كيف نغرس تعظيم الله في نفوس الناشئة
18 مارس 2013 بواسطة هناء
حضرت محاضرة للأستاذة أناهيد السميري في المدينة بتاريخ 4/5/1434 هـ ، بالعنوان أعلاه . حضرت وكلي شغف لأتعلم عن أفضل الوسائل لهذا الفعل ، ليقين اعتقادي بأن كل ما يجري في الساحة من انتهاك الحرمات و التطاول على المقدسات إنما نشأ من قلة أو انعدام تعظيم وتوقير الله تعالى في قلوب الفاعلين ، فإن المرء إذا خلا قلبه عن معبوده الذي فُطر على تعظيمه ومحبته كان بدناً بلا قلب ، ومن ثم أتى بالعجائب و الطوام .
كانت المرة الأولى التي أحضر فيها للأستاذة أناهيد أي درس . إذا رأيتَها لم تعنَ بها أو تبالِ : فهي امرأة بسيطة الهندام للغاية ، وأبعد ما تكون عن البهرجة ، ولكنها إذا تكلمت علمت أنها جبل حوى علماً.
بدأت الأستاذة كلامها بالناشئة ، وقالت أن أعظم ما يمتلكه هذا النشء هو الفطرة السوية التي خلقه الله عليها ، ومن مزايا هذه الفطرة :
– لها استعداد تام لقبول التعاليم الإلهية والأخبار عن الله تعالى .
– فيها نداءات أساسية تحتاج إلى تلبية : أنا ضعيف يحتاج إلى قوي ، أنا عاجز يحتاج إلى قادر ، أنا فقير يحتاج لغني ، أنا جاهل يحتاج إلى عالم ، وهذه النداءات جوابها في قصار السور بشكل عام حيث يلفت القرآن النظر إلى الإله القوي ، العليم ، الحكيم ، القدير ، الغني ، وهذه من فضائل تلك السور حيث أنها هي التي يُبدأ بتحفيظها للناشئة ويُقرأ بها في الصلوات فتنغرس تلك القيم في وجدانه غرساً .. ولعل أعظم هذه السور: سورة الإخلاص التي فيها : ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ) فمن هو الصمد ؟ هو الذي تصمدُ إليه الخلائق ، ترجوه وتسأله وتضرع إليه حاجاتها سبحانه، وهو الصمد لا جوف له (فلا يحتاج لشيء) ، وهو الصمد ترفع إليه الحاجات : السيد الذي كَمُل في سؤدده وقدرته وعلمه . ( قلت : أرأيت لو غرسنا في نفوس أطفالنا هذه المعاني في كل مناسبة ، أكان يصدر منهم سوء أدب أو شك أو كفر بالله ؟ )
– تحب الكمال والإحسان ، لذا نجد الله تعالى يصف نفسه دائماً بالإحسان : ( هو الذي خلق لكم ما في الأض جميعاً منه ) ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها ) (الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل و النهار ) .. وإن شئت فضع في محرك البحث في تطبيق القرآن الكريم كلمة ( لكم ) وتأمل في إحسان الله .
ومع هذه الفطرة السوية التي تستوي لدى النشء ( قبل أن يطرأ عليها تدخّل البيئة كما في حديث فأبواه يهودانه وينصرانه ) فعندهم أيضاً جانب الطباع ، الطيبة منها والسيئة ، وكثيراً ما تغشي الطباع أعين الوالدين والمربين عن الفطر السوية ، ويتم التعامل مع النشء على أساس الطباع فيقع الظلم عليهم .
فإذا أدركنا هذه الأمور علمنا أي بيئة خصبة ومواتية نملكها ، وسلاحنا الوحيد الذي نحمله هو : الكلام . لكن المشكلة تكمن في أن الكلام إذا خرج بلا مشاعر حقيقية فإنه يصل إلى الطرف الآخر ميتاً مهما كانت حياة الجهة المستقبلة ، فإذا كنا نشتكي أن الناشئ لا يتقبل ( وهو مَن عَلِمنا أن فطرته السوية المتقبلة للتعاليم الإلهية ) لعلمنا أن الخلل من كلامنا نحن الذي يخرج ميتاً بلا مشاعر لأننا لا نستشعر أنفسنا عظمة الله فلن نستطيع أن نوصلها إلى أصحاب الفطر النقية ، ومعلوم أن تصرفاتنا تعكس تصوراتنا وعقائدنا.
فإذن وصلت بنا الأستاذة أناهيد السميري أن الخلل فينا نحن المربين والآباء ، فكان لزاماً علينا أن نربي أنفسنا على تعظيم الله أولاً لنتمكن من إيصال هذه المفاهيم للناشئة ، وعلى قدر علمنا بالله تكون قدرتنا على غرس تعظيم الله في قلوبهم ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في سورة الرعد ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ) فهذا الزبد ، الغثاء ، الذي لا نفع فيه بل قد يكون مضراً ، لا سبيل لدفعه إلا بسيل من العلم ، أما القطرة والقطرتان ( الكلمة و الكلمتان في تعظيم الله ) فلن تصنع شيئاً ، إذ الانشغال بتفاصيل المعرفة بالله هي التي تؤثر على المشاعر وبالتالي العمل .. واقرأ آيات القرآن تجد تفاصيل المعرفة في كل مكان : أسماء الله وصفاته وأفعاله تفصيلاً دقيقاً عجيباً ، والملائكة وتفاصيل اليوم الآخر .. ما أتى الله تعالى به عبثاً وإنما لتقر هذه المعاني في القلوب إذا تدبرتها .
ثم ضربت مثلاً جميلاً كلنا نعرفه في سورة النور ( الله نور السموات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور يهدي لنوره من يشاء ) .
فالمشكاة ، التي هي الكوة في الجدار ، فيها مصباح (فتيل) ، والفتيل في زجاجة ( السراج) وهذه الزجاجة كأنها كوكب دري من شدة صفائها ( فالزجاجة وحدها تلمع لمعاناً شديداً إذا سقط عليها النور ) . هذا الفتيل يوقد من زيت شجرة مباركة زيتونة ، هو في غاية اللمعان والصفاء حتى إنه يكاد أن يضيء ولو لم تمسسه نار . فقلب الناشئ هو الزجاجة اللامعة بفطرته السوية ، والعلم عن الله الذي يجب أن يتلقاه هو الزيت الذي يمد الفتيل ، والذي يكاد أن يضيء وحده ، فإذا اجتمعت مع الفطرة السوية والزيت المضيء وجودها في محضن طيب (المشكاة ) لكان هذا المصباح من أقوى ما يكون إضاءة وإنارة ، لهذا لما تلقى الصحابة سيول العلم عن الله ، صادفت فطراً ناصعة ومشاعر قوية من المتكلم فكانوا مَن نعرف ؛ ترسخت المعلومات عن الله في القلوب فأصبحت عقائد ، ثم تفاعلت هذه العقائد مع الطباع فأخرجت شخصيات مختلفة كلها تسد ثغرات لتخدم هذا الدين.
عودة مرة ثانية وثالثة وعاشرة إلى من سيلقي بسيول العلم على أسماع الناشئة ..
عودة إليك أنت أيها الأم أو الأب أو المعلم .. تعاهد نفسك أولاً بالتربية والتعلم عن الله تعالى لتستطيع أن توصل هذه السيول من المعلومات التي تدفع الزبد عن القلب ، وهذا لن تتوصل إليه مالم تقرأ القرآن قراءة تدبر تنتبه فيها إلى خمسة أمور مهمة :
1- ملاحظة أسمائه تعالى وصفاته وأفعاله .
2- صفات أولياء الله .
3- صفات أعداء الله .
4- معاملته تعالى لأوليائه .
5- معاملته تعالى لأعدائه .
انتهى اللقاء مع الأستاذة ، وكأنما هبطنا من حالق .. ساعة ونصف قضيتها في رحاب غير الرحاب ، وفي عالم غير العالم .. فتحت لنا فيه آفاق جديدة في إصلاح أنفسنا أولاً ثم تمهيد الطريق لإصلاح النشء .
للحديث بقية ، ولعلي أكمله في تدوينة أخرى يوماً ما .
0.000000
0.000000
أرسلت فى أمور عائلية وما إلى ذلك | مصنف القرآن, الأبناء, الإسلام, الدين | 11 تعليق
صدقت ياهناء هذا ليس انطباعك وحدك بعد الخروج من هذه المحاضرة المميزة وكأننا نسمع عن انسان اخر غير الذي درسنا عنه وتعاملنا معه فقوة الطرح وعمقه تعطيك احساس انك يجب تبذل الكثير لتحصل من هذا العلم الغزير وبعدها اسال الله لاستاذتنا اناهيد ولك استاذه هناءولي ولكل طالب علم القبول والاخلاص والسداد
جزاك الله خير هناء من جد كان مرة نفسي احضر المحاضرة بس ما قدرت ،فمرة فرحت لما شفت عنوان المدونة،احنا في انتظار البقية.
كلام جدا مؤثر و فعال،،
بارك الله في قائله و ناقله و ناشره،
و نفعنا الله و إياكم بما نسمع!
نقطه مهمه كنا غافلين عنها
رائعه
جزاك الله خيراً أستاذة هناء
وبارك في الأستاذة أناهيد وزادكم علماً ونوراً
ونفعنا بما قرأنا وعلمنا
بارك الله فيك أخت هناء
حضرت ولله الحمد المحاضرة الأولى، ولكن لم يتيسر لي حضور اللقاء الثاني فهل يمكنك وضع تلخيص له من الأولى ؟
مثل الأولى
نسأل الله ان يعيننا على تربية أبنائنا التربية الصالحة
ماشاء الله درر بارك الله في المدرسة وفي الناقلة
اللهم بارك ، فعلا يشدنى كلام الأستاذة جدا ، ربنا يبارك لنا فيها وفيكم جميعا
جزاك الله خير أخت هناء على هذا النقل الرائع 🌷