السبت 30 رمضان 1441 ، الموافق لـ 23 مايو من عام 2020
مدونتي الحبيبة
انقضى رمضان، وجاء العيد. من قال إن رمضان كورونا سيكون تعيسا؟ أزعم أن رمضان هذا كان من أفضل الرمضانات التي مرت علي في حياتي. مر هادئا، مشعا، عذبا كما ينبغي لرمضان أن يكون، وصاحبناه في سكينة، واستقرار وتركيز كما ينبغي أن نفعل. لم أشتت نفسي في الجمعات العائلية اللانهائية، ولا في اللفلفة في الأسواق، ولكن مكثت في بيتي -مضطرة- أحاول الاستمتاع به لآخر قطرة، وأغترف من طاعاته قدر الإمكان، إذ أن كل ساعة تمر تعجل بمغادرته.
ثم غادر.. عندما أذن المغرب بكيت فجأة بكاء حارا.. لم تكن هذه خطتي! كنت قد قررت أن أظهر الفرح والبهجة بالعيد، ولكن ما إن أذن حتى تهاوت حصوني ومعاقلي وانخرطت في بكاء مرير وجم له أولادي.. أنا نفسي لم أعرف سببه. هل هو الفرح بالتمام؟ هل هو الابتهال لله بالقبول؟ هل هو حزنا لمغادرة هذا الشهر كما نحزن لرحيل أي حبيب يسكن في شغاف القلب؟
كانت الغصة في حلقي كبيرة حتى أني خشيت أن أشرق برشفة الماء.. تمالكت نفسي ألا أنتحب، ثم كفكفت دمعي وقلت بصوت مرتجف: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، اللهم اجعلنا من المقبولين ولا تردنا مخذولين، ثم بدأ العيد.
أصارحك القول، أني -وعلى الرغم من بكائي لرحيله- إلا أني شعرت بالراحة. لم أشعر أني أريده أن يبقى أكثر من ذلك. لا أعتقد أنه يصح أن نفكر (يا ليت كل السنة رمضان)، إذ لو كان كذلك لاعتاده الناس وما عادوا يكترثون بقدسيته وجلاله. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (زر غبا تزدد حبا)، فهذا رمضان يزورنا مرة في السنة، حتى إذا حل علينا التعب وبدأ الملل يدب في نفوسنا، رحل! يزور غبا لنزداد له حبا وشوقا وبه تمسكا.
بعد صلاة العشاء بدأت طقوس الاستعداد للعيد، بدأنا بنفخ البالونات ووضع الزينات. كنا في كل عيد في مثل هذ الوقت لا تعرف لنا بيتا يجمعنا: مشغولين في الاعدادات الأخيرة، إما في السوق لشراء شراب العيد أو نلملم بعضنا لنعايد على بيت الجد أو بيت الجدة (التي هي أمي)، أو نضع الزينة ونجهز ملابس العيد.. بعضنا هنا وبعضنا في بيت آخر، مشتتين متفرقين.. غفلنا عن صلاة التراويح وعن سنة التكبير.
هذه السنة كبّرنا، ووضعنا بعض الزينات أنا وبناتي، وأجرينا اتصالات مرئية مع أقربائنا الذين لم نكن نراهم إلا في غداء العيد على عجالة والنوم قد بلغ منهم مبلغه. أرَوْنا مخبوزاتهم وأريناهم زينتنا، فتحنا أناشيد العيد ورقصنا سويا، ضحكنا وتحدثنا وكأننا متقاربين. كانت هذه الاتصالات مواساة لقلوبنا جميعا. لأول مرة منذ زمن بعيد أشعر بهذه السكينة والغبطة في ليلة العيد.
اتفقنا على إجراء اتصالات أخرى يوم غد، نري بعضنا الهدايا وملابس العيد، والمزيد من الطقطقة والفلة سويا، إذ لن تكون هناك أي زيارات تسرقنا من بعضنا، ما لنا إلا بعضنا مع الحظر الكلي الكامل إلى رابع العيد.
العيد الحقيقي أن تختم رمضان بالطاعات وتستقبل يوم العيد وأنت بعافية ومع أهم أحبابك في أمن وإيمان. والكيّس من لا يسمح لأحد أن يئد فرحته.
كل عام وأنت بخير.
أضف تعليق