله الفيصل لإقامة اليوم الرياضي فيه .. وليومين متتاليين كنا نذهب من العصر وحتى المساء لأداء البروفات اللازمة لهذا الاحتفال .

غني عن الذكر أن الاستاد كان فارغاً تماماً إلا منا .

كان بارداً واسعاً لم تنله يد البلى والأنوار الكاشفة في كل مكان .

كان مثيراً بحق ، إذ أن هذه المرة الأولى التي ندخل فيها إلى مكان رياضي مرتب كهذا ..

حجرات تغيير الملابس ، المغتسلات ذات الفواصل و ( الأدشاش ) القوية .

الأرضية الناعمة التي تسمح لنا بممارسة التزلج عليها بسهولة ونعومة .

و لاداعي أن أذكر أن وجبات الغداء والتي كانت تتكفل بها المدرسة لكامل الفريق كانت من ..

نعم .. البروست !!

وفي يوم الحفل كان علي أن أرتدي إلى جانب اللباس الرياضي المقرر : قفازات بيضاء ( كتلك التي يرتديها رجال الشرطاة الملكية البريطانية ) ، وحذاء رياضيا أبيض .. ذلك الخاص براقصي الباليه ، والذي كنا نشتريه من محلات الفالح للرياضة .

لكني لا أعرف كيف ، نسيت حذائي ولم أكتشف ذلك إلا بعد أن قارب الحفل على البدء وقد خرجت أمي من بيتها ، ولم تكن الجوالات قد اخترعت بعد ..

فكان علي أن أؤدي الاستعراض مرتدية شرابي الأبيض فقط ، داعية الله أن لايلحظ الجمهور أني الوحيدة بين الطالبات من كانت ترتدي شراباً وليس حذاء !

وكالعادة ، فإن ( من على رأسه بطحة ، يحسس عليها ) . كنت أشعر أن كل الأنظار اجتمعت لتنظر إلى قدمي ، وأن تلك الأم التي كانت تضحك في الصف العاشر إنما كانت تضحك سخرية مني لأني أؤدي استعراضي بالشراب لا بالحذاء .

لم تفلح محاولات أمي في إقناعي أن الناس لن ينتبهوا إليّ بالذات من بين خمسين طالبة كانت تشاركني  الاستعراض ، ولكن لم تكن بيدي حيلة .. فصرت أؤدي دوري وأنا بكامل ( فشالتي ) .

والآن ، كلما يخبرني أحد أولادي أنه لن يستطيع تأدية صلاة الفجر في المسجد لأن ثوبه مبقع قليلاً أو ( مكرمش ) أبدأ في إعطائه المحاضرة إياها : أن الناس ( يا دوب ) يفتحون أعينهم في هذا الوقت فلن يهتموا بمراقبة فلان الفلاني كيف هو ثوبه .. ولكنه لايقتنع ويظل متبرماً متسخطاً إلى أن ألزمه إلزاماً بالذهاب إلى المسجد ، وصوت ما يهتف في ذهني : ألا يذكرك بنفسك في تلك الحادثة؟ فأتنهد وأقول وقد جف ريقي من مهاترته :  الله يرحم أمهاتنا ويجزيهن عنا خيراً .

حصص النشاط كانت مثيرة عندنا . كان علينا  أن نختار من عدة ( جمعيات ) لننضم إليها ..

حاولت معي مدرسة الانجليزي أن أنخرط معهن في جمعية ( الباسكت ) أو كرة السلة طمعاً في طولي، ولكني لم أحب هذه اللعبة أبداً ، وأعدّ نفسي من أفشل خلق الله في إصابة الأهداف ، فكنت أرفض على الدوام كل محاولاتها .

كنت دائماً أعتقد أن المدرسة المكان المثالي للطلاب لتنمية المهارات الفردية . لذا فقد اخترت جمعية الصحافة .

كنت دائماً أطمح لأن أكون صحفية .

ولعل إصابتي بالسرطان كانت إحدى ثمار هذا الطموح ، إذ أني اطلعت مرة على تحقيق صحفي لرجل أصيب بسرطان في وجهه وأجريت له عمليات عدة حتى عوفي وشفي . فدعوت الله – بكل حماس المراهقة التي كانت تعتمل فيّ ( وغبائها كذلك ) – أن أصاب بالسرطان وأشفى منه لأكتب عنه !

وها أنا الآن ، أصبت بالسرطان ، وكتبت عنه في كتاب لعله يولد قريباً بإذن الله ، وأسأل الله أن يتمم دعائي ويكتب لي الشفاء التام .

في جمعية الصحافة مارست أشياء لم أفكر أن أمارسها أبداً . تعلمت الكتابة بالآلة الكاتبة ، وكنا نكتب المقالات لمجلة  المدرسة ، ونجري اللقاءات الصحفية مع بعض المدرسات ، ثم أطبعها على الآلة الكاتبة ، ونصف الورق ، ونقطعه بالقطاعة الضخمة – والتي لم أفلح يوماً في عملي بها .

وفي معرض الكتاب السنوي كنا نبيع هذه المجلة للزائرات ، والآن أستحضر تلك اللحظات ولا أعرف لماذا أتذكر في الوقت ذاته باعة اللبان والمناشف قريباً من المراكز التجارية.

في إحدى الأيام جاءتني أبلة رابحة النقادي إحدى إدرايات المدرسة وطلبت مني أن أحضر للمدرسة عصراً للتعليق على عرض الأزياء الشعبية والذي ستقيمه المدرسة لمجموعة من النساء الغربيات .

حضرت عصراً بالتأكيد ، واطلعت على الملبوسات والمجوهرات الشعبية التي تقلدتها مجموعة من الطالبات من بعض البيوتات الكبيرة المعروفة في جدة والمدينة .

ثم كان التعليق .. حاولت استحضار كل الكلمات المناسبة لوصف الأزياء والمجوهرات ، والعارضات أحياناً إذا ما خانتني الأفكار ..

لماذا تخونني الأفكار ؟ لأن التعليق كان باللغة الانجليزية ، والخطأ أمام هذا الكم من النساء الأوروبيات والأمريكيات ، لم يكن شيئاً مشرفاً بالتأكيد .. ولكن الحمد لله ، مرت تلك الليلة بسلام.

لا شك أن هذه النشاطات المسائية في المدرسة كانت مثيرة وممتعة لأقصى حد ، إذ فيها كم كبير من الإثارة والخروج عن رتابة وروتين البيت .

وعلى الرغم من موافقة أمي شبة الدائمة على اشتراكي في كل النشاطات إلا أنها رفضت وبشكل قاطع انضمامي للزهرات ( الكشافة ) .

وحتى اليوم لا أعرف سبب هذا الرفض .

أحاول أن أقلب ذلك في ذهني فلا أجد سبباً ظاهراً لذلك .

كنت أفعل في النشاطات المسائية ما كنت سأفعله لو كنت في فرقة الزهرات ، من تأخر في الرجوع إلى البيت مساء ، والقيام بزيارات مدرسية إلى مدراس أخرى ، فلم كانت ترفض الزهرات بالذات؟ هذا ماينبغي لي أن أسألها عنه في لقائي بها في المرة القادمة .. إن لم أنس، وإن هي تذكرت .

كان لباسهن يبهرني .. الطاقية العودية اللون تقبع بدلال على جانب الرأس ، تتوسطها شارة الكشافة .. التحية العسكرية ، و ( الصفقة ) المميزة والتي كانت بمثابة ( صيحة ) من صيحات الكشافة.

عالم ممتع مثير لا أعرف عنه شيئاً ..

ولكني لا زلت أظن أن أقدار الله خير .. ومادام الله تعالى قد صرفه عني ، فلا بد أن له حكمة في ذلك .

هل لي أن أختم حلقة اليوم من الذكريات ؟

قبل أن أودعكم أردت أن أخبركم بخاطرة خطرت لي بعد كتابة التدوينة السابقة عن أبلة ميسر .

أخبرتكم أني دهشت وذهلت ووجمت بعد سماعي بالخبر ..

تعلمون لماذا ؟

جلست قبل أيام أحلل سبب مشاعري تلك ..

أنا لا أعرف أبلة ميسر إلا وقد تجاوزت الثلاثين من عمرها .. حينها كنت أنا في السابعة عشر .

ثم توقف بي الزمن وتجمدت تلك الذكريات حتى سمعت نبأ وفاتها بعد 27 سنة من تركي لها .

وجومي ذلك كان لأني تعجبت من وفاتها وهي بتلك السن الصغيرة ..

ولما أفقت ، بعملية حسابية صغيرة انتبهت إلى أنها لم تكن صغيرة جداً لما توفيت ..

كانت قد جاوزت الستين على الأقل .

وهنا كان وجومي الثاني ..

أنا بالذات يتوقف الزمن عندي في مرحلة الشباب ، لذا أجد نفسي دائماً أنادي بعض النساء ممن يبدو عليهن آثار الزمن أناديهن : يا خالة .

ثم أتنبه إلى أنني خالة كذلك ، وأن المرأة التي ( خلخلتها ) لا تكبرني في الحقيقة بأكثر من عشر سنوات .

هممم .. هذا ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القدى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه !

أفلح بأن أرى الخطوط الدقيقة على جانبي العينين والفم لتلك ( الخالة ) المسكينة ، وأنسى خصلة الشعر البيضاء السميكة في مفرق رأسي ..

عندما سمعت بخبر وفاة أبلة ميسر ، كأني تخيلتها صغيرة ، لأني تخيلت نفسي صغيرة ..

فلما حسبت عمرها تعجبت من مرور الزمن علينا ونحن غافلون .

وأتساءل .. ترى ، هل سيمضي وقت كالذي مضى لأفيق بعد ثلاثين سنة وأنا في الخامسة والسبعين ، وأبنائي الكبار في الخمسين ؟

اسمعوا ..

كأني أصبت بصدمة نوعاً ما .. أعتقد أن من الأفضل لي أن أختم التدوينة ..

أفضّل أن تكون تدوينتي مرحة ومليئة بالذكريات العذبة ، وما أقوله الآن لا يخدم قضيتي .

إلى لقاء قريب بإذن الله مع التدوينة الأخيرة – مبدئياً – ، وأعدكم إن شاء الله أنها ستكون جميلة .

لا لأني مغرورة بكتاباتي والعياذ بالله ، ولكن لأن الكاتب حينما يصف امرأة رائعة الحسن فلن يصفها إلا بحسنها .

ودار الحنان ، في تلك الفترة لاشك أنها كانت غادة  المدرسات وواسطة العقد .

Read Full Post »

فتحت الفيس بوك قبل قليل لأجد تحديثاً لصفحة مدرستي دار الحنان والتي اشتركت بها مؤخراً . فتحتها وكلي لهفة أن أجد شيئاً عن إحدى صديقات العهد القديم ، فكان أن وجدت نعياً لإحدى مدرساتي الحبيبات في الثانوي : أبلة ميسّر البواب مدرسة التاريخ .

وجمت لفترة لا بأس بها .

ظللت أرمق الصفحة ببلاهة ، في حين تداعت عليّ الذكريات .

أبلة ميسّر ..

من بقايا الماضي السعيد ..

كانت أبلة متميزة بالفعل ..

 لا يزال صوتها يرن في أذني في بداية كل حصة : طلعوا (الكلاسير) ، والذي عرفنا في النهاية أنه الملف ( ذي الطق طق ) والذي يأتي غالباً مع أوراق بثقبين في الجانب ، كانت تجري لنا اختباراً سريعاً تضيف درجاته لأعمال السنة  ، وتطلب منا الاحتفاظ بأوراق الاختبارات في ( الكلاسير ) بعد تصحيحها .

رحم الله أبلة ميسّر .

ما أذكرها إلا حريصة على فائدة الطالبات ، ودليل ذلك تلك الاختبارات التي سبقت المدرسات بها ، كما أنها كانت فعلاً تحترم عقلياتنا كفتيات مراهقات وتكثر من الحديث معنا خارج الحصص ، فكان أن نشأت بيننا وبينها علاقة حب امتدت للمدرسة ذاتها .

رحم الله أبلة ميسّر!

أجبرتني أخيراً  أن أجلس لأستعيد ذكريات ذلك الزمان البهيج .

كأني أرى المدرسة الآن ..

 تخيلوا معي ..

سأصف لكم القسم المتوسط والثانوي فقط .

ساحة كبيرة جداً ، يمكن لثلاث باصات من النوع الأصفر الكبير أن تصطف فيه مع باصين صغيرين كباصات خط البلدة ، ولكن أنظف بالتأكيد  وأجود تكييفاً .

كانت تقام في هذه الساحة مباريات الكرة الطائرة  في دوري بين الصفوف ..

كأني أسمع الآن هدير الطالبات وهن يشجعن الفصلين المتباريين بالتصفيق أو ( بالتخبيط ) على باب صالة الألعاب  ، حتى تلتهب الأيادي وتحمر في نهاية المباراة : ” بالطول بالعرض الأدبي يهز الأرض ” ( فصلنا ) ، أو : ” آه يا علمي يا أبهة ، إيه العظمة دي كلها “( فصل منى باسليم )  ، فإذا ما أحرزت إحدى اللاعبات هدفاً ( جيداً ) كانت المشجعات يهتفن : وحدة وحدة وحدة ، ( فلانة ) أحسن وحدة!

حتى إذا ما انتهت المباراة كانت رئيسة الفريق تُحمل على الأعناق فعلاً ( يا لتأثرنا بمباريات كرة القدم ) ومع ذلك كان جو الود بين الفريقين طاغياً واضحاً .

أما صالة الألعاب فهذه حكاية أخرى ..

كانت صالة الألعاب صالة واسعة وتستخدم لجميع الأغراض التي يمكنك تخيلها ، فهي أحياناً قاعة اختبارات تسع طالبات صف دراسي بكامل شعبه أو أكثر ( خاصة إذا ما علمنا أن عدد الطالبات في الفصل لم يكن ليزيد عن عشرين طالبة ) ، وأحياناً تكون معرضاً أيام البازار ، وقد تقام فيه حفل عيد ميلاد مفاجئة لإحدى الطالبات ( التي أول حرف من اسمها : هناء ! ) ، وهي في الأصل  كاسمها : صالة ألعاب ..

 هذا جدار كامل تغطيه المرايا الكبيرة ، وهنا مجموعة من الدواليب حشيت بمجموعة من الكرات الخاصة بلعبة الكرة الطائرة وكرة السلة والبسط الرياضية وأرواب التخرج ومجموعة من الثياب التي تصلح  للمسرحيات ، وفي  هذا الجانب جهاز المتوازي الذي تقام عليه بعض حركات الجمباز ، وعلى جانبي الصالة علقت سلتي كرة السلة عالياً .

لا أنسى أن إلى جانب مدخل الصالة كان ثمة درج يوصل إلى مكان ما لا أذكره ، ربما السطح وربما حجرة ما .. كان يحلو لي وصديقاتي الاختباء أحياناً تحت هذا الدرج في الأيام الأخيرة من السنة ، حين تكثر الاستعدادات لحفلة التخرج  ويكثر خروجنا من الحصص للسبب ذاته ، فنختبئ بعيداً عن أنظار الإداريات ونلعب لعبة ( الأونو ) التي بدأت في الانتشار في تلك الفترة .

بعض البنات ( الخطيرات ) كن أكثر (كوالة ) ، فكن يلعبن البلوت والطرنيب ، أما أنا فلم أكن لأتقن هاتين اللعبتين أبداً ، ولعل هذا من رحمة الله بي .

كان لدار الحنان نشاطات رائعة .. لا أزال أجد طعمها الحلو في فمي .

كان هناك البازار أو السوق الخيري.

يوم كامل من المتعة والسرور حتى الساعة الحادية عشر ليلاً .

تنتشر في أرجاء المدرسة العديد من الفعاليات : صد سمكة ولك هدية ، ارم الكرة على مجموعة القوارير ولك جائزة ، ضع ذيل الحمار وأنت معصوب العينين وتكسب شيئاً ، التلوين على الوجوه، و صنع الأشغال الفنية والألعاب الحركية مقابل مبالغ مالية بسيطة .

ورائحة الفشار والبرجر والبطاطس المقلية تنتشر في الجو وتسيل اللعاب ، والإذاعة تصدح بالإعلانات عن الفعاليات المقامة هنا وهناك ، وعن البضائع المعروضة في صالة الألعاب والتي ساهم في صنع العديد منها الطالبات في حصص التدبير المنزلي والأشغال الفنية والرسم .

أذكر أن شركة ألبان السعودية قدمت في إحدى السنوات تبرعاً للمدرسة متمثلاً بسيارة أيسكريم السعودية ، حيث وقفت في الساحة الجانبية عربة بها ثلاجات الأيسكريم ، وفيها شباكان كبيران كمنفذين للبيع .

واخترت مع صديقتين للبيع في هذه السيارة ، فاتفقنا على زي معين وصنعنا قبعات كرتونية رسمنا عليها شعار حليب السعودية لنشبه البائعين في مطاعم الوجبات السريعة قدر الإمكان .

كان العمل متعباً بعض الشيء خاصة في ظل انعدام ثقافة الطابور المنظم والهدوء أثناء الشراء ، وإنما هو التزاحم على الشباكين لترى الأيادي الممتدة إليك ببعض الريالات ، والأصوات تتقاذف من هنا وهناك: 3 فانيلا .. واحد شوكولاتة .. أبلة أبلة فيه فراولة ؟ ( أنا أبلة ؟ )

ويبلغ الأسى مبلغه حينما تقذف لك إحدى  المشتريات في هذه الزحمة بورقة من فئة المئة ريال وتطلب ( اثنين ايسكريم ) … بريالين .. وتريد الفكة ..تقضي بعض الوقت في إخراج الفكة من العلبة  ، أو تضطر للخروج من العربية إلى إحدى الأركان الترفيهية وتطلب فكة ، ثم تعود إلى مكانك وتبدأ المهمة الشاقة في البحث عن صاحبة المال في خضم هذا البحر المتلاطم من الأطفال الذين يبدون كأنهم لم يشتروا أيسكريما من قبل .

وفي نهاية الليل كان نوماً لا أحلام فيه لشدة التعب الذي أصابني من الوقوف المتواصل لسبع ساعات مستمرة ، إلا أن الإثارة كانت تملأ قلبي ، وكنت كلما أغمضت عيني أرى تفاصيل هذا اليوم تعاد كرة وأخرى في ناظري المغمض  فتعلو شفتي ابتسامة حبور .

وكان هناك معرض الكتاب السنوي ..

كل فصل يختار مادة ما يؤلف فيها بحثاً ، شخصية علمية أو أدبية ، أو بلد ما .

أذكر أن شخصيتنا المختارة في الصف الثالث  الثانوي كانت الدكتور الشاعر غازي القصيبي رحمه الله .

كنا نجمع كل ما يقع في أيدينا عنه : أخبار ، أشعار ، كتابات ، وتبرعت أنا بطباعة البحث . فكنت أطبعه على آلة كاتبة اشتراها أخي لي خصيصاً في زمن كانت الآلات الكاتبة كأجهزة الكمبيوتر الآن ، و كان الكمبيوتر عند الناس مقتصراً على الأتاري ولعبة الباك مان !

هل جربت الطباعة على الآلة الكاتبة ؟

لا شك أن الطباعة بالكمبيوتر يعد ترفاً هائلاً مقارنة بالطباعة على الآلة الكاتبة .

هل تتخيل أنك حينما تخطئ في كلمة فإنك تضطر إلى طمسها بالطامس ( كنا نسميه ليكويد ) ، وتعيد كتابة الكلمة عليها ..

فإذا غلطت في سطرين في وسط الصفحة ، فمن الأفضل لك أن ترمي الورقة بأكملها في سلة المهملات وتعاود الكتابة .

وبعد ذلك كنا ندفع بالبحث إلى مكتبة ما لتقوم بتصوير أوراق البحث على مئة نسخة أو مئتين ، ثم نحتل حجرة فارغة ، غالباً غرفة التدبير المنزلي ونصفّ الأوراق على الطاولات الكبيرة لتقوم مجموعة من الطالبات ( ستة تقريباً )  بتجميع البحث . 

غني عن الذكر أن هذه اللحظات كانت من أمتع الأوقات ..

كنا نستأذن من الأبلة لحصتين أو ثلاث أو أربع أحياناً لننهي البحث ، وكانت دائماً توافق لأن المستأذنات هن غالباً من المتفوقات .

نخرج من الفصل وعلى وجوهنا سيماء الجد والحزم ، فنحن في طريقنا لأداء عمل مهم وهادف ، حتى إذا ما غبنا عن أنظار الأبلة انطلقنا نجري ونضحك بهجة وإثارة إلى أربع حصص من الضحك والوناسة تنتظرنا تحت مسمى العمل .

أحياناً تكون ( مربية الفصل ) ذات تفكير خلاق ومبدع ، فتقوم مع طالباتها بابتكار مجسمات تنتمي إلى موضوع بحثها فيزداد بها قوة وجمالاً ، وقد تطلب مني مدرسة هذا الفصل أو ذاك مساعدتها في كتابة أو ترتيب ، أو تعليق شيء ( بسبب طولي ) ، فتنتفخ أوداجي زهواً  وأشعر فعلاً بالأهمية ، مع أني لا أعدو في الحقيقة أن أكون سلماً بشرياً !

ولعل أكثر ما يحدث في هذه الأيام إثارة أننا نضطر إلى التأخر في اليومين الأخيرين قبل إقامة المعرض لنعود إلى بيوتنا في التاسعة مساء .

كنا نتناول غداءنا في الساحة والذي غالباً ما يكون ( البروست ) والمعروف الآن باسم ( بروست البيك ) ، ولكنه وقتها كان “بروست ” و (بس ) !

ويالبهجة تلك الأوقات ونحن نتضاحك مع صديقاتنا في متعة طعامية مدهشة مكونة من الرباعي الرائع : بروست ، وبطاطس ، وثوم ، وبيبسي !

حتى إذا كان اليوم الموعود ، ما كان ينقصنا فعلاً إلا الألعاب النارية .

أذكر أني كنت أدور بنسخ بحثي ومجلة المدرسة التي كان يحررها طالبات المدرسة المتفوقات أدبياً ، وأعرضها للبيع كما يفعل باعة الجرائد في الأفلام المصرية .

هل يتسع المقام لذكر اليوم الرياضي ؟

قاربت على إنهاء خمس صفحات ، وأخشى أن أنساق في ذكر هذه الفعالية المثيرة لأنهي تدوينتي في ست أوسبع صفحات ..

وتعلمون جميعاً رغبتي الجادة في تقليص عدد الصفحات لأني لا أعتقد أن الكثير منكم يرغب في قضاء نصف يومه يقرأ تدوينة هناء .

لذا لنرجئ ذكر اليوم الرياضي للتدوينة القادمة ..

وأعدكم أن تدوينتي التالية ستكون بنفس جمال هذه التدوينة ..

طبعاً سأتغابى وأفترض أن هذه التدوينة جميلة.

هي جميلة بالفعل ، وذلك لأني أكتبها وانا أغلق عيني بين الفينة والأخرى لأستدعي الذكريات ..

أحاول أن أشم رائحة الفشار والبرجر والبروست .

أحاول أن أعيش جو الأنس مع صديقات غابت عني شخوصهن ، ولم تغب صورهن وضحكاتهن.

كتبت هذه التدوينة وأنا في عالم وردي جميل ما فيه إلا الأيام السعيدة ..

أفلا تكون التدوينة بعد ذلك جميلة ؟

انتظروني  في التدوينة التالية ..

وأرجوكم .. من باب المجاملة فقط .. اكتبوا تعليقاتكم وذكرياتكم ..

أحب أن أرى منكم تفاعلاً فأتشجع في كتابة المزيد .

اكتبوا لي عن مدارسكم وصديقاتكم ونشاطاتكم ..

وإن كنت واثقة أنكم لن تكتبوا عن مدرسة كدار الحنان !

Read Full Post »

وأخيراً ..

بعد عمل متواصل دؤوب استمر قرابة التسعة أسابيع سأنهي اختباراتي اليوم .

أشعر بشعور متسلق الجبال حينما يصل إلى القمة وينظر بشموخ من علٍ إلى البلدة الغافية في سفح الجبل ، ويعلن انتصاره على الجبل .

لا أعرف متى تسلقت الجبل لأعرف هذا الشعور ، ولكني أتوقع .

إنه شعور الإنجاز .

أنا اليوم أعلن انتصاري على الدراسة .

صحيح أني لم أستلم نتائجي بعد .

ولكن أتوقع بمشيئة الله أنها ستكون سارة .

إليكم انطباعاتي عن هذا الفصل في وقفات :

 الوقفة الأولى : كانت غلطتي الكبرى أني بدأت متأخرة جداً ، تماماً كالأرنب الذي يسابق السلحفاة ، وقد ذكرت ذلك في أول تدوينة لي عن الدراسة .

قضيت الشهرين الأولين منذ بداية الفصل في لعب ولهو ، فأنا بعيدة العهد عن الدراسة الجامعية .

حتى إذا ما انتصف الفصل بدأت الدراسة الفعلية ، ويا لهول ما وجدت .

سبع مواد مختلفة الأحجام تنتظرني هازئة ، أن أرينا ماذا ستفعلين الآن ؟

كنت أستيقظ يومياً في العاشرة لأستدرك ما فاتني ، فأسمع المحاضرات المسجلة وألخص ، وأحضر اللقاءات الحية اليومية .

تركت المتع المبهجة التي تمتعني : القراءة ، التصوير ، متابعة برامجي المفضلة ، وتقلص عملي في المنتدى والمحاضرات الدعوية ، وانحصرت متعتي في اللقاء بكم مرتين أسبوعياً قدر الإمكان .

وفي الأسبوع الأخير الذي سبق الاختبارات زاد العمل حتى أني كنت أستيقظ من بعد الفجر وأذاكر حتى السابعة صباحاً ثم أنام ، لأعاود العمل في التاسعة والنصف .

أعتقد أني اكتسبت عادة جيدة كنت أتوق منذ زمن بعيد إلى اكتسابها وهي عادة التبكير .

قبل الدراسة كنت أستيقظ في الحادية عشر ظهرا أو بعد ذلك بقليل ، ,أظل أتمرغ في كسلي طوال اليوم ، حتى إذا ما هبط الظلام ظللت أندب يومي الضائع وأني لم أستغله بما يكفي .

الآن ، أشعر بالمتعة والحبور . أستيقظ مبكرة ، أتفرج على بعض البرامج ، أتفقد منتداي وأحكي شمسي حكاية ، ثم أبدأ دراستي ، ولا زالت الساعة العاشرة والنصف .

أرجو فقط أن تستمر معي هذه العادة خاصة مع قدوم الإجازة الصيفية .

الوقفة الثانية : كنت أقرأ دائماً أن أعضاء الجسم تكتسب قوتها من تمرينها ، فكلما مرنت العضو على أداء عمله الذي خلقه الله له قوي وصقل . ومن ذلك التمارين الهوائية cardio التي تنفع القلب جداً بحملها إياه على العمل بقوة لضخ الدم .

لا ينفع القلب أبداً الجلوس بدعة واسترخاء ، بل إن ذلك قد يؤدي إلى تصلب الشرايين وحدوث الجلطات ، ولكن ما يفيده هو الحركة الكثيرة والمجهدة (باعتدال)  .

وكذا الذهن .. بعد العلاج الكيماوي ، شعرت أن تروس عقلي قد علاها بعض الصدأ .

صار تفكير بطيئاً ، وقل تركيزي جداً ، حتى أني لو لم أنطق بما في ذهني خلال خمس ثوان من تفكيري فيه لضاع فوراً ، ولا تسل عما حفظته من القرآن كيف اختفى في مكان ما من أدراج الذاكرة ، ربما تحت قميص أو جورب في أحد الأركان .

ما كنت أعتقد أبداً أنه سيكون باستطاعتي استعادة قدراتي الدراسية القديمة .

ولأني طالبة علم قديمة فقد كانت الدراسة الشرعية الجامعية ولمدة 9 أسابيع مصدر سعادة واستمتاع لا كما كان البعض يشعر بأنها ( شهادة و السلام ) .

كنت أستمتع للغاية بشعور الإنجاز حينما أنهي تلخيص مسألة من عشرين صفحة في ورقتين ، أو أستظهر بعض الفقرات فأجدها لا زالت في مكانها بعد أسبوعين أو أكثر من استظهارها .

بدأت أشعر بشعور الرياضي ذي البطن المتهدلة وهو يرى عضلات بطنه تزداد صلابة وانكماشاً بزيادة التمارين ( هذا شعور أزعم أني أعرفه جيداً لا كشعور متسلق الجبال ) .

كنت أشعر بالحياة تدب من جديد إلى عقلي ، وأن تروسه بدأت تدور بسلاسة أكبر ، وأن الصدأ آخذ بالانجلاء .

أقول لكم بثقة : جميل هو الإحساس بالإنجاز ..

الإحساس باستعادة النشاط بعد الإغماء ..

الإحساس أنك حي ، وتؤدي دوراً  مفيداً في هذه الحياة .

وأقول لمن تقرأ  عيناه كلماتي من وراء شاشته ، وقلبه من وراء يأسه واستسلامه : لا تستسلم !

فإن كنتُ قد نجحت بفضل الله ، فبإمكانك أن تنجح أنت كذلك .

فقط اكسر حاجز الرهبة وأقدم ، قد تتعثر في أول الطريق عدة مرات ، ولكن من يتهيب صعود الجبال يظل أبداً بين الحفر ..

ولا شك أن الجو في جبال أبها أجمل بكثير منه في منخفضات تهامة .

الوقفة الثالثة : حسبي الله على المعتزلة وأهل الكلام ، فإنهم ما دسوا أنوفهم العريضة في شيء إلا أحالوه جحيماً .

عانيت بشدة من هذه الفرق الضالة التي تظلم  النهار وتغطي عين الشمس بباطلها وفلسفتها ، وذلك في علمي العقيدة وأصول الفقه .

العقيدة ؟؟؟

هل هناك أسهل من أن تكون مادة العقيدة تتحدث عن حق الله علينا من العبادة والانقياد والتوحيد ، ومعرفة أسمائه وصفاته وجماله وكماله ، وما أعد لعباده المؤمنين من الكرامة في دار الخلد ، وما أعد للأشقياء من الهوان والخزي ..

عالم جميل من رقة القلب ودمع العين خشية لله وحباً ورجاء وتعظيما ً .

فإذا بأهل الكلام ينقطون العلقم في الشراب السائغ ليكون مراً صبراً .

إليكم بعض هذه المسائل العربية كتابة ، الهيروغليفية معنى ( وكانت مهمتنا فهم هذه الهيروغليفية وترجمتها إلى العربية في أذهاننا ) :

  • مسألة التسلسل : فيقولون أن التسلسل في صفات الله ممتنع في الماضي وفي المستقبل لا يمتنع، وأما الجهمية والمعتزلة – قاتلهم الله-  فمنعوا تسلسل صفاته تعالى في الماضي والمستقبل . أرأيتم المصيبة العظمى والفرية الكبرى ؟

  • تعريف المعتزلة للعلة ( أصول فقه ) : العلة هي المؤثر في الحكم بذاته وهذا التعريف هو بناءً على ما ذهبوا إليه من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين . فالعلة عندهم : ما أثرت في الحكم وأوجبته لا محالة، فإن ذلك عندهم من قبيل الاستلزام العقلي بحيث لا يتصور انفكاك المعلول عن علته !!

  • من معاني التركيب : التركيب من الهيولي والصورة ، كالخاتم مثلاً : هيولاه الفضة ، وصورته معروفة ( ما عرفوا يقولوا ” عنصر ” مثلاً ؟) ، وأهل الكلام قالوا : الجسم يكون مركباً من الجواهر المفردة!! إذاً ، كلما أعوزتك الحاجة فاعمد إلى سن أو ظفر فانزعه وبعه فأنت غالي الثمن وأنت لا تدري !!

  • قال أحدهم عند موته : ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح !

أي ممكن وأي مرجح لا بارك الله فيك !

لذلك قيل أن العلم قليل ولكن الكلام كثير .

العلم الحق سهل سائغ مريء ، إلا أن صاحب الكلام فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر وجاء لنا بالعجائب في صفات الله الجميلة الحسنى ليجعله – تعالى عن إفكه – علواً كبيراً : ” جسماً ” عاجزاً عن الكلام ، وإذا أراد شيئاً فإنه يقوله في نفسه فيفهمه جبريل عليه السلام فيتكلم به ، فقاتلهم الله كيف جوزوا الكلام لجبريل ومنعوه عن الله بأقيستهم وخيالاتهم الفاسدة .

والكلام في هذا يطول ، وحسبي أني أوردت لكم بعض الغثاء الذي كنت ( أتصبح وأتمسى  به للأسابيع التسعة الماضية ) نرد على هؤلاء المرضى بدلاً من الاسترواح بنسيم العلم الحق والتقلب في معاني التوحيد والأسماء والصفات ، ولكنهم أفسدوا علينا ديننا وعقائدنا ، أفسد الله عليهم هناءة رقادهم في قبورهم .

الوقفة الأخيرة : كانت لي بعض التأملات في مادة التفسير ، ومع تحفظي الشديد للأسئلة (#@%$ ) التي أتى بها أستاذها ، إلا ان ذلك لا يمنع أن هذه المادة كانت مثار تأملات ووقفات عديدة .

خذ مثلاً ما أوردته في تدوينة سابقة عن تحقيق الأمنيات ..

حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب نظره في السماء ينتظر أن يأمره الله بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وكان يعجبه أن يصلي إلى الكعبة .

ولبث بضعة عشرة شهراً  يصلي إلى بت المقدس ، فلما نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة ، كيف عساها أن تكون فرحته ؟

العجيب في الأمر شدة استجابة الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يبلغهم بنفسه . فقد صح أن جماعة منهم كانوا يصلون صلاة الفجر في حيهم ( وذكر في سنن أبي داود أنهم كانوا في قباء )  فمر عليهم أحد الصحابة من بني سلمة وهم ركوع وصاح فيهم مرتين: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ، فيمموا وجوههم مباشرة إلى الكعبة وهو ركوع ..

مهلاً مهلاً ..

هذه وقفة لاينبغي أن تمر بسهولة .

أرأيتم شدة الاستجابة ؟

أمر تحويل القبلة أمر شاق على النفوس .. تخيل ! هم يصلون إلى بيت المقدس مذ قدموا إلى المدينة .. بضعة عشرة شهراً يصلون إلى جهة معينة ، مع ما كانت تعنيه الصلاة لذلك الجيل الذهبي ( وتلك شأنها تدوينة أخرى ) ..

وفي جملة واحدة قالها أحد الصحابة غير المعروفين عندنا ، (ليس أبا بكر ولا عمر ) تحول المصلون عن قبلتهم التي كانوا عليها لأشهر ، ولم يفكروا في أنفسهم : لعله كاذب ، أو واهم ، لعله أخطأ الفهم ، لننه الصلاة أولاً لنتأكد ثم نستجيب في الصلاة التالية ، هذا أمر شاق كيف نفعله ، ماذا سيقول عنا السفهاء من الناس ؟

ولكنهم تحولوا جميعاً وتلقائياً إلى الكعبة ، إذ المطلوب أولاً الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم  .

هؤلاء الصحابة الذين فعلوا ذلك كان منهم من أسلم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، يعني لم يتجاوز إسلام بعضهم السنة ، ورغم ذلك أطاعوا بشكل مثير للدهشة .

ثم يقول البعض حينما يحتج لهم بطاعة الصحابة لأوامر الشرع : ( هاذولي صحابة ) .

ماهذا الاستغفال ..

صحابة من الفضاء الخارجي ؟

إنهم بشر مثلنا ولكن امتلأت قلوبهم بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتاهم الأمر نقلاً عنه وليس مشافهة لم يتلجلجوا أو يضطربوا وإنما سمعوا وأطاعوا ..

لذلك ملكوا الدنيا ..

بل ملكوا الدنيا والآخرة ..

أما  نحن ، فيا رب رحمتك !!
هذه تأملاتي لهذا الفصل الدراسي ، وهناك الكثير مما لا تفي هذه الصفحات الخمس من استيعابه ، ولعلي أبثها في ثنايا التدوينات القادمة إن شاء الله .

أما الآن ، فعليّ أن أنهي قراءة مذكرة مادة النظم  المتفرعة عن الثقافة الإسلامية .

يبدو أن لدي مشكلة ما مع هذه المادة ..

فأنا لا أحبها وأشعر أنها نوع من الفلسفة التي يمكن اختصارها في ملخص مفيد لا يتجاوز العشر صفحات ولكنهم مططوها لتبلغ ثمانين صفحة وليصدق عليها اسم ( مادة ) .

كفى حديثاً وإلا فلن ننتهي اليوم إلا بعشر صفحات ..

وإلى لقاء قريب ..

دمتم بود وإيمان .-

Read Full Post »

لا زلنا في الاختبارات ، ولا زالت الضربات تتوالى من الأساتذة الذين يملكون حساً غريباً في وضع الأسئلة. غريباً جداً لدرجة أنك تتساءل في نفسك وأنت تنظر بغباء إلى ورقة الأسئلة مخاطباً الأستاذ  ( وش تحس فيه ) ؟

كفانا حديثاً عن الأسئلة فهذا موضوع تحدثت فيه إلى أن بح صوتي ولا يزال منسوب الأدرينالين (لعله) يرتفع بسببه وترتفع معه أشياء أخرى ( ربما الضغط والكلسترول ، والسكر الذي لست مصابة به والحمد لله .. حتى الآن على الأقل !) وأخشى أن أرتفع بذاتي محلقة في سقف الحجرة كلما تذكرت الأسئلة ، وألجم لساني بشدة خشية أن أدعو على هذه النوعية من الأساتذة وأفكر في نفسي : بل أريد من حسناتهم .. أريد رفعة من الله .. أريد أن أصيب ( عزم الأمور ) .

ما أهداف هذه التدوينة إذا ؟

الأهداف :

  • محاولة تعويد النفس على كتابة تدوينات من صفحتين فحسب .

  • استجلاب بعض الترويح للنفس المرهقة باستجلاب الذكريات .. أية ذكريات ؟ تعرفها في الهدف الثالث :

  • تحية لزميلة الدراسة الدكتورة منى باسليم ، استشارية جراحة أورام الثدي بمستشفى الملك فهد بجدة .

كنت أسمع باسمها وأتساءل ..

 منى ؟ أتكون منى التي أخبرها في مدرستي الجميلة دار الحنان ؟

وأعود بذاكرتي إلى الوراء ، وتتوالى علي الذكريات بمختلف الطعوم والروائح والألوان .

ذكريات سعيدة لأيام سعيدة قضيتها في مدرسة دار الحنان .

كم مرة ذكرت أني لابد أن أكتب عنها تدوينات خاصة ؟ ربما في إجازة الصيف !

الهدف الآن هو الكتابة عن منى ، منى الطالبة لا الطبيبة لأني لا أعرفها كطبيبة .

ولابد أن أحصر هدفي هنا لئلا ينتهي بي المطاف إلى كتابة تدوينة من عشر صفحات هذه المرة ، إذ أن مجرد الحديث عن المدرسة يقودني مسحورة إلى عالم جميل ، ومساحات شاسعة من اللونين الزهري والتفاحي في تناغم وود ، ولا بأس على الإطلاق بحشر بعضاً من البنفجسي (لوني المفضل) بأي درجاته  هنا وهناك .

تحسونه نشازاً ؟

لايهمني ، فمادام أنه عالمي فلأضع فيه ما يدخل إلى قلبي السرور من الألوان .

هناء !!

حسناً حسناً .. الاستطراد .. فهمت فهمت !

موضوعي : منى باسليم .

كانت منى من البارزات فعلاً في السنة الدراسية 1404 ..

ياااااااه ، ذاك عهد قديم .

ماهذه المعلومة المتسربة ؟ إنها تعطي دلالة واضحة جداً على أعمارنا لا تقبل الشك ولا الريب .

ولكن ، من قال أني ( أنا على الأقل ) صغيرة .

لا أزال أذكر في كل زمان ومكان أني ( خالة ) وطالبة في سن جدتي وكل هذا الهراء ، فلن يضير إذا ما ذكرت في أي سنة كان تخرجي من الثانوية .

كانت منى تتصف منذ ذلك الوقت بالعقل والرزانة  ، وكنت دائماً أعقد مقارنات في نفسي بيني وبينها ، وأتمنى بإعجاب خفي أن أحظى ببعض ما عندها ..

صوتها منخفض نوعاً ما ، هادئة ، من النوع ( التحتاني ) الذي يلقي بالتعليقات الساخرة وهي تقرأ كتاباً ، فتستلقي أنت على الأرض و( تكفشك الأبلة ) في حين تظل هي تقرأ كتابها  في براءة . لا أقصد أن موقفاً كهذا حصل معي ، فقد كانت في القسم العلمي  وكنت في الأدبي ، ولكن أقصد أنها كانت خفيفة الظل بلا صخب  ، وغني عن الذكر أنها كانت ( دافورة ) ما شاء الله .

ولمن لا يعرف معنى هذا المصطلح (دافورة ) فهو يعني القمة في ( الشطارة الدراسية ) .

جمعني بمنى بعض الإذاعات الصباحية من فئة : مديرتي الفاضلة ، مدرساتي الحبيبات ، أخواتي الطالبات … الخ ، وبعضاً من مباريات الكرة الطائرة ( وأرجو ألا أكون أخرف أو أن الصور عندي تداخلت ) وبعض الصديقات .

لم تكن صديقتي بالمعني الفعلي ، ولكن كانت زميلتي التي أعجبت بصوتها المنخفض وحرصها على الدراسة ورصانتها وكل ما افتقرت إليه في تلك الفترة .

حينما أشارت عليّ عمة أولادي أن أحادث الدكتورة منى باسليم أعرض عليها الاشتراك في تجمع طهر لمريضات السرطان ضمن الهيئة الاستشارية للتجمع

http://www.m-tohr.com/vb/

 أغلقت عيناي وسافرت بخيالي إلى ذلك العالم الساحر .. عالم مدرستي ، ورجعت أحاول تجسيد صورة منى في ذهني ..

منى في فصل العلمي ، منى في الساحة تلعب كرة الطائرة ، منى في الإذاعة (تستهبل ) أمام (المايك) قبل أن نكون على الهواء ، منى هنا وهناك .. منى والذئب !!

ماذا ؟ أوه نعم .. تلك ليلى والذئب .. معذرة .

كنت أخشى أن تتداخل علي الصور ، وها قد حصل المحذور .

أخذت الرقم وأرسلت لها رسالة في البداية ..

أعرف هؤلاء الأطباء لا يردون على أرقام مجهولة لئلا ( يتوهقون ) أو ( يبتلشون ) مع المرضى.. وعلى سيرة (الابتلاش) ذكروني فيما بعد أن أحكي لكم كيف تقرأ الشيخة شمس ( بنتي ) القرآن .

أرسلت لمنى أذكرها بنفسي وأطلب منها أن تحدد الوقت المناسب للاتصال بها .

تجاوبت معي جزاها الله خيرا ..

لا زالت بدماثة أخلاقها الذي أعرفه فيها..

ثم حادثتها أخيراً .

نفس الصوت ..

كنت أحادثها بحذر في البداية ، فمسافة 27 سنة تفصلني عنها ليست هينة .

خفت ألا تتذكر مني طبعي الساخر والصخب الذي كنت أحدثه فتنكرني .

ولكن كانت منى هي هي ، وكنت أنا أنا .

دون أية رتوش أو زوائد .

تحادثنا لعشر دقائق عجِلة ، لحرجي من أن أكون أشغلتها عن بيتها وأولادها .

أنهيت المكالمة وقلبي يبتسم بحبور .

هذه ذكريات جديدة من ذلك العالم الفاتن ( الذي يدعى مدرسة دار الحنان ) تتداعى علي .

دكتورة منى ، أرفع باروكتي تقديراً لك ، وأفخر بأن أقول : كانت زميلتي في الدراسة !!

ملحوظة : يبدو أن وضعي ميؤوس منه .. مع كل محاولات الاختصار بلغت هذه التدوينة 4 صفحات .. لنأمل أن يحصل بعض التحسن .. فقد نقصت تدوينتي صفحة هذه المرة .

 

Read Full Post »

أعتقد أنهي جنيت في حق نفسي .. وربما لا ..

دعوني أفضفض قليلاً عن نفسي . على الأقل أتكلم عن موضوع ما .

لا أعرف في الحقيقة هؤلاء الكتاب أصحاب الأعمدة اليومية من أين يأتون بالأفكار .

أعطوني أفكاراً وأنا أكتب لكم من الآن وحتى بعد أسبوع .

مشكلتي أني ثرثارة ، ولا أقنع بتدوينة من صفحتي A4 .

إن لم تبلغ خمس صفحات فإني أشعر حينها بأني ارتديت ثيابي بالمقلوب .

هناء ، كالعادة تشطحين بعيداً عن الموضوع .

أي موضوع ؟ لم أبدأ بعد ..

حسنا حسناً ، لن أطيل عليكم في البدء ، ولا بأس بهذا : المقدمة استغرقت نصف صفحة !

لا بأس بهذا على الإطلاق .

منذ شهرين ابتدأت أدرس جدياً .

لمن لا يعرف ما الموضوع فأنا أدرس في الجامعة الآن متمثلة قول الحكماء : ( بعد ما شاب ودوه الكتاب ) !

كانت دراستي الجامعية أحد أسباب تشجيع نفسي على التمسك بالحياة بعد إصابتي بمرض سرطان الثدي ..

فأنا من جيل قديم يحب الدراسة ويجد فيها متعة .

وساهم في تمسكي بهذا الأمر أن العلاج الكيماوي ( شطف ) مخي عن كثير من العلم الشرعي الذي طلبته في الربع القرن الماضي ، فتركني أقف مترددة كثيراً تجاه الكثير من القضايا التي كنت (أفتي ) فيها بسهولة تامة قبل ثلاث سنوات فقط .

وجدت أن دراسة الجامعة في التعليم عن بعد ، قسم الشريعة يعيد إلي الكثير من المتع : استعادة المعلومات ، والتعلم ، وقضاء أوقات جميلة وسط الأوراق والأقلام الملونة ، وصنع التفريعات الشجرية للأقوال وأدلتها ومناقشاتها ، واختيار حقيبة جامعية لأيام الاختبارات !

أشياء جميلة تبعث على السعادة فعلا ..على الأقل في نفسي .

بدأت الدراسة الفعلية للمستوى الأول من شهرين .

وعندها هالني ما اكتشفته أني بدأت متأخرة ( حبتين ) .

عندي 25 ساعة ، و7 مواد شرعية فيها الكثير من الخلافات والأقوال والمناقشات والأدلة ، لا بد أن أحفظها في 7 أسابيع فقط .

وهنا بدأ مشوار الدراسة .

تركت في الحقيقة كل شيء لأتفرغ للدراسة .

ولأنه سيناريو معروف ويحدث كثيرا ففي هذا الوقت بالذات  تلقيت الكثير من العروض لإقامة محاضرات ودروس دعوية باللغة الانجليزية في مكتب الدعوة ، ودعوات لحضور أعراس ، كل ذلك في هذا الوقت الذي أسابق فيه الأرنب .

أية أرنب ؟

لعلك لم تقرأ تدوينتي التي كتبتها في نفس هذا الوقت بالضبط من الفصل الماضي .

هاهو الرابط على العموم .

https://hannooti.wordpress.com/2011/01/17/%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%86-%d8%ac%d8%af%d8%aa%d9%8a/

لأجل (هذا ( الهدف النبيل ) تركت ملاذ الحياة ، وعكفت في صومعتي المكتبية أقرأ وألخص وأحضر اللقاءات الحية على الانترنت.

كنت أرفع رأسي حينما أذاكر بصوت مرتفع وأستظهر ما حفظته فتصطدم عيناي بالكتب التي تجلس منشرحة في مكتبتي تنتظرني كي أقرأها .

أقوم وأمسك بكتاب ، وأمرر يدي على غلافه اللامع الجديد .

أتشمم رائحة الورق المنعشة وأقلب صفحاته سريعاً ، ثم أرجعه آسفة إلى مكانه وأهمس له بحب : انتظرني يا صغيري .. قريباً أنتهي من اختباراتي وأستمتع معك بأجمل المباهج الدنيوية  : القراءة على ضوء الأباجورة بجانب السرير تحت اللحاف في الحجرة الباردة .

أرأيتم هذه القيود والضوابط ؟

لابد من اجتماعها جميعاً لتتم البهجة .

تركت برامجي التلفزيونية المفضلة : برنامج د.ميسرة طاهر في قناة دليل يوم السبت مساء ، وبرنامج د. ياسر نصر في قناة الناس لا أعلم متى ، وبرامج الشيخ أبي اسحاق الحويني في الحكمة  ، وبرامج يوسف إيستس الأمريكي في قناة هدى ، وغيرها من المتفرقات .

رفضت طلب مكتب الدعوة بإلقاء محضرات دعوية باللغة الانجليزية لأجل الدراسة .

كل ذلك وأنا مستمتعة غاية الاستمتاع في مراجعة المعلومات وتثبيتها وتعلم الجديد ، خاصة وأن مادة أصول الفقه هي المادة الوحيدة التي لا أتقنها أبداً .

وأخيراً ..

قد حان الموعد واقتربا ..

وازدادت الدراسة كثافة ، وكثرت اللقاءات الحية مع الأساتذة للمراجعة والأسئلة ، وأنا بين هذا الكتاب وذلك التلخيص أحاول أن أستصحب نية طلب العلم في جميع ما أذاكره ..

وأخيراً دقت ساعة العمل .. دقت ساعة الانتصار.

إلى الأمام .. إلى الأمام .. لا رجوع .. ثورة .. ثورة ..

عذراً .. يبدو أن الدراسة أثرت على مخي بعض الشيء ..

أقصد : اختبار اختبار اختبار .

وبدأ اختبار الفقه البارحة .

كان اختباراً سهلاً بشكل مزعج ..

بشكل مريب .

خذ هذا السؤال : مؤسس المذهب الحنفي هو : مالك بن أنس إمام دار الهجرة : صح أو خطأ ؟

لا يا شيخ !!

كنت أواجه أسئلة أقول في نفسي حينما أقرؤها : لا بد أنه يمزح !!

لابد أن هناك خدعة ما ..

ولكن سبحان الله ليس ثمة خدعة ..

ومع ذلك أخطأت ..

خطأ لا أعرف هل أنا مخطئة أني أخطأته أم أني مصيبة في أني أخطأته .

السؤال : من سنن الوضوء ، وذكر : غسل اليدين ، وغسل الأعضاء ثلاثاً .

ما هذا السؤال المشكل ؟

كلاهما من سنن الوضوء .

ربما يكون أحدها أصح من الآخر على أساس أن ( كما في المذكرة ) من سنن الوضوء غسل اليدين (ثلاثاً ) وهو هنا لم يذكر الرقم .

يا شيخ ، هل أنت جاد ؟

غسل اليدين أصلا ( وأعني به الكفين ) سنة سواء كان واحداً أو ثلاثاً فلا أعتقد أنه من الصواب اعتبار اختياري له خطأ .

أكره الأسئلة الاختيارية ..

أنا من جيل قديم ، يعلوه بعض الغبار ، ممن نشأ على الأسئلة المقالية المطولة ، والتي تسكب فيها كل ما تعرفه لعل الأستاذ يجبر بعض أخطائك ببعض إصاباتك السديدة .

أكره الأسئلة الاختيارية من صميم قلبي .

لم أنت حانقة هكذا ؟

لأن اختبار الحديث اليوم كان من أسخف ما رأيت ..

هناء .. ( لسه بدري ) .. لم تري شيئاً بعد ..

لا زلت في المستوى الأول ، وينتظرك الكثير من العجائب .

منهجنا في الحديث هو شرح أحاديث الأحكام .

من الطبيعي أن تكون هناك أحكام فقهية في المنهج .

ولكن أخبروني يا جماعة ، هل من الطبيعي أن تكون أسئلة (الحديث) (فقهية ) أدق من أسئلة (الفقه) ذاته ؟

هذا مثل ما يقولون : ملكي أكثر من الملكيين !

طبيعي أني أصبت بخيبة أمل من هذه الأسئلة .

وطبيعي أني توقفت حائرة أمام خمسة أسئلة ، لو أخطأت فيها لودعتني عشرون درجة وهي تضحك مني بسخرية .

يا إله الكون !

وهذه الدراسة التي انكببت عليها طوال الشهرين الماضيين ، والتلاخيص التي أعددتها ..

والأربعة كيلوات التي زدتها بسبب تناولي للطعام كلما زاد الضغط علي .

ثم أخسر عشرين درجة في مدة لا تتجاوز النصف ساعة ؟

خطأ من هذا ؟

ماذا يحسب الأساتذة الطلاب ؟

أيحسبونهم ماسحات ضوئية ( سكانرات ) ؟

هل من المفيد جداً أن أعرف أن أبا سعيد الخدري توفي سنة 74 وليس 77 كما كتبت أنا ؟

هل هذا حكم فقهي يفيدني ؟

قد يقول أحدهم أن أمثال هذه الأسئلة تبين المجتهد من الكسول .

ولكن ، ألم يجد في مذكرة من 96 صفحة ما بين شروح لأحاديث الأحكام ومصطلح الحديث ما يشبع نهمته في التفريق بين المجتهد والكسول إلا معرفة في أي سنة كانت وفاة أبي سعيد ، أو أن مالكاً هو من قال بنجاسة المني وليس الشافعي ، أو أن عمر بن الخطاب هو من يرى عدم طهارة الجلود بالدباغ وليس أحمد ؟

هل هذه الأسئلة مناسبة لطلاب المستوى الأول أصلاً  ؟

أكره الأسئلة الاختيارية وأعاني منها .

في الاختبار ، صُعقت لهذه الأسئلة .

لبثت ثلث ساعة أستغفر الله ، متمثلة قول شيخ الإسلام أنه كان إذا أشكلت عليه مسألة جلس يستغفر الله ألفاً أو أكثر حتى يفتح الله عليه بالإجابة .

حاولت وحاولت ، وفكرت كثيراً ولم أتوصل لإجابة أربعة أسئلة  .

ولأول مرة في تاريخي الدراسي المجيد لا أكون من أوائل من يخرج من القاعة .

لازال أمامي ربع ساعة ليأتي عبد الرحمن فلا داعي للعجلة .

واستغفرت واستغفرت ، وهنا دق جرس ما في  مكان ما بين الأوراق المتناثرة في ذهني .

هناء ..

ما الهدف الأصلي من دراستك ؟

أتدرسين ليقال : ما شاء الله عليها ، ما أجلدها ، ما أصبرها ، ما أذكاها ؟

أتدرسين ليقال كم هي شجاعة بعد إصابتها بمرضها ؟

أم أنك تدرسين استعادة للمعلومات التي نسيتها بعد إصابتك بالسرطان ؟

إذا كانت هذه الأخيرة ، فهنيئاً لك ، لقد استعدتها وبجدارة ، ولا يبقى بعد ذلك إلا الدرجات التي تخضع لمزاجية واضع الأسئلة وحذقه .

هنا سادني رضى وارتياح .

نعم ، بفضل الله استعدت كماً هائلاً من المعلومات ، وتعلمت أشياء جديدة ، واستمتعت بوقتي لأبعد الحدود . وهذا يكفي !

أما عن الدرجات ..

فأمري إلى الله، والله يعوضني خيراً ..

آخ .. أكره الأسئلة الاختيارية !!

Read Full Post »

تدوينة اليوم لا فائدة لها على الإطلاق ، ولكنكم أصبحتم جزءاً من حياتي ، فأحببت أن أضحككم معي . لا أعرف إذا كنت ستضحكون أو لا ، ولكني سأرجو ذلك .

من بضعة أشهر اكتسبت ابنتي الصغرى شمس والبالغة من الأعوام أربعاً ونصف ، عادة جديدة . لا أستطيع أن أصفها بالسيئة ولا بالحسنة ، إذ يمكن  وصفها بالاثنين معاً وذلك بحسب الحال .

صارت طالبة مدرسة وهي لما تدخل المدرسة بعد . تنام من الثامنة مساء مع أختها لطيفة وتستيقظ معنا فجراً ، وتظل مستيقظة حتى موعد نومها مساء .

لك أن تتخيل بعدما ينصرف الأولاد إلى مدارسهم وأعزم على العودة مجدداً للنوم ماذا تفعل شمس في هذه السويعات ؟

إليك نظامنا اليومي في هذه الفترة فقط لتتخيل الوضع : أستيقظ لصلاة الفجر وأوقظ الأولاد ، فيبدأ مسلسل ( ترزيع أبواب الحمامات ) والتحدث بصوت مرتفع مفترضين أن على جميع من في الدار الاستيقاظ ، فتشرق شمسي بالطبع ..

تشرق شمسي ساطعة ما شاء الله ، ( طبعاً فقد نامت منذ الثامنة مساء ) وتلعب مع أخوتها وتتحكى معهم وتودعهم عند ذهابهم للمدارس والجامعات من شباك حجرتي مع تأكيدهم عليها ألا تصرخ في الشارع : ( جيبوا لي حلاوة معاكم ) .

أظل بعد ذهابهم مستيقظة بعض الوقت لأقرأ القرآن أو أتفقد منتداي أو أذاكر ، وفي هذه الأثناء تكون شمسي بجواري تلعب بالأيبود أو تحكّي نفسها من كتبها ، أو تظل تلح علي بترك ما بيدي لأحكي لها حكاية .

فإذا ما انتهيت من عملي واستلقيت تحت غطائي والنوم يداعب جفناي بقوة  تظل شمس تصرخ فوق رأسي  ( أبغى حكاية ) ..

 أحياناً أتمكن من إعطائها ما تريد : حكاية سريعة وملفقة أسكتها بها ، وأحياناً يكون النعاس قد بلغ مني مبلغاً كبيراً فأرفض .

اليوم كان من تلك الأيام التي رفضت فيها أن أحكي لها حكاية لأني أريد أن أنام وقتاً كافياً قبل أن أستيقظ مجدداً للمذاكرة ، فالامتحانات على الأبواب ، والطالبة التي في سن جدتي عندها 7 مواد في هذا الفصل تبلغ 25 ساعة ، وأظل أتحسر على أوقات الفراغ الماضية واستيقاظ الظهيرة ، التي صرت أملؤها دراسة واستذكاراً ..

خرجت عن الموضوع ؟ عذراً . لعلي أحكي بعض شجون الدراسة في تدوينة أخرى.

المهم أني قررت أن أنام ورفضت كل محاولات شمس في أن أحكي لها حكاية ،فقررت هي أن تحكي .

سألتني : تريدين حكاية الزرافة ؟

قلت : نعم ( وأنا لم أحك لها أي حكاية عن أي زرافة من قبل فلا أدري من أين أتت بها ) .

قالت : والصياد والأصدقاء ؟

قلت : نعم ( وأقول في نفسي : أي شيء الله يرحم أمك ، فقط دعيني أنام )!

قالت : والنزمة ؟ ( النجمة )

قلت : نعم ، هيا بسرعة .

فقالت ( وسأكتب لكم كيف تلفظت ، وانتبهوا جيداً لتشكيل الكلمات )

كين يا ميكين ، في قديم …… النزمين ( تستهبل ) ، ثم نظرت إليّ لترى وقع هذه ( الظرافة ) عليّ ، فلم تر مني إلا انسحاباً تدريجياً لعالم الغيبوبة .

أكملت : لأ ، كين يا ماكين وسالف العصر والأوين ، كان في زرافتيْن .. وبطتيْن .. ونزمتيْن .. وصديقتين ..  وبنتيْن ، و..

وهنا قاطعتها : ماهذه الحكاية (البايخة) ؟

فقالت متأثرة : ( ليش تقولي بايخة ؟ أنا ما أقول عن الي تحكيني بايخة ) !

فقلت : لكن حكايتك بايخة بالفعل ، وأنا لا أحكي لك : كان فيه زرافتين وبطتين  ونجمتين وتوتة توتة خلصت الحدوتة .

قالت محتجة : ما حأقول توتة توتة .. ما خلصت الحكاية .

قلت باستسلام : حسنا ، أكملي .

وأغلقت عيناي مرة ثانية لأنام وذهني يعمل : كم هي فرحة بهذا ( الغثا ) الذي تقوله وتفعله بتذاكي ، تحسب أنها تبهرني بظرفها وخفة دمها .. يا ترى ، ألا نفعل نحن أحياناً مثلهم ؟

نخطئ في تصرفاتنا أو أقوالنا أو مزاحنا ونحسب أنفسنا وسيمين ورائعين في حين يرانا محدثونا في قمة الغثاثة ؟

بدأت أنسحب مرة ثانية إلى عالم الغيبوبة تحت رتابة صوت شمس وهي تعيد اللازمة ( الحكاياتية ) :كين يا ما كين … الخ .

وجلست تحكي عن الزرافة  التي جاء الصياد ليصطادها بالبندقية ..

ما هذا !!

 أصبحت حكايات شمس عنيفة في هذه الأيام ، فمرة أكل الذئب البطة ، والمرة الثانية ، أكلت البطة السمكة ..

 وزادت هي في دراما الموقف عندما قالت : إن البطة الأم  بكت وقالت : اااااه يابنتيييييي ..

 يا الله .. ماهذه السوداوية ..

 أنا لا أحكي لها حكايات عنيفة كهذه ، فمن أين تأتي بهذه الأفكار ؟

والآن الصياد يريد أن ( يقتل ) الزرافة ..

 عندها اعترضت على الحكاية وقلت لها أني لا أحب حكاياتك ، فقررت للتو تغيير الحكاية .

أعادت المتلازمة مرة أخرى ، وللمرة الثالثة أغلقت عيناي لأنام ،  وسمعتها تقول : كان فيه زرافة ، وبعدين زا ( جاء ) ال… المين ؟ الصياد وقال للزرافة : هوه هوه يا زرافة ، أنا أمك !

 فتحت عيني بدهشة وسألتها : الصياد صار أم الزرافة ؟

 فقالت بثقة : ايوة .. خلاص لا تقاطعيني .. وبعدين كانت الزرافتيْن ( يلعبوتان ) …

( يلعبوتان ) ظنت أنها بذلك تثني الفعل ، فجاءت به مثنى مجموعاً ( من زود التحمس للكلام بالفصحى ) ، فضحكت بقوة مع محاولة شديدة لكتماني الضحك ، فكانت النتيجة أن فتحتي أنفي كانتا تفتحان وتغلقان بسرعة ، فحانت منها التفاتة على صوت ضحكي المكتوم وقطعت حكايتها ونظرت إليّ مندهشة ، وأشارت إلى أنفي وقالت: واااه ، ( خشمك ) !!

هنا انهارت آخر معاقلي وحصوني وانفجرت ضاحكة بصوت مرتفع وساهم التوتر والنعاس في زيادة جرعة الضحك ، فنظرت إليّ بحرج  واستهجان ، ثم غضب وأدارت ظهرها  وقالت : (خلاص ، مافي حكاية )  وغطت وجهها بالغطاء . وأنا مستغرقة في ضحكي مما زادها استياء فصارت تقول غاضبة : بلا  ضَحَك !!

حتى تمالكت نفسي بعد 3 دقائق وسكتّ .. وحاولت أن أرضيها بالقبلات والأحضان ، حتى رضيت ..

وعادت إلى حكايتها …

ألا أيها الصبح الطويل ألا انجلي !!

وعدت إلى نومي .. وأخيراً وبعد طول انتظار رددت شمسي متلازمة النهاية :توتة توتة ، خلصت الحدوتة ..حلوة والا مفلوتة ؟

 قلت وأنا لا أكاد أفتح فمي من النعاس : مفلوتة ..

فسألت : ( مزبوطة ؟)

فأومأت برأسي ، وغرقت في نوم عمييييييييق .

Read Full Post »

Older Posts »