Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘الدين’

حضرت محاضرة للأستاذة أناهيد السميري في المدينة بتاريخ 4/5/1434 هـ ، بالعنوان أعلاه . حضرت وكلي شغف لأتعلم عن أفضل الوسائل لهذا الفعل ، ليقين اعتقادي بأن كل ما يجري في الساحة من انتهاك الحرمات و التطاول على المقدسات إنما نشأ من قلة أو انعدام تعظيم وتوقير الله تعالى في قلوب الفاعلين ، فإن المرء إذا خلا قلبه عن معبوده الذي فُطر على تعظيمه ومحبته كان بدناً بلا قلب ، ومن ثم أتى بالعجائب و الطوام .

كانت المرة الأولى التي أحضر فيها للأستاذة أناهيد أي درس . إذا رأيتَها لم تعنَ بها أو تبالِ : فهي امرأة بسيطة الهندام للغاية ، وأبعد ما تكون عن البهرجة  ، ولكنها إذا تكلمت علمت أنها جبل حوى علماً.

بدأت الأستاذة كلامها بالناشئة ، وقالت أن أعظم ما يمتلكه هذا النشء هو الفطرة السوية التي خلقه الله عليها ،  ومن مزايا هذه الفطرة :

–        لها استعداد تام لقبول التعاليم الإلهية والأخبار عن الله تعالى .

–       فيها نداءات أساسية تحتاج إلى تلبية : أنا ضعيف يحتاج إلى قوي ، أنا عاجز يحتاج إلى قادر ، أنا فقير يحتاج لغني ، أنا جاهل يحتاج إلى عالم ، وهذه النداءات جوابها في قصار السور بشكل عام حيث يلفت القرآن النظر إلى الإله القوي ، العليم ، الحكيم ، القدير ، الغني ، وهذه من فضائل تلك السور حيث أنها هي التي يُبدأ بتحفيظها للناشئة ويُقرأ بها في الصلوات فتنغرس تلك القيم في وجدانه غرساً  .. ولعل أعظم هذه السور: سورة الإخلاص التي فيها : ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ) فمن هو الصمد ؟ هو الذي تصمدُ إليه الخلائق ، ترجوه وتسأله وتضرع إليه حاجاتها سبحانه، وهو الصمد لا جوف له (فلا يحتاج لشيء) ، وهو الصمد ترفع إليه الحاجات : السيد الذي كَمُل في سؤدده وقدرته وعلمه . ( قلت : أرأيت لو غرسنا في نفوس أطفالنا هذه المعاني في كل مناسبة ، أكان يصدر منهم سوء أدب أو شك أو كفر بالله ؟ )

–       تحب الكمال والإحسان ، لذا نجد الله تعالى يصف نفسه دائماً بالإحسان : ( هو الذي خلق لكم ما في الأض جميعاً منه ) ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها ) (الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل و النهار ) .. وإن شئت فضع في محرك البحث في تطبيق القرآن الكريم كلمة ( لكم ) وتأمل في إحسان الله .

ومع هذه الفطرة السوية التي تستوي لدى النشء ( قبل أن يطرأ عليها تدخّل البيئة كما في حديث فأبواه يهودانه وينصرانه ) فعندهم أيضاً جانب الطباع ، الطيبة منها والسيئة ، وكثيراً ما تغشي الطباع أعين الوالدين والمربين عن الفطر السوية ، ويتم التعامل مع النشء على أساس الطباع فيقع الظلم عليهم .

فإذا أدركنا هذه الأمور علمنا أي بيئة خصبة ومواتية نملكها ، وسلاحنا الوحيد الذي نحمله هو : الكلام . لكن المشكلة تكمن في أن الكلام إذا خرج بلا مشاعر حقيقية فإنه يصل إلى الطرف الآخر ميتاً مهما كانت حياة الجهة المستقبلة ، فإذا كنا نشتكي أن الناشئ لا يتقبل ( وهو مَن عَلِمنا أن فطرته السوية المتقبلة للتعاليم الإلهية ) لعلمنا أن الخلل من كلامنا نحن الذي يخرج ميتاً بلا مشاعر لأننا لا نستشعر أنفسنا عظمة الله فلن نستطيع أن نوصلها إلى أصحاب الفطر النقية  ، ومعلوم أن تصرفاتنا تعكس تصوراتنا وعقائدنا.

فإذن وصلت بنا الأستاذة أناهيد السميري أن الخلل فينا نحن المربين والآباء ، فكان لزاماً علينا أن نربي أنفسنا على تعظيم الله أولاً لنتمكن من إيصال هذه المفاهيم للناشئة ، وعلى قدر علمنا بالله تكون قدرتنا على غرس تعظيم الله في قلوبهم ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في سورة الرعد ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ) فهذا الزبد ، الغثاء ، الذي لا نفع فيه بل قد يكون مضراً ، لا سبيل لدفعه إلا بسيل من العلم ، أما القطرة والقطرتان ( الكلمة و الكلمتان في تعظيم الله ) فلن تصنع شيئاً ، إذ الانشغال بتفاصيل المعرفة بالله هي التي تؤثر على المشاعر وبالتالي العمل .. واقرأ آيات القرآن تجد تفاصيل المعرفة في كل مكان : أسماء الله وصفاته وأفعاله تفصيلاً دقيقاً عجيباً ، والملائكة وتفاصيل اليوم الآخر .. ما أتى الله تعالى به عبثاً وإنما لتقر هذه المعاني في القلوب إذا تدبرتها .

ثم ضربت مثلاً جميلاً كلنا نعرفه في سورة النور ( الله نور السموات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور يهدي لنوره من يشاء ) .

فالمشكاة ، التي هي الكوة في الجدار ، فيها مصباح (فتيل) ، والفتيل في زجاجة ( السراج) وهذه الزجاجة كأنها كوكب دري من شدة صفائها ( فالزجاجة وحدها تلمع لمعاناً شديداً إذا سقط عليها النور ) . هذا الفتيل يوقد من زيت شجرة مباركة زيتونة ، هو في غاية اللمعان والصفاء حتى إنه يكاد أن يضيء ولو لم تمسسه نار . فقلب الناشئ هو الزجاجة اللامعة بفطرته السوية ، والعلم عن الله الذي يجب أن يتلقاه هو الزيت الذي يمد الفتيل ، والذي يكاد أن يضيء وحده ، فإذا اجتمعت مع الفطرة السوية والزيت المضيء وجودها في محضن طيب (المشكاة ) لكان هذا المصباح من أقوى ما يكون إضاءة وإنارة ، لهذا لما تلقى الصحابة سيول العلم عن الله ، صادفت فطراً ناصعة ومشاعر قوية من المتكلم فكانوا مَن نعرف ؛ ترسخت المعلومات عن الله في القلوب فأصبحت عقائد ، ثم تفاعلت هذه العقائد مع الطباع فأخرجت شخصيات مختلفة كلها تسد ثغرات لتخدم هذا الدين.

عودة مرة ثانية وثالثة وعاشرة إلى من سيلقي بسيول العلم على أسماع الناشئة ..

عودة إليك أنت أيها الأم أو الأب أو المعلم .. تعاهد نفسك أولاً بالتربية والتعلم عن الله تعالى لتستطيع أن توصل هذه السيول من المعلومات التي تدفع الزبد عن القلب ، وهذا لن تتوصل إليه مالم تقرأ القرآن قراءة تدبر تنتبه فيها إلى خمسة أمور مهمة :

1-              ملاحظة أسمائه تعالى وصفاته وأفعاله .

2-              صفات أولياء الله .

3-              صفات أعداء الله .

4-              معاملته تعالى لأوليائه .

5-              معاملته تعالى لأعدائه .

انتهى اللقاء مع الأستاذة ، وكأنما هبطنا من حالق .. ساعة ونصف قضيتها في رحاب غير الرحاب ، وفي عالم غير العالم .. فتحت لنا فيه آفاق جديدة في إصلاح أنفسنا أولاً ثم تمهيد الطريق لإصلاح النشء .

للحديث بقية ، ولعلي أكمله في تدوينة أخرى يوماً ما .

Read Full Post »

كالعادة .. فقاعة كبيرة تطير في السماء لم تلبث أن انفقعت وتناثرت أشلاؤها على المجتمع السعودي ، تلكم هي فتنة فتيات الأولمبياد .

لا , ليست تدوينة اليوم شرعية ، بمعنى أني لن أحرر فيها حكم خروج فتياتنا إلى الأولمبياد ، إذ أن مشايخنا الأفاضل الأمناء قد كتبوا في ذلك وتكلموا فيه كثيراً ونصحوا جزاهم الله خيرا . ولكني رأيت في تويتر ما لا قبل لي بالسكوت عنه ، فكانت هذه التدوينة نصيحة لبني قومي ، وأعلم أنها لن تعجب الكثيرين ، ولكن هذا رأيي ومن حقي أن تحترم رأيي أو تناقشه بأدب الخلاف  ، وسأجعلها في نقاط .

1-              لاحظت من خلال التغريدات أن غالب الناس طرفي نقيض ؛ فمنهم الرافض لفكرة مشاركة الفتيات رفضاً تاماً – بغض النظر عن سبب هذا الرفض- ومنهم المؤيد والمشجع . فأما الرافض فقد قاده رفضه إلى البذاءة كوصفهن بأنهن عاهرات الأولمبياد أو إلى العنصرية المقيتة بأن لمزوا إحدى الفتيات بأنها لا تمثل الشعب السعودي لأنها غير سعودية ، أو ( طرش بحر ) في محاولات مستميتة لإظهار شناعة الأمر ، وأما المشجع فقد صفق وزمر وطالب بإقامة حفل استقبال يليق بها وأُرسلت مئات التغريدات المؤازرة .

2-              أما المخالف فأقول له :

 أوردها سعد وسعد مشتمل          ما هكذا يا سعد تورد الإبل

          سواء كان سبب الرفض شرعياً أو غير ذلك فإن البذاءة غير مسوغة بأي حال من الأحوال . وهؤلاء الفتيات وإن أخطأن بخروجهن إلا أن هذا سبب لا يبيح التكلم في أعراضهن . إن نبز الآخرين بلا مسوغ شرعي فيه تزكية للنفس وتحقير للمخالف فكيف إذا كان النبز كلام في العرض ووصف بصفة لا تطلق إلا على البغايا ؟

أفهم أن دافعك قد يكون غالباً من الغيرة على محارم الله ، ولكنك باستخدام هذه الكلمة انتهكت حرمة من محارم الله ، ويبدو أنك ( لخبطت ) ، فالحديث النبوي ( البذاذة من الإيمان ) أي التواضع في اللباس وترك التبجح به وليست : البذاءة من الإيمان ، فتنبه يا رعاك الله . أما كون المشاركات أو إحداهن ليست من أصول سعودية ، فهذا الكلام من السخف العقلي والاجتماعي والشرعي ما أعجب معه كيف نعيش في مجتمع يتعلم الدين من السنة الأولى الابتدائية ثم لا يزال يتكلم بمثل هذه الكلمات المخزية والتي تفصح في العادة على مقدار ما في القلوب من سوء التربية والكبر والفوقية التي أهلكت الأمم من قبلنا . كيف تصدر هذه الكلمات ونحن نسمع الأحاديث تلو الأحاديث في ذم العنصرية كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري حين عاير رجلاً بأمه ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) ، ولما اختلف مهاجري وأنصاري في إحدى المرات نادى أحدهما : يا للمهاجرين ، ونادى الثاني : يا للأنصار ، غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ) . وعلى الرغم من أن الدعوى لم تكن بالقبائل والجنسيات إلا أن دافع الاستنصار لم يكن على أساس شرعي وهو الإسلام ، وإنما حركته نوازع عنصرية جاهلية وإن كانت المسميات شرعية (الهجرة والنصرة ).

3-              وأما الموافق فله أوجه تدوينتي في المقام الأول ، وأقول له :  إنكاري على مشاركة الفتيات في  الأولمبياد يعود أولاً وأخيراً إلى الأخطاء الشرعية التي ستقع في الوقت الحاضر فضلاً عما ستقوده إليه هذه المشاركة في المستقبل القريب . وقبل أن أسترسل فإن مشكلتي لا تنحصر على الفتيات السعوديات لئلا ينبري إليّ فاضل ويقول : لأنهن سعوديات ولا تمانعين في الجنسيات الأخرى ، فإن مشكلتي لا تكمن في الجنسية وإنما في الحكم الشرعي ، فمادامت المشاركة مسلمة فإن اشتراكها في الاولمبياد بوضعه الحالي غير مقبول . ولئلا ينبري فاضل آخر يهاجم : ومن تكونين أنت لتوافقي أو ترفضي ؟ أقول : أنا إنسان أكتب في مدونتي الخاصة رأيي الخاص . فإذا وافقتني فالحمد لله ، وإن لم توافق فمن حقك أن تخالف كما أن من حقي أن أطالب بأن يكون النقاش بيننا هادئاً وراقياً ومحترماً .

4-               بعض المغردين كان يهاجم بأن إحدى الفتيات شاركت بوجه خال من المساحيق و”بالحجاب” فلماذا تنكرون عليها والإعلام يغص بالمغنيات والممثلات السعوديات ، أو أن العلماء سكتوا عن كذا وكذا وقامت قيامتهم عند مشاركة فتيات الأولمبياد الخ .

 فقط أطالب ببعض الإنصاف وتذكروا معي : هل مر عليكم موقف قط من ” تلكم ” المواقف لم تجدوا فيها عالماً ينافح وينصح ويذكر ، ثم يتلقى السخريات والتهكمات من الذين لا يعجبهم ذلك ؟ شخصياً لا أعلم أن أي جديد أُحدث إلا وتكلم فيه المشائخ بدءاً من ظهور الإعلانات في التلفزيون السعودي ، مروراً بالتساهل في ظهور المرأة في التلفزيون إلى ظهور القنوات الفضائية وكل شيء آخر نسمع فيه لغطاً ولكن الأيام تمر ، ومن بيده القرار يصر على موقفه يشجعه في ذلك الكثير ممن ناسبت القرارات الجديدة هواه فتُنسى القضايا في نفوس العامة ويعتقدون أن العلماء ساكتون وراضون ، وليسوا كذلك .. لماذا قضايا المرأة بالذات ؟ لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقضي بأن ( أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) وأعتقد أن حديث النبي عليه الصلاة والسلام حاكماً وقاضياً .

5-              أما عن منافحة البعض بأن فتيات الاولمبياد كن يرتدين الحجاب  فهذه مصيبة أخرى . شاهدت مشاركة إحداهن لأطلع على الحجاب الذي فرح به المشجعون . لم تكن صدمتي من المشارِكة فقد لا تكون متحجبة في الأصل ، ولا من بعض المغردين الذين لا يملكون خلفية شرعية قوية ، وإنما الصدمة العظمى كانت من تشجيع بعض المنتسبين للكليات الشرعية ..تساءلت في تعجب : أين العلم الذي تعلمتموه ؟

قالت إحداهن : إن حجاب فلانة ممتاز !! غطت شعرها جيداً حتى لم يبد منه شيء . فلما اطلعت على المقطع وجدت ثغرات في الحجاب .. نعم ارتدت طاقية أخفت كل شعرها ، ولكن هل الحجاب يقتصر على غطاء الشعر ؟ ثم أن (سوالفها) لم تختبئ تحت الطاقية فظهرت واضحة جلية على جانبي وجهها. ماذا عن الرقبة ؟ إذا تغاضينا عن الوجه باعتباره أمراً مختلفاً فيه ، وعن القدمين باعتبار أن الكثيرين لا يولون للقدمين أي اهتمام ، فإن حجاب المشاركِة لا يزال غير مقبول ، دعك عن الانبطاح وما قد تتعرض له من الانكشاف عند الالتحام أو السقوط أو ما يظهر من تحرك ( أعضائها) عند العدو . ورحم الله تلك المرأة السوداء التي كانت تصرع فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها لئلا تتكشف . لم هان أمر الحجاب في نفوس الناس ؟ لم صارت النساء ( المتحجبات ) يتهاونّ في ظهور بعض الشعر من مقدمة الرأس ، وأنصاف أذرعتهن بل وارتداء البنطلونات الضيقة وعليها قميص بالكاد يغطي مؤخراتهن ؟ من أفتى لهن هذه الفتوى .. هل هذا الحجاب أدى الغرض منه ؟ هل يعرفن ما الغرض من الحجاب أصلاً ؟

ثم أرسلت لي إحدى المتابعات تحتج بمشاركة الصحابيات في الحروب ، فأسألها : هل يستويان ؟ وهل كانت الصحابية تخرج بأجزاء من جسمها لتعدو أمام المتفرجين أو (تنبطح) أم انها كانت  تدافع عن حمى الإسلام بخدمة المقاتلين وتطبيبهم ؟ يا جماعة .. ركزوا شوية !

6-              ذكر أحد المغردين أن دخول المرأة في الأولمبياد كان ( اضطرارياً ) لئلا يتم حرمان الرجال من المشاركة في الدورات القادمة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية ، وأن ثمة ضغوط من قِبل منظمة حقوق الإنسان الدولية لإجبار السعودية على مشاركة النساء وإلا سيتم إيقاف السعودية على كافة المستويات الرياضية إن لم تستجب . أتساءل : هل هذه ضرورة شرعاً تسري فيها قاعدة : الضرورات تبيح المحظورات ؟ لا أحب نظرية المؤامرة ، ولكن هذه النظرية تكون أحياناً السبب المعقول الوحيد . وإلا لِم لم نر أي تحرك لمنظمة حقوق الإنسان بشكل فعال حيال قضايا العضل ومنع المرأة من ميراثها وحقوق المطلقات وغير ذلك من القضايا التي تغم المرأة فعلاً .

7-              كرد على سؤال أُرسل إلي في تويتر عن رأيي في السماح بالرياضة للنساء في المدارس أقول : نعم ، أنا مع ذلك وبقوة ، وأدعو إلى السماح بذلك في المدارس والنوادي النسائية لحاجتهن الملحة إلى ذلك خاصة وأني تربيت على حصة رياضية في الأسبوع في فناء مدرستي دار الحنان منذ 35 سنة إضافة إلى المباريات التي كانت تقام في الفسحة في كرة الطائرة وكرة السلة ، وبعضاً من تنس الريشة بين الحين والآخر في جو نسائي بحت . المرأة تحتاج للرياضة المنظمة بشدة صحياً ونفسياً ، و لا ، لا تقوم الأعمال المنزلية مقامها إذ أن تلك الأخيرة يمكن استخدامها كوسيلة تعذيب أو عقاب خاصة مع التربية الخاطئة التي تقضي بأن الرجل لا يشارك في داخل البيت إلا في زيادة الطلبات والأعباء ! وأما عن منعها بحجة أن اللاعبات سيرتدين البنطلون أقول : طيب ؟ ما المشكلة ؟ ليرتدين البنطلون الرياضي الواسع وعليه قميصاً طويلاً . أما منع الرياضة بالكلية بسبب اللباس ، فإننا نرى التعري الشنيع والقصير الفاضح المحرم شرعاً بلا خلاف في قصور الأفراح ولم نسمع مطالبة بمنع الأفراح أو إغلاق قصورها .

8-               خلاصة رأيي في الموضوع : نعم , أنا ضد اشتراك النساء في الأولمبياد ولست فخورة بهن ولا يمثلنني ، لأن مقياس الخطأ والصواب عندي هو الشرع وليس ما يقوم في أذهان الناس من الأفكار أو ما يقوله عنا الغرب. هؤلاء الفتيات أخطأن شرعاً بخروجهن في الأولمبياد ، وكذا أخطأ من سمح لهن بالخروج بحجة أن ذلك  سيكون بموجب ( الضوابط الشرعية ) ونرى الآن أن حكاية الضوابط الشرعية أصبحت فضفاضة مهلهلة كثياب الدراويش حتى صار كل من هب ودب يتكلم فيها مع أنها مختصة بأهل العلم الذين أفنوا شبابهم وأعمارهم في تعلم العلم الشرعي .  نحن نسير في سفينة المجتمع ، يخطئ بعضنا فيقومه الآخر لئلا تغرق بنا السفينة ، ولكن يكون ذلك بأسلوب حسن رحيم شفيق ، فكلنا ذوو خطأ . ومن الأخطاء العظيمة التي انتشرت التهاون بأمر الدين وتعظيمه في النفوس حتى إنه ليكاد يقتصر على ( الملتزمين والمطاوعة ) أو ينحصر في الطقوس التعبدية وما عدا ذلك فعنده أن الخلاف لا يسوغ الإنكار فيه .. ومن قال هذا ؟ إن أغلب مسائل الشرع فيها خلافات بعضها لا يستقيم ولا تقوم له حجة فلا يلتفت إليها . لِم هان أمر الدين في النفوس حتى صار لا يُحتكم إليه إذا تضاربت الأفكار والآراء ؟ ألا يستبين قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة , فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها , فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة ) .

مرة ثانية ، أذكركم ونفسي بقوله تعالى : ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون ) .. لا تدري ، لعل يوم البعض يكون قريباً !

Read Full Post »

تقدمت لخطبة فتاة كاملة الأوصاف فيما يبدو لك ولكن أهلها ردوك ؟ ورثت مبلغاً لا بأس به وأردت أن تستثمره ففشلت وضاعت أموالك ؟ أردت السفر لعمل فمنعتك أمك فأطعتها وجلست وخسرت الصفقة ؟

ضاعت عليك الفرص ؟

 في الأسبوع  الماضي شاهدت لقاءاً تلفزيونياً في قناة الناس طالما انتظرته مع الشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني ، والذي يأتي في الدرجة الثالثة من مراتب العلماء في قلبي بعد شيخيّ عبد العزيز بن باز ومحمد العثيمين .

حينما رأيته في اللقاء اعتصر قلبي مشهده .. بدا ضعيفاً ، هزيلاً ، وإن كنت لا زلت أتلمس في صوته قوة الحق .

لمن لا يعرف ، فإن قدم الشيخ قُطعت منذ أكثر من شهر بسبب الإصابة بالسكري .

أذكر جيداً في تلك الفترة كيف تألم أهل بيتي للشيخ ألماً شديداً ، فقطع العضو ليس أمراً هيناً .. لكني وحدي لم أشعر بمثل شعورهم . يومها قلت لأحدهم : إن الله تعالى ينزل ألطافه بالعبد المبتلى حتى إنه لا يشعر بالبلاء ويكاد من حوله يقتل نفسه حزناً عليه ..

اسألوني ..

كان الزوار يأتونني وقلوبهم ملأى شفقة وغماً ، كيف لا وهم يقولون : سنذهب لزيارة هناء التي استؤصل ثديها .

حتى وقع الجملة موحش ومزعج !

ولكني كنت ذاهلة عن كل تلك الغموم بلطف من الله ؛ فمن الخدر العنيف الذي أصاب منطقة الغدد الليمفاوية المستأصلة ، إلى انشغال ذهني بألم أصاب أمي والتي يزامن مرضها مرضي إلى نجاح في التفكر في آلاء الله وإنعامه عليّ بالإصابة بهذا المرض الذي يكفر السيئات ويرفع الدرجات .. بلاء هو ، نعم ، ولكنه بلاء محتمل .

كنت دائماً اتفكر كيف أثابني الله غماً بغم .. كنت أشعر بنعمة هذه الغموم التي صرفت عني غماً أعظم .  

كنت أشعر بلطف الله عليّ .

حينما سأل مقدم البرنامج الشيخ عن اسم الله الذي شعر به جلياً في محنته ، كنت متيقنة من الاسم الذي سيتفوه به . أنا أعلم .. أنا مثله ..

قال : “في هذه المنحة الأخيرة ارتبطت باسم الله اللطيف “، عندها ذرفت عيناي دمعاً غزيراً فقد ذكرني بالذي مضى .

ذكرني بتلك الأيام التي واجهت فيها ، وفي وقت واحد محنتين عظيمتين : المرض والمشاكل الزوجية ، ولكني مع ذلك كأني كنت أغرف من بحر اللطف والنعيم .لم أكن أشعر أبداً بأني أمر في كوارث متتالية .. كنت أبكي أحياناً قليلة ، ولكن لفترة وجيزة جداً وكأنما أنفس بعض ما في صدري ، ثم ينحبس دمعي حينما أتمثل اسم الله اللطيف .

حتى الشيخ سماها “منحة” وليس محنة .. كأنما تلمس فيها فيوضاً من عطاء ونِعم .

كم نغفل عن هذا الاسم العظيم الذي بإمكانه أن يزيل عنا كثيراً من الوصب .

انظر إلى ذاك الذي تقدم لخطبة من ظنها مناسبة له ولكنه رُفض ، فاسودت الدنيا في عينيه ومضى يلوك أحزانه ، فما يفجؤه إلا خبرٌ عنها بعد شهور أو سنين يجعله يخبط جبهته ويحمد الله أن زواجه بها لم يتم .

وذاك الذي وضع كل أمواله في تجارة فشلت وضاع حلمه في أن يكون “هاموراً” وضاعت معه أحلامه ، هل كان يدري حين انهار منتحباً أنه لو لم يخسر أمواله لربما أفسدته وقسّت قلبه وأورثته أشراً وبطراً كما فعل قارون ؟

والثالث الذي هَمّ بسفر عمل فانقبض قلب أمه فترجته أن يعدل علن السفر فأطاعها بانكسار قلب لئلا يكسر قلبها فوقع زلزال في المدينة التي قصدها ونجا ؟ وغيرها من القصص التي تدل كلها على لطف خفي من رب وصف نفسه باللطف .

كثيراً ما يسيء البشر بالله ظنونهم لأنهم لا يرون أبعد من أنوفهم ، فيتطيرون للحوادث السيئة التي يواجهونها ولا يحاولون إدراك مراميها ، لعل بعضها يقود إلى قدر أفضل أو يمنع من قدر أسوأ ، لعل بعضها كفارات ورفع درجات ، المهم أن درجة تقبلها في نهاية المطاف تنبئ عن حجم الإيمان بالله في القلب .

تعجبني مقولة لابن مسعود رضي الله عنه قرأتها قبل سنين وعيتها ونقشتها في قلبي : “إن الرجل ليهم بالأمر من الإمارة أو التجارة حتى إذا لم يكن بينه وبينه إلا ذراع نظر الله تعالى إليه وقال : اصرفوا عبدي عنه فإني إن مكنته منه أدخلته النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظل العبد يتطير ويقول: سبقني فلان ، دهاني فلان .. وما هي إلا رحمة الله ! ”

نعم ..ذاك لطف الله ، وهو اللطف الخفي الذي ربما أدركته بصيرة العبد أو لم تدركه إذ كانت عمياء ، والقصص الثلاث التي وردت عن الخضر مع موسى عليهما السلام في سورة الكهف مثال جلي لذلك .

حينما أصبت بالسرطان هالتني ألطاف الله وأعشت عيني عن رؤية البلاء . كان الناس يحسبونني صبورة متجلدة ، وما علموا أن ربي اللطيف قد تداركني بلطفه فأسندني حين ظننت أني سأسقط .

كل المؤشرات كانت تدل على الانهيار . أترى فقد العضو سهلاً ؟ تساقط الشعر ، انقطاع الدورة الشهرية للأبد بسبب الكيماوي ( دائماً أقول أن مرضنا هذا يسيء إلى سمعتنا كإناث ). أترى الآلام الناتجة عن العلاج هينة ؟ التعري أمام الأطباء والأخصائيين ، الاكتئاب ، فقدان التلذذ بالطعام وبالحياة بأكملها أحياناً .

التفكير المنطقي والعقلي يؤكد أن هذا المرض كارثة بجميع المقاييس .

ولكن من قال أن المعايير الإلهية ترضخ للتفكير المنطقي والعقلي .. هناك أمور غيبية قائمة بذاتها ، تسيّرها  حكمة إلهية عظيمة .

حين أصبت بكل ما سبق أحاطني الله بمجموعة رائعة من فرق التشجيع كانت تبجلني وتسبغ علي محبة منها جعلتني أحلق عالياً في السماء .. أولادي وصديقاتي وبنات أخواني ومعجبون من هنا وهناك لا أعرف من أين جاءوا .

حينما أصبت تعرفت على الله . كنت أجد لذة رقيقة في مناجاته كل ليلة ، أطلب منه العافية واللطف .. كأني أشعر برحماته تتنزل على قلبي فتمسح عنه كل خوف وغم . صادفتني أيام كنت أبدأ الدعاء بالثناء عليه فتنهمر دموعي ولا أتمكن من قول أي شيء إلا : سبحانك سبحانك سبحانك ! كان قلبي يشعر بالامتنان له أن اختارني لهذا البلاء وأعانني عليه بالصبر ، بل الرضا ، بل الشكر ، ورجوت أن أكون حصلت على الكفارات ورفع الدرجات ببلاء قوي ، ولكنه محتمل .

في حين أرى كثيراً غيري فشلوا في الصبر على أقدار الله فضلاً عن الرضا والشكر ، فظلوا في تسخط وتوجع مع أنهم في الحقيقة كانوا يتقلبون في النعيم .

هل تعتقد أني أهذي ؟ هل تعتقد أني أقول كلاما مغرقاً في المثالية ؟

لا ألومك ، فقد كنت كذلك حينما كانت تحدثني صديقتي عن كل تلك المشاعر وقد أصاب ابنها الصغير مرض الصرع.

كنت أرخي زاوية فمي اليمنى بخفية وأقول : ما هذه المبالغة ؟

ولما أُصبت بالمرض علمت تمام اليقين أنها لم تكن مبالغة ، فقد عشت في هذا اللطف .

آمنت أنه ما من بلاء إلا وينزل معه لطف من الرحمن. لطف غامر يماثل البلاء أو يفوقه ، ولكن المشكلة تكمن في بصائرنا ، إذ بعضنا لا يملك من قوة البصيرة ما يمكنه من رؤية هذا اللطف ، فيظل متسخطاً متذمراً ، ولطف الله تحت ذقنه .

صدقوني ، ليس البلاء ما نزل به الله تعالى من القدر الموجع ، وإنما البلاء أن تعمى بصائرنا عن رؤية الكثير من جمال وحسن أسماء الله وصفاته كاسمه اللطيف والودود والعليم ، والقدير والجبار وغيرها ، إما خذلاناً من الله –ونعوذ بالله من ذلك – أو جهلاً بأهمية تعلم تلك الأسماء ومدى ارتباط ذلك بسعادتنا ، أو ببساطة لأنه لا يَعتبر ذلك من “الكوالة “..

اسمع كلام مجرب ، وتفكر في نفسك كم من ألطاف الله مرت عليك ، فإذا رأيتها فاعمل على أن تدرب نفسك على البحث عن اللطف مع أي بلاء أو حادث سيء يصيبك ، فحين يكون ربك لطيفاً ، فكيف تتوقع أن تكون  الحياة؟

Read Full Post »

قبل ثلاثة أسابيع حضرت حفل تخرج ابنتي فاطمة من الجامعة .. هل قلت حفل تخرج ؟ نعم هذا ما كان مكتوباً في البطاقة .. المشكلة أنني حينما وصلت حسبت أنني في حفل زفاف أو عقد قران . هل لي أن أخبركم ماذا كانت الطالبات وكثير من المدعوات يرتدين ؟ يرتدين الميني ، وهو -لغير العارفين بهذه الشؤون – الذي يصل لمنتصف الفخذ .. نعم الفخذ لا الساق .

عشرات من الطالبات يرتدين العاري والميني في حفل تخرج ، وما زادني اعتقاداً أني في حفل زفاف الأغاني والدفوف التي تلت مسيرة الخريجات !

صرنا نسمع ونرى كثيراً من الشباب يرتدون الـ(طيحني) مهما بلغت أجسامهم من الضخامة في مناظر مزرية ؛ المحترمون منهم لا يبدو من عوراتهم شيئ ، ولكن كثيراً منهم غير محترمين للأسف فتجد حدود العورة المغلظة تبين وتختفي على استحياء . التناقض الصارخ في الحجاب بين كثير من الأمهات والبنات في السوق ، بل أن المسألة لم تعد مقتصرة على الخلاف الشائع في كشف الوجه أو تغطيته ، وإنما تعدى ذلك إلى ما لا خلاف في تحريمه مثل كشف الشعر أو جزء منه والمكياج والعباءات الضيقة والتغنج في الكلام والضحك بصوت عال وكأنها في بيت أبيها والعطور الصارخة والتميلح بين الجنسين …الخ .

الموضوع يا سادة أشبه ما يكون بقنبلة جرثومية انفجرت والعدوى تتفشى يومياً .

ما الذي حدث ؟

أتساءل بألم : ما الذي حدث لشبابنا وفتياتنا ؟

أكاد أسمع البعض يقول : وماذا في ذلك ؟ شباب يعيشون حياتهم فلا تبالغي .

لا أخفيكم أني ترددت كثيراً عند كتابة هذه التدوينة ، ولعلها من التدوينات النادرة التي أقدم رجلاً وأؤخر أخرى في كتابتها نظراً لأهمية الموضوع وثقله ، ولعدم رغبتي في الحديث عنه بجدية تامة لأني إن فعلت فسيغضب مني الكثير .

لابد لي من الكثير من التلطف والسخرية والمداراة .

ما الذي حدث؟

لماذا صار الشباب وكأنما يساقون سوقاً إلى هذه النوعية من المظاهر ؟ أهو إعجاب بالغرب ، أم رغبة في لفت الانتباه ، أم تحدي لقيم المجتمع المحافظ ، أم رغبة التميز ، أم كل ذلك ؟

أثناء انتظاري في حفل التخرج أفرغت ضيقي وانفعالاتي في تويتر ، فكان نتيجة ذلك أن أثيرت نقاشات عن لباس المرأة وحدود عورتها أمام النساء وكان احتجاج بعض المتابعين بحديث ( عورة المرأة من السرة للركبة ) .

 ولأني لا أرغب في اختراع أحكام فقهية من رأسي ، و رد أحاديث وإثبات أخرى خاصة بعد أن (شطف ) الكيماوي جزءاً لا بأس به من ذاكرتي فقد طلبت إمهالي لحين أبحث في المسألة جيداً وأكتب خلاصة رأيي في تدوينة .

مما لا شك فيه أنه لا يوجد حديث بهذه الصيغة أصلاً ” عورة المرأة أمام المرأة من السرة للركبة “، وغاية ما هنالك حديث: “إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى عورتها والعورة ما بين السرة والركبة “والسياق واضح في أن هذا خاص بعورة الأمة مع سيدها مع ما في الحديث من اضطراب وضعف ، فمن أين أتى المحتجون بحديثهم ؟

مما قرأته أن هذا “قول” لبعض المذاهب ولكنه ليس بحديث على الإطلاق ، وبهذا تنهار الحجة القوية التي لا يفتأ النساء بترديدها كلما أنكرت عليهن تعريهن. وأما قول الفقهاء هذا فلا يفهم منه أنهم يرون جواز جلوس المرأة كاشفة الصدر أمام مثيلاتها ، وإنما هم يفرقون بين عورة النظر وعورة اللباس , فيجعلون عورة النظر ما بين السرة و الركبة بحيث لو انكشف ما دون هذه المنطقة جاز للمرأة مثلها أن تنظر عرَضاً  كما يحدث أثناء إرضاع الطفل مثلاً .

ولو كان ثمة مجال ( ولو بالغلط ) للاحتجاج بهذا النص ، فهل يقال بجواز جلوس المرأة عارية الصدر تماماً أمام النساء مثلها ؟ إن هذا لا يقوله ولا يفعله حتى نساء الكفار إلا الشواذ منهم في نواد خاصة بالعراة . ولو احتججنا بهذا النص فما بال بعض النساء يتعدين عليه ويضربن به عرض الحائط بارتدائهن للميني . إذن ليست المسألة في وجود حديث يبيح التعري ، وإنما المسألة : الهوى .

وما عرف المسلمون في عصورهم القديمة هذا التعري أبداً ، وإنما كان فعل نساء الروم ، ولا زال ديدن النساء المسلمات الاحتشام والستر والحياء ، حتى أن بعضهم غالى في ذلك فكانت بعض المجتمعات تلزم المرأة بوضع النقاب أمام مثيلاتها من النساء وتغطي شعرها .

تعري النساء أمر حادث في هذه العصور ، ولا زلت أذكر أمي وهي تحكيني قبل ثلاثين سنة عن إنكارها على إحدى بنات جيلها خرجت في حفل زفاف أمام العريس ( الذي ليس من محارمها ) بلباس عاري .. لم تقل أمي الكثير ، قالت فقط: كدة بنات المدينة صاروا يلبسوا ؟ الآن يا أمي صار ( كل ) الناس كدة يلبسوا . وهذا مما يؤلم القلب بالفعل .

 إن الناظر لأحكام الشريعة يجد الكثير من النصوص التي تولي المظهر الخارجي  عناية كبيرة ، وما الأمر بإطلاق اللحية وتحريم الإسبال و الحجاب والنهي عن لباس الشهرة وغيرها من الألبسة إلا من ذلك ، ولا يقولن أحد أن هذه قشور والمهم هو اللب ، فليس في دين الله قشور وإنما كله لب ، وقد وصف من تشبه بقوم أنه منهم ، لأن المشابهة في الهدي الظاهر تورث المشابهة في الهدي الباطن ، وهذا ظاهر خاصة في هذه الأيام التي كثر فيها السفه على الله تعالى ورسوله وشرعه . وإني لأحسب أن التهاون في اللباس وإظهار العورات سواء المغلظة أو غيرها من مظاهر ضعف الإيمان .

وأرجو أن لا ينبري إليّ منبرٍ ويقول لا تتهمي الإيمان والقلوب ، فأنا لا أتهم وما كان لي ذلك . ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ، أما الاكتفاء بأصل الإيمان في القلب فهذا يجعلنا نحكم بالإيمان لإبليس .

إلا أن الأمر ليس كذلك . الأمر أكبر من ذلك .. هو توقير الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه .. هو الحرص على الظهور بمظهر المسلم الصالح ( وإن كان للأسف يحاول الكثير من الشباب التنصل من هذا المظهر لما له من تبعات ) ، هو الرغبة في إرضاء المنعم العلي وعدم إسخاطه ، وكل ذلك آخذ بالتلاشي للأسف من القلوب .

إن هجمة الإعلام وتزيينه هذا اللباس في وسائله المتعددة ليحمل الوزر الأكبر . فالمتبرجة المتبعة لخطوط الموضة من ممثلات ومذيعات هن دائماً (كول) في حين أن المتسترات : ( خالات ) . تماماً مثلما كانت أمي تقول أنها كانت تُنعت في صغرها بأنها “ابنة الإمام” فقط لأنها كانت تبادر بالصلاة حالما يؤذن ، في حين يقوم أقرانها بتأخير الصلاة حتى يقارب أذان الصلاة التالية .

 أشعر كأنها سبة ، من قبيل ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) . الملتزمون بشرع الله متخلفون عن ركب التحضر ، أما المتفلتون فهم من حاز المعالي .

ثم تأتي دور الأزياء لتعزز هذا المفهوم في النفوس ، ولا يقتصر ذلك على الدور الأوروبية وإنما جل المصممين العرب و السعوديين نحوا هذا المنحى في تبعية غريبة ومستهجنة ، ولن أدعي أن الجمهور عايز كدة ، إذ أن المصمم هو الذي يفرض رؤيته وغالب الجماهير كأنها غنم تساق !

وكانت ثالثة الأثافي أن دعمت دكاكين الملابس في بلدنا هذا التوجه ، فصار من الشائع والعادي أن ترى واجهات المحال تعرض ألبسة تحار معها ماذا تصنع ؟ ولولا جلوس أربعة رجال أمام أحد الدكاكين لصورت فستان سهرة عرضه أحد المحلات يشبه بدلة الرقص الشرقية .

صار الأصل هو العاري ، وعلى المحتشمات أن تبحث عن ما تستر به هذه الثياب دون أن تخل بالذوق العام .

العجيب أني وجدت أثناء بحثي في مواقع فساتين الزفاف الالكترونية أن الفساتين المحتشمة والتي تسمى Modest Dresses أغلى ثمناً من تلك العارية ، بشكل يبدو مبالغاً فيه أحياناً ، ولا أعرف ماذا يعني ذلك !

هذا التوجه من قبل محال الأزياء يجعل المرأة تتنازل عن كثير من قناعاتها ومبادئها إما لأن تستير الملابس أمر يحتاج لكثير فن وخيال ، أو لئلا توصم من قبل قريناتها أنها “متخلفة” أو “قديمة” أو “فقيرة ” أو كاهن أو مجنون !! تعددت النعوت والتهمة واحدة .

وما يثير التعجب حينما تبارك الأم – وخاصة لو كانت متدينة- لباس ابنتها ولا تجد فيه غضاضة ، وربما تجد ولكنها لا تقوى على ضغوط ابنتها . والأنكى من ذلك حين تسعى الأم بنفسها لشراء هذه الألبسة للابنة متغافلة عن الحكم الشرعي ودورها كراعية ومسؤولة عن رعيتها ، بل وناسية أمر العين والتحرشات الجنسية حتى من قبل النساء ( البويات ).

 ولا شك أن دورها يبدأ من الصغر ، في تعويد الفتاة على لبس العاري أو المحتشم .. وكثيراً ما أسمع الاستنكارات المستهجنة لإصراري على عدم ارتداء ابنتي شمس ذات الخمس سنوات العاري ، أو القصير بلا (سترتش) متحججين بأني هتكت بذلك أصول الموضة .

إذن ما هي حدود عورة المرأة أمام المرأة ؟

عورة المرأة أمام المرأة هي كعورتها أمام محارمها من الرجال ، وهذا مذكور في القرآن في قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن ) . فالزينة نوعان : الزينة الظاهرة وهي التي لا يمكن إخفاؤها كالعباءة وأسفل الثوب فهذا يجوز إبداؤه حتى للأجانب من الرجال على أن لا يكون زينة في حد ذاته ، والزينة الباطنة وهي التي تستلزم إظهار جزء من البدن كالرأس وموضع الخلخال من الساق والقلادة من النحر والسوار من الذراع والمعضد من العضد ، وما عدا ذلك فلا يجوز إظهاره ، وقد لخص الفقهاء ذلك بقولهم : ما يبدو غالباً ..

وأؤكد على ذلك لأن عقول الناس تتفتق يومياً عن مواطن جديدة للزينة ، ليس آخرها حلية السرة و حلية البوكسر ( وهو الاسم الكول للباس الداخلي والذي يخفف بعض الشيء من غلواء ظهوره بسبب ارتداء الـ “طيحني”) .

أخيراً .. حين تدغدغ خيالاتنا صور الأمة الإسلامية المنصورة المهيمنة على العالم ، ونردد شعار : المستقبل لهذا الدين ، فلا نتخيل أن يتم ذلك دون الدخول في السلم كافة : أي الإسلام كله ، وهذا لا يقتصر على العبادات فقط وإنما يشمل الأخلاق والقيم الإسلامية و المظهر إذ لا قشور في الدين كما ذكرت . نحتاج لكثير من التركيز وضبط الأهواء والانفعالات ، نحتاج لكثير من الحكمة ومخافة الله .

أما من لم يهمه لا مستقبل الأمة ولا مخافة الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأول : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ” .

Read Full Post »

هذه التدوينة يجدر بي أن أسميها : “مادة الهروب” المستوى الثالث ، أو : الهروب 301 ، إذ أنني أمارس فيها عادتي السيئة بالهروب من المذاكرة ، فالاختبارات كما قد لا تعلمون بعد ثلاثة أيام .

في الحقيقة أنا بحاجة إلى بعض الراحة ، إذ بدأ النعاس يداهمني  وآلمني فكي لكثرة التثاؤب فآثرت ( تغيير الجو ) عبر كتابة تقرير لما حصل معي في رحلتي لحضور اليوم العالمي للمتعافين من السرطان ..

والآن ، هل تودون معرفة التفاصيل المملة للزيارة ، وكما يقولون : من طأطأ لسلامو عليكو ، أم تريدون تلميحات سريعة؟

بما أني لم أعرف ماذا اخترتم فسأكتب كيفما اتفق ونرى ماذا ستخرج يديّ  الماهرتان .

سافرت للرياض يوم الأربعاء 11/6/1433 مع ابني خالد ، وكانت الرحلة طيبة بفضل الله إلا بقايا ذكريات أصابتني ببعض الحسرة حينما أجريت مقارنة سريعة بين مستوى الخطوط السعودية قبل ثلاثين عاماً ومستواها الآن .

هذه المقارنة تمت حين رأيت “علبة ” الإفطار والتي حوت ” عينات ” من الطعام ، وعلى الفور توافدت إلى ذهني صور قديمة لطعام الخطوط السعودية المشهور آنذاك . الصينية التي تحتوي على عصير وكوب للشاي/القهوة والأطباق الفاخرة التي تحوي على مقادير جيدة من الطعام المعد والمزين بعناية ، فتأكل عيناك قبل أن يتذوق لسانك . وتذكرت الكراسي التي كانت أكثر راحة وتعامل المضيفين الراقي ..

أقول لكم ؟ لا داعي لأن نفتح هذا الموضوع وإلا فسيتحول التقرير إلى : الخطوط السعودية وأثرها على الفرد والمجتمع !

حينما وصلنا للرياض كنت مبتهجة لأننا سندخل إلى المطار عن طريق الممرات المتحركة الموصلة بالطائرة والتي يسميها البعض ” خراطيم” .

 كنت أشعر أني “متحضرة ” وأنا أمشي بزهو في هذه الخراطيم ذات الأرضية المنقشعة والتي يصنف لونها من درجات البني أو ربما الأحمر .. وقد يكون البرتقالي ، فهو لون كما تلحظون : دقيق للغاية !

العجيب أنه عُرضت في ذهني صور فلاشية لأرضيات الخراطيم في مطارات أوروبا  وأمريكا كما رأيتها منذ 27 سنة .. ولا أعرف ما السبب !!

 ودعوني أؤكد لكم .. كانت أرضيات مرتبة ، وقد لا أكون مخطئة لو قلت أنها مكسوة بالبساط .

المضحك في الأمر أننا بعد أن دخلنا المطار صعدنا ونزلنا وذهبنا يمنة ويسرة متتبعين الأسهم ثم وجدنا أنفسنا فجأة خارج المطار مرة أخرى لنركب باصاً ..

لا.. ( ورايا ورايا ) الباص ؟ في جدة ، والمدينة وحتى الرياض ؟

ركبنا الباص لننتقل من مبنى الرحلات الدولية ( والتي لا أعرف لم توقفنا في مواقفها ) إلى مبنى الرحلات الداخلية ، فشعرت فعلاً بما شعر به صاحب المثل الأشهر : فين إذنك يا جحا !

ما علينا .. لابد أن أقاوم بشدة الرغبة في حش الخطوط السعودية ومطاراتنا المهيبة لئلا أُتهم ( بالفقعنة ) و( البطرنة) وكل ما كان على وزن ( فعلنة ) ..

 والسؤال هو : هل هناك وزن فعلنة أصلاً ؟

في الثانية عشر والربع بدأنا رحلة البحث عن مركز الملك فهد الثقافي والذي أقيمت فيه هذه الفعالية الرائعة .

 بلا شك كانت الطرقات ممتلئة بالسيارات فهو وقت الذروة ، أضف إلى ذلك أنه الأربعاء الجميل .

وصلنا أخيراً .

 

من الداخل كان المركز راقياً ، مرتباً ، ومرة أخرى تداعت صور استاد الأمير عبد الله الفيصل بجدة إلى ذهني . فقبل 28 سنة أقامت مدرستي دار الحنان فيه يوماً رياضياً كان من أجمل أيام حياتي المدرسية ..

كان المركز خلية نحل ، يغص بالعاملين والمتطوعين والأطباء والمرضى في خليط متناغم  ومرتب ويبعث البهجة في القلوب فعلاً ..

تستطيع للوهلة الأولى أن تدرك ضخامة الجهد المبذول ليبدو المكان بهذا التنظيم والأناقة .

البالونات الملونة في كل مكان .. الأركان المختلفة موزعة في نظام .

المكيفات تعمل بكفاءة ممتازة وضوء النهار البهيج يغمر المكان .

استلمت طاولتي وعليها لوحة تعرف بي ، ورصصت كتبي التي كنت أعرضها للبيع وجلست أنتظر .

كنت أطالع المكان بانبهار ، فأنا أحب هذه الأجواء للغاية .. وكوني آتي إلى هنا بصفة رسمية كمتعافية تحكي للناس قصتها مع المرض لتبث الأمل في القلوب بالنجاة والشفاء ، لا شك أنه كان أمراً غاية في الإثارة .

كنت مهتمة – طبعاً – ببيع كتابي والتوقيع عليه لمن يرغب ، ولكن اهتمامي الأول كان منصباً على فكرة ( بث الأمل) ومساعدة الأطباء والمهتمين بمعرفة المشاعر التي مررت بها أثناء مرضي ، خاصة إذا علمنا أنه ليس كل المرضى تواتيهم الجرأة في طرح مشاعرهم للتداول والنقاش ، وأن أكثرهم يفضلون الاختباء والانزواء إما خشية العين  ، أو رغبة في نسيان هذه الحقبة الزمنية المؤلمة.

بعد أن استقريت في مكاني بلحظات زارتني مجموعة من متابعاتي الجميلات في تويتر ، طلبن الكتاب وطلبن توقيعي عليه. وأؤكد لكم .. كانت لحظات سعيدة ..

أحسست أن دعائي الذي توجهت به إلى الله تعالى بإعجاب الناس بالكتاب قد أخذ في التحقق شيئاً فشيئاً.

نعم .. شعرت ببعض الأهمية .

قابلت كذلك إحدى الأخصائيات النفسية والتي أجرت معي حديثاً مطولاً عن أهمية مجموعات الدعم لمريض السرطان وكم أسعدني حين قابلت عندي مسؤولة القسم النسائي في الجمعية الخيرية لمكافحة السرطان وتفاهمتا بشأن التعاون على إنشاء هذه المجموعات .. شعرت أنني ( وفقت بين راسين بالحلال ) .

بلغت الإثارة أوجها حين طلبت مني صحفية بجريدة الشرق الأوسط إجراء مقابلة صحفية معي .

مرحى مرحى .. أنت تخطين نحو العالمية يا هناء .

وبوجل جلست أراقب بعض العمال وهم يحملون السماعات الضخمة ليضعوها في بهو المركز حيث كانت طاولتي ، ودق قلبي بعنف .. أعلم أن هناك عروضاً موسيقية ولكن هل تكون هنا؟

وصرت أتمتم بشدة  وأدعو الله ألا تكون هنا حتى لا أضطر لمغادرة المكان ، فلست في حاجة ولا ضرورة لأمكث في المكان وسط المنكر .

ولكن ربك حميد .. كانت هذه السماعات لمقدم الحفل الذي ظل يعلن عن الفعاليات والمشتركين فيها عدة مرات ليلفت نظر الزوار إليها .

كان هناك ركناً لأحد المصورين ، وركناً آخر لأحد رسامي الكاريكاتير ، وإحدى الفنانات التشكيليات ، كما كان ثمة ركن للمأكولات الشعبية ، والتي – حتى هذه اللحظة – أعض على أناملي ندماً أني لم أتذوق المرقوق والجريش بسبب يبوسة  قشرة المخ عندي !

في الحقيقة وددت لو أني استطعت التجول في أنحاء المركز والمرور بأركان الجمعيات والتي كانت توزع أكياساً تحوي أشياء  لا أعرف كنهها ..

 أحب تجميع العينات والكتيبات التعريفية ، لأعود بها إلى المنزل كتذكارات ولكني لم أتمكن من القيام عن مقعدي .. شيئ ما كان يشدني للجلوس ، فاكتفيت بالنظر هنا وهناك فقط .

قدمت جهة ما طعام الغداء للمحاضرين ولكني لم أتمكن من تناوله في الوقت المناسب نظراً لانشغالي بالحديث مع طالبات التوقيع أو مع بعض المريضات اللاتي أتين يستفسرن عن مرضي والعلاج .

حين وجدت فسحة من الوقت هرعت سريعاً لتناول ما يمكن تناوله من الغداء والذي كان قد برد وتلاشى من الحافظات الضخمة ، ولكنك تراه للأسف في الأطباق التي انتشرت على الطاولات كعادة السعوديين الشهيرة التي تنص على ملء الأطباق بجميع أنواع الطعام المقدمة وتذوق لقمة من كل نوع وترك الباقي ، فلا هم أكلوا ما حملوا ، ولا أنهم تركوه غيرهم يأكل .

عدت سريعاً لطاولتي لأتلقى المزيد من المستفسرات وطالبات الكتاب والتوقيع .

وبدأ عرض القبة الفلكية والذي كنت أتطلع لحضوره ، ولكني لسبب أجهله لم أفعل ..

أشياء كثيرة فاتني رؤيتها , ففي الحقيقة أستطيع أن أؤكد لكم أن هذا التقرير المزيف الذي تقرؤونه هو تقرير قاصر بكل معاني الكلمة .

ولكن عموماً ، أنتم تقبلونني بكل قصوري ، أليس كذلك ؟

أمامي في  بهو المركز كان فريق هارلي ديفدسون مع أربع أو خمس دراجات بخارية ، تتراوح أسعارها فيما أعلم بين 40000- 90000 ريال . أتاحوا الفرصة للحضور في امتطائها والتصور معها .

وللحق أني لم أعلم السر في إصرار الفريق على الظهور بمظهر غربي بحت : التي شيرتات الغريبة والبندانات وبعض السلاسل والتي أظهرتهم كقراصنة .

أحدهم كان ينقصه عصابة العين السوداء أو الذراع المنتهية بخطاف حديدي ضخم ..

همممم ، ربما لو أحضر ببغاء ليقف على كتفه لوفى ذلك بالغرض .

نعم .. أعترف .. لست “كولاً” لهذه الدرجة التي تتيح لي تقبل الكثير من المشاهد التي رأيتها أمامي في ذلك اليوم .

مع أنني أدعي ” الكوالة ” إلا أني أقيدها على الدوام بكونها من الطراز القديم .

لذلك لم أتقبل أبداً رؤية ” التميلح”  الذي انتهجه الشباب والشابات الإعلاميين والمتطوعين أمامي ..

أنا في البهو – كما أخبرتكم – فكانت كاميرات القنوات التلفزيونية الفضائية وكمية هائلة من الناس كلهم يحملون الكاميرات الاحترافية يقومون بالتصوير والتميلح في الوقت ذاته ، وصراحة أني أعد الجمع بين ذلك عبقرية !

انزعجت جداً من رؤية مظاهر تراجع الدين المعروفة .. وأرجو أن لا يأتي أحد ويتهمني بالتدخل في النوايا .

أنا أتكلم عن أمور ظاهرة وبعيدة عن الخلاف الفقهي .

أفهم أن هناك خلافاً في كشف الوجه وغطاءه ..

أفهم أن هناك خلافاً في مفهوم الاختلاط ، مهما بلغ قوة الخلاف أو ضعفه .

ولكني لم أفهم بم يمكننا تفسير تخلي الكثير من النساء عن غطاء الشعر إما جزئياً أو كاملاً ،  ووضع مساحيق التجميل والعطور التي كانت تصلني لأنفي مخترقة نقابي .

لم أفهم لم تجاوز الأمر حد الاختلاط المحترم ليصل إلى الضحك الرقيع وهذا التميلح والتلامس أحياناً .

كنت أنظر إلى إحداهن وقد بدا من وجهها أكثر مما خفي ، لأنها كانت ( منقبة )!

الحق أن فمها فقط هو الذي كان مغطى !!

كانت تضحك مع مجموعة من الرجال بصوت عال وتصورت معهم ، وأنا أحدث نفسي : لعله أخوها ، لعله قريبها ..

حتى رأيتها تتصور مع أحدهم وهي تربت على ظهره وكتفه !!!

لم أفهم السبب في أن الموسيقى والرقص غدا أمراً عادياً دالاً على الرقي والتحضر ، حيث أن  ايقاعات الموسيقى الغربية التي رقص عليها  بعض مقدمي العروض كانت تصلني من المسرح المجاور .

لم أفهم لم تغيرت المفاهيم بهذا الشكل السريع والمزعج ..

لم تعد المسألة خلافات فقهية ، إذ ليس كل خلاف له حظ من الاعتبار .

نحن نتكلم الآن في مسائل  دلت النصوص الشرعية الواضحة على تحريمها  ، فما بال الناس ؟

ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ؟

هذه المشاهدات كانت كفيلة بإفساد استمتاعي بذلك اليوم .

لم أبع نسخاً كثيرة كما كنت أرجو ، ولكن أعتقد أن اللقاءات الصحفية والتلفزيونية والإذاعية التي أجريت معي ، كانت كافية للتعريف بكتابي في الأوساط المختلفة .. أضف إلى ذلك مقابلتي للعديد من المرضى والمتعافين واستماعي إلى شيء من تجاربهم جعلني أسترجع ذكرياتي الشخصية مع المرض ليلهج لساني بحمد الله على منّه عليّ وعليهم بالعافية .

يوم الخميس في التاسعة صباحا كانت مغامرتي المضحكة المحزنة وللمرة الثانية مع مطار الملك خالد  .

المطار الذي من “المفترض ” أن يكون مطار عاصمة البلد الذي ” يفترض ” أن يكون أغنى بلد في العالم !

جملة ركيكة هي الجملة السابقة أليس كذلك ؟

نعم .. ولكن صدقوني الوضع الركيك لا يمكنك أن تعبر عنه بجملة مستقيمة أبداً .

إذ حتى لو استقامت لفظاً ، فإنها لن تستقيم معنى .

ركبت الباص محوقلة ومسترجعة ، ومتذكرة من جديد خراطيم مطارات أوروبا وأمريكا قبل أكثر من 27 سنة ، وانتظرنا في الباص ما يقارب العشر دقائق ليمتلئ ، فانتهزت الفرصة لكتابة بعض التغريدات .

أغلق الباب وتحرك الباص ، وبعد 30 ثانية بالضبط توقف ..

رفعت رأسي لأرى أننا نقف أمام سلم الطائرة ..

نعم .. الطائرة تبعد عن باب المطار أقل من خمسين متراً .

يبدو أن الخطوط تحب أن تريح ركابها لأقصى درجة ..

أخذنا أماكننا ، ولا تزال الصور من حفل البارحة تتوارد على ذهني .. الجميلة منها والسيئة .

وبعد تأخير استمر أكثر من ثلث ساعة نظراً لازدحام المدرج بالطائرات المقلعة والهابطة ( هل يملكون مدرجاً واحداً فقط ؟ ) طارت الطائرة أخيراً ..

بعد ساعة لاحت لي الحرة التي تحيط بالمدينة ، فنبض خافقي بحب المدينة .

المدينة التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا ” .

تمتت شفتاي ودمعت عيناي :  اللهم اكتب لي فيها معيشة ووفاة ..

هذه مدينتي ، فمن له بمدينة مثل مدينتي ؟

Read Full Post »

اليوم رابع أيام العشر ..

 هي تسع ، ولكن يُطلق عليها عشر تجوزاً .

كم أحب لو أعظ بعض الشيء ، ولكن  – لعلكم – تلاحظون أني لا أتقن الكتابة الجادة.

إلا أن شعوري بضرورة تقديم عبادات مختلفة في هذه الأيام يدفعني إلى المحاولة ، وأرجو أن لا تكون محاولة فاشلة ، خاصة وأني أكتب كما أتكلم ، وليس من طبيعتي غالباً  الكلام بصفة جادة إلا ما كان في الدروس والمحاضرات والاستشارات ، حين يأتي الناس متهيئين للسماع الجاد .

أما مدونتي فأعتبرها مكاناً للاسترخاء وتمضية بعض الدقائق المرحة ، لذا فإن محاولة كتابة الكلام الجاد سيحتاج مني بعض التركيز .

لا بأس ، فلأركز قليلاً ، ولتكن كلماتي هذه – وأي كلمات جادة تجدونها في ما بعد في مدونتي -خطوات أولى في مشوار طويل للتصحيح وإقامة الثورات التي ننشدها ، والتي ذكرتها في التدوينة السابقة..

ثورات ضد نظام الهوى ، وطلباً لربيع القلب الرباني .

هذه الأيام التي نشهدها الآن أيام كالذهب في نفاسته ، وفرص لا يكاد يفوتها أولو النهى .

بالمعيار الدنيوي هي أعظم من فرص التخفيضات للمحلات الراقية حين ينخفض ثمن الحقيبة التي تباع عادة بخمسة آلاف ليصل إلى الألف .

ولكن للأسف فإن الناس تتهافت على شراء هذه الحقيبة تهافت الفراش على النور ، في حين أن أيام الذهب تكاد تمر دون أن يحُفل بها ، إلا ما كان من أمر الصيام تأسياً واستئناساً بالبقية .

هذه الأيام تعيد شحذ الهمم والطاقات الروحانية و التي بدأت بالتخلخل بعد انتهاء رمضان ، وعلينا –كعقلاء- أن نستغلها فيما شرعها الله من أجله .

ومن المتقرر أن العبادات وإن تفاوتت في رتبها إلا أن أداء العبادة في وقتها يرفع من رتبتها لتفضُل على غيرها .

فإذا كانت قراءة القرآن من أعظم الذكر ، فإن ترديد الأذان والدعاء بعده يكون أعظم من قراءة القرآن في تلك الأثناء لأن وقت الترديد خلف المؤذن يفوت .

فكذلك العمل الصالح في هذه الأيام من أعظم ما يشغل المرء نفسه به لينال حب الله تعالى .

كنت أقرأ كلمة كتبتها في مذكرة جوالي سمعتها من أحد الدعاة تقول : إن من إجلال الله ألا تجعل له الفضلة .

قلتها من قبل في إحدى محاضراتي فاعتقدت السامعات أني أقصد ( الأفضل ) .

ولكني شرحت لهن بالمثال : لا تقرأ القرآن فيما بقي لك من الوقت ، ولا تتصدق إن بقي مال من مصروف البيت ، ولا تصم لأن كل البيت صائم ..

لا تجعل لله الفضلة ، وإنما اجعله مقدماً ، وانتظر البركة .

وفي هذا إحسان ظن بالله .

فأنت حينما تقتطع من مصروف بيتك مبلغاً معيناً ولنقل مئتي ريال شهرياً ، تخرجه قبل أن تتجه إلى البقالة الكبرى لشراء المستلزمات الشهرية خالصاً لوجه الله تعالى تبتغي به أن تفك كرب مسلم ولو أفضى إلى التضييق عليك بعض الشيء ، فهل تتوقع بعد ذلك أن يخذلك الله بتقصير النفقة عليك وتركك للحاجة تنهشك ؟

حينما تقتطع من أول يومك مقدار ثلث ساعة فقط لتقرأ فيها جزءاً واحداً من القرآن ألا تنتظر من الله تعالى بعدها أن يبارك لك في باقي يومك ؟

إن كانت إجابتك بالنفي ، فأنت سيء الظن بالله ، وفضلاً ارجع لقراءة تدوينة : جار تطبيق الهروب.

اجعل الله تعالى ورضاه مقدماً على كل شيء .

صم في هذه الأيام لأنها أيام يحب الله تعالى فيها العمل الصالح .

تصدق لأنك تريد أن يكرمك الله كما أكرمت عباده ، ويفك كربك كما فككت عنهم كروبهم .

ضح بجزء من وقتك لأنك تريد أن يبارك الله فيما بقي .

نوّع في العبادات ، فمن رحمة الله أن شرع لنا كماً من العبادات لتناسب مختلف الشخصيات والاهتمامات والقدرات .

لا يقتصر العمل الصالح على العبادات المعهودة المعتادة .

جرب أموراً أخرى .

ما رأيك في إحياء بعض السنن التي اندثرت أو قاربت : كنفض الفراش عند النوم ، والدعاء بالمأثور عند السفر ، وكافة الأذكار غير أذكار الصباح والمساء ( عند الدخول و الخروج من المنزل ، عند لبس الجديد ، عند النظر في المرآة ، عند الجماع .. الخ ) ، وصلاة النافلة في السيارة أو الطيارة عند السفر .

ربما تفضل الدعوة إلى الله – وكلنا يستطيعها مع تفاوت الدرجات في ذلك – فالمدونات وتويتر والفيسبوك مجالات خصبة لذلك ، ولا يكن المسلمون الجدد بأفضل منك وأكثر حماساً لهذا الدين .

أكاد أسمع صوتاً في المؤخرة لا أتبين وجه متحدثه يقول :  ما عندي علم يكفي .

فأقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سد هذا الطريق فقال : ” بلغوا عني ولو آية ” .

أفتعجز عن تبليغ آية أو معلومة صحيحة تعلمتها تحشرها في تدوينة أو تغريدة بين الفينة والأخرى ؟ أو لعلك لا تحب أن يخرب ( برستيج ) مدونتك أو تغريداتك ، وتصنَف من فئة الوعاظ ؟

ماذا عن القيام ببعض الأعمال التطوعية تبغي بها الأجر والمثوبة من الله ( لا الفلة مع الأصدقاء ) .

بإمكانك شراء كتيبات عن الإسلام بلغات الأوردو والتقالو واللغات الأفريقية وتوزيعها على العمال كلما وقفت عند إشارة مرور أو محطة بنزين ، كما يمكنك أن تدل على الخير فتبحث عن المحتاجين وتصلهم بالموسرين الراغبين في العطاء ، أو تشترك في أحد مكاتب توعية الجاليات لأداء أعمال إدارية أو ميدانية ، ولو كنت تتقن لغة أخرى فسيكون لك شأن عندهم .

وإذا عجزت عن كل ذلك ، فأجزم أن بإمكانك أن تبر والديك وتطيعي زوجك ، وتحسن أخلاقك ، وتلزم التكبير والاستغفار ،
وتتصدق بعشرة ريالات ، فإن النية لو صاحبت أي عمل صحيح رفعته وجعلته عبادة.

فقط تحتاج إلى أن تستعين بالله و لاتعجز .

 العجز سمة المسلمين مؤخراً .

انظر إلى نفسك ، كم من الأمور التي تحتاجها حقاً وتعلم يقيناً أن جميع الأبواب مسدودة إلا باب الله تعالى ، ولكنك تعجز عن تحريك شفتيك والدعاء لمن بيده الأمر كله أن يستجيب .

انظر كم من الذنوب أحدثتها ، وتتذكرها متحسراً ومتأسفاً ، وهذا جيد وهو أول خطوات التوبة النصوح .

ولكن .. هل حركت لسانك بالاستغفار ؟ أم أن قلبك وحده يستغفر ؟

كثير من الناس يقرؤون القرآن ، بل ويصلون دون أن تتحرك شفاههم ، وإذا سألتهم قالوا : نقرأ بقلوبنا.

ولكن هل يكون الكلام كلاماً إذا لم تتحرك به الشفاه ؟

ما أسهل من تحريك الشفاه ؟

علينا أن نقوم بثورة من تلكم الثورات ، فنتجه بقلوبنا أولا إلى الله بالدعاء ( مع تحريك الشفاه ورفع بعض الصوت ) أن يعيذنا من العجز والكسل ، ثم نستعين بالله لأداء ما يطلبه منا إما وجوباً أواستحباباً ، فإذا فعلت فانتظر بداية النصر .

رجعت إلى موضوع التدوينة السابقة ؟

أنذرتكم من قبل أني لا أتقن الكتابة الجادة ، وهاأنذا انتهيت إلى موضوع سابق بدلاً من أن أنهي هذا الموضوع ، ولكنكم تعودتم على استطراداتي ، أليس كذلك ؟

Read Full Post »

دخل الشهر الأخير من عام 1432 هـ وقد  انقلب العالم رأساً على عقب .

لا أميل إلى استخدام التاريخ الميلادي  إلا لضرورة ، والضرورة هنا منتفية فأرجو أن لا يمتعض أحد من (دقتي القديمة ) .

العالم العربي يعيش ثورات على الأنظمة  البائدة .

شعب يريد إسقاط النظام .

وآخر يريد إسقاط الرئيس .

وآخر كانت مطالبه معقولة فأبى حاكمه فأصر  الشعب على إعدامه .

نفوسنا تحتاج إلى ثورات من هذا النوع .

ثورات ضد الأهواء والأمزجة الفاسدة .

نحتاج إلى تقويم لتعيش قلوبنا الربيع الرباني  الذي أزاح يوماً بقوته الوليدة فارس والروم حين تربعا في أيام خلت على عرش العالم  .

لو قلت لأحد قبل سنتين فقط أن خارطة  التاريخ العربي ستتغير بهذه الطريقة لاتهمني بالخبال .

أنا لا أطلب المستحيل .

أنا فقط أطلب إعادة تاريخ وواقع مر به  أجدادنا ..

تاريخ الأمويين والعباسيين والأندلس .

اقرأ كتاب : شمس العرب تسطع على الغرب  للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه لتبكي على حالك .

كانت كلمة السر التي وصل فيها المسلمون  إلى مجدهم : التمسك بالدين .

ولم يكن الانهيار سريعاً بعد  الانحرافات التي حصلت ، وإنما كأي بنيان راسخ قوي تطرق إلى أساسه الخلل والضعف فإن  السقوط يكون ببطء شديد ، ولكنه يسقط في الأخير سقوطاً مدمراً ومدوياً .

هذه دعوة مني لنفسي ولكم للرجوع إلى  الجذور .

صوتٌ مشتاق ينادينا ..

ونفوسنا تهفو إليه فلم المكابرة ؟

نحتاج إلى تصحيح كثير من المفاهيم .

نحتاج إلى ترسيخ الكثير من الاعتقادات  .

نحتاج للالتفاف حول العلماء من جديد ،  فهم الأعلم وإن خالفوا أهواءنا .

نحتاج لتصحيح العقيدة ، وغرس التوكل على الله ونبذ الخرافات وزيادة جرعة الإيمان بالغيب .

نحتاج لتعزيز الصلاة في نفوسنا قبل  نفوس أبنائنا لنجعلها قادرة على نهينا عن الفحشاء و المنكر .

نحتاج لنبر آباءنا وأمهاتنا أكثر من حاجتهم هم ، لأننا ببرنا سيبسط لنا في أرزاقنا ويُنسأ في آثارنا .

نحتاج أن نتعرف على صفات العدو الحقيقي لنعرفه وإن تنكر بألف ثوب وقناع .

نحتاج للكثير الكثير .

ولكن بالاستعانة بالله والتوكل عليه والعزم الصادق ستهب الثورة تلو الثورة ضد أنظمة الهوى الغاشمة ، التي حكمت القلوب سنيناً فأظلمت وظلمت .

سيأتي يوم تشرق فيه شمس الدين وتورق أشجار الربيع وتزهر حياة القلوب .

فكن  أنت من الغازين ولا تكن من فلول المنهزمين .

واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر .

والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

Read Full Post »

في إحدى التعليقات التي تلقيتها مشكورة ، ذكرت ريم أنها تفضل وجود بعض الصور بين الحين والآخر .

حسناً .. لست مصورة ماهرة ، ولكن ( يجي مني أحياناً ) .

أحب التصوير جداً ، إلا أني لا أرغب في تعلم أساسياته ومهاراته ، ربما بسبب السن ، وصراحة (ماعاد ليّ خلق ) .

أهاا ..

( على طاري السن ) عندي موضوعان الآن يمكنني أن أتحدث فيهما وأرجو أن تكفيني المساحة لذلك ( وأشك في أن تكفي 3 صفحات لذلك ، فأنا ثرثارة كما تعهدونني ) .

ختمت إجازتي الصيفية برحلة إلى مكة ..

بدأ الأمر حينما فتحت التلفاز وشاهدت الحرم ( الفاضي نسبياً ) .

هاج في قلبي الحنين إليه وتاقت نفسي لزيارته .

صحيح أني لن أتمكن من القيام بعمرة لأن الحر يتفاعل مع جسمي تفاعلاً غير محمود العواقب خاصة تحت تأثير العلاج الهرموني الذي يعطيني – أنا على الأقل – نتائج تماثل ( الحرمة القاطعة ) فيغلي جسمي أحياناً بسبب الحر ، وأشعر بقرصات في مختلف أنحائه ، فأي خشوع سأخشع في العمرة والحال ما ذكرت  .

لذا فقد تفتق الذهن عن قضاء ليلة بجوار الحرم وأستمتع بالصلاة فيه على الأقل ، وشجعني على ذلك محفظتي المتخمة بالعيديات ..

اتفقت مع مجموعة الدعم الحبيبة ( بنات إخواني ) على قضاء ليلة في فندق فيرمونت برج الساعة .

هل أقوم الآن بعمل دعاية له ؟

طيب ، لنتفق مبدئياً أنني لا أقوم بعمل أي دعاية ، ولا أتقاضى أي أجر ( ووددت لو أني فعلت)، ولكني شُجعت على الككتلة ( من كوكتيل ) في الموضوع السابق وتنويع المواضيع ، كما طُلب مني وضع صور ، لذا كانت هذه الوقفة .

انطلقنا في يوم الأحد الأخير من الإجازة إلى مكة ..

لم نحتج أن نحجز مسبقاً فموسم العمرة والحج مغلق الآن والأسعار تعتبر ( لقطة) بتسكين القاف ، وليس بفتحها !

اقتربنا من الموقع نوعاً ما فكانت هذه الصورة ، واعذروني أن كانت صوري كلها غير احترافية ، وإنما بالآيفون ، إذ لا زلت أجد حرجاً في الإمساك بآلة التصوير في وسط الشارع والتقاط الصور .

الفندق حسب ما أعتقد يتكون من 14 طابقاً في برج الساعة ..

نعم ، برج الساعة ( ما غيره ) ، الذي يضيء هلاله أثناء الأذان مذكراً إياك بالعيد ، أو قاعات الأفراح .

هذه الأدوار الأربعة عشر تعلو ستة عشر دوراً  لا أعرف ماذا تحتوي  .

فحين كانت حجرتي في الدور الرابع عشر من الفندق ، فإنها في الحقيقة كانت في الدور الثلاثين من المبنى .

الردهة ( اللوبي ) فاخرة ..

أظنها فاخرة ، لعلي لم أزر فنادق فاخرة في المملكة إلا هذا الفندق فلن أتمكن من المقارنة ، وأرجو ألا أُتهم ( بالهياط ) لأجل هذه الجملة ..

صدقوني ، أنا أتكلم معكم على طبيعتي !!

اختار لي خالد حجرة ثنائية تطل اطلالة مباشرة على الكعبة .

الحجرة لا بأس بها على الإطلاق .. السرير واسع  ووثير فعلاً .

هنا مرآة ذات إطار جميل ، وهذه السماعات تنقل لك  الأذان والصلاة من الحرم  مباشرة .

غرفة فاخرة بالفعل ، لكني لا أعرف لماذا يرون أن وضع علب المناديل في الغرفة لا يعد من ” الكوالة ” .

كلما أردت منديلاً ذهبت إلى الحمام !!

والآن .. إليكم هذا الجمال و الروعة ..

الإطلالة  !!

هذه كلفتني قرابة الخمسمئة ريال زيادة على ثمن غرف رفيقاتي ..

محفظتي تئن بلا شك .. لكن لا بأس .. في سبيل هذه الإطلالة  قد يفيدك بعض البنادول يا محفظتي الغالية .

اعذروني على عدم دقة هذه الصورة بالذات ، لكن الزجاج من الخارج كان مغبراً ..

أعتقد أنهم يجدون بعض الصعوبة في تنظيف الزجاج في الدور الثلاثين .

جلست على الأريكة أتناول قهوة مجانية صنعتها ، وأخذت أراقب الحركة في الحرم .

تخيلت نبي الله إبراهيم عليه السلام يمضي منفطر قلبه على ابنه إسماعيل الرضيع وزوجه هاجر تتشبث به وتقول : يا إبراهيم ، أين تتركنا في هذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء ، فيمضي في طريقه ولا يلتفت إليها .

حتى إذا خرج عن مكة التفت إليها ودعا :” ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقميوا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم “.

أنظر إلى الصحن الممتلىء بالطائفين والركع السجود .

في هذه الساعة من العصر ، الجو لا يزال حاراً ، والناس لا يزالون يملؤون الحرم دون اكتراث .

 قد هوت أفئدتهم إلى بيت الله الحرام قبل أبصارهم وتعلقت قلوبهم بهذا البنيان البسيط العظيم دون أن يتنبه أكثرهم أنهم يحققون دعاء إبراهيم عليه السلام .

انتقل ناظري إلى الجالسين على البسط ينتظرون الصلاة .

هززت رأسي متعجبة من فشل كثير منا في التجارة ..

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في المسند من حديث جابر : ” صلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه ” .

ويقول كما في البخاري من حديث أبي هريرة : ” ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ” .

كم من الحسنات نضيع بحسنا التجاري الخائب ؟

نعد بعضها ؟

صلاة الضحى التي تعدل صدقة عن كل مفاصل الجسم والبالغ عددها 360 .

السحور الذي يصلي الله وملائكته على فاعله .

قيام رمضان إيمانا و احتساباً ( وهذه أهديها لأبنائنا الذين قتلهم الكسل والصوارف ) .

ركعتا الفجر اللتان هما خير من الدنيا وما فيها ، والتي يقصد بهما راتبة الفجر لا الفرض ، ( وهدية أخرى لأبنائنا ) .

قول “سبحان الله وبحمده ” مئة مرة ، لا تستغرق أكثر من ثلاث دقائق ولكنها تحط الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر ..

كفاية ؟؟

هذا أفضل ..

انتهت مساحتي ..

نكمل معكم في مساحة قادمة بإذن الله لأخبركم عن إعتراف خطير ..

ابقوا معنا !

Read Full Post »

هممم ..

كم من  الأمور يمكنك أن تتخيلها عند قراءتك للعنوان ؟

لذا لن أدع لك مجالاً للتخيل حتى ( لا تجيب العيد ) ، وسأشرح مرادي فوراً .

بدأ العام الدراسي ، وانتهت الإجازة ( بحمد الله ) وتنفست الأمهات الصعداء ، وعاد القطار إلى مجراه ..

هذه دورة جديدة من دورات الحياة ، تشبه دورات البرامح التلفزيونية او الإذاعية .

انتهت حقبة الإجازة الغثيثة التي قلبت الليل نهاراً والنهار ليلاً ، وقلبت الإنسان من كائن ( يفترض أن يكون ) منتجاً إلى كائن هلامي لا شكل له ولا لون ولا طعم ولا رائحة .

أنا شخصياً متحمسة جداً للدورة الجديدة .

أنا الآن في المستوى الثاني من الجامعة ( ولا أحد يقول خالة بعد كدة !!)

كتابي في دور النشر ينتظر الطباعة وأفكر جدياً في البدء بالكتاب الثاني والذي سيكون تثقيفياً أو جمعاً لقصص السرطانيات ، أو ربما كتاب طهي يخص السرطانيين ، لا أعرف فلم أقرر بعد .

كذلك أعد لدورة جديدة في المدونة ..

ربما تعلو همتي فأخترع لكم استبياناً أطلب منكم حله وأضفي به على نفسي بعض الأهمية .

وربما أرضخ لواقعي الأليم الذي ينص على أن قرائي لا يتفاعلون معي ( إلا قليل منهم ) لا في كتابة تعليقات ولا في طلبي منهم ذكر اقتراحات .

ولكن قبل أن ننتقل إلى الدورة الجديدة أود أن أذكر بعض وقفات طرأت لي خلال الإجازة .

هي وقفات متعددة ، وبالتأكيد لن تكفيها تدوينة واحدة ( خاصة مع  العمل على محاولة تقليص عدد الصفحات منعاً للملل والإطالة ) ، لذا قد أذكر في كل تدوينة وقفتين أو ثلاث إلى أن تفرغ جعبتي من حصيلة الإجازة .

وقفة:

الفراغ القاتل .

الفراغ يحيط بي من جميع الجهات .

بعد أن كنت أدرس ما يقارب الاثني عشرة ساعة يومياً ، انتهت الاختبارات ووجدت نفسي كالطير الذي كف جناحاه عن الحركة في كبد السماء فبدأ يهوي من حالق .

بدأت أهوي فعلاً حتى تلقفتني عناية الله تعالى بعد يومين من محاولة التكيف مع الوضع ، وعدت أحلق من جديد لكن على ارتفاعات منخفضة .

ما زاد في توتري انتهاء أولادي من  الإجازة ثم انطلاقهم في عالم الفراغ الرحيب .

سهر طوال الليل ، نوم بعد صلاة الفجر ، لعب بالكمبيوتر ، يليه لعب بالكمبيوتر ، ثم يختمون باللعب بالكمبيوتر .. جدولهم كان منوعاً كما ترون !

تمنيت لو عُززت ثقافة المخيمات  الصيفية عندنا .

لكن لابد أن بعض الناس قد يربط المخيمات بالخوف من الإرهابيين ، وهذه مشكلة أخرى .

هنا أضيق ذرعاً بالفهم المتخلف للإرهابيين الحقيقيين الذين أدت حماقاتهم إلى منع الكثير من  الأعمال التطوعية وجمع التبرعات ومنع إقامة المخيمات الصيفية والتي تعلم الفتيان على الاعتماد على النفس وتَعلُم مهارات جديدة تنفعهم في حياتهم المستقبلية اليومية .

وأتساءل ، كم من فهم سقيم أدى إلى شر عميم ؟

وقفة:

جمعتني نقاشات عديدة مع بعض شباب العائلة .

هناك فكر جديد يا ( قدعان ) .

هناك تمييع للدين ورد للنصوص أو تأويلها والهجوم على منهج السلف .

ماذا حصل في السنة الماضية ؟

لم اكتشف الجميع فجأة أن هناك خلافات وأفهام متنوعة لنصوص كشف وجه المرأة ، والاختلاط والسفر بغير محرم وصلاة الجماعة  ؟

لم هذا الرد العنيف للدين ( القديم ) الذي نشأنا عليه بحجة أنه كان مهيمناً طوال القرن الماضي ساداً  الطريق أمام الأنظار للأقوال الأخرى في الدين ، وأن الدين يسر وأن وأن ، وجملة من الشبهات التي لا أود إيرادها هنا .

وانتبهت في أثناء نقاشاتي معهم أن عندنا ( أجمعين ) قصوراً شديداً في قراءة كتب السنة الأساسية,  ولا نكاد نجد من قرأ الصحيحين فقط ( فضلاً عن باقي كتب السنة ) من غير طلبة العلم ، ومع ذلك فالاجتراء على الفتيا ورد النصوص بحجة ( أن فيه غيرها ) وتخوين العلماء بات سائغاً ومقبولاً في أوساط الكثير من الناس ، وأكثرهم من فئة الشباب ، ولا أعرف ، أهم يبحثون عن الحقيقة فعلاً أم أنها الأهواء ؟

ما مفهوم الدين في أذهان هؤلاء القوم ؟

بطرق تفكيرهم الجديدة هل يبقى الدين قواماً متماسكاً وبنياناً قوياً ، أم أنه يضحى ثوباً مهلهلاً مخرقاً ومرقعاً ، كلٌ يدعي في كل مسألة أن ثمة خلاف فيها ويتبع الأسهل بحجة أن الدين يسر .

يا جماعة.. كدة لم يبق دين ..

وفي هذه الأيام ظهر أحد النكرات ليكتب مقالاً ينتقص فيه مقام الألوهية في إحدى الجرائد المحلية.

نعم .. لم تخطؤوا الفهم .. مقام الألوهية.

انتهى الناس من السخرية بأهل الدين ، ثم الأنبياء والنبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء الدور على مقام الألوهية ؟

هل انتهت المواضيع ؟

سبحان ربي ما أحلمه .

أفكر كثيراً : هل يعي هؤلاء المنتقصون لمقام الألوهية ، أو الساخرون بالدين وأهله ، أو المحتقرون أهل العلم لأن الله تعالى ينظر إليهم ويسمع قولهم ؟

فليحذروه إذاً  .

ترون تدوينتي اليوم كوكتيلاً ؟

هذا خطؤكم، فلعلكم تذكرون أني طلبت منكم في التدوينة السابقة بعض الاقتراحات ولم أستلم اقتراحاً واحداً .

اقنعوا إذن بما تقرؤون ، ولن تعدموا فيه بعض فوائد بإذن الله .

Read Full Post »

منذ أن كتبت التدوينة السابقة ، لا زال قلبي مبحراً في آلاء الله .

وزاد شعوري بالامتنان لله واهب النعم مشاهدة حلقة من برنامج آلاء والذي يعرض في عدة قنوات محافظة .

صرت أبحث بعقلي وعيني عن مظاهر نعم الله على عباده .

وأود في تدوينة اليوم أن أشارككم بعض النتائج .

قد تكون الفكرة مكررة ، ولكن ( معليش )  .

اصبروا عليّ واعتبروها مجاملة عابرة من تلك المجاملات التي تقدمونها لي بين الحين والآخر عندما أفرض عليكم قراءة ذكريات امرأة عجوز أو أحداثها اليومية .

دخلت المطبخ قبل قليل للبدء بإعداد طعام الفطور .

هنا هالني كمية النعم الموجودة في المطبخ .

أتعلمون كم من الوقت والجهد اختُزل بهذا التطور الحضاري الذي أصابنا ؟

هذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول : ” تَزَوّجَني الزّبَير وما لـه في الأرضِ مِنْ مالٍ ولا مَمْلوكٍ ولا شيءٍ غيرَ ناضحٍ وغير فَرَسِهِ ، فكنتُ أعلِفُ فرسَه ، وأستقي الماء ، وأخرِزُ غَربَهُ وأعجِن ، ولم أكن أُحسِنُ أخبز ! وكان يَخبزُ جاراتٌ لي من الأنصار ، وكـنّ نِسـوَةَ صـِدق ، وكنتُ أنقل النّوَى من أرض الزّبير التي أقطَعَهُ رسولُ صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهي مِنِّي على ثُلثَي فَرسَخ … “

كلما قرأت أثر أسماء أضيع يدي على رأسي لهول فعلها وأتخيل نفسي مكانها في حر المدينة الشديد التي من صبر على لأوائها وجهدها كان النبي صلى الله عليه وسلم له شفيعاً وشاهداً يوم القيامة .

اليوم جلست أفكر في طريقة إعداد مائدة الإفطار والتي ستتكون اليوم من شوربة الحب ، والسمبوسك باللحم المفروم ودوارق الماء البارد وعصير الفيمتو والتانج  فقط.

فكرت أني لو كنت أعيش في زمن أسماء رضي الله عنها فلا بد من  الاستيقاظ من الفجر أو قبله بقليل لأعد هذه المائدة البسيطة ، فضلاً عن الأصناف الأخرى والسحور .

دعونا نلعب هذه اللعبة ونتخيل كيف سنصنع لو كنا في ذاك الزمان وأردنا إعداد هذه المائدة .

أولاً لابد أن نذهب للبئر للحصول على الماء ..

الله يعلم أين تقع البئر .. لا أظنك ستجد بئراً في حديقة كل بيت .

كم دلواً سنحتاج ؟

نحتاج ماء للشوربة ولعجين السمبوسك والفيمتو والتانج ..وللماء نفسه .

أوه ، نسيت أني يجب أن أغسل المكونات .. هذا ماء إضافي .

والآن عليّ أن أذهب إلى الحظيرة ، أجمع بعض البيض لأضعه بعد سلقه في حشوة السمبوسك ، ثم أمر على الأغنام ، أنتقي خروفاً حسناً فأذبحه ..

يا إله الكون ، ذبحه وسلخه وتقطيعه وتوزيعه سيستغرق النهار بأكمله ..

لا تنسوا أني لا أملك ثلاجة في هذا العصر ، والخادم ستكون مشغولة بتوصيل قطع اللحم إلى جيراننا.

والآن أضع اللحم بعد غسله في القدر لينضج ، ولابد أن أعجن مبكراً ليرتاح قليلاً قبل فرده .

أخرج مرة أخرى إلى الجرين ( المخزن ) لأستخرج منه حبات القمح التي حصدها أولادي قبل فترة ..

أضعه في الرحى ( الطاحونة ) وأطحنها ..

يا إلهي ، هذا أمر متعب ..

أوتش .. أنظر إلى يدي فأجدهما شديدتا الإحمرار وبعض الندوب هنا وهناك من هذه الرحى الثقيلة .

أخيراً صار عندي بعض الدقيق ، أصب عليه شيئاً من الماء في الدلو وأعجن عجيني، وأتركه ليرتاح في (الطست) .

أنظر إلى الشمس ، انتصف النهار وأنا في عمل مستمر .

أين بناتي الكسلانات ؟ أين تلك الخادم المراوغة ؟

تركنني جميعاً لأعمل وحدي في إعداد هذه السفرة المتواضعة .

عليّ ملء هذه الجرار الفخارية ووضعها عند النافذة لتبرد قليلاً قبل تناولها عند أذان المغرب .

أووووف . هذا الدلو ثقيل .

لا أعلم كيف تحمل الحمار المسكين وزنه طيلة هذه المسافة من البئر ( التي لا أعلم حتى الآن موقعها ) إلى بيتي .

هذه الجرة للماء ، وهذه للتانج والثالثة للفيمتو .

وهنا أستميحكم عذراً على تجاوز هذه النقطة وأرجو أن لا يسألني أحد من أين حصلت على الفيمتو والتانج في ذلك الزمان ، ولكن لابد لقصتي من بعض الحبكة غير المنطقية ، فقط لتكونوا في الصورة .

أووووووه ، نسيت أن أفرم اللحم .

أتطلع إلى الشمس بقلق فقد بدأت بالاصفرار ، ولم يتبق للمغرب إلا ساعتين ونصف فقط .

منذ أن استيقظت فجراً لم أتوقف عن العمل إلا لأداء الصلاة .

حلقي يكاد يتشقق ، وقواي بدأت تخور .

لا ، لست هنا مريضة بالسرطان لحسن الحظ .. يكفيني هذا العمل .

وضعت اللحم في هاون معدني كبير وصرت أضرب به قطع اللحم ، وهنا تقافز حولي صغاري يطالبون بحصتهم في هذه اللعبة ، كلٌ يريد أن يضرب قليلاً .

أعطيتهم ذلك لأتمكن من فعل شيء آخر ..

خرجت إلى الحقل .. يا ربي .. الحر شديد ..

قطفت بعض أعواد البقدونس وأتيت ببعض حبات البصل وقفلت راجعة مسرعة قبل أن تناديني جارتي المرفهة التي تعيش في أزمنتكم  لتتحدث معي ، وقد أنهت من إعداد مائدتها من العصر، وهاهي الآن تقرأ القرآن وتنتظر فقط قلي السمبوسك ..

رجعت وأعددت البقدونس وسلقت البيض بحمد الله ، ولما انتهيت وجدت أن صغاري أنهوا عملهم بنجاح …. تقريباً ..

لولا نصف اللحم المتناثر من الهاون لكان عملهم متقناً .

أعددت الحشوة وناديت على الخادم لتساعدني في إعداد السمبوسك .

فرد العجينة متعب ، وأهل المدينة معروفون بعجينة البف ، ولازالت قواي تضعف بعد كل هذا الجهد الشاق .

صرخت بصوت واهن على صغاري الذين فضلوا البقاء في أزمنتهم وقطع الوقت بلعب الكمبيوتر بدلاً من ركوب الأحصنة الخشبية واللعب بعرائس العهن ، وطلبت منهم إعداد المائدة .

أخشى ألا أكمل التدوينة لشدة ما أصابني من وهن .

يبدو أن عليّ الرضوخ للواقع  وأعود لزمني ..

فالوقت أدركني ولا زال أمامي خرف التمر من النخلة ، وجلب الحطب لاستخدامه في القلي فقد استنفذ سلق اللحم ما عندي من حطب .

أوووه ، هناك إعداد الشوربة نفسها وكنت قد تمنيت لو بقي لي متسع من الوقت لإعداد بعض اللقيمات .

ولكن الوقت .. الوقت  ..

إضافة إلى أن جهدي لباقي اليوم قد استنفذ ولا أعرف كيف سأقرأ وردي ، أو أصلي التراويح ..

حسناً حسناً .سأعود مضطرة (وفرحة) إلى زماني في الخامسة عصراً .

أفتح مكيف المطبخ سريعاً ، أضع الحب على الشوربة وأدعها تغلي على الموقد الكهربائي ، وأضع دوارق الماء والعصيرات في الفريزر الكبير .

أسخن الزيت وابدأ بقلي السمبوسك ، وفي أثناء ذلك تقوم الخادم سعيدة ( هذا ليس اسمها ، وإنما هو “حال” من الخادم ) بغسل الأطباق بالماء النظيف النازل من الحنفية ، أرادته حاراً أو بارداً حصلت عليه كما أرادته .

وهكذا أنهيت إعداد مائدتي المتواضعة في يوم كامل .

أوف ..  تعبت من مجرد السرد، فكيف بالعمل الفعلي ؟

طبعا تعلمون هوايتي في ( التنكيد ) ، وأني لا أحب إضاعة فرصة الوعظ كلما سنحت .

الآن قس كل ما يمكنك قياسه من هذه النعم على يومي الرمضاني المتعب في زمان أسماء رضي الله عنها .

كم من الوقت أمكنك اختصاره بالتمتع بكل هذه النعم التي وهبك الله ؟

لا أريد أن أكرر النعم ، ولكني أريدك أن تفتح باباً واسعاً لخيالك وتفكر .

والآن …

ماذا فعلت في هذا الوقت الزائد ؟

ماذا فعلت في هذا الجهد الفائض ؟

هل أمضيته في طاعة أو أضعته في كلام فارغ لا يأتي عليك بنفع ، أو الأسوأ من ذلك : في معصية تحارب فيها الله ، الكريم الذي وهبك كل شيء ؟

هل تقاصرت همتك عن ختم جزء من القرآن ، أو عن أن يلهج لسانك بتسبيح الله بعض مئات المرات ( وللمعلومية فكل مئة تسبيحة تستغرق 3 دقائق فقط ) .

هل ألغيت قيام نصف التراويح لأنها متعبة  وتستغرق وقتاً طويلاً ، ثم هي سنة بعد كل شيء وليست فرضاً؟

تعتقد أن أسئلتي صعبة ؟

ماذا لو سألتك عن حفظ القرآن ، أو طلب العلم ، أو خدمة الفقراء في بيوتهم ، وغيرها من الأعمال الكبيرة فعلاً ؟

هل تشعر أنك مكبل عن الذكر والطاعة ؟

لا بأس لا بأس ..

لا أريد إحراجك ..

أنا فقط أسأل نفسي المقصرة عن طريقك .

عذراً !

لابد لي من القيام لإعداد الشوربة والسمبوسك ، بالطريقة الحديثة هذه المرة ، فلم أقرأ القرآن اليوم بعد .

Read Full Post »

Older Posts »