تباً ! قد كانت فرصة !
6 جويلية 2012 بواسطة هناء
تقدمت لخطبة فتاة كاملة الأوصاف فيما يبدو لك ولكن أهلها ردوك ؟ ورثت مبلغاً لا بأس به وأردت أن تستثمره ففشلت وضاعت أموالك ؟ أردت السفر لعمل فمنعتك أمك فأطعتها وجلست وخسرت الصفقة ؟
ضاعت عليك الفرص ؟
في الأسبوع الماضي شاهدت لقاءاً تلفزيونياً في قناة الناس طالما انتظرته مع الشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني ، والذي يأتي في الدرجة الثالثة من مراتب العلماء في قلبي بعد شيخيّ عبد العزيز بن باز ومحمد العثيمين .
حينما رأيته في اللقاء اعتصر قلبي مشهده .. بدا ضعيفاً ، هزيلاً ، وإن كنت لا زلت أتلمس في صوته قوة الحق .
لمن لا يعرف ، فإن قدم الشيخ قُطعت منذ أكثر من شهر بسبب الإصابة بالسكري .
أذكر جيداً في تلك الفترة كيف تألم أهل بيتي للشيخ ألماً شديداً ، فقطع العضو ليس أمراً هيناً .. لكني وحدي لم أشعر بمثل شعورهم . يومها قلت لأحدهم : إن الله تعالى ينزل ألطافه بالعبد المبتلى حتى إنه لا يشعر بالبلاء ويكاد من حوله يقتل نفسه حزناً عليه ..
اسألوني ..
كان الزوار يأتونني وقلوبهم ملأى شفقة وغماً ، كيف لا وهم يقولون : سنذهب لزيارة هناء التي استؤصل ثديها .
حتى وقع الجملة موحش ومزعج !
ولكني كنت ذاهلة عن كل تلك الغموم بلطف من الله ؛ فمن الخدر العنيف الذي أصاب منطقة الغدد الليمفاوية المستأصلة ، إلى انشغال ذهني بألم أصاب أمي والتي يزامن مرضها مرضي إلى نجاح في التفكر في آلاء الله وإنعامه عليّ بالإصابة بهذا المرض الذي يكفر السيئات ويرفع الدرجات .. بلاء هو ، نعم ، ولكنه بلاء محتمل .
كنت دائماً اتفكر كيف أثابني الله غماً بغم .. كنت أشعر بنعمة هذه الغموم التي صرفت عني غماً أعظم .
كنت أشعر بلطف الله عليّ .
حينما سأل مقدم البرنامج الشيخ عن اسم الله الذي شعر به جلياً في محنته ، كنت متيقنة من الاسم الذي سيتفوه به . أنا أعلم .. أنا مثله ..
قال : “في هذه المنحة الأخيرة ارتبطت باسم الله اللطيف “، عندها ذرفت عيناي دمعاً غزيراً فقد ذكرني بالذي مضى .
ذكرني بتلك الأيام التي واجهت فيها ، وفي وقت واحد محنتين عظيمتين : المرض والمشاكل الزوجية ، ولكني مع ذلك كأني كنت أغرف من بحر اللطف والنعيم .لم أكن أشعر أبداً بأني أمر في كوارث متتالية .. كنت أبكي أحياناً قليلة ، ولكن لفترة وجيزة جداً وكأنما أنفس بعض ما في صدري ، ثم ينحبس دمعي حينما أتمثل اسم الله اللطيف .
حتى الشيخ سماها “منحة” وليس محنة .. كأنما تلمس فيها فيوضاً من عطاء ونِعم .
كم نغفل عن هذا الاسم العظيم الذي بإمكانه أن يزيل عنا كثيراً من الوصب .
انظر إلى ذاك الذي تقدم لخطبة من ظنها مناسبة له ولكنه رُفض ، فاسودت الدنيا في عينيه ومضى يلوك أحزانه ، فما يفجؤه إلا خبرٌ عنها بعد شهور أو سنين يجعله يخبط جبهته ويحمد الله أن زواجه بها لم يتم .
وذاك الذي وضع كل أمواله في تجارة فشلت وضاع حلمه في أن يكون “هاموراً” وضاعت معه أحلامه ، هل كان يدري حين انهار منتحباً أنه لو لم يخسر أمواله لربما أفسدته وقسّت قلبه وأورثته أشراً وبطراً كما فعل قارون ؟
والثالث الذي هَمّ بسفر عمل فانقبض قلب أمه فترجته أن يعدل علن السفر فأطاعها بانكسار قلب لئلا يكسر قلبها فوقع زلزال في المدينة التي قصدها ونجا ؟ وغيرها من القصص التي تدل كلها على لطف خفي من رب وصف نفسه باللطف .
كثيراً ما يسيء البشر بالله ظنونهم لأنهم لا يرون أبعد من أنوفهم ، فيتطيرون للحوادث السيئة التي يواجهونها ولا يحاولون إدراك مراميها ، لعل بعضها يقود إلى قدر أفضل أو يمنع من قدر أسوأ ، لعل بعضها كفارات ورفع درجات ، المهم أن درجة تقبلها في نهاية المطاف تنبئ عن حجم الإيمان بالله في القلب .
تعجبني مقولة لابن مسعود رضي الله عنه قرأتها قبل سنين وعيتها ونقشتها في قلبي : “إن الرجل ليهم بالأمر من الإمارة أو التجارة حتى إذا لم يكن بينه وبينه إلا ذراع نظر الله تعالى إليه وقال : اصرفوا عبدي عنه فإني إن مكنته منه أدخلته النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظل العبد يتطير ويقول: سبقني فلان ، دهاني فلان .. وما هي إلا رحمة الله ! ”
نعم ..ذاك لطف الله ، وهو اللطف الخفي الذي ربما أدركته بصيرة العبد أو لم تدركه إذ كانت عمياء ، والقصص الثلاث التي وردت عن الخضر مع موسى عليهما السلام في سورة الكهف مثال جلي لذلك .
حينما أصبت بالسرطان هالتني ألطاف الله وأعشت عيني عن رؤية البلاء . كان الناس يحسبونني صبورة متجلدة ، وما علموا أن ربي اللطيف قد تداركني بلطفه فأسندني حين ظننت أني سأسقط .
كل المؤشرات كانت تدل على الانهيار . أترى فقد العضو سهلاً ؟ تساقط الشعر ، انقطاع الدورة الشهرية للأبد بسبب الكيماوي ( دائماً أقول أن مرضنا هذا يسيء إلى سمعتنا كإناث ). أترى الآلام الناتجة عن العلاج هينة ؟ التعري أمام الأطباء والأخصائيين ، الاكتئاب ، فقدان التلذذ بالطعام وبالحياة بأكملها أحياناً .
التفكير المنطقي والعقلي يؤكد أن هذا المرض كارثة بجميع المقاييس .
ولكن من قال أن المعايير الإلهية ترضخ للتفكير المنطقي والعقلي .. هناك أمور غيبية قائمة بذاتها ، تسيّرها حكمة إلهية عظيمة .
حين أصبت بكل ما سبق أحاطني الله بمجموعة رائعة من فرق التشجيع كانت تبجلني وتسبغ علي محبة منها جعلتني أحلق عالياً في السماء .. أولادي وصديقاتي وبنات أخواني ومعجبون من هنا وهناك لا أعرف من أين جاءوا .
حينما أصبت تعرفت على الله . كنت أجد لذة رقيقة في مناجاته كل ليلة ، أطلب منه العافية واللطف .. كأني أشعر برحماته تتنزل على قلبي فتمسح عنه كل خوف وغم . صادفتني أيام كنت أبدأ الدعاء بالثناء عليه فتنهمر دموعي ولا أتمكن من قول أي شيء إلا : سبحانك سبحانك سبحانك ! كان قلبي يشعر بالامتنان له أن اختارني لهذا البلاء وأعانني عليه بالصبر ، بل الرضا ، بل الشكر ، ورجوت أن أكون حصلت على الكفارات ورفع الدرجات ببلاء قوي ، ولكنه محتمل .
في حين أرى كثيراً غيري فشلوا في الصبر على أقدار الله فضلاً عن الرضا والشكر ، فظلوا في تسخط وتوجع مع أنهم في الحقيقة كانوا يتقلبون في النعيم .
هل تعتقد أني أهذي ؟ هل تعتقد أني أقول كلاما مغرقاً في المثالية ؟
لا ألومك ، فقد كنت كذلك حينما كانت تحدثني صديقتي عن كل تلك المشاعر وقد أصاب ابنها الصغير مرض الصرع.
كنت أرخي زاوية فمي اليمنى بخفية وأقول : ما هذه المبالغة ؟
ولما أُصبت بالمرض علمت تمام اليقين أنها لم تكن مبالغة ، فقد عشت في هذا اللطف .
آمنت أنه ما من بلاء إلا وينزل معه لطف من الرحمن. لطف غامر يماثل البلاء أو يفوقه ، ولكن المشكلة تكمن في بصائرنا ، إذ بعضنا لا يملك من قوة البصيرة ما يمكنه من رؤية هذا اللطف ، فيظل متسخطاً متذمراً ، ولطف الله تحت ذقنه .
صدقوني ، ليس البلاء ما نزل به الله تعالى من القدر الموجع ، وإنما البلاء أن تعمى بصائرنا عن رؤية الكثير من جمال وحسن أسماء الله وصفاته كاسمه اللطيف والودود والعليم ، والقدير والجبار وغيرها ، إما خذلاناً من الله –ونعوذ بالله من ذلك – أو جهلاً بأهمية تعلم تلك الأسماء ومدى ارتباط ذلك بسعادتنا ، أو ببساطة لأنه لا يَعتبر ذلك من “الكوالة “..
اسمع كلام مجرب ، وتفكر في نفسك كم من ألطاف الله مرت عليك ، فإذا رأيتها فاعمل على أن تدرب نفسك على البحث عن اللطف مع أي بلاء أو حادث سيء يصيبك ، فحين يكون ربك لطيفاً ، فكيف تتوقع أن تكون الحياة؟
0.000000
0.000000
أرسلت فى نظرات ثاقبة, ذكريات بطعم السرطان | مصنف الأمل, الإسلام, الثبات, الدين, السرطان, خواطر, سرطان الثدي | 20 تعليق
مذهل ، حديثك العذب المنساب كجداول رقراقة
فغلا الرضا هو اكبر النعم
كتب الله اجرك، ورفع قدرك ورزقك ومن أحببت سعادة الدارين
لله درك وأنا أقرأ كلماتك وكأني أرى صفحات من حياتي تدور أمامي نعم هذا هو حسن الظن بالله وأن أي ابتلاء يصيبك ماهو إلا لطف بك من الله سبحانك ربي ما أرحمك بنا
مقال جميل، عشان كذا الواحد لازم يتيّقن إنه في كل شيء يصيبه إنما هو خير له. ويردد دايما (خير ان شاء الله).
سبحان الله اللطيف
انهيت قراءة هذا المقال وكان بودي ألا ينتهي ..!
مشاعرك صادقة ياصديقة ..
أقسم أنها كانت أيام رائعة برغم مرارة الألم التي ذاقتها أجسادنا و استعذبتها أفئدتنا ..
وكأنّ موكباً ملائكياً يرعانا بأمر الله ..
دائما أقول : هناء مبدعة مبدعة في الوصف عميقة عميقة في الشعور ، و هاهو مقالك يصرعني من حلاوته – إن صح التعبير –
أمنياتي لك ولجميع المرضى بتمام العافية في الدارين
الله يزيدك من نعيمه وفضله يا ابلى هناء.
ماشاء الله تبارك الرحمن عليك. عندك نعمة عظيمة وهي نعمة الصبر والرضا بقضاء الله اللي كثير مننا يفتقدها ويبدا يتشكا وينوح ويبكي وليش انا. وللاسف انا منهم. ربي يرزقنا القضاء بقدره والصبر ويمتعك وكل المسلمين بالصحه والعافيه ياررب.
اجمل ما في هذه التدوينه انها حفرت في قلبي ذكرى زيارتي لكي لاني اذكر جيدا ان كلامك عن الشيخ قلتيه لي وانا وانتي نتجاذب اطراف الحديث في الليلة الثانيه التي سهرنا فيها سويا بعد عودتنا من زيارة صديقتك اللطيفه ناديه
اعدك بتكرارالزياره باذن الله
احبك في الله
ما شاء الله اسلوب راقي لديك موهبته أدبية في الكتابة اتمنى لك وللمسلمين الشفاء العاجل
تدوينة مؤثره ,,,
قبل فتره نويت ان اقرآ في كتاب شرح لأسماء الله سبحانه وتعالى وأراني تكاسلت ..><
وذلك بعد ان علمت بمعنى واحد من معاني اسم" الجبار" سبحانه وتعالى ,, كان المعنى في السابق يرتبط لدي بالقوة والجبروت , لم يحدث قط ان تفكرت في غير هذا المعنى , الا حين سمعت ان الجبار ,, من يجبر الكسر ..
انا من حينها كلما اصبت بضعف ,, دعوت باسمه الجبار ,, سبحانه وتعالى ,,
ازددت ايمان بان معرفة معاني اسماء الله تعالى ,, تجعلنا نستحضره في جميع موافقنا ,,
ان شاء الله بقرآه قريب ,, شكراً وجزاك الله خير 🙂
رااااااائعة ياهناء … كلامك راااائع ويثلج الصدر لانه حقيقخ راسخة ولكن لمن انار الله بصيرته …
تدوينه تحفر في القلوب قبل العقول ..
ربي يزيدك من فضله
جميييييييل تسلميين والله مشكوررره ي قلبي فعلا مقال اكثر من روعه
أختي العزيزة ..هناء
تدوينتك الرائعة أثرت في الكثير فأنا الآن أخاطبك من غرفة المشفى وبقلبي مالا يعلمه إلا الله فكأنما كلماتك أتت في وقتها لتواسيني ؤتمدني بالأمل ، أسأله تعالى ان يوفقك ويسدد خطاك في الدنيا والاخرة .
حزاك الله كل الخير
علينا ان نتعلم كيف نحسن الظن بربنا عز وجل ويكون كما تفضلتي بقولك ان نتلمس في البلاء لطف الله وكيف يسوق لعبده البرَّ والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون منه على بال.
ياجمال كلامك .. احييتي فيني الرضا والإيمان في كل قصه تنفسها إيمانك ..
الله لايحرمنا أجر الصابرين المتعلقين بإيماننا فيه سبحانه ..
دائما تتحفينا بكتاباتك استاذة هناء، جزاك الله خير 🙂
جمييل فعلاا جمييل
لا استطيع التعبير اكثر انهمرت دموعي وانا اقرا
استطعتي تحويل مشاعرك الى كلمات مذهله فعلا اهنيك على ذلك .
سبحان الله اللطيف .
جزاكي الله خيرا
على التذكير الله يجعلنا ممن تنفعهم الذكرى
لا أستطيع صدقا وصف ما أشعربه سوى الرضى التام
عندما نتهيت من القراءة تذكرة الحديث القدسي لأبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي – – : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) .
التقيت بمدونتك بالصدفة ولي ساعه وانا أقراء كل كلمه كتبتها احس انني سمعتها او قلتها من قبل وسبحان الله حتي اسم الله اللطيف صرخت به وانا احمل والدتي في إسعاف وقد قال لنا الطبيب الذي أحضرناه لها في المنزل انها مصابه بجلطه في الدماغ وتحتاج لعنايه مركزه وقدلا تنجو والدتي اسمها لطفيه وقد الهمني الله ان أدعوه باللطيف حتي وصلنا المستشفي واتضح ان ما أصابها نوبه صرع بسيطه شفيت منها وكذب الله ظن الطبيب حيث أفاقت وصلت الفجر أدعو الله ان يتم عليك نعمه الصحه والعافيه ويشفيك ومرضي المسلمين
الحمد لله على سلامة والدتك . ما خاب من أحسن الظن بالله وعلق به آماله وهو اللطيف الخبير .. هو معاذنا وملاذنا ومأمننا ..