Posts Tagged ‘الثبات’
تباً ! قد كانت فرصة !
Posted in نظرات ثاقبة, ذكريات بطعم السرطان, tagged الأمل, الإسلام, الثبات, الدين, السرطان, خواطر, سرطان الثدي on 6 جويلية 2012| 20 تعليق »
كنت في البهو !
Posted in متع مبهجات, ذكريات بطعم السرطان, tagged الثبات, الخطوط السعودية, الدين, الدراسة, السفر, السرطان, خواطر, ذكريات, سرطان الثدي on 4 ماي 2012| 13 تعليق »
هذه التدوينة يجدر بي أن أسميها : “مادة الهروب” المستوى الثالث ، أو : الهروب 301 ، إذ أنني أمارس فيها عادتي السيئة بالهروب من المذاكرة ، فالاختبارات كما قد لا تعلمون بعد ثلاثة أيام .
في الحقيقة أنا بحاجة إلى بعض الراحة ، إذ بدأ النعاس يداهمني وآلمني فكي لكثرة التثاؤب فآثرت ( تغيير الجو ) عبر كتابة تقرير لما حصل معي في رحلتي لحضور اليوم العالمي للمتعافين من السرطان ..
والآن ، هل تودون معرفة التفاصيل المملة للزيارة ، وكما يقولون : من طأطأ لسلامو عليكو ، أم تريدون تلميحات سريعة؟
بما أني لم أعرف ماذا اخترتم فسأكتب كيفما اتفق ونرى ماذا ستخرج يديّ الماهرتان .
سافرت للرياض يوم الأربعاء 11/6/1433 مع ابني خالد ، وكانت الرحلة طيبة بفضل الله إلا بقايا ذكريات أصابتني ببعض الحسرة حينما أجريت مقارنة سريعة بين مستوى الخطوط السعودية قبل ثلاثين عاماً ومستواها الآن .
هذه المقارنة تمت حين رأيت “علبة ” الإفطار والتي حوت ” عينات ” من الطعام ، وعلى الفور توافدت إلى ذهني صور قديمة لطعام الخطوط السعودية المشهور آنذاك . الصينية التي تحتوي على عصير وكوب للشاي/القهوة والأطباق الفاخرة التي تحوي على مقادير جيدة من الطعام المعد والمزين بعناية ، فتأكل عيناك قبل أن يتذوق لسانك . وتذكرت الكراسي التي كانت أكثر راحة وتعامل المضيفين الراقي ..
أقول لكم ؟ لا داعي لأن نفتح هذا الموضوع وإلا فسيتحول التقرير إلى : الخطوط السعودية وأثرها على الفرد والمجتمع !
حينما وصلنا للرياض كنت مبتهجة لأننا سندخل إلى المطار عن طريق الممرات المتحركة الموصلة بالطائرة والتي يسميها البعض ” خراطيم” .
كنت أشعر أني “متحضرة ” وأنا أمشي بزهو في هذه الخراطيم ذات الأرضية المنقشعة والتي يصنف لونها من درجات البني أو ربما الأحمر .. وقد يكون البرتقالي ، فهو لون كما تلحظون : دقيق للغاية !
العجيب أنه عُرضت في ذهني صور فلاشية لأرضيات الخراطيم في مطارات أوروبا وأمريكا كما رأيتها منذ 27 سنة .. ولا أعرف ما السبب !!
ودعوني أؤكد لكم .. كانت أرضيات مرتبة ، وقد لا أكون مخطئة لو قلت أنها مكسوة بالبساط .
المضحك في الأمر أننا بعد أن دخلنا المطار صعدنا ونزلنا وذهبنا يمنة ويسرة متتبعين الأسهم ثم وجدنا أنفسنا فجأة خارج المطار مرة أخرى لنركب باصاً ..
لا.. ( ورايا ورايا ) الباص ؟ في جدة ، والمدينة وحتى الرياض ؟
ركبنا الباص لننتقل من مبنى الرحلات الدولية ( والتي لا أعرف لم توقفنا في مواقفها ) إلى مبنى الرحلات الداخلية ، فشعرت فعلاً بما شعر به صاحب المثل الأشهر : فين إذنك يا جحا !
ما علينا .. لابد أن أقاوم بشدة الرغبة في حش الخطوط السعودية ومطاراتنا المهيبة لئلا أُتهم ( بالفقعنة ) و( البطرنة) وكل ما كان على وزن ( فعلنة ) ..
والسؤال هو : هل هناك وزن فعلنة أصلاً ؟
في الثانية عشر والربع بدأنا رحلة البحث عن مركز الملك فهد الثقافي والذي أقيمت فيه هذه الفعالية الرائعة .
بلا شك كانت الطرقات ممتلئة بالسيارات فهو وقت الذروة ، أضف إلى ذلك أنه الأربعاء الجميل .
وصلنا أخيراً .
من الداخل كان المركز راقياً ، مرتباً ، ومرة أخرى تداعت صور استاد الأمير عبد الله الفيصل بجدة إلى ذهني . فقبل 28 سنة أقامت مدرستي دار الحنان فيه يوماً رياضياً كان من أجمل أيام حياتي المدرسية ..
كان المركز خلية نحل ، يغص بالعاملين والمتطوعين والأطباء والمرضى في خليط متناغم ومرتب ويبعث البهجة في القلوب فعلاً ..
تستطيع للوهلة الأولى أن تدرك ضخامة الجهد المبذول ليبدو المكان بهذا التنظيم والأناقة .
البالونات الملونة في كل مكان .. الأركان المختلفة موزعة في نظام .
المكيفات تعمل بكفاءة ممتازة وضوء النهار البهيج يغمر المكان .
استلمت طاولتي وعليها لوحة تعرف بي ، ورصصت كتبي التي كنت أعرضها للبيع وجلست أنتظر .
كنت أطالع المكان بانبهار ، فأنا أحب هذه الأجواء للغاية .. وكوني آتي إلى هنا بصفة رسمية كمتعافية تحكي للناس قصتها مع المرض لتبث الأمل في القلوب بالنجاة والشفاء ، لا شك أنه كان أمراً غاية في الإثارة .
كنت مهتمة – طبعاً – ببيع كتابي والتوقيع عليه لمن يرغب ، ولكن اهتمامي الأول كان منصباً على فكرة ( بث الأمل) ومساعدة الأطباء والمهتمين بمعرفة المشاعر التي مررت بها أثناء مرضي ، خاصة إذا علمنا أنه ليس كل المرضى تواتيهم الجرأة في طرح مشاعرهم للتداول والنقاش ، وأن أكثرهم يفضلون الاختباء والانزواء إما خشية العين ، أو رغبة في نسيان هذه الحقبة الزمنية المؤلمة.
بعد أن استقريت في مكاني بلحظات زارتني مجموعة من متابعاتي الجميلات في تويتر ، طلبن الكتاب وطلبن توقيعي عليه. وأؤكد لكم .. كانت لحظات سعيدة ..
أحسست أن دعائي الذي توجهت به إلى الله تعالى بإعجاب الناس بالكتاب قد أخذ في التحقق شيئاً فشيئاً.
نعم .. شعرت ببعض الأهمية .
قابلت كذلك إحدى الأخصائيات النفسية والتي أجرت معي حديثاً مطولاً عن أهمية مجموعات الدعم لمريض السرطان وكم أسعدني حين قابلت عندي مسؤولة القسم النسائي في الجمعية الخيرية لمكافحة السرطان وتفاهمتا بشأن التعاون على إنشاء هذه المجموعات .. شعرت أنني ( وفقت بين راسين بالحلال ) .
بلغت الإثارة أوجها حين طلبت مني صحفية بجريدة الشرق الأوسط إجراء مقابلة صحفية معي .
مرحى مرحى .. أنت تخطين نحو العالمية يا هناء .
وبوجل جلست أراقب بعض العمال وهم يحملون السماعات الضخمة ليضعوها في بهو المركز حيث كانت طاولتي ، ودق قلبي بعنف .. أعلم أن هناك عروضاً موسيقية ولكن هل تكون هنا؟
وصرت أتمتم بشدة وأدعو الله ألا تكون هنا حتى لا أضطر لمغادرة المكان ، فلست في حاجة ولا ضرورة لأمكث في المكان وسط المنكر .
ولكن ربك حميد .. كانت هذه السماعات لمقدم الحفل الذي ظل يعلن عن الفعاليات والمشتركين فيها عدة مرات ليلفت نظر الزوار إليها .
كان هناك ركناً لأحد المصورين ، وركناً آخر لأحد رسامي الكاريكاتير ، وإحدى الفنانات التشكيليات ، كما كان ثمة ركن للمأكولات الشعبية ، والتي – حتى هذه اللحظة – أعض على أناملي ندماً أني لم أتذوق المرقوق والجريش بسبب يبوسة قشرة المخ عندي !
في الحقيقة وددت لو أني استطعت التجول في أنحاء المركز والمرور بأركان الجمعيات والتي كانت توزع أكياساً تحوي أشياء لا أعرف كنهها ..
أحب تجميع العينات والكتيبات التعريفية ، لأعود بها إلى المنزل كتذكارات ولكني لم أتمكن من القيام عن مقعدي .. شيئ ما كان يشدني للجلوس ، فاكتفيت بالنظر هنا وهناك فقط .
قدمت جهة ما طعام الغداء للمحاضرين ولكني لم أتمكن من تناوله في الوقت المناسب نظراً لانشغالي بالحديث مع طالبات التوقيع أو مع بعض المريضات اللاتي أتين يستفسرن عن مرضي والعلاج .
حين وجدت فسحة من الوقت هرعت سريعاً لتناول ما يمكن تناوله من الغداء والذي كان قد برد وتلاشى من الحافظات الضخمة ، ولكنك تراه للأسف في الأطباق التي انتشرت على الطاولات كعادة السعوديين الشهيرة التي تنص على ملء الأطباق بجميع أنواع الطعام المقدمة وتذوق لقمة من كل نوع وترك الباقي ، فلا هم أكلوا ما حملوا ، ولا أنهم تركوه غيرهم يأكل .
عدت سريعاً لطاولتي لأتلقى المزيد من المستفسرات وطالبات الكتاب والتوقيع .
وبدأ عرض القبة الفلكية والذي كنت أتطلع لحضوره ، ولكني لسبب أجهله لم أفعل ..
أشياء كثيرة فاتني رؤيتها , ففي الحقيقة أستطيع أن أؤكد لكم أن هذا التقرير المزيف الذي تقرؤونه هو تقرير قاصر بكل معاني الكلمة .
ولكن عموماً ، أنتم تقبلونني بكل قصوري ، أليس كذلك ؟
أمامي في بهو المركز كان فريق هارلي ديفدسون مع أربع أو خمس دراجات بخارية ، تتراوح أسعارها فيما أعلم بين 40000- 90000 ريال . أتاحوا الفرصة للحضور في امتطائها والتصور معها .
وللحق أني لم أعلم السر في إصرار الفريق على الظهور بمظهر غربي بحت : التي شيرتات الغريبة والبندانات وبعض السلاسل والتي أظهرتهم كقراصنة .
أحدهم كان ينقصه عصابة العين السوداء أو الذراع المنتهية بخطاف حديدي ضخم ..
همممم ، ربما لو أحضر ببغاء ليقف على كتفه لوفى ذلك بالغرض .
نعم .. أعترف .. لست “كولاً” لهذه الدرجة التي تتيح لي تقبل الكثير من المشاهد التي رأيتها أمامي في ذلك اليوم .
مع أنني أدعي ” الكوالة ” إلا أني أقيدها على الدوام بكونها من الطراز القديم .
لذلك لم أتقبل أبداً رؤية ” التميلح” الذي انتهجه الشباب والشابات الإعلاميين والمتطوعين أمامي ..
أنا في البهو – كما أخبرتكم – فكانت كاميرات القنوات التلفزيونية الفضائية وكمية هائلة من الناس كلهم يحملون الكاميرات الاحترافية يقومون بالتصوير والتميلح في الوقت ذاته ، وصراحة أني أعد الجمع بين ذلك عبقرية !
انزعجت جداً من رؤية مظاهر تراجع الدين المعروفة .. وأرجو أن لا يأتي أحد ويتهمني بالتدخل في النوايا .
أنا أتكلم عن أمور ظاهرة وبعيدة عن الخلاف الفقهي .
أفهم أن هناك خلافاً في كشف الوجه وغطاءه ..
أفهم أن هناك خلافاً في مفهوم الاختلاط ، مهما بلغ قوة الخلاف أو ضعفه .
ولكني لم أفهم بم يمكننا تفسير تخلي الكثير من النساء عن غطاء الشعر إما جزئياً أو كاملاً ، ووضع مساحيق التجميل والعطور التي كانت تصلني لأنفي مخترقة نقابي .
لم أفهم لم تجاوز الأمر حد الاختلاط المحترم ليصل إلى الضحك الرقيع وهذا التميلح والتلامس أحياناً .
كنت أنظر إلى إحداهن وقد بدا من وجهها أكثر مما خفي ، لأنها كانت ( منقبة )!
الحق أن فمها فقط هو الذي كان مغطى !!
كانت تضحك مع مجموعة من الرجال بصوت عال وتصورت معهم ، وأنا أحدث نفسي : لعله أخوها ، لعله قريبها ..
حتى رأيتها تتصور مع أحدهم وهي تربت على ظهره وكتفه !!!
لم أفهم السبب في أن الموسيقى والرقص غدا أمراً عادياً دالاً على الرقي والتحضر ، حيث أن ايقاعات الموسيقى الغربية التي رقص عليها بعض مقدمي العروض كانت تصلني من المسرح المجاور .
لم أفهم لم تغيرت المفاهيم بهذا الشكل السريع والمزعج ..
لم تعد المسألة خلافات فقهية ، إذ ليس كل خلاف له حظ من الاعتبار .
نحن نتكلم الآن في مسائل دلت النصوص الشرعية الواضحة على تحريمها ، فما بال الناس ؟
ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ؟
هذه المشاهدات كانت كفيلة بإفساد استمتاعي بذلك اليوم .
لم أبع نسخاً كثيرة كما كنت أرجو ، ولكن أعتقد أن اللقاءات الصحفية والتلفزيونية والإذاعية التي أجريت معي ، كانت كافية للتعريف بكتابي في الأوساط المختلفة .. أضف إلى ذلك مقابلتي للعديد من المرضى والمتعافين واستماعي إلى شيء من تجاربهم جعلني أسترجع ذكرياتي الشخصية مع المرض ليلهج لساني بحمد الله على منّه عليّ وعليهم بالعافية .
يوم الخميس في التاسعة صباحا كانت مغامرتي المضحكة المحزنة وللمرة الثانية مع مطار الملك خالد .
المطار الذي من “المفترض ” أن يكون مطار عاصمة البلد الذي ” يفترض ” أن يكون أغنى بلد في العالم !
جملة ركيكة هي الجملة السابقة أليس كذلك ؟
نعم .. ولكن صدقوني الوضع الركيك لا يمكنك أن تعبر عنه بجملة مستقيمة أبداً .
إذ حتى لو استقامت لفظاً ، فإنها لن تستقيم معنى .
ركبت الباص محوقلة ومسترجعة ، ومتذكرة من جديد خراطيم مطارات أوروبا وأمريكا قبل أكثر من 27 سنة ، وانتظرنا في الباص ما يقارب العشر دقائق ليمتلئ ، فانتهزت الفرصة لكتابة بعض التغريدات .
أغلق الباب وتحرك الباص ، وبعد 30 ثانية بالضبط توقف ..
رفعت رأسي لأرى أننا نقف أمام سلم الطائرة ..
نعم .. الطائرة تبعد عن باب المطار أقل من خمسين متراً .
يبدو أن الخطوط تحب أن تريح ركابها لأقصى درجة ..
أخذنا أماكننا ، ولا تزال الصور من حفل البارحة تتوارد على ذهني .. الجميلة منها والسيئة .
وبعد تأخير استمر أكثر من ثلث ساعة نظراً لازدحام المدرج بالطائرات المقلعة والهابطة ( هل يملكون مدرجاً واحداً فقط ؟ ) طارت الطائرة أخيراً ..
بعد ساعة لاحت لي الحرة التي تحيط بالمدينة ، فنبض خافقي بحب المدينة .
المدينة التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا ” .
تمتت شفتاي ودمعت عيناي : اللهم اكتب لي فيها معيشة ووفاة ..
هذه مدينتي ، فمن له بمدينة مثل مدينتي ؟
البحث عن الكنز !
Posted in ذكريات بطعم السرطان, tagged نعم الله, الكيماوي, الأمل, الثبات, السرطان, سرطان الثدي on 5 سبتمبر 2011| 10 تعليقات »
أوووف ..
هنا بعض الغبار ..
متى تقابلنا آخر مرة ؟
أعرف أعرف . ليلة الثالث والعشرين وفي تدوينة معادة ..
سأفترض متغابية أنكم اشتقتم لتدويناتي ( لأني اشتقت لتعليقاتكم بصراحة ) .
وأهنئكم بالعيد متأخرة ، ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل مطلقاً .
والآن ، ماذا عساي أن أتكلم عنه ؟
هل أفضفض قليلاً ؟
هل أكتب مذكراتي وما مر معي ؟
هل أكتب بعض الحكم والخواطر ؟
ليتكم تساعدوني (مرة واحدة في حياتكم فقط ) وتخبروني كيف تحبون أن تكون تدويناتي .
هل تفضلونها كمذكرات يومية أحياناً ؟
هل يزعجكم إذا ما قلبتها دروساً وعظية بعض المرات ؟
اكتبوا لي تعليقاتكم – لو كنتم تهتمون بقراءة تدويناتي – هنا أو في تويتر أو في الفيسبوك ، أو عن طريق الإيميل ، وربما الواتس أب وأخبروني عن تفضيلاتكم .
وحتى ذلك الحين فعليكم أن تقنعوا بما أكتب .
البارحة كان موعدي في مستشفى الحرس الوطني للفحص الدوري .
ليست هذه المرة الأولى التي أذهب فيها للفحص الدوري بعد انتهاء العلاجات ، ولكني لا أعرف لم كانت المشاعر طاغية هذه المرة .
انتقلت مشياً بداخل المستشفى من قسم الأورام إلى قسم مختبر القلب لإجراء بعض الفحوصات .
كنت أمشي متمهلة على غير عادتي في المشي السريع .
ربما كنت أسترجع بعض الذكريات القديمة ؟
أمر بالمقاهي الصغيرة المنتشرة التي تفوح منها رائحة القهوة والكراسون فيداعب الغثيان مؤخرة حلقي مبتسماً ويقول : فاكرة ؟
هنا غرف الكيماوي ، وهنا قسم العلاج الإشعاعي .
أما هذا القسم فقسم الأشعات : المقطعية ، والمسح النووي ،والماموجرام .. يالها من أسماء فخمة مهيبة ..
أمشي في الردهات الطويلة إلى مختبر القلب ، وأرى أفواج الأطباء والموظفين يتبادلون التهاني .
أمر بالعيادات الخارجية حيث كانت مراجعاتي للطبيب الجراح ..
يا الله .. هنا كنت أغير ضمادات جرحي بعد العملية .
أتذكر كيف كنت أقف متهالكة في غرفة الانتظار ذات المقاعد المحدودة ، ما بين تعب الكيماوي وضعف العملية أنتظر أن ترحمني إحدى الجالسات فتتنازل لي عن مقعدها أو تفسح لي مكاناً جانبها .
لم تداعت علي الذكريات بهذه الطريقة ؟
لا أعرف في الحقيقة .
لكن الغريب أني شعرت بحنين لتلك الأيام .
أبحث جاهدة في عقلي عن تفسير فلا أكاد أجد .
حنين ؟ أيكون حنيناً حقيقة ؟
من يحن للكيماوي وآلام التاكسوتير وغثيان ac ؟
من يحن للحزن الدفين الملبس بسكر المرح واللا مبالاة عند تساقط الشعر كاملاً مرتين واستئصال الثدي لأبدو بأعجب منظر يمكن أن أرى نفسي فيه !
من يحن للتعري المزعج الذي كنت أعانيه يومياً في جلسات العلاج الإشعاعي لمدة 25 يوماً ؟
من يحن لتغيير الروتين المقلق ( التغيير هو المقلق لا الروتين ) : ترك الأولاد لأسابيع طويلة في المدينة، والسفر المستمر ، والابتعاد عن بيتي : عن سريري وحمامي وكنبتي الأثيرة وبرامجي التليفزيونية المفضلة؟
لماذا أفترض أن يكون هذا الشعور حنيناً ؟
لماذا لا يكون شعوراً بالانعتاق والتخلص والفرح ؟
حسناً حسناً .
أخبرتكم منذ البداية أني لا أعرف كنه هذا الشعور .
قد يكون فيه بعض ما ذكرت ولكن قد يكون حنيناً فعلاً ..
ليس إلى التعب والنصب ولكن إلى المشاعر القلبية التي انتابتني .
كنت أجلس في غرف الانتظار وأفكر : كم من حكايا وقصص وصور ودموع شهدتها غرف الانتظار ؟
كم من العَبرات تسكب ، ومن العِبر تحصّل هناك .. وبين هذا وذاك تشهد نعم الله الجليلة عليك ، لو أفلحت أن تنظر بعين الرضا .
هذه امرأة انتفخت ذراعها بشكل ملحوظ جداً ومؤلم بعد إجراء عملية الاستئصال ، ولا حل لذلك للأسف ، على الأقل هنا في السعودية ، إلا الصبر ..
وتلك امرأة كبيرة في السن عاودها السرطان في نفس المكان بعد الاستئصال مرتين ، وهاهي عودة إلى الكيماوي والإشعاعي من جديد .
وأخرة فتاة صغيرة لم تجاوز العشرين أصابها السرطان وتعافت ثم عاد .. تتمدد بضعف على المقاعد متوسدة فخذ أمها ، وبنظرة واحدة إلى وجهها الخالي من الرموش والحواجب أعرف أنها تلقت العلاج الكيماوي ، وأتأوه بألم فقط لذكراه .
وأقلب عيناي لأجد أطفالاً في التاسعة والخامسة ، بل ودون السنتين قد عريت رؤوسهم عن الشعر بسبب العلاج الكيماوي يجلسون بوهن إلى جوار أمهاتهم فأحمد الله أني من أصابها السرطان وليس أحداً من أولادي .
كنت أشعر بفرح خفي أن الله اختارني ليلقي إليّ بهذا البلاء واعتبرته حظاً سعيداً .
أعلم أن منكم من سيرفع حاجبه ويرخي زاوية فمه اليمنى ويحرك رأسه ويفكر : هيا !! إيش هذا الاستعراض ؟
وأعذركم ..
وربما لو قرأت لشخص غيري ما أكتبه الآن لفعلت ذات الشيء .
ولكنه – والله – ليس استعراضاً ، وإنما هو دعوة معي للتأمل .
كيف أشعر بفرح ، وهو على ما يبدو من ظاهره ليس أمراً مفرحاً ألبتة ؟
ولكني لا أجد لذلك تفسيراً إلا أن يكون لطف الله ..
منذ أن أصبت بالمرض ورأيت في نفسي قوة لتقبله في ذات الوقت الذي شهدت فيه بعيني رأسي جزع من حولي
من أهلي وصديقاتي لإصابتي ، بل كنت أواسيهم وأصبرهم في مصابي ، علمت يقيناً أن الله تعالى ما ينزل من بلاء إلا وينزل معه لطفاً يساوي ذلك البلاء أو يفوقه ..
ألم يقل تعالى ” إن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً ” ؟
فهذا عسر السرطان غلبه في قلبي يسر ألطاف الله وشهود نعمه الوافرة وحب أهلي وصديقاتي الغامر .
من يقول أن السرطان دائماً تجربة سيئة ؟
حين يمكنني الله تعالى من ملاحظة نعم صغيرة متنكرة في حياتي اليومية ، ويوفقني لشكرها بلساني ، ثم يغمر قلبي حب الله ورضاي عنه ، ويلهج لساني بالثناء عليه وحمده هل تسمى هذه تجربة سيئة ؟
أرجو أن لا يفكر أحد ” يا الله ، كم هي شجاعة ومؤمنة وصابرة “..
لست كذلك (بشطارتي ) ، ولكنها رحمة الله التي وفقني لها ، وكم حُرمها كثير !
لا أدعي أني سأفرح لو قدر الله لي أن أصاب بالسرطان ثانية ، ولكن لو استمرت نعمة الله علي ولم يحرمنيها بسوء فعالي فلن أموت كمداً ..
فمن ابتلاني جدير بأن يساعدني في بلواي خاصة لو استشعرت أني أدعوه في اليوم والليلة سبع عشرة مرة: ” إياك نعبد وإياك نستعين ” .
نداء إلى كل مصاب ، وكل منا مصاب بشكل أو بآخر :
تبن معي عقيدتي بأن البلاء ينزل محفوفاً باللطف .
صدقني هو موجود .. ولكن يحتاج أن تنقب عنه قليلاً ، كالكنز ذي الخريطة المخبأ في باطن الأرض ، حتى إذا ما وضعت يدك على طرفه فسترى عون الله في تحصيل البقية .
ابحث عن الخريطة أولاً ، ثم ابحث عن الكنز !!
تدوينة بطعم القهر !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged الثبات, خواطر on 17 ماي 2011| 8 تعليقات »