Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for the ‘خواطر ،’ Category

منذ أن افتتحت متجري الالكتروني في انستغرام وبدأت في التعامل مع أسواق (الآخر) ، انفتحت عليّ سيول المقارنات .. لا أميل إلى عقد المقارنات بالعادة ، لأن كفة (الآخر) ترجح دائماً ، وأعزو ذلك إلى سبقهم لنا في تطورهم الحضاري بعقود طويلة ، وللقوانين الصارمة التي تحكمهم ، بخلاف الفساد الذي يستشري في بلادنا ، فلا يزع قومنا لا القرآن ولا السلطان . ولكن الأحداث تتالت بشكل استوقفني ..

لا أذكر متى بدأت الحالة بالتفاقم في ذهني .. ولكن لي بعض الذكريات شبه الضبابية عن مطعم يفترض به أن يكون فاخراً ، يهمل في طلبات زبائنه ( نعم أسميه إهمالا ولا أقبل حجة ضغط الزبائن )، فيحضر السلطة (المدفوع ثمنها) بعد الانتهاء من الطبق الرئيسي ، فتقع في حيرة : هل تأكلها وقد امتلأ بطنك ، أم تأخذها معك للمنزل لتتعشى بها ؟ تتعشى بالخس الذي ذبل والتتبيلة التي امتصها الخبز !! ثم تدفع ثمنها تأدباً ( أو غباء لا أدري أيهما ) ، وذهنك يستحضر ذكاء بعض المطاعم في كسب زبائنها عن طريق إلغاء هذا الطبق المتأخر من الفاتورة ، بل وأحياناً ، إلغاء الفاتورة بأكملها .

وهناك مطعم فاخر آخر تطلب منه أسياخ الدجاج المشوية فيأتيك في طبق خمسة أسياخ ، أحدها كالمطاط تماما . تطلب من النادل أن يستبدل هذا السيخ بآخر ، فيضطر لمراجعة المدير ( السعودي) الذي لا يزال يسألك ببرود : هل تريد أن آتيك بغيره ؟ وبالفعل يأتيك بسيخ واحد فقط ، يلقيه أمامك متجهما ، ليعتذر النادل بدلاً منه ؟

وتتالى الأحداث التي تدفعك دفعاً إلى المقارنة .. كتلك الموظفة في مبنى الجوازات والتي كانت تتحدث مع المراجعات ( وبعضهن مسنات ) من خلف ظهرها ( حرفيا) لانشغالها بكتابة بعض الأوراق ، مروراً بالخدمة التي يقدمها البعض لشراء بطاقات الآيتيونز عبر الواتس اب فتفاجأ بطلبك الذي يبلغ خمسين دولاراً وقد تم استعماله .. وعند مراجعتهم يكتفي بإرسال بطاقة جديدة دون تعويض لكسب رضاك ، وصولاً إلى بعض المنشآت التعليمية التي تستقبل أبناء منسوباتها بنفس الرسوم الباهظة التي تستقبل بها غيرهم من العملاء ودون أدنى تمييز لكونها موظفة عندهم ..

أفهم أن غالب مقارناتي لا يحكمها قانون ملزم ، وإنما لا يكاد الأمر يتعدى الذكاء التجاري ( في غير مسألة موظفة الجوازات) ، وليس الناس مطالبين بأن يكونوا أذكياء .. ولكن سؤالي هو : لماذا لا يكون الناس أذكياء بالفعل؟

اشتريت مرة شحنة من أحد المواقع التجارية تبلغ 180 دولاراً أمريكيا ( 675 ريالاً تقريباً) .. بعد قرابة أسبوعين من وصولها عندي اكتشفت نقصان قطعة واحدة يبلغ ثمنها 65 ريالا فأرسلت للموقع بذلك ، فاعتذر مني بحرارة وعوضني مباشرة ثمن الطلب كاملاً ..

حسناً ، لا أريد أن أحدث بلبلة في الصفوف .. لقد كان ذلك نتيجة سوء فهم من الموقع ، فأرسلت إليه ثانية أخبره أن الطلب وصلني كاملاً إلا من هذه القطعة وبعد مداولات وعدة إيميلات طلب مني الموقع (السماح له) بسحب المبلغ الذي حوله لي ناقصاً الـ 65 ريالاً .. ولم أسمح له بفعل ذلك إلا بعد أن تأكدت من وجودها أصلاً ..

لسبب أجهله تذكرت موضوع السلطة في ذلك المطعم ..

وبعدها بأيام ومن موقع آخر اكتشفت نقصان قطعة يبلغ ثمنها خمساً وأربعين دولاراً ووجود قطعة أخرى لم أطلبها ، ولكنها تبدو فاخرة .. أرسلت لهم بالتفاصيل وأخبرتهم أني مستعدة بأن أدفع لهم فرق الثمن بين القطعتين مقابل الاحتفاظ بهذه .. المفاجأة أنهم أخبروني بأنه لا حاجة لي بدفع الفرق ، وأنهم سيحولون لي ثمن القطعة الناقصة !! أهدوني قطعة يبلغ ثمنها خمساً وثمانين دولاراً !! ( اضربوا المبلغ في 3,75 لتعرفوا القيمة بالريال السعودي ) ..

لسبب آخر أجهله أحسست بطعم سيخ دجاج مشوي في فمي !!

وأخيراً ، كانت ثالثة الأثافي ، حينما اشتركت في بريد واصل العالمي التايع للبريد السعودي ..

 وصلت شحنتي لمكتب البريد بأمريكا يوم 7 ذي القعدة ، ولم يتم إصدار فاتورتي إلا يوم 15 ذي القعدة !! ولأقطع أي سبب للتأخير حولت لهم قيمة الشحن مباشرة .. اليوم 1 من ذي الحجة ولن تصل شحنتي إلا يوم الأحد 4 من ذي الحجة ، واعتذرت لي الموظفة بأن هذا التأخير بسبب اليوم الوطني ..

أعتقد أني لو سافرت بالإبل من المدينة إلى جدة واستلمتها ورجعت لوسعني أن أعود قبل 4 ذي الحجة . ما زاد الطين بلة أنها حذرتني أنني إن تأخرت في استلام الشحنة فستعود بعد أربعة أيام إلى مصدرها ( أمريكا يعني) .. بعد تواصل طال قليلاً في تويتر قررت أن أذهب بنفسي إلى مكتب البريد لاستلامها ، ففوجئت أنها لم تصلهم بعد .. ضحكت غيظاً عندما قلت له : أخبروني في تويتر أنها عندكم ، إذ أنها كانت في جدة يوم 21 ، فقال : يبدو أنها لم تصل !!

لم تصل ؟ شكرا لك يا وطني ، فبسببك توقفت “دواب ” البريد في الطريق لترقص فرحاً بيومك ! لم يكظم غيظي إلا الموظف المحترم الخلوق الذي تعهد أن يحفظ شحنتي لحين رجوعي من السفر ، وأرجو أن يكون صادقاً وعلى قدر المسؤولية .

خسارة ، لقد كنت أؤمل خيراً في البريد السعودي منذ فترة ، ولكن خابت آمالي للأسف .

لِم لا يؤدي الناس مهامهم بكفاءة ؟ استلمت في جدة شحنة مرسلة بالبريد الأمريكي في خلال أسبوع وبسعر مقارب للبريد السعودي ، واستلمت في المدينة شحنة مرسلة من أمريكا عن طريق إحدى شركات الشحن الخاصة في أربعة أيام فقط .. لماذا يحتاج البريد السعودي شهراً كاملاً ليوصل لي شحنتي ؟ فهمنا أن السعوديين يغرقون في شبر ماء و (حواسين) لذا تستغرق شحنتي أسبوعين للوصول لبيتي . فماذا عن العاملين الأمريكان في مكتب واصل العالمي بأمريكا ؟ هل هي عدوى تنتشر في المنشأة السعودية بجميع مرافقها وفروعها ؟

لماذا لا يفكر الناس قليلاً ويطورون من أنفسهم ليؤدوا عملاً أفضل ؟

لماذا – إذ لم يزعهم القرآن ولا السلطان – لم يدفعهم الذكاء التجاري للربح عن طريق كسب الزبون وإرضائه ؟ أن أنهم يعملون على مبدأ : خلا لك الجو فبيضي واصفري ، ونقري ما شئتِ أن تنقري ..

مستوى الخدمات في بلادنا يئن من أناس لم يعملوا عقولهم ولا رغبتهم في الإتقان الذي يحبه الله ..

المقارنات تنعقد تلقائياً ، وفي أمور تكون أحياناً أخلاقية أو ضرورية .. ( لن أتحدث أبداً عن خدمات الصحة والتعليم والاتصالات .. أبداً أبداً )

بلادنا تغرق ببطء ..

Read Full Post »

حينما كنت أتعالج بالعلاج الكيماوي ، كان يصيبني إرهاق شديد ، وتحولات عجيبة في براعم التذوق في لساني ، فكنت لا أجد للطعام طعماً أحياناً ، وأحياناً أخرى أجده متنكراً ، فالحلو يضحى مالحاً ، والمالح يصبح مراً ، وأنا بين هذا وذاك أبحث عن الحل الصحيح .

غني عن الذكر أن ذاكرتي وذهني كانا يعملان بفوضى بسبب وطأة الكيماوي ، فإما بطئاً ، أو تشويشاً أو أي شيء لا يمت بصلة إلى الذهن الذي كنت أعهده فيّ قبل المرض ..

كل الملابسات كانت محبطة ، ولكني وجدت لذلك مخرجاً .

أدمنت في تلك الفترة لعبة كمبيوترية اسمها Cooking Dash ، وهي عن فتاة تبني مطعمها الخاص بالتدريج ، تبدأ بكراسي بسيطة وأثاث متواضع ، بل ووجبات محدودة .. تدور لتخدم زبائنها المتطلبين وتحاول ألا تخلط بين الطلبات وإلا فستتعرض لغضبهم وخروجهم من المطعم وبالتالي خسارتها .

كان عليها أن تحقق هدفاً يومياً لتحرز المزيد من النقود التي تمكنها من شراء أفران جديدة أسرع ، وتقديم وجبات أكثر تنوعاً ، وتغيير الأثاث بآخر أكثر فخامة ليجتذب الزبائن .

كنت أبدأ اللعبة حالما أتمكن من الجلوس في سريري بعد جلسة الكيماوي ، وقد أستغرق في اللعب بها لمدة ساعتين متواصلتين دون أن أشعر بنفسي ، ثم أختم المرحلة الخمسين في خلال الخمسة أيام الصعبة بعد تناولي للكيماوي .

كنت لا أتمكن من فعل أي شيء مفيد في تلك الأيام شديدة الوطأة ، أتكلم قليلاً وآكل قليلاً وأتحرك قليلاً . حاولت أن أراجع محفوظاتي من القرآن فكان ذهني لا يستقيم لي ، وكانت ذاكرتي تضحك من سذاجتي . فلما اكتشفت اللعبة ، أحسست أن هناك آفاقاً واسعة لا تزال متاحة .

كنت ألعب بتركيز ، أخسر أحياناً فأعيد المرحلة ، وأفوز أحياناً فأقوم بترقية مطعمي . كنت أفرح بكل قطعة جديدة أشتريها وكأني حزتها بالفعل . كنت أنتشي بسماع صوت البطاطس وهو يُقلى ، والستيك وهو يُشوى وأنا المحرومة من مذاق الطعام اللذيذ .

 أصوات ارتطام الملاعق بالصحون والكؤوس بعضها ببعض كان يأسرني وينقلني إلى جو حميمي ساحر ، أتناول فيه طعاماً واضح طعمه ، غير متنكر ، مع رفقة حبيبة في مطعم خافت الأضواء ، لا تسمع فيه إلا همسات المرتادين ، وأصوات ارتطام ملاعقهم بصحونهم وكؤوسهم .. نفس الجو الذي ألعب فيه .

ختمت اللعبة ثمان مرات ، بعدد جلسات الكيماوي ، وكلما وجدت جزءاً جديداً للعبة سارعت بشرائه وتحميله . كنت ألعب وأنا أشعر بنوع من السخافة ، ولكني لم أكن أستطيع أن أقاوم .

وبعد تفكير عميق عرفت سبب هذا الانجذاب للعبة . كانت اللعبة الإنجاز الوحيد الذي كنت أستطيع تأديته في تلك الفترة . كانت تطلق خيالي لبناء مطعمي الشخصي .. كانت تربطني بأمل .. كانت تربطني بالحياة في وقت كنت أشعر فيه أن جميع السبل مسدودة أمامي ..

كل فرد منا – ليس مريض السرطان فقط – بحاجة إلى إنجاز يشعره بأهميته ووجوده ، ولتحلو حياته ويصبح لها معنى .

 لا يشترط أن تكون الإنجازات كبيرة وعظيمة .. قد  تكون مراجعة جزء من القرآن ، أو حياكة قميص جديد ، أو الانتهاء من رسم لوحة فنية أو كتابة شطر من كتاب لطيف..

 يكفي أنه يشعر بالسعادة بعد تحقيقها ..  يكفي أنه يشعر بالإنجاز ..

كنت أنتظر انتهاء علاجي الإشعاعي بفارغ الصبر لأتوجه إلى مقاعد الدراسة الجامعية التي تركتها منذ 27 سنة . فلما فعلت صرت أرتشف لذة التعلم ، واسترجاع المعلومات ، وتلخيص المسائل المهمة ، ثم أستمتع بطعم التفوق في نهاية الفصل الدراسي .

والآن ، يمكنني القول بأنني أنهيت – رسمياً – ثلاث سنوات من الدراسة الجامعية في كلية الشريعة ، وصرت في السنة الرابعة والأخيرة .. أشعرت كيف مرت السنون ، وصار الماضي الأليم ذكريات سعيدة ؟ 

بهذه المناسبة يسرني أن أدعوك إلى مطعمي الافتراضي لتناول وجبة مجانية فاخرة مكونة من البطاطس المقلية والستيك المشوي .. تفضله مشوياً جداً أو متوسطاً ؟

Read Full Post »

في الماضي القريب كان آباؤنا يعملون جاهدين الساعات الطوال لتوفير لقمة العيش في ظروف صعبة ؛ يضطر بعضهم للعمل تحت الشمس من قبيل الفجر وحتى الغروب ، يتسلق النخل ويتعرض لخطر السقوط. أو يعملون في البحار لصيد السمك أو جنى اللؤلؤ ويغيبون عن بيوتهم وأهاليهم أياماً، وقد لا يعودون . أو يسافرون بحثاً عن الرزق في بلاد بعيدة، يقطعون المفاوز ويواجهون قطاع الطرق ثم قد لا تتجاوز غلة أحدهم بعد كل هذه المتاعب العشرة ريالات، أو ما يساوي في زمننا الحاضر ألف ريال.

كانت المراكب الفارهة والبيوت متعددة الحجرات والأثاث المريح يكاد يكون محصوراً على الأثرياء والتجار فقط، وكان كثير من الناس لا يذوقون اللحم إلا في عيد الأضحى وينعدم عندهم التوسع في المآكل والملابس إلا في الأعياد. أما حيازة الخدم فكانت ترفاً بالغاً لا تكاد تجده إلا في بيوتات محدودة.

وانظر إلى أحوالنا الآن. يمكننا أن نقول أن الحال قد انعكست تماماً. الأغلبية تمتلك سيارة أو أكثر، انتشار المطاعم السريعة والبطيئة دليل على كمية وافرة من الرفاهية، شراء الثياب الجديدة لا موسم له، والسفر مقارنة بالأسفار القديمة صار أشبه ما يكون بسرعة انتقال عرش بلقيس للنبي سليمان عليه السلام . الكثير جداً من الناس عندهم خادمات، والأغلب يمتلك جوالات ذكية (وإن اضطر لشرائها مستعملة) .

ومع كل ذلك، لا زال كثير من الناس لا يرى إلا نصف الكوب الفارغ .

لماذا نرفض الاعتراف بأن الحياة جميلة؟

لماذا نصر على أننا (مساكين) و(حالنا تحزّن) ونظل في بؤس، فقط لأننا لم نحقق الكمال في جميع أمورنا. صاحب المازدا يريد ليكزساً فيسخط على (مازدته)، وصاحب الليكزس يريد بِنتلياً فيسخط على ( لِكزسه)،  الطويل يتمنى لو كان قصيراً لأنه أجمل، والقصير يعجبه الطول لأنه (أكشخ) ..الفتاة تتمنى لو كانت ذكراً لتنعم بالحرية، والذكر يتمنى لو كان أنثى ليرتاح (لأن الأنثى عندنا ملكة!)، وبين هذا وذاك تكمن (الحلطمة) والتوجع والشعور بالفقد واليتم والمرارة والنقص..

مشكلتنا أننا لا ننظر إلى التفاصيل الدقيقة التي تجعل الحياة أجمل.

تلفت أنظارنا أحياناً بعض الدور في أناقتها وفخامتها، ولو أمعنا النظر لوجدنا أن ذلك يعود لتفوقها على غيرها بالاهتمام بالتفاصيل: اللوحات، التحف الصغيرة على الطاولات الجانبية, مفارش الطاولات، زينة الستائر، البسط المتفرقة، الوسائد المتناثرة وغيرها. كلما أمعن المصمم في الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة كانت الدار أرقى وأجمل.

ماذا عن حياتك؟ أليس فيها من الدقائق ما يحيل حياتك نعيماً ، لو تفكرت ؟

ألم تلحظ مشاعر الراحة تغمرك حين تدخل بيتك المكيف هرباً من أشعة الشمس ( الشاوية) ظهراً، فتعانق خياشيمك رائحة الطعام الزكية تدغدغ بطنك الخاوية؟

ألم يلفت نظرك قراءة ابنتك الصغيرة للقرآن ، أو لثغة آخر العنقود وهو ويتكلم فلا تتمالك نفسك من أن تلثم فاه كلما لثغ؟

ألم تشعر بالأمان كلما ضمتك ذراعي والدك المحب إلى صدره، أو شيعتك دعوات أمك بالتوفيق والصلاح ورعاية المولى وحفظه؟

ألم يمتلئ قلبك حباً كلما التقت عينك بعيني زوجتك في ساعة ود، أو همس زوجكِ في أذنكِ بكلمة عشق ووله؟

ماذا عن حدب أخوتك وقت الشدائد، وجمَعة الأهل المتآلفين في الأعياد والأفراح، وتفاني زملاء العمل في أعمالهم، وجمال الصداقة الصدوقة في كل وقت؟

بل ماذا عن براعم التذوق (الصاحية) التي تصف الطعوم بدقة، والجسد القوي الذي يحملك ويخدمك دون مساعدة خارجية.. ماذا عن حواجبك ؟

حينما أُصبت بالسرطان وتناولت العلاج الكيماوي صار رأسي لوناً واحداً شاحباً ، لا لون مميز فيه إلا حدقتاي. كنت أرسم حواجبي بالقلم وأضع الكحل لأذكر نفسي بوجود هذين العضوين في وجهي . كنت أنظر إلى وجهي المعدّل بعد ذلك في المرآة وأقول : يا الله ! الحمد لك على نعمة الحواجب .. ماذا عنك أنت ؟ هل شكرت الله قط على نعمة الحواجب؟

هناك الكثير من الجمال في حياتنا ، ولكن مصدر القوة أو الضعف، الإيجابية أو السلبية، العزم أو الإعاقة ، كلها في قلوبنا وعقولنا، وليست في الحياة من حولنا.

أحب أن أجرب الحياة بكافة أشكالها لأستمتع، والقاعدة عندي تقتضي أن ( النكد مش حلو).

أحب أن آكل البيتزا الطازجة حارة جداً فأستمتع بالجبن ( المطاطي) ومذاق صلصة الطماطم الغنية بنكهة الريحان والزعتر البري ، فإذا باتت فضلتها باردة من الثلاجة لأستمتع بالطعم الحقيقي للعجين والجبن الذي حجبه عني حرارة الطعام، ولكليهما طعم خاص.

وكلما لبست الكم الضاغط الذي يغطي جميع ذراعي اليسرى بسبب الليمفاديما (الوذمة) الناتجة عن استئصال الغدد الليمفاوية في الإبط بسبب السرطان ، وضاقت به نفسي ذكرتها بأن وجودها في يدي خير من وجودها في ساقي مثلاً حين تنتفخ فتكبر قدمي مقاساً أو مقاسين فأضطر لشراء زوجين من نفس الحذاء بمقاسين مختلفين !

وعندما فقدت شعري بعد الكيماوي اعتبرت ذلك (نيولوك) جديداً، تحديت قريباتي وصديقاتي –مازحة- أن يأتين به، وأنى لهن .

أحب – كلما واجهتني أيام عصيبة _ أن أمني نفسي وأهدئها : هناك حكمة، هناك لطف، هناك رحمة ولابد ، فهذا القدر المؤلم هو من الحكيم اللطيف الرحيم.. ابحثي عن الجمال.. ارفعي بساط الألم وفتشي عن النعم الباهرة أسفله.

كم كان جميلاً لو اجتمعت كل المتع بكمالها لدى المرء ، ولكن هذا أمر غير واقعي ، فكان لابد أن نتعلم كيف نثمّن كل ما لدينا ونستمتع بجمال الحياة كما هي – إذا أخفقنا في تعديلها- وهكذا فقط سندرك أن الحياة جميلة، وأنها مثل لعبة الكمبيوتر : كلما سبرت أغوار المرحلة واستكشفت خباياها، وجدت هدايا صغيرة وستُفتح لك مراحل جديدة و (عوالم) مثيرة بعد قضائك على ( الوحش الأخير) : السلبية ..

العب بذكاء !

Read Full Post »

عندي عادة ، لا أعرف هل أعتبرها حسنة أو سيئة ..

أحب أن أعرف ما الذي يدور في داخل البيوت والصدور ..

لا ، لست فضولية على الإطلاق ..

حسناً .. لعلي أكون فضولية بعض الشيء ، ولكني كذلك طالما لم أتدخل بالفعل في شؤون الغير .

أعتقد في كثير من الأحيان أن روح الكاتبة بين جنبيّ هي سبب هذه ( اللقافة ) . أحب أن أتخيل ، أن أعرف سبب هذه المشاعر وتلك الأحاسيس ، أن أعيشها وأكتب عنها  ، لعلي أستقي منها بعض الحِكم  .

أخبركم ما الذي أقصده .. أحب عندما أكون في سيارتي – خاصة في الليل – أن أستغل وقت المشوار في تأمل نوافذ البيوت .. رؤية النوافذ المضاءة والستور المسدلة ، أو الأنوار المعلقة ، أو أطراف الجبس في الأسقف تجعلني أتمنى لو استطعت أن أحلق بروحي إلى الداخل لأرى كيف هي حياتهم .. ماذا يفعلون .. كيف يعيشون ؟

ترى ماذا تخبئ هذه النوافذ ؟ ترى ماذا تخفي تلك الستائر ؟

أكاد أسمع أصوات أطفال تلك النافذة وهم يتضاحكون ويتشاجرون محدثين جلبة قوية وقد انهارت والدتهم بجانبهم من التعب والانزعاج ، تدعو الله ربها أن ينزل عليهم النعاس وعليها الصبر ، فأضحك وأقول : أين رأيت هذا المنظر من قبل ؟ أين أين ؟

 أما تلك النافذة فقد عُلق عليها شرشف الصلاة منعاً لضوء الشمس من التسلل صباحاً ، ولنظرات الفضوليين أمثالي من رؤية المشادات التي تحدث بشكل شبه يومي بين الزوجين : هو يشكو إهمالها له ابتداء من عدم سكب كلمات الوله والعشق في أذنيه مع أذكار الصباح و المساء ، وانتهاء بانشغالها عنه بكل شيء في العالم ؛ أطفالها وأهلها ودراستها  .. وهي تشكو إهماله لها ابتداء من تخصيص كل عطلة الأسبوع للسهر مع أصحابه بدلاً من قضاء بعضه معها ومروراً  بإهماله للإصلاحات المنزلية  التي لا ينبغي أن يتولاها إلا الرجال كمفتاح النور الذي ( يكهرب) من يلمسه والعتبة المكسورة التي تخدش قدم كل مار وانتهاء بالستائر التي لا يرى لها داعٍ ، وما باله شرشف الصلاة لا يغني ؟

هؤلاء قوم يحتاجون بشدة إلى تعلم معنى (الخيرية ) في قول النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله ) ، وإلى الكثير من التضحية براحة الذات والتغافل عن بعض الأخطاء إذكاء لشعلة الحب أن تخبو .

ماذا عن تلكم النافذة ؟

نافذة فاخرة لمكتب باذخ تشغله سيدة أعمال تحسب أن الصلافة والجفاء من لزوميات النجاح . امرأة ( أو قد يكون رجلاً ) فيها جاهلية ، تتعامل بفوقية وتعالي مع خدمها ونساء أبنائها ومن قصدها طلباً لمساعدة أو شفاعة جاه ، مع أنها تحاول كثيراً أن تخفف من غلواء ذلك الطبع في نفسها لكثرة ما سمعت من انتقادات .. ولكنها إذا غضبت فإنها تصرخ وتشتم ولاتراعي أحداً .. يذكرها زوجها أن الناس سيكرهونها ، فتجيب بقرف : ليكرهوني .. هم يكرهون كل ناجح مثابر .. يكرهون كل نظامي .. يريدونها ( شوربة ) ..

لم تعجبني تلك النافذة .. أكاد أرى خاتمة صاحبتها السيئة .. مريضة , عاجزة بعدما تقدم بها السن كثيراً وانفض عنها زخرف العمل والجاه .. لم يعد لها إلا خدمها ونساء أبنائها .. أكره أن أراها تعتقد أن الناس لا زالت تهابها ، وإنما هم في الحقيقة يشفقون عليها ويرحمونها لحسن أخلاقهم وجودة معادنهم . ا

نظروا إلى هذه النافذة العجيبة . . نافذة مستشفى في هذه المرة ..  فيها أربع مريضات يتممن إجراءات ما قبل النوم بعد انصراف الزوار .. هذه إحداهن ، أجريت لها عملية استئصال الثدي قبل يومين .. تقوم وتدور بين جاراتها بعلبة ( براونيز ) فاخرة جاءتها هدية من أمريكا . تمشي محدودبة الظهر وببطء ، فلازال جسدها يرضخ لقوانين العمليات الجراحية الكبرى .. كانت تحسب أنها في كرب وبلاء لهذا الاستئصال الذي هز كيانها النفسي وكاد أن يقوض أركانه ، فلما رأت أمراض رفيقاتها هان عليها ما تجد ، وعلمت أن بلاءها قد يعد نعيماً في معايير البعض يجب أن تحمد الله عليه  ، وأن إظهار الجَلَد والقوة بعد ( تحصين النفس بالأذكار ) هو من التحدث بالنعمة والتأدب مع الله بإظهار ما من الله به عليها ..

هذه نافذة أخرى .. نافذة بائسة لحجرة سائق بنغالي .. الحجرة ذاتها مساحتها 4 أمتار أو أقل .. سيئة الإنارة والتهوية ، وبالطبع سيئة التشطيب ، فقد استأجرها قبله العشرات .. تفوح من جدرها المقشرة رائحة السجائر والوحدة والشوق .. يتمدد فوق سريره الحديدي الصدئ ليطير بخياله إلى أولاده الثمانية الذين يناشدونه بصمت أن يتحمل الغربة والكربة وجور الكفيل ووطأة العمل ليبعث إليهم بأموال ليكملوا دراستهم ويحتلوا مقاعد جيدة في قطار مجتمعهم. لا يدري ، هل سيفخرون بهذا الأب العصامي المثابر أم أنهم سيخجلون حين يُسألون عن عمله فيجيبون كاذبين : ممرض في مستشفى كبيرة .

قبل أن ننتقل إلى تلك النافذة التي تنبعث منها الأصوات المزعجة ، أريدكم فقط أن تلقوا بنظرة إلى الكوة الصغيرة للحجرة الملاصقة لحجرة السائق البنغالي .. هل رأيتم ذاك العامل الذي دخل لتوه إلى حجرته وبادر – حتى قبل أن يخلع حذاءه ليغتسل – إلى ثلاجته الصغيرة ليخرج علبة عصير باردة .. يفتحها ، يسمي الله ، ثم يجرعها دفعة واحدة.. ما شاء الله .. بالعافية يعني !!  ولكني أكاد أشعر ببرودة العصير وحلاوته تنساب في حلقي في هذا الجو الخانق.. يتهلل وجهه تلذذاً وانتشاءً ، يمسح شفتيه بظهر كفه ، ويحمد الله في سعادة .. أعجبني !! أحب شعور الامتنان لله وحمده بإخلاص .. أشعر أن لي رباً  يرعاني ويحب أن يُفرحني وأنا أحب أن أشكره ..

طيب ، هل تسمعون تلك الأصوات المزعجة الصادرة من تلك النافذة ؟ اكتشفت أن هذا فتى قد راهق .. صوته لا تعرف كيف تصنفه .. ويشعر بالكثير من الأهمية .. كيف لا وهو يعيش في مجتمع لا تكاد النسوة يستطعن فعل أي شيء فيه مالم يكن ذلك بقيادة ذكر . أي ذكر .. مواطن أو وافد ، صغير أو كبير .. المهم أن يكون ذكراً . هذا الفتى بالذات أحد (ذكرين ) في الدار .. الأب ( رجل ) كبير في السن .. والذكران الآخران يتناوبان على قضاء حاجيات نساء الدار الأربعة .. طلبات المدارس لا نهائية ولسان حال كل معلمة ( مافي البلد غير ها الولد) فتدلل نفسها بالطلبات الأسبوعية وكأن مكتبة الحي تقبع في أسفل العمارة ، مقاضي البقالة يومية ، المشاوير التي تحتاج منهم إلى توصيل شبه يومية ، وبين هذا وذاك صراخ متواصل من الذكرين وتأفف وتضجر وإذلال للبنات دون أن ينتبها إلى أن الوجبات الثلاث تقدم لهما في مواعيدها بلا طلب ، وأن الثياب تكون جاهزة على الدوام  ، وأن حجرتهما تنظف وتخرج منها الفتيات كيسي قمامة يومياً . فإذا طلبت إحداهن شيئاً ، نظر الذكر إلى جدول مهامه في ذلك اليوم ثم رمى لها “باللا” المعهودة ، وخرج مباشرة بلباس الرياضة ليلحق المباراة .. ويتعالى القهر في نفوس البنات : ما ذنبنا أن كنا في مجتمع موغل في الذكورية ؟  ولكن لا حياة لمن يسمع !

هؤلاء قوم آخرون يحتاجون لمعرفة جيدة يما يعنيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله ) .

لنختم جولتنا في عالم النوافذ بهذه النافذة .. أكاد لا أرى شيئاً .. الضوء خافت للغاية وعلى السرير رجل يحتضر .. عاش سنين طويلة يكابد فيها عناء الوظيفة ، ونكد الزوجة ، وعقوق الأولاد . كم من دموع سكب ، وإن أشد الدموع ما سكبه رجل مقهور .. تؤذيه زوجته فلا يستطيع أن يطلقها رحمة بعياله .. يكبر أولاده فينهلون من أخلاق أمهم النكدة ، المدير الطاغية ينافر طبيعته اللينة الودودة ، ولكن حتى اللين الودود قد يتصدع قلبه ، فكان يكابر ليقف شامخاً .. إلى أن حان اليوم الذي سقط فيه الفارس مثخناً بعدما علاه السن والمرض .. هاهو الآن يحتضر .. لا يكاد يسمع لغط من حوله .. يتنفس بصعوبة وبصره حديد .. سمع كلمة عابرة من حفيده : تعب كثيراً ، يارب يرتاح !! يفكر فيما تبقى له من ذهن : هل سيرتاح فعلاً لو مات ؟ نفحة قوية من رجاء رفعت أصبعه السبابة ، وتمتم..

لم  أسمع ما قاله .. ولكن لنرجُ له الخير .

والآن .. ما رأيكم بهوايتي ؟ هل تعتقدون أني فضولية بالفعل ؟

Read Full Post »

في عام 1985م تحالفت مجموعة من المنظمات الأمريكية لإقامة حملة وطنية كبرى ( أصبحت عالمية فيما بعد ) للتوعية بسرطان الثدي National Breast cancer awareness Month (NBCAM).كان من أهداف هذه الحملة : توعية النساء حول أهمية الكشف المبكر ، وجمع الأموال اللازمة لتمويل الأبحاث والدراسات المتعلقة بسرطان الثدي ، بالإضافة إلى إمداد المرضى بالدعم والمعلومات الضرورية ، إلا أن الهدف الأصلي لهذه الحملة كان تعزيز دور أشعة الماموغرام كوسيلة أساسية لمحاربة سرطان الثدي .

وفي عام 1993 قامت إيفيلين لودر ، نائب رئيس مجلس إدارة شركات إستي لودر المشهورة في مجال التجميل والعطور بإنشاء مؤسسة أبحاث سرطان الثدي وجعلت من الشريط الوردي علامة لها .

وفي كل عام تقام في المدن العالمية في شهر أكتوبر النشاطات التي تذكر بهذا المرض والجهود المبذولة في التوعية على مدار العام . فتقام سباقات الماراثون والبازارات ، وتكتسح الأسواق المنتجات الوردية أو التي تحمل الشريط الوردي والتي تجعل جزءاً من ريعها لتمويل الأبحاث وترتيب زيارات مجانية للنساء لإجراء الماموغرام ، وتضاء بعض المباني المشهورة باللون الوردي كالبيت الأبيض  ومبنى الإمباير ستيت في الولايات المتحدة ، وقصر باكنغهام البريطاني وبرج العرب الإماراتي ، وغيرها من المعالم العالمية المشهورة .. كم اشتهيت أن أرى قصر المصمك أو برج المملكة يضاءان بالوردي ..

وفي عام 2004  قامت هند البرعي الطالبة في مدرسة ثانوية في ولاية ميزوري الأمريكية بإنشاء ما يسمى بيوم الحجاب الوردي شاركت فيه مع مجموعة من الناشطات ( والناشطين ) في الفعاليات القومية للتوعية بسرطان الثدي مرتديات حجاباً (وطواقي) وردية في محاولة جيدة لإثارة فضول الشعب الأمريكي للسؤال عن هذه الشعيرة وعن الإسلام .

الكثير والكثير يتم ترتيبه من أجل التوعية في مجال سرطان الثدي والذي أدى إلى زيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر وبالتالي سرعة معالجة المرض وانخفاض معدل الوفيات بإذن الله تعالى .

في شهر ذي القعدة من عام 1430هـ وأثناء قيامي بالكشف المنزلي للثدي اكتشفت ورماً صغيراً  بحجم حبة الليمون بنزهير أو كرة الطاولة . كان ورماً صلباً  كحبة الجزر لا رخواً ولا ليناً ، ثابتاً لا يتحرك تحت أصبعي . لم يكن ثمة ألم ولا إفرازات .. ورم فقط ، كان اكتشافي لذلك الورم  بوابة لدخولي عالم جديد ..

حينما زرت الطبيب ليشخص الورم سألته : هل سأعيش إلى سنة ؟ فضحك الطبيب وقال : يا شيخة أذكري الله .

بعد ذلك بثلاثة أسابيع دخلت دوامة مرض السرطان من فحوصات وعلاجات . كان لا بد لي أن أواجه هذا الشبح المروع الذي يجثم على (صدور) النساء ، وفي ذهني الآلاف من الصور السلبية التي تلقيناها من الإعلام والناس من حولنا والتي مفادها شيء واحد : السرطان يعني الموت .

 لوهلة كدت أنجرف وراء ذلك التفكير إذ لم تكن لدي معلومات كافية عن السرطان أبداً –وأنا التي كنت أعد نفسي من فئة المثقفين –  كما أن فكرة الإصابة بالسرطان لم تكن واردة في ذهني ألبتة ، فهذه الأمور السيئة تحدث للآخرين فقط ، فلم يكن ثمة داع للقراءة فيها . ولكني لما شُخص ورمي تأكدت أن هذه الأمور قد تصيبني أنا أيضاً ، وكان علي أن أختار أحد طريقين : إما الاستسلام للنظرة السوداوية السائدة  – وقد كدت بالفعل حين كففت عن شراء أي شيء شخصي حتى لا أبدد أموال (الورثة) – أو أن أقف لأحارب المرض وأنقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى لي من أيام قلّت أو كثرت .

 قرأت في إحدى الكتب مقولة أرشدتني للطريق الصحيح : لا يختار المرء متى يموت وكيف ، ولكن يمكنه أن يختار كيف يعيش.

 اخترت أن أعيش في نور العلم ، إذ أن ظلام الجهل يعطي تصورات خاطئة وقد يعطي أبعاداً للمرض أكبر من حجمها. بعض الناس يموتون لا لأجل المرض ولكن لأجل الخوف والجزع والوهم الذي يقتل ببطء .

من قال أن السرطان يميت بالضرورة ؟ أنظر حولي وأرى الكثير والكثير من النساء اللاتي تجاوزن هذه القنطرة بسلام واستعدن حياتهن الطبيعية . علمت أن المشكلة في مجتمعنا في الموروثات التي تجعل السرطان عند الناس البعبع المخيف الذي يخشى الناس من ذكر اسمه صريحاً فيكتفون بالإشارة إليه (بالخبيث) كما يسمون الجن (بسم الله) .

كل يوم يمر أقرأ فيه الجديد من المعلومات والتلميحات المفيدة في مواقع السرطان الأمريكية كان يشعرني بحاجة مجتمعنا الشديدة إلى نشر ثقافة السرطان بطريقة أكثر جدية وفائدة من بيع الدبابيس الوردية الأنيقة في البازارات وتسلق جبل إيفرست وإنشاء أكبر شريطة وردية في العالم ..

كل يوم أطلع في الانترنت على إلمام المريضات الأمريكيات بأنواع العلاجات التي يتناولنها ومراحل مرضهن وتشاورهن مع أطبائهن بشأن خطط العلاج وتعامل الأهل والأقارب مع المرض ، والمئات من الكتب التي تتكلم عن السرطان في جميع مجالاته وجزئياته بلغة موجهة للعوام ، والآلاف من مقاطع الفيديو المعدة بعناية لتثقيف المريض ومن يرعاه في كل شيء يمكنك أن تتخيله ، كل ذلك كان يصيبني ببعض الإحباط أن لا زال الوضع في مجتمعي مبهم وعائم .

 أين الجهود الحثيثة في التوعية ؟ أين دور مراكز الأورام في التثقيف الصحي ؟ أين دور رجال الأعمال والبنوك والشركات في خدمة مجتمعاتهم ؟ ما هو دور الجامعات في التوعية ؟ ماذا عن الإعلاميين؟ حينما أقيم ملتقى المتعافين من السرطان في الرياض في شهر جمادى الثاني عام 1433 هـ عبّر في تويتر الدكتور عصام مرشد @emurshid  رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للأورام وأحد الأطباء المنظمين للملتقى عن ضيقه وخيبة أمله من رفض بعض المشهورين لتقديم فقرة إلا بمبلغ مالي لا يتناسب مع طبيعة الملتقى الخيرية غير الربحية ، في الوقت الذي قام فيه  بعض الأطباء بالتبرع من أموالهم للمساهمة في إقامته !!

نساؤنا يرفضن إجراء الكشف المبكر خشية اكتشاف المرض ، المتعافيات لا يردن الحديث عن  تجاربهن لأنهن يتمنين طي هذه الحقبة من حياتهن للأبد ( مع أنهن بالأمس القريب كن يبحثن عمن يقدم لهن الأمل ) ، السرطان لا يزال يرتبط في أذهان الناس بالموت ، المكتبات العربية تعاني من القحط والتصحر في الكتب التي تتحدث عن السرطان بشكل مبسط يفهمه العامة ، والمريض الذي أصيب يتخبط بحثاً عن المعلومة الموثقة بلغة يفهمها لأنها عربية أولاً وسهلة ثانياً .

أنا أتقن الانجليزية وأعرف كيف أستخرج المعلومات التي أحتاجها من مظانها ، ولكن ماذا عن الآلاف من النسوة اللاتي لا يكدن يجدن المعلومة بسبب انشغال الأطباء بالكم الهائل من المرضى الذين ينتظرون خارج العيادات ، وبسبب ضعف الإعلام في تغطية هذا المجال مقارنة بمجال الرياضة ( وكرة القدم على وجه التحديد) والفن  ، وبسبب اقتصار دور المستشفيات ومراكز الأورام على تقديم العلاج وبعض النصائح داخل المركز وعلى نطاق ضيق .

سنة كاملة عايشت فيها الفحوصات المختلفة والعلاج الكيماوي وعملية استئصال الثدي والعلاج الإشعاعي . كان رفيقي في هذه السنة : مواقع السرطان الأمريكية ، وكتب كنت أشتريها عبر موقع أمازون والتي تتحدث عن شتى المجالات، فهناك كتب كاملة ومفصلة للعوام عن العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي ، وأخرى عن العملية الجراحية ، وثالثة مصورة عن التمارين الرياضية  التي تحتاجها المرأة بعد إجراء عمليات الاستئصال والترميم ، بل واشتريت كتاب طبخ خاص بمرضى السرطان يذكر فيه الكثير من المعلومات الغذائية الهامة ووصفات صحية تناسب مرضى السرطان في إخراج فني احترافي راق. كما رافقتني في تلك الفترة المدونة التي أنشأتها في البداية والتي كنت أصب فيها مشاعري وأحداثي اليومية لأتلقى الدعم المعنوي من الأهل والأصدقاء.

 تغيرت حياتي كلية بعد الشفاء .. فبعدما أحسست أن الحياة تتفلت من يدي صرت أبحث عن أشياء مثيرة لأستمتع بها. صرت أهتم بالتثقيف والتوعية ، ولذلك حولت مدونتي تلك إلى كتاب أسميته  الحياة الجديدة ، أيامي مع سرطان الثدي ،  وضعت فيه كل ما مررت به من فحوصات وعلاجات وآثار حتى تطلع المرأة العربية على ما اطلعت عليه لعلها تستفيد كما استفدت، وصرت أهتم بالرياضة والتزام الطعام الصحي قدر الإمكان  ، استأنفت دراستي الجامعية عن بعد وصرت أبحث عن نشاطات تشعرني بالإنجاز ، كل إنجاز أقوم به ولو كان تدوينة تلقى إعجاباً من القراء ، ولو كان كيلوغراماً أفقده من وزني ، ولو كان جزءاً من القرآن أنهي مراجعته ، أي إنجاز كان يشعرني بالرغبة في الحياة التي كدت أفقدها لولا أن منّ الله علي .

ولا زلت أتساءل بحسرة : متى تنتشر ثقافة السرطان بشكل جاد ومدروس في بلادنا ؟ متى نجد أطفالنا وشبابنا يفهمون تداعياته ، ويجد المريض فرق الدعم support groups  منتشرة في كل مكان ، وتقام الفعاليات المستمرة ويعتاد الناس سماع اسمه حتى لا يعود شبحاً مرعباً ترتعد له الفرائص وتنقبض منه القلوب  ، وتمتلئ أرفف المكتبات بالكتب التي تتناول جوانب هذا المرض حتى لا يعود مريض السرطان يشعر بالغربة ، فهاهو الكتاب الذي يخصه جنباً إلى جانب كتاب يتحدث عن الروماتويد أو تصلب الشرايين أو السكري .. أمراض مزمنة وخطيرة ، لكنها ليست قاتلة بالضرورة . متى تجد المريضة المحلات المتخصصة في بيع مستلزمات (السرطان) متاحة في جميع الاسواق ، وتقيم المستشفيات ومراكز الأورام الدورات لعامة الشعب للتثقيف في هذا المرض وطرق التعامل مع المريض . متى يتمكن المريض من الاستمتاع – ولو جزئياً- بحياته ويقيم إنجازاته بعيداً عن الهموم والمخاوف  في مجتمع واعٍ ومثقف.

متى سيتعاون الجميع للتصدي لهذا العمل البطل وتحقيق أحلامنا ؟

من سيجعل حياة نسائنا وأُسَرهم وردية ؟

Read Full Post »

كنت في الخامسة والعشرين من  عمري حينما قابلت مرة ابنة خالتي التي تعيش في مدينة ثانية . كانت تكبرني بست عشرة سنة ، وكانت قد اتبعت حمية غذائية ورياضة مستمرة ، صبغت شعرها وارتدت ثوباً جميلاً فهتفت بها : إيش الحلاوة دي يا أبلة ما شاء الله ؟ فقالت لي ضاحكة : الحياة تبدأ بعد الأربعين .

علقت جملتها هذه في ذاكرتي طويلاً ولا أدري ما السبب ، فأنا في ذلك الوقت كنت بعيدة جداً عن الأربعين .. أو على الأقل يُخيل إلي ذلك . وتمضي الأيام سريعة إلا أنها لم تكن بالسرعة الكافية التي تلهيني عن رؤية الخطوط الدقيقة التي بدأت بالظهور على جانبي عيني ، ولا غزو الشعيرات البيضاء لرأسي ، ولا ظل ظهري المحني قليلا على أرض الممشى ، ولا اضطراري لخلع النظارة كلما أردت أن أقرأ شيئاً قريباً. لم تفُتْني كل هذه المظاهر التي يؤكدها نداء حفيدتيّ ” يا جدة ” وكتابتي في خانة العمر في استمارة عبأتها قريباً : 46 سنة .

لسبب ما تذكرت جملة ابنة خالتي : الحياة تبدأ بعد الأربعين ، فهل بدأت حياتي أم أنها قاربت على الانتهاء ؟

تحرياً للدقة فإني أقول إن حياتي شارفت على الانتهاء قبل سنتين ونصف حينما أصبت بسرطان الثدي , إلا أنها بدأت من جديد بعد الشفاء . لا أخفيكم أني أدندن كثيراً على تقدمي في السن ، ولعل مرد ذلك اعتقادات مسبقة سببتها الرسوم الكاريكاتيرية والإعلام أن من تعدى الأربعين فقد بدأت رحلة نهايته .

 في الأدب الانجليزي –وأعتقد في كل الآداب – نجدهم يمثلون الشباب بفصل الصيف وشمس الظهيرة ، والكهولة بفصل الخريف والشمس الآفلة  .

حسناً ، قد يكون في تلك الاعتقادات بعض الصحة ، ولكن هذا لا ينبغي أن يحملنا على ترك الحياة ، بل العمل للآخرة مع عدم نسيان النصيب من الدنيا.. على الأقل هذا ما فهمته مؤخراً .

لماذا يسود هذا الظن عند الكثير من الناس ؟ لماذا يربط بعض الناس التقدم في السن بالعجز الجسدي والفكري ، فتجدهم تلقائياً يغلقون نوافذ التطور والتجديد في حياتهم بحجة السن ؛ النساء يرفضن ارتداء الألوان الزاهية ( عشان إيش يقولوا الناس ؟) والرجال لا يكادون يفلحون إلا في خوض غمار المراهقة المتأخرة واللحاق بما فاتهم من المتع . كلا الجنسين لا يحاولون تطوير أنفسهم في مجال العمل مكتفين بإنجازات الشباب ، عدم مواكبة العصر الحديث تقنياً وثقافياً، فقدان الرغبة في تغيير نمط الحياة مفضلين البقاء على روتينهم المعتاد ، عدم القدرة على التوافق مع شريك الحياة وكثرة الخلافات الزوجية بسبب عزوف المرأة عن الرغبة الجنسية إما زهداً فيها أو انصرافاً عنها إلى الأولاد والأحفاد ، وإقبال الرجل على ذلك في محاولة للتشبث بالشباب المتفلت ، العناد بدلاً من التفكير ، والسخرية من المخالف بدلاً من محاورته، والانغلاق على النفس أو على فئة معينة من الأصدقاء بدلاً من الانفتاح وتجربة مذاقات جديدة للحياة .

أليس من المفترض أن تكون الأربعين نقلة إلى حياة أفضل ، حيث تزداد الحكمة ويستقر الفكر ويستفاد من الخبرات والتجارب ؟

باعتقادي أن ما نراه من بعض النماذج السلبية يرجع سببها إلى الشخصية أولاً ، إذ أن الشخصية ؛ عيوبها ومحاسنها تتضخم بتقدم المرء في السن ، فإذا كان سلبياً فلن تزال سلبيته تتضاعف حتى تنسد السبل في وجهه وتضيق عليه الدنيا برحابتها ، ومثل هذا يكون عجوز القلب ولو كان في ربيع العمر ، أما لو كان إيجابياً فسيعيش في ظلال إيجابيته حياة معطاءة وسينعم بنجاحات متوالية  تنسيه سنه الحقيقي فيبقى قلبه في شباب دائم .

إلا أن الشخصية ليست هي العامل الوحيد ، فهناك الثقافة التي تحدد توجهات الفرد ، و المجتمع الذي يثبط أو يشجع .

حين ننظر إلى كبار السن في الدول الأمريكية والأوروبية نجد أن حياتهم الحقيقية تبدأ بعد الأربعين ، حين يكبر الأولاد وتتحقق الإنجازات وتنضج الشخصية عندها يركن الفرد إلى الاستمتاع بالحياة ، إما عن طريق تجربة أشياء جديدة لم يجربها من قبل ؛ سفر ، طعام جديد ، مزاولة رياضات ، أو عن طريق إنجازات تعيد الحيوية إلى عروقه كالأعمال التطوعية وخدمة المجتمع ، وهو إن فعل ذلك فإنه يجد المجتمع الذي يشجع ويكافئ مادياً ومعنوياً على هذا التوجه فيستمر في العطاء حتى يصاب بالعجز أو الزهايمر !

أذكر أن والد امرأة أخي الهولندية كان يزاول رياضة التنس وهو في الثمانين من عمره ولم يتوقف عن ذلك إلا حين أصيب بمرض السرطان الذي توفي به ، بل كان يقود دراجته بعد أن أصيب بالزهايمر ويضيع أحياناً عن منزله ، ونحن نعد من يحافظ على رياضة المشي فينا وهو في الخمسين شخصاً “رياضياً” !

إلا أن الوضع ليس بهذا السوء عند الجميع ، إذ لا ينحى كل الأربعينيين والخمسينيين ومن فوقهم منحى ( كذب الكذبة وصدقها) ، وإنما كثير منهم بدأت حياته الحقيقية عندما أسن . هم أولئك الذين يعتقدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) رواه أحمد وصححه الألباني . هم أولئك الإيجابيون الذين يرون أنه طالما بقي في الصدر نفس يتردد ، وفي الجسد بقايا من قوة ، فلابد من  العطاء . هم الأشجار التي تحب أن تموت و اقفة  .

حدثتني صديقتي اليوم عن قريبة زوجها ، طبيبة تخصصت في الأشعة ، وبعد التقاعد من العمل الحكومي وتزويج الأبناء عملت لفترة في القطاع الخاص ، ثم انخرطت في العمل مع الجاليات ومكاتب الدعوة . هذه امرأة لم تدع سنها يقهرها ، وإنما هي من اتخذت المبادرة وجعلت فراغها من شغلها ومن مسؤولية الأطفال ميزة أحسنت استغلالها .

كل يوم أرى في الممشى نماذج جميلة لكبار في السن يمشون يومياً ، وبعضهم يمشي ( كالطلقة ) في سرعته ونشاطه مما يجعلني أتمتم بالتبريك عليه ، ولم يحملهم سنهم على الخلود في المنزل انتظاراً لهجمة الروماتويد .

ابنة خالتي إياها ، أنشأت مواقع على الشبكة العنكبوتية للتعريف بالمملكة العربية السعودية ودين الإسلام باللغة الانجليزية وموقعاً آخر لأشغالها الفنية . كما أنها ناشطة اجتماعياً في حيها السكني حيث تقوم بتعليم الانجليزية لفتيات الحي عن طريق المحادثة والمحاورة ، ولها حلقة تحفيظ قرآن في أحد المساجد .

 أذكر جيداً كم كان يلفت نظري مشهداً كنت أراه أيام سكني في عنيزة في العقد الماضي .ففي الحين الذي كان يخرج (الشيّاب) من بعد صلاة العصر ليجتمعوا أمام أحد البيوت ( يتقهوون ويسولفون) حتى صلاة العشاء ، كان الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله –وهو في مثل سنهم- يجد الخطا على رجليه غالباً من بيته إلى الجامع الكبير حيث يقوم بتدريس طلبة العلم بعد صلاة العصر والمغرب والعشاء يومياً . كنت أرى هذه الفروق في النفسيات ، ففي حين كان الشيبان يبدون كما لو أنهم فرغوا من مهامهم في الكد لتحصيل لقمة العيش وتزويج الأولاد وأحيلوا إلى التقاعد وجلسوا ينتظرون الموت ، كان الشيخ رحمه الله كأنه يخطو في كل يوم خطوة إلى الجنة ، يعلم الناس ، ويصل رحمه ، ويشفع للمحتاج ، حتى بعد أن مرض كان يصر على التعليم كلما وجد في نفسه قوة على الكلام حتى كان آخر درس ألقاه في رمضان ليلة العيد وهو لا يكاد يتكلم من التعب ، وتوفي بعد ذلك بأسبوعين .

هل أذكر أمي الحبيبة التي كانت تستغل مواهبها الفنية فتشتري الصوف لتصنع منه قمصاناً وبناطيل ترسلها لنا لنوزعها على طلبة العلم المحتاجين في عنيزة ، وكانت تصنع بكلات الشعر وتبيعها ثم تضع ثمنها في صندوق جعلته قرب باب الدار لجمع التبرعات والصدقات . كانت تتسلى وتتصدق ولم تدع فرصة في يوم لأن يثنيها السن أو آلام الكهولة عن ممارسة الحياة . والآن حين وهن عظمها وثقلت عليها الأشغال الفنية أصبحت أكثر تطوراً وقامت بنقلة نوعية هائلة في التجديد ، إذ انضمت إلى فيس بوك وفتحت حساباً في انستاغرام وأخيراً في تويتر ، وأصبحت أمي الجدة الكول.

أعود إلى نفسي وأقول : نعم ، كنت عجوزاً قبل السرطان ، فلما مرضت أحسست أن هناك  الكثير من جمال الحياة قد فاتني ، لعل أعظمها : الإحساس بالإنجاز .

ما ذلك الوهم الذي عشت فيه ؟ أني كبرت لمجرد أني تعديت الأربعين ؟ أني صرت جدة فعليّ أن أتصرف كما تتصرف الجدات : يسيطر عليهن الضعف والوهن والصوت المرتعش .. أني سأموت قريباً .. ومن يدري متى سيموت .

حين أصبت بالسرطان وشارفت على الموت فعلاً ثم ردني الله تعالى إلى الحياة قررت أن أعيش الحياة .

كان أول ما قمت به هو تأليف الكتاب الذي يحكي قصتي مع المرض : الحياة الجديدة .. نعم .. كانت بداية حياة جديدة . حياة مليئة بالتطلعات لإنجاز شيء جديد كل يوم . ألفت الكتاب أثناء المرض ، تعلمت مبادئ التصوير الاحترافي ( وأنا التي كان عقلي ينغلق تلقائياً لأي كلام في التقنية ) ، ساهمت في إنشاء مجتمع طهر لمرضى السرطان وقمت بترجمة العديد من المقالات التي تهتم بالسرطان من المواقع الأمريكية المعتمدة ، عدت إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد انقطاع دام 27 سنة  وصرت طالبة في سن جدتي ! زاولت رياضة  المشي يومياً ، استمتعت بركوب الدباب في البر ، والأدهى من ذلك أني ركبت القارب في ينبع أخيراً . أنا التي كنت أرفض رفضاً قاطعاً ركوب القارب لخوفي الشديد من البحر وعدم اتقاني السباحة ، وأؤكد لكم أن تلك الرحلة كانت من أمتع الرحلات في حياتي .. كادت أنفاسي تتقطع من الإثارة .. ها أنا الآن أتغلب بفضل الله على خوفي القديم . أواه كم من المتع ضيعت على نفسي .

والآن أشعر بفخر شديد وأنا أصف نفسي في تويتر بأني الجدة الكول . صدقوني ، كم هو جميل أن يكون المرء كبيراً و كول في الوقت ذاته !

أستطيع أن ألحظ بجانب عيني فخر أولادي بي .

أسعد كلما وصلني تعليق يثني على كتابي ، أو أقوم بتصوير صورة جميلة تلقى إعجاباً ، أو أنهي جزءاً متقناً من القرآن وتثني شيختي على أدائي في درس السند الذي بدأته العام الماضي ، أو أفقد كيلاً من وزني كل أسبوعين ، أو تشكرني إحدى المريضات على استشارة طبية سرطانية ..

بقي لي من المتع ما أسأل الله أن يقر عيني به قبل أن ألقاه : أن يسلم بسببي وعلى يدي بعض الأشخاص ، أسمع شهادتهم بأذني ، وأمسح دموع الفرح بيديّ ، هنا أكون قد عشت الحياة الحقيقية بعد الأربعين .

Read Full Post »

اعذروني على اختيار عنوان كهذا ، ولكني أعاني من متلازمة : اختيار-الموضوع-العنوان-المقدمة-الخاتمة .

قبل عدة أيام شاهدت في قناة ماسة المجد فيلماً أعده مكتب توعية الجاليات بالطائف ويسمى همة شبل  يحكي باختصار عن الولد الذي يحاول أن يدعو سائقه الفليبيني إلى الإسلام ويهديه الكثير من الكتب الدعوية ولكن السائق يأبى أن يقرأ

خيل إلي وقتها أن تساؤلاً أثير في نفس الولد : لماذا لا يقرأ السائق الكتب التي أعطاها إياه ،وفي الوقت ذاته ثار في نفسي تساؤل مشابه : لماذا لا يقرأ الكثير من المسلمين عن دينهم ليتعلموه ؟ لماذا صار تعلم الدين أو معرفة أسماء الله وصفاته أو أي شيء يمت للإسلام بصلة قريبة أو بعيدة ثقيلاً على نفوس الكثير ( ولا أريد أن أقول أكثر أو أغلب ) من الشباب؟ كيف يمكن للشباب أن يعبدوا ربهم على بصيرة إن هم لم يقرؤوا ولم يتعلموا أو على الأقل يستمعوا لمن يعلمهم؟

باختصار : لماذا يهربون من الدين ؟

هل هم يهربون من التعلم هرباً من التطبيق ؟

هل هم يهربون لأنهم يودون أن يعيشوا في أهوائهم دون أن يشعروا بالذنب ؟

هل هناك تلبيس شيطاني أنك لن تحاسب على الأحكام التي لم تطبقها لجهلك بها ، ولكنك لو تعلمت ولم تطبق فستحاسب ؟

كالعادة توجهت إلى تويتر وطرحت هذا السؤال وتطايرت عليّ الإجابات .. بعضها كنت أعرفه مسبقاً ، والبعض الآخر فتح لي آفاقاً جديدة أنثرها كلها بين أيديكم ، فالموضوع مقلق ومزعج خاصة لو وضعنا في الحسبان دائماً قوله تعالى : (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ) وقوله ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم تُوفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) وأكاد أسمع تلك الأصوات المتذمرة في عقول البعض : يوووووه ، هذه تدوينة وعظية ، فأقول لكم : لا .. هي ليست وعظية ، ولا أفلح في الوعظ كثيرا على أية حال، وإنما هي محاولة لوضع اليد على أسباب ( بدء ) تخلي بعض الشباب عن دينهم وأعتقد أنه أمر خطير .

-قد تكون أهم الأسباب عن الكثير من الشباب هو عدم الحصول على التربية الصحيحة .. وقبل أن يثور عليّ الآباء محتجين بأنهم فعلوا كل ما بوسعهم لمنح أبناءهم هذه التربية ، أقول : مهلاً .. أنا في معسكركم . أعترف-وبكل أسف- أني لم أحسن تربية أولادي دينياً بشكل صحيح . لي خمساً من الأولاد البالغين ، ليس فيهم ملتزماً إلا ابنتي فاطمة . ربيتهم تربية ( كنت ) أراها مثالية : حفظتهم القرآن والمتون العلمية ، جاهدت على أن يتزيوا بالزي (الإسلامي) من شماغ بدون عقال وثياب قصيرة (جداً ) ، ونزهت أسماعهم عن سماع الأغاني وأبصارهم عن مشاهدة جميع أنواع البرامج المصورة .. باختصار: ربيتهم تربية طلاب علم .. طيب ما المشكلة ؟ المشكلة أني غفلت عن أهم سبب وهو : العناية بالقلب .

وأقول هذا لئلا يتفلسف عليّ أحد ويقول : إذن لا نفعل ، ولنتركهم يفعلون ما يحلو لهم ( لعل ) الله يهديهم يوماً من الدهر . لذلك ذكرت أني غفلت عن أهم سبب وهو العناية بالقلب : ربطه بالله تعالى ، تغذية حب الله في القلوب (أكثر من الخوف) ، مشاهدة ألطافه ونعمه ، إحسانه وكرمه ، السعي إلى مرضاته بكل وسيلة ولو صغرت ، لا بمجرد تقصير الثوب وارتداء الشماغ وعدم سماع الأغاني (مع أهميتها) . إذا فشل القلب في محبة الله تعالى كيف سيرضيه ؟

الطاعة سلوك ، وبإمكاني أن أحمل أولادي على نهج سلوك معين ، وسيفعلونه إرضاء لذاتي وغروري ولئلا يقال ابن فلانة الداعية أو ابنة فلان طالب العلم الشهير ( ماهم مطاوعة مثل آباءهم ) .

 ولكن هل هذه أولوياتي كمربي ؟ إذا شبوا عن الطوق ، وخرجوا من بيتي هل سيكملون على نفس النهج إذا لم تمتلئ قلوبهم بحب الله وتعظيمه ؟ هل هذا ما أريده ؟ هل تغيير السلوك وحده كاف ، أم أن الأجدى هو تغيير الفكر الذي يحرك السلوك ؟

لماذا مكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة يعلم أتباعه العقيدة ، وفيها نزلت سور المفصل التي تزخر بآيات اليوم الآخر والعقيدة ؟ لماذا تأخر نزول آيات الأحكام حتى نزلت في المدينة حيث فرض الصيام والحج والحجاب وباقي الأحكام .. ألا يدل ذلك على عظم أهمية ترسيخ العقيدة في القلوب ؟ هل فعلنا ذلك مع أبنائنا ؟

تغيير الفكر يبدأ بغرس تعظيم الله تعالى في نفوس الأطفال مع منعهم بحب ولطف وشيء من تغافل عن المعاصي المعروفة الواضحة، وكلما نما الطفل وتوسعت مداركه الفكرية والوجدانية زادت ملاحظته لعظمة الله وزاد تقديره له وإيمانه وأدى ذلك إلى العمل .. العمل الذي كنا نسعى له .

-التعليم الديني في المدارس – برأيي- ساعد على النفور من الدين . ففي الحين الذي تحظى به مقررات العلوم والرياضيات بالورق الصقيل والصور الجميلة والإخراج الفني الجيد للكتب المدرسية ، فإنا لا نجد ذات الأمر في المقررات الدينية ، وإنما ( دَش) متواصل ، يقطعه فاصل مزخرف هنا ، أو برواز ملون هناك .

ولو نظرنا إلى ذات المناهج تجد أن منهجي الحديث والتفسير لم يختلف كثيراً عما كنت آخذه قبل 30 سنة .. أين تطوير المناهج ؟ أين الدورات التدريبية التي تعطى لمدرسي اللغة العربية والدين ليحققوا الجودة التامة في أداء أعمالهم، أم تراها مقصورة –إن وجدت – على معلمي العلوم والرياضيات ؟ هل يحتاج طلاب المدارس لمعرفة تفاصيل زكاة الإبل والبقر والغنم والمعادن ، وأنواع البيوع المختلفة والمعاملات كالمساقاة والإجارة والمخابرة والحوالة ..الخ

ألا يحتاجون لزيادة ترسيخ أسماء الله وصفاته ( المهمشة مع شدة أهميتها وكونها القسم الثالث من أقسام التوحيد ) وترسيخ فقه الأخلاق والتعامل والذي تحاول مادة التربية الوطنية يائسة أن تدلي فيه بدلو .

حين يتشبع الطالب من حفظ أرقام وأحكام ومصطلحات شرعية يعلم جيداً أنه لن يحتاجها ( على الأقل الآن ) وأنه إذا احتاجها فبإمكانه أن يستخرجها من أقرب طالب علم أو من النت ، فإنه يُزرع في قلبه أنه (ليس محتاجاً ) لهذا الدين الذي فُرض عليه فرضاً ، وهنا تزداد الهوة اتساعاً .

– وفرة الفتاوى في وسائل الإعلام المختلفة والتي تلغي في نفس الشاب/الشابة أهمية البحث والقراءة وتعلم أحكام الدين، إذ سرعان ما يجد ما يريد من معلومات بضغطة زر .. زر ريموت أو زر كمبيوتر . ومع أني لا ألغي أهمية برامج الفتوى إلا أني أرى لها بعض السلبيات ، منها تضارب الأقوال في حكم واحد مما يدفع ببعض الناس إلى اختيار الأسهل . لا مشكلة عندي من اختيار الأسهل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما .. ولكن المشكلة : هل هذا الأسهل الذي اختاره السائل ليس إثماً ؟ هل يعضده دليل قوي من القرآن أو السنة أو فهم السلف الصالح ؟ ألا يخالفه ما هو أقوى من  النصوص الصحيحة ؟ والأهم من ذلك : هل يحقق هذا الاختيار التقوى والعبودية التي هي المقصد الأعظم من خلق الكون ؟ هذا المقصد غفل عنه الكثير من الناس فصاروا لا يفتشون إلا عن من (يحلل) لهم الأحكام ( المعقدة ) ويغفلون عن تحقيق التقوى .

-لعل من أكثر الأسباب التي أشير إليها في استفتائي : الأسلوب ! كثيرون يعانون من أسلوب طرح الخطاب الديني (الممل) ( غير المفهوم) ( المتعالي ذي الوصاية ) . لنكن واقعيين .. هذا زمن الإعلام الجديد  ، وعلى العلماء وطلاب العلم أن يعوا ذلك جيداً . شبابنا فيهم خير كثير ، وأنا أرى ذلك في تواصلي مع الكثير منهم في تويتر ، ولكن الأسلوب يتعبهم .. على المشايخ أن يخففوا من غلواء الإعلام القديم المتمثل في الشريط والكتاب والمحاضرة التقليدية ويجددوا أنفسهم طالما لم تكن في الأساليب الجديدة محاذير شرعية ، فالهدف ليس التمسك بطريقة طرح معينة ، وإنما الهدف هو الدعوة إلى الله ، ولذلك وسائل كثيرة بحمد الله .

لعل في خروج طلاب العلم الشباب في برامج اليوتيوب القصيرة نفع ، أو في التواصل مع الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي كفيس بوك وتويتر ( وأقول تواصل أي من الطرفين وليس مجرد تغريدات وعظية ) أو في تصوير حلقات مع شباب يتناولون أطروحات شائعة بينهم بأريحية وهدوء ومرح ، ولو كانت هذه الأطروحات تتعلق بالتوحيد والإلحاد ، ولو كانت تتعلق برفض بعض تعاليم الدين ، فالهدف أولاً وأخيراً توجيه الشباب ، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة ما يدور في رؤوسهم  .. أو لعل بعض طلبة العلم يعمد إلى تأليف كتب شرعية بأسلوب مبسط ولا بأس من بعض الصور التوضيحية والكثير من الأمثلة الواقعية العصرية ، والبعد التام عن المصطلحات الغريبة والأمثلة النادرة .. باختصار مراعاة كونهم يخاطبون بكتبهم وبرامجهم هذه شباباً لا يعرفون الكثير عن دينهم ( ويودون أن يتعلموا ) وليسوا طلبة علم .

وبدي لو شاهدتم هذا المقطع للشيخ  سامي الحمود  لترون ما أقصد

-الصحبة .. الكلمة السحرية التي يحبها جميع الواعظين والدعاة .. ولكن علينا أن نكون منصفين ونعترف ( ولو في دخيلة أنفسنا ) أن للصحبة دور كبير في تحديد الاتجاه .. قد يتجه الشاب إلى الالتزام وتعلم أحكام الدين بعد (الدشرة)، وقد ينحرف عن المسار المستقيم الذي رسمه له أبواه في المنزل بسبب صاحب ساحب ، ولكلا الحالين رأينا أمثلة كثيرة.

ففي الحين الذي نرى فيه شباباً يتفقون على الالتقاء في مجمع تجاري (ليوسعوا صدورهم) ، نجد شباباً في مثل أعمارهم يتفقون على الاجتماع لحضور محاضرة أو دورة علمية .. نعم .. شباباً لا شيّاباً .. المسألة يحددها أولويات الشاب واهتماماته.

– المفاهيم التي اختلفت في تعريف الشخص الكول ، والذي يسعى لنيل هذه المكانة ( المشرفة ) الكثير .. ودعوني أؤكد لكم أنه ليس من مفردات هذه المكانة أن تكون قراءاتك شرعية للعلماء ( التقليديين ) والذين جرى ( شطبهم ) بالقلم الأحمر العريض .. قد يُتغاضى في المذهب الكولي عن قراءة بعض ( المشائخ التنويريين ) الذين قلبوا الموازين المعروفة بأفكارهم وآرائهم ( وتجديداتهم وتغييراتهم ) , وما عدا ذلك فلابد أن تنحصر القراءة في الثقافة الغربية وبعض من الأدب المعاصر.

-خلط بعض الناس بين الدين والمتدينين ، فيصدون عن كل ما له علاقة بالدين بسبب (الأخلاق) السيئة لبعض المتدينين . لهؤلاء أقول : ترى يا جماعة هما شيئان مختلفان وهذا التلازم الوهمي إنما هو كاسمه : وهم ..

نعم أعترف أن كثيراً من المتدينين قصروا الدين على العبادات والقالب الخارجي فقط وتغافلوا ( ولا أقول غفلوا ) عن موضوع الأخلاق والتعامل بينهم وبين ( الآخرين ) سواء كانوا من المخالفين ( العصاة ) أو الأهل والأقارب أحياناً كثيرة. وأقول تغافلوا لأن أمر تقويم الأخلاق أمر صعب ، فهذه طباع نشؤوا عليها ، وتغييرها يحتاج للكثير من التركيز والمجاهدة ، إضافة إلى أنها لا تظهر ( مباشرة ) في القالب الخارجي ( الملتزم ) ، كما أن البعض قد لا يتصور أثرها في الحصول على رضا الله كما تفعل النوافل والعبادات ، لذا جرى تحجيمها وتطنيشها ، وإني لأعجب أن يحدث ذلك بالفعل على الرغم من كل تلك النصوص التي تدل على أهمية الأخلاق . فكان نتيجة ذلك إعراض الكثير جداً من الناس عن الالتزام بالدين وتعلم أحكامه كردة فعل للمظاهر المؤسفة التي يرونهم ، ولهؤلاء أقول : ألا يسعك أن تلتزم بأحكام دينك وتتعلمه وتعامل الناس بخلق حسن ؟ هل يعجزك أن تتجنب الوقوع فيما وقعوا فيه ؟ أم أن حجة البليد ….!!

 

وأخيراً..  لا أقصد في هذه التدوينة التبرير لهؤلاء الشباب في عزوفهم عن الالتزام وتعلم أمور الدين ، ولكني فقط أحاول أن ألفت النظر لبعض الأخطاء التي ينبغي أن تصحح ، وإلا فعلى الشباب أنفسهم أن يعوا خطورة تجاهلهم للتعلم والتعرف على خالقهم وأحكام دينهم ، ومهما كانت أسبابهم ومبرراتهم مقنعة فإنها لن تنفعهم عند لقاء الله لأن العقل الذي حبانا الله به قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة ، أو اختيار تلك الخاطئة الأكثر لمعاناً وبريقاً زائفاً( بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره).

Read Full Post »

اليوم فقط شعرت أن إحدى أكبر أمنياتي قد تحققت .

عندما صورت هذه الصورة كنت أشعر فعلاً بالفخر..

أنا أنتسب لهذا الرجل العظيم .. قد لا يعرفه الكثير الآن ، ولكن حسبي أني أعرفه .. أعرفه جيداً .

عندما كتبت كتابي ” الحياة الجديدة ، أيامي مع سرطان الثدي ” كنت قد عزمت على أن يكون اسمي فيه : هناء بنت لقمان يونس ، وليس هناء الحكيم كما يعرفني أكثر الناس .. لهذه اللحظة فقط ..

ابنة لقمان يونس ، الأديب الساخر ، تحذو حذوه ، وتكون أديبة ساخرة كذلك .

كنت أتمنى لو أني أرى وجهه وهو يستلم مني نسخة موقعة من كتابي ..

أعتقد أنه كان سيفرح للغاية ، وربما شعر بالفخر .

دائماً يحب الآباء أن يحذو أبناءهم حذوهم في ميولهم وهواياتهم ، فكيف لو اكتسبوا بعضاً من إبداعاتهم ؟

بدأت حكايتي مع الورق منذ الصغر . كانت مكتبة والدي الكبيرة تستهويني .

تحوي الكثير من الكتب العربية والانجليزية بشتى الأشكال والأحجام .

وكثيراً ما التقطت لي صور وأنا في الثالثة ، أرتدي نظارة أبي وأقلب في إحدى كتبه وقد ارتسمت على وجهي تعابير الخطورة .

لا أنسى مجلدات قافلة الزيت الرائعة التي كانت تصدرها شركة أرامكو ، وموسوعة المعرفة ، حمراء الغلاف والتي كان يستهويني فيها صور لعملية استئصال الزائدة الدودية ، ومعجم تاج العروس الذي أعجبني اسمه ولكني لم أكن أفهم أين التاج ( في الموضوع ) فأنا لا أرى إلا مجلدات ، لا تيجان ولا عرائس !

لا أذكر أشياء كثيرة عن أبي ، فقد توفي وأنا في العاشرة تقريباً ، ولكني أذكر حبه لثلاث أشياء : الشطرنج ، وتدخين الغليون والقراءة .

أما القراءة ، فهذا شأن الأدباء ، وهو رحمه الله كان مديراً لفرع وزارة الإعلام في الدمام ، وكاتباً في جريدة اليوم ، ولعله كتب أيضاً في البلاد وعكاظ .

وأما الشطرنج فقد كان – غفر الله له – ينصب رقعته أمام فراشه ، ويلعب مع نفسه إن لم يجد رفيقاً مواتياً ، ويدوّن بخطه الأنيق خطوات كل لعبة برموز تبدو لمن لا يعرفها كاللغة الفينيقية.
ولعله رأى عزوف أخواني عن اتخاذ هذه اللعبة هواية كما فعل ، ورأى مني حباً في التقرب إليه والتأسي بما يفعل ابتغاء مرضاته ، فأخذ يعلمني هذه اللغة حتى صرت أتمكن من اللعب ( مع نفسي ) بمساعدة هذه الخطوات .

وأما الغليون فكنت أراقبه وهو يحشوه على مهل ، وقد يقطع ذلك ليقوم بخطوة في لعبة الشطرنج ، ثم يكمل حشوه وقد ارتسمت على وجهه علامات التفكير العميق .

هل أفشي سراً إذا ما قلت أن ( نزعة اللقافة ) تحركت فيّ و حدتني إلى تجريب تدخين الغليون  ؟

انتهزت فرصة غيابه في العمل وانشغال أمي في أمور البيت ، واعتيادهم على جلوسي في غرفته لألعب الشطرنج ، وتناولت الغليون ..

 لكني بمجرد أن وضعته في فمي ، وقبل أن أشعله ، شعرت بقرف شديد من طعم التبغ الذي سرى للساني من مبسم الغليون ، فتركته وعدلت عن فكرتي وأنا أتعجب كيف يدخن الناس ؟

وعندما بلغت التاسعة قررت أن أقرض الشعر ، وأبلغته – رحمه الله – بذلك ، فشجعني ووهبني إحدى دفاتره الفاخرة التي كان يدون فيها خطوات لعبة الشطرنج .

كان دفتراً مستطيلاً ( إلى أعلى ) ، ذا غلاف جلدي فخم .

كتبت فيه بعض قصائد أشبه ما تكون بأناشيد أطفال .

لا أذكرها ، ولم أحتفظ بها للأسف .. ربما رغبة مني في نسيان تلك الحقبة (الي تفشّل).

ولكن هذا  ” البيت ” أذكره جيداً ، ربما لأنه أول بيت من أول قصيدة في الدفتر :

أتمنى أني لا أتمنى           فوق الجبل أحياناً أتثنى

يا سلام !

كتبت عن الدجاجة الحمراء المغرورة والدودة الصغيرة ، وكتبت عن كوكب الشرق أم كلثوم التي يحبها كل من يحب الزبيب، في محاولة خرقاء لإرضاء أبي الذي كان يحتفظ بكل أغانيها في اسطوانات عتيقة ، وربما كتبت أيضاً عن البيتلز وتفاحتهم الخضراء المرسومة على اسطواناتهم ..

 طبعاً لم يكن معروفاً في تلك الفترة حكم الموسيقى ، ولم أكتب تلك القصائد العصماء حباً في الموسيقى ، وإنما كان يهمني أن أكتب عن أي شيء يمكنني رسمه ، واسطوانات أم كلثوم والبيتلز المتوفرة بسخاء كانت من تلك الأمور .

كنت أكتب “القصيدة” وأذيل الصفحة برسمة تعبر عنها ، والمضحك في الأمر أني لم أحب يوماً الشعر ولا الرسم .

فإذا فرغت من قطعتي الفنية أهرع لأبي وأقرؤه إياها ، فيهز رأسه بإعجاب ويشجعني كثيراً ..

أزعم أنه كان يبذل جهداً كبيراً في تشجيعي لأن تلك القصائد بلغت حداً لا يطاق في السذاجة .

وكان دائماً يقول : كويسة ، لكن تحتاج إلى وزن ..

يا حبيبي يا بابا .. أذكر كلامه الآن وأقول : والله كانت تحتاج لنسف لا لوزن .

ولكن في تلك الفترة لم أكن أفهم من كلامه إلا أن آتي بميزان الخضرجي ، العتيق ، ذي الكفتين فأضع دفتري على إحدى كفتيه ولا أعرف ما المفروض أن يكون في الكفة الثانية ، ولكن أبي رحمه الله قال أنه يحتاج لوزن ، وأبي لا يكذب.

أجلس الآن وأفكر في تشجيع والدي لي على الكتابة ..

أكاد أقسم أن كتاباتي كانت سخيفة للغاية ، ولكنه لم يحبطني يوماً من الدهر ، وإنما كان ديدنه التشجيع والتوجيه .. أليس من العجيب أن النفس البشرية تهوى الانتقاد والسخرية وجلد الذات في الغالب ؟

من السهل جداً أن تسخر وتثبّط وتقتل روح الإبداع في قلب ابنك أو زوجك أو صديقك أو من لا تعرف ، فقط إشباعاً لنزعة سادية أو إرضاء لروح السخرية التي تغلي في قلبك  ، أما التشجيع فعسير عسير إلا على من يسره الله له .

كم منا يفكر في ما قد تودي إليه هذه السخرية من نتائج وخيمة قبل أن يصرف كلمته التي قد تكون قاتلة ؟

 شجعني أبي في الشعر ، ولكني لم أستسغه قط ، لا كتابة ولا قراءة .

فاتجهت إلى النثر .. الأسلوب الروائي بالذات .

كنت ماهرة في تحويل مواضيع التعبير المملة إلى قصص مكونة من ثلاث صفحات أو أكثر .. وكان اختبار التعبير هو الاختبار الوحيد الذي أكون فيه آخر من يخرج لانهماكي في صنع أقصوصة لموضوع عن الأمل ، أو الصدق أو الأم .

وحين بلغت سن المراهقة كان البروتوكول يقضي بأن ترتبط مراهقتي بكتابة القصص الرومانسية .

كل المراهقين عندهم رومانسياتٍ ما .. هذه طقوس المراهقين المعروفة ، وأنا لم أبرع في الشعر ، فلا بأس إذاً ببعض من الروايات الرومانسية على غرار روايات عبير ، ولكنها أحشم قليلاً .

أذكر جيداً أني في السادسة عشر عرضت إحدى رواياتي على الأديب عبد الله الجفري رحمه الله تعالى ، والذي كان صديقاً للوالد .

هؤلاء الأدباء يتميزون حقاً بسعة الصدر ، إذ لا أعرف كيف تمكن من قراءة أكثر من سبعين صفحة من الهراءات المستمرة ، والتعليق عليها بخطه ..

مرة أخرى .. التشجيع والثناء مع بعض التوجيهات اللازمة لكتابة أفضل .

وفي الجامعة اشتركت في مسابقة أدبية شملت القصة القصيرة والمقال والشعر ، فحُجب المركز الأول ، وحصلت على المركز الثاني ، وكانت فرحة غامرة ، إذ بدأت أشعر أخيراً بأني ( يجي مني ) .

ثم تركت الكتابة لفترة طويلة ، أو بالأحرى تغيرت النوعية إلى الأبحاث والكتابة الشرعية الجادة ، وحسبت أني قد فقدت الموهبة ، إلا من بعض الخواطر كنت أسطرها في وريقات بين الفينة والأخرى كلما عبثت بقلبي ” ثورة عاطفية ” ( كما كنت أسميها ) من فرح أو حزن أو غضب ..

أخبئها ( الوريقات لا الثورة بالطبع ) في قاع درجي لئلا يطلع عليها أحد .. أخرجها أحياناً ، وأقرؤها ، وأطمئن أني لا زال عندي بقايا من إبداع ، ثم أعيدها بحرص .

فلما أصبت بالسرطان ، كانت هذه الثورة العاطفية الكبرى التي اندلع بعدها سيل الكتابات المكبوتة في السنين الخالية .

ألا ترون أني لهذا أغثكم بتدويناتي الكثيرة ؟ لأني كنت محرومة كتابياً ، والآن قد نشطت من عقال .

وكلما قرأت تدوينة قديمة لي وأُعجبت ببعض التعبيرات أو التراكيب يستنير وجهي وأشعر بالدهشة أني من كتب هذه الكلمات الجميلة ، والتصاوير البديعة .

أكاد أقرأ ما يدور في نفوسكم ..

تقولون أن مادح نفسه كذاب ، أليس كذلك ؟

حسناً ، لا أظن أن هذا أمر مطرد ..

أحياناً يوقن المرء بنجابته في بعض المواطن وبراعته ، فلا أرى بأساً أن يدلل نفسه بثناء عابر يتشجع به ويستمر في العطاء.

صدقوني ، جميل هو الشعور بالإنجاز ، أو الإبداع أو الإحسان والإتقان ..

وجميل أكثر الشعور بجينات أبي الأدبية تجري في عروقي ، فتستخرج من قرائي كلمات الإعجاب والمدح التي تملأ قلبي حبوراً وسعادة.

أبي .. كم تمنيتك لو كنت معي وأنا أشهد ميلاد مستقبلي الأدبي ، تنظر إليّ بفخر ، فأبادل فخرك بفخر .. أني ابنتك أيها العظيم .

اللهم اغفر لأبي لقمان يونس وارحمه وارفع درجته مع المهديين ، آمين .

Read Full Post »

” أمي ! أنت اليوم مو طبيعية !”

هكذا ألح علي عبد الرحمن وعبد الله .. لا أبدو طبيعية اليوم !

لماذا يا ترى ؟ أنا كذلك أشعر أني متضايقة ، ولكن ما عساه يكون السبب ؟

هممم ، دعوني أفكر في كل ما حصل لي منذ أن استيقظت ..

حسنٌ . ترجمت تدوينة اليوم ، راجعت درس السند ، مشيت للحديقة المجاورة مع البنات ـ وأؤكد لكم أني استمتعت كثيراً ، أجبت على أسئلة اللقاء الانترنتي الذي أجراه معي نادي السرطان التطوعي بمناسبة صدور كتابي .

ما المشكلة إذن ؟

أهاا . أعتقد أني عرفت .

اتصل بي سهل اليوم وأخبرني أن موعد سفره إلى الولايات المتحدة سيكون بعد 20يوم تقريباً  لدراسة الماجستير .

تذكرون تلك التدوينة التي كتبتها في اليوم الذي غادر فيه بيتي لأول مرة ؟

كان اسمها : رحلة إلى عالم النسيان .

قلت فيها لعل خروجه هذا تمهيد من الرب الرحيم للبعثة ، وهاهي الأيام تمر ، وتمضي سبعة أشهر منذ أن غادر سهل البيت  .

في هذه الأشهر السبعة تعلمنا كيف نعيش بدون سهل ، رجل المهام الصعبة .

ما كنت أراه إلا كل 3 أسابيع مثلا ، ويحادثني بين الحين والآخر ، وهذا كل شيء .

الآن سيغادر البلد بأكملها ولن أراه إلا بعد سنة تقريباً .

هل تدركون كم هو صعب أن يغادر الابن البلاد ولا تراه أمه إلا بعد سنة ؟

لطالما أمضى أطفالي أيامهم عندي ، ولم يتركوني إلا بعد سن الجامعة في رحلات قصيرة جداً .

كنت دائماً أحب وجودهم معي على الرغم من الإزعاج الشديد الذي يسببونه لي ، ولكني معهم عرفت معنى : هم دمي ولحمي .

الآن دمي ولحمي سيتركني إلى بلد غريب وجو غريب ولغة غريبة .

أدرك أنه غدا رجلاً يستطيع الاعتماد على نفسه ، ولكن أين قرأت أن الرجل يظل طفلاً في عين أمه ؟

سفره بالنسبة لي كسفر شمس ، كلاهما سواء .

شمس الصغيرة تدخل حجرة الأولاد أحياناً وتنظر إلى سريره الفارغ وتقول بلهجة باكية : أمي ، وحشني سهل !

فأتجلد وأقول سنراه قريباً في جدة إن شاء الله .

الآن ، وبعدما يغادر ماذا عساني أن أقول لها ؟

طيب يا هناء ، لم أنت حزينة ؟

حزينة أنا لأني بشر ؛ أخاف على ابني وأفتقده ..

 أفتقد يوم أن كان صغيراً يلعب حولي ويلتصق بي .

أفتقد لثغته في حرف الراء ورقته .

أفتقد براءته المتناهية وأفكاره الجهنمية .

أفتقد مراهقته الهادئة إذ كان له من اسمه نصيب عظيم .

أفتقد بره بي و تحمله لثورات غضبي بدون أن ينبس بحرف .

هذا بلاء جديد ، ولاشك !

مرت به أمهات كثيرات وصبرن وعاد لهن أبناؤهن بالبشرى ، وهاهو اليوم دوري .

ثق يا بني أني لن أفتأ أدعو لك ان يوفقك الله ويحفظك من كل سوء ويردك لي سالماً غانماً .

اللهم رافع السموات بغير عمد ، أفرغ عليّ صبراً ورضني بقضائك ، واخلف لي خيراً .

Read Full Post »

أين الخلل ؟

تعرفون بالطبع أني أمر بفترة اختبارات .

وأتوقع أنكم قرأتم تدوينة سابقة لي بعنوان : جار تطبيق الهروب ، والهدف منها فعل كل شيء إلا المذاكرة .

حسن .. أنا الآن أطبق ما في تلك التدوينة بحذافيرها .

أشعر بالرغبة في تجاذب أطراف الحديث معكم ، وكالعادة ليس هناك موضوع بعينه أود التحدث فيه ، ولكني سأتكلم ، وسأرى إلى أين تقودنا الثرثرة ..

في الأسبوع الماضي ، وتحديداً الساعة 3 قبل فجر الخميس صحوت فزعة على صوت حديد ثقيل يصطدم بأرض الشارع في الخارج .

احتجت إلى دقيقة كاملة لأنتزع نفسي من نومي العميق وأفكر فيما عساه يكون ذلك الصوت .

كم الساعة الآن يا ترى ؟

أصلاً أين أنا ؟

أووه ، نعم نعم .. أنا في بيتي في المدينة ، والوقت لا يزال ليلاً ، والدليل هو هذا الظلام الدامس .

ولكن ما هذا الصوت المزعج ؟

كأنه حفريات ..

حفريات ؟؟

الساعة 3 ليلاً ؟

نهضت سريعاً وتطلعت من النافذة فوجدت شيول ( وأرجو أن لا يسألني أحد عن معناها بالفصحى ) ، تلك العربية الضخمة التي لها ذراع أمامية تجرف التراب وتقلب الصخور وتحفر الأرض إذا لزم الأمر .

شيول يحفر شيئاً ما أمام منزلنا ..

نظرت في ساعة جوالي للتأكد : 3 ليلاً ؟

لا أكتمكم .. غلا الدم في عروقي ..

وللأسف أن الدم صار يغلي في عروقي سريعاً ولا أعرف سر ذلك ..

لعله من علاج السرطان الهرموني ..

لعله من أثر السن ..

أمسكت بالجوال وبعد تردد اتصلت على 999 وأخبرتهم عن الذي يجري في هذا الوقت .

فوعد بإرسال دورية ، وأغلقت الخط ، ولبثت أنتظر مجيء الدورية .

طار النوم من عيني بالطبع مع كل الإزعاج الذي يحدثه الطرق في الأرض ، وحتى في الوقت الذي لا يكون فيه حفر كان العمال يتحدثون بصوت مرتفع أقرب إلى الصراخ .

كانوا ينعمون بوقتهم وكأن الساعة 3 ظهراً لا ليلاً .

وأخيراً وصلت الدورية الميمونة بعد 25 دقيقة بالضبط .

لم أستسغ – للحق – فكرة التأخير .

25 دقيقة ؟

تكفيني أن أصل من بيتي في حي الخالدية لمجمع النور وأدخل محلين في هذا الوقت .

نحن نتحدث عن دورية ، تجوب الشوارع القريبة من داري بسيارة لا دراجة هوائية، ويتم الاتصال عليها بواسطة اللاسلكي، فلم كل هذا التأخير ؟

ماذا لو كان في الأمر سرقة أو سطو أو مصيبة ؟

اليوم ، بعد مرور أسبوع تقريباً من الحدث ، انقطعت المياه عن داري .

اتصلت عليهم أطلب منهم إعادتها بعد قطعها الأسبوع الماضي .

اتصلت على رقم 939 ، رقم طوارئ المياه في  المدينة ، ( فاتلطعت ) ثمان دقائق أسمع رسالة متكررة بشكل رتيب :

عفوا ، إن جميع الموظفين مشغولون حالياً .

عفوا ، إن جميع الموظفين مشغولون حالياً .

عفوا ، إن جميع الموظفين مشغولون حالياً .

تخيل أنك تسمع هذه الجملة المملة متكررة ، لا يفصل بينها إلا مقدار ما يتنفس المتكلم ، ولمدة ثمان دقائق .

وأخيرا ردوا علي ، وأعطوني رقم بلاغ وطلبوا مني الاتصال على رقم ( الانقطاعات ) وهم سيرسلون لي فرقة لإعادة المياه إلى مجاريها .

ظللت أتصل من قبل العصر وحتى قبل العشاء ، دون أن يرد أحد .

فإذا رجعت إلى 939 ، تخرج لي تلك الجملة كالجاثوم الشنيع لتسود الدنيا في وجهي .

وأكلم نفسي متبرمة : هذا وهم يحذروننا أن الاتصال مسجل لضمان جودة الخدمة ..

وأتساءل : هل يسمع أحد هذه التسجيلات ويحاسب ، أما أنها حركة روتينية ، يستفاد منها في ما إذا ( عصّب) العميل وتلفظ بما لا يليق فتؤخذ عليه .

وبعد طول انتظار أُخبرت أن (الانقطاعات) سترسل الفرقة يوم السبت ، لأن عندهم (نوبة) في الخالدية يوم السبت  ..

السبت ؟

يا أبو الشباب ، أنا أسكن في نفس ( المدينة ) لا في نفس ( المحافظة ) ، إذا كنت تفهم ما أعنيه .

تريدنا أن نظل بدون ماء ليوم السبت ؟

غلطة من هذه ؟

ولا شك أن هناك العديد من الحوادث مع الاتصالات والكهرباء والدوائر الحكومية والجامعات والخطوط السعودية ، فأين يكمن الخلل ؟

هل الخلل في سكوتنا وعدم ( الزن ) عليهم والتشهير بهم في الجرائد بشكل متواصل ورفع الأمر إلى من بيده الأمر ؟

هل الخلل في اتباعهم سياسة ( أعلى ما في خيلك اركبه ) طالما أنهم المنفردون بتقديم الخدمات .

هل الخلل في عدم اختيار الكفاءات التي تدير هذه المرافق بشكل سليم ومرتب ؟

هل الخلل في بعض أبناء الوطن الذين يتصفون بالهمجية والعشوائية في التعامل فأدوا إلى أخذ المواطنين كلهم بجريرتهم ؟

هل الخلل في نقص الأمانة واستحلال الراتب الشهري بدون استحقاق كامل له ؟

ما تراه يكون الخلل ؟

منذ أشهر ، كتبت تدوينة بعنوان (ما يضيعش حق وراه مُطالب ) .

لماذا لا نطالب ؟

لا تسألوني كيف  وأين ، فهذا ليس من صلاحياتي .

لكن من الخطأ أن نسكت .

ولأني أحب وطني فإني أغضب بشدة حين تعقد المقارنات مع بعض الدول العربية المجاورة والتي لا تقل عنا ثراء في مستوى الخدمات المقدمة .

أين الخلل يا جماعة ، أفيدوني .

Read Full Post »

Older Posts »