يوم رمضاني في زمن اسماء !
5 أوت 2011 بواسطة هناء
منذ أن كتبت التدوينة السابقة ، لا زال قلبي مبحراً في آلاء الله .
وزاد شعوري بالامتنان لله واهب النعم مشاهدة حلقة من برنامج آلاء والذي يعرض في عدة قنوات محافظة .
صرت أبحث بعقلي وعيني عن مظاهر نعم الله على عباده .
وأود في تدوينة اليوم أن أشارككم بعض النتائج .
قد تكون الفكرة مكررة ، ولكن ( معليش ) .
اصبروا عليّ واعتبروها مجاملة عابرة من تلك المجاملات التي تقدمونها لي بين الحين والآخر عندما أفرض عليكم قراءة ذكريات امرأة عجوز أو أحداثها اليومية .
دخلت المطبخ قبل قليل للبدء بإعداد طعام الفطور .
هنا هالني كمية النعم الموجودة في المطبخ .
أتعلمون كم من الوقت والجهد اختُزل بهذا التطور الحضاري الذي أصابنا ؟
هذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول : ” تَزَوّجَني الزّبَير وما لـه في الأرضِ مِنْ مالٍ ولا مَمْلوكٍ ولا شيءٍ غيرَ ناضحٍ وغير فَرَسِهِ ، فكنتُ أعلِفُ فرسَه ، وأستقي الماء ، وأخرِزُ غَربَهُ وأعجِن ، ولم أكن أُحسِنُ أخبز ! وكان يَخبزُ جاراتٌ لي من الأنصار ، وكـنّ نِسـوَةَ صـِدق ، وكنتُ أنقل النّوَى من أرض الزّبير التي أقطَعَهُ رسولُ صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهي مِنِّي على ثُلثَي فَرسَخ … “
كلما قرأت أثر أسماء أضيع يدي على رأسي لهول فعلها وأتخيل نفسي مكانها في حر المدينة الشديد التي من صبر على لأوائها وجهدها كان النبي صلى الله عليه وسلم له شفيعاً وشاهداً يوم القيامة .
اليوم جلست أفكر في طريقة إعداد مائدة الإفطار والتي ستتكون اليوم من شوربة الحب ، والسمبوسك باللحم المفروم ودوارق الماء البارد وعصير الفيمتو والتانج فقط.
فكرت أني لو كنت أعيش في زمن أسماء رضي الله عنها فلا بد من الاستيقاظ من الفجر أو قبله بقليل لأعد هذه المائدة البسيطة ، فضلاً عن الأصناف الأخرى والسحور .
دعونا نلعب هذه اللعبة ونتخيل كيف سنصنع لو كنا في ذاك الزمان وأردنا إعداد هذه المائدة .
أولاً لابد أن نذهب للبئر للحصول على الماء ..
الله يعلم أين تقع البئر .. لا أظنك ستجد بئراً في حديقة كل بيت .
كم دلواً سنحتاج ؟
نحتاج ماء للشوربة ولعجين السمبوسك والفيمتو والتانج ..وللماء نفسه .
أوه ، نسيت أني يجب أن أغسل المكونات .. هذا ماء إضافي .
والآن عليّ أن أذهب إلى الحظيرة ، أجمع بعض البيض لأضعه بعد سلقه في حشوة السمبوسك ، ثم أمر على الأغنام ، أنتقي خروفاً حسناً فأذبحه ..
يا إله الكون ، ذبحه وسلخه وتقطيعه وتوزيعه سيستغرق النهار بأكمله ..
لا تنسوا أني لا أملك ثلاجة في هذا العصر ، والخادم ستكون مشغولة بتوصيل قطع اللحم إلى جيراننا.
والآن أضع اللحم بعد غسله في القدر لينضج ، ولابد أن أعجن مبكراً ليرتاح قليلاً قبل فرده .
أخرج مرة أخرى إلى الجرين ( المخزن ) لأستخرج منه حبات القمح التي حصدها أولادي قبل فترة ..
أضعه في الرحى ( الطاحونة ) وأطحنها ..
يا إلهي ، هذا أمر متعب ..
أوتش .. أنظر إلى يدي فأجدهما شديدتا الإحمرار وبعض الندوب هنا وهناك من هذه الرحى الثقيلة .
أخيراً صار عندي بعض الدقيق ، أصب عليه شيئاً من الماء في الدلو وأعجن عجيني، وأتركه ليرتاح في (الطست) .
أنظر إلى الشمس ، انتصف النهار وأنا في عمل مستمر .
أين بناتي الكسلانات ؟ أين تلك الخادم المراوغة ؟
تركنني جميعاً لأعمل وحدي في إعداد هذه السفرة المتواضعة .
عليّ ملء هذه الجرار الفخارية ووضعها عند النافذة لتبرد قليلاً قبل تناولها عند أذان المغرب .
أووووف . هذا الدلو ثقيل .
لا أعلم كيف تحمل الحمار المسكين وزنه طيلة هذه المسافة من البئر ( التي لا أعلم حتى الآن موقعها ) إلى بيتي .
هذه الجرة للماء ، وهذه للتانج والثالثة للفيمتو .
وهنا أستميحكم عذراً على تجاوز هذه النقطة وأرجو أن لا يسألني أحد من أين حصلت على الفيمتو والتانج في ذلك الزمان ، ولكن لابد لقصتي من بعض الحبكة غير المنطقية ، فقط لتكونوا في الصورة .
أووووووه ، نسيت أن أفرم اللحم .
أتطلع إلى الشمس بقلق فقد بدأت بالاصفرار ، ولم يتبق للمغرب إلا ساعتين ونصف فقط .
منذ أن استيقظت فجراً لم أتوقف عن العمل إلا لأداء الصلاة .
حلقي يكاد يتشقق ، وقواي بدأت تخور .
لا ، لست هنا مريضة بالسرطان لحسن الحظ .. يكفيني هذا العمل .
وضعت اللحم في هاون معدني كبير وصرت أضرب به قطع اللحم ، وهنا تقافز حولي صغاري يطالبون بحصتهم في هذه اللعبة ، كلٌ يريد أن يضرب قليلاً .
أعطيتهم ذلك لأتمكن من فعل شيء آخر ..
خرجت إلى الحقل .. يا ربي .. الحر شديد ..
قطفت بعض أعواد البقدونس وأتيت ببعض حبات البصل وقفلت راجعة مسرعة قبل أن تناديني جارتي المرفهة التي تعيش في أزمنتكم لتتحدث معي ، وقد أنهت من إعداد مائدتها من العصر، وهاهي الآن تقرأ القرآن وتنتظر فقط قلي السمبوسك ..
رجعت وأعددت البقدونس وسلقت البيض بحمد الله ، ولما انتهيت وجدت أن صغاري أنهوا عملهم بنجاح …. تقريباً ..
لولا نصف اللحم المتناثر من الهاون لكان عملهم متقناً .
أعددت الحشوة وناديت على الخادم لتساعدني في إعداد السمبوسك .
فرد العجينة متعب ، وأهل المدينة معروفون بعجينة البف ، ولازالت قواي تضعف بعد كل هذا الجهد الشاق .
صرخت بصوت واهن على صغاري الذين فضلوا البقاء في أزمنتهم وقطع الوقت بلعب الكمبيوتر بدلاً من ركوب الأحصنة الخشبية واللعب بعرائس العهن ، وطلبت منهم إعداد المائدة .
أخشى ألا أكمل التدوينة لشدة ما أصابني من وهن .
يبدو أن عليّ الرضوخ للواقع وأعود لزمني ..
فالوقت أدركني ولا زال أمامي خرف التمر من النخلة ، وجلب الحطب لاستخدامه في القلي فقد استنفذ سلق اللحم ما عندي من حطب .
أوووه ، هناك إعداد الشوربة نفسها وكنت قد تمنيت لو بقي لي متسع من الوقت لإعداد بعض اللقيمات .
ولكن الوقت .. الوقت ..
إضافة إلى أن جهدي لباقي اليوم قد استنفذ ولا أعرف كيف سأقرأ وردي ، أو أصلي التراويح ..
حسناً حسناً .سأعود مضطرة (وفرحة) إلى زماني في الخامسة عصراً .
أفتح مكيف المطبخ سريعاً ، أضع الحب على الشوربة وأدعها تغلي على الموقد الكهربائي ، وأضع دوارق الماء والعصيرات في الفريزر الكبير .
أسخن الزيت وابدأ بقلي السمبوسك ، وفي أثناء ذلك تقوم الخادم سعيدة ( هذا ليس اسمها ، وإنما هو “حال” من الخادم ) بغسل الأطباق بالماء النظيف النازل من الحنفية ، أرادته حاراً أو بارداً حصلت عليه كما أرادته .
وهكذا أنهيت إعداد مائدتي المتواضعة في يوم كامل .
أوف .. تعبت من مجرد السرد، فكيف بالعمل الفعلي ؟
طبعا تعلمون هوايتي في ( التنكيد ) ، وأني لا أحب إضاعة فرصة الوعظ كلما سنحت .
الآن قس كل ما يمكنك قياسه من هذه النعم على يومي الرمضاني المتعب في زمان أسماء رضي الله عنها .
كم من الوقت أمكنك اختصاره بالتمتع بكل هذه النعم التي وهبك الله ؟
لا أريد أن أكرر النعم ، ولكني أريدك أن تفتح باباً واسعاً لخيالك وتفكر .
والآن …
ماذا فعلت في هذا الوقت الزائد ؟
ماذا فعلت في هذا الجهد الفائض ؟
هل أمضيته في طاعة أو أضعته في كلام فارغ لا يأتي عليك بنفع ، أو الأسوأ من ذلك : في معصية تحارب فيها الله ، الكريم الذي وهبك كل شيء ؟
هل تقاصرت همتك عن ختم جزء من القرآن ، أو عن أن يلهج لسانك بتسبيح الله بعض مئات المرات ( وللمعلومية فكل مئة تسبيحة تستغرق 3 دقائق فقط ) .
هل ألغيت قيام نصف التراويح لأنها متعبة وتستغرق وقتاً طويلاً ، ثم هي سنة بعد كل شيء وليست فرضاً؟
تعتقد أن أسئلتي صعبة ؟
ماذا لو سألتك عن حفظ القرآن ، أو طلب العلم ، أو خدمة الفقراء في بيوتهم ، وغيرها من الأعمال الكبيرة فعلاً ؟
هل تشعر أنك مكبل عن الذكر والطاعة ؟
لا بأس لا بأس ..
لا أريد إحراجك ..
أنا فقط أسأل نفسي المقصرة عن طريقك .
عذراً !
لابد لي من القيام لإعداد الشوربة والسمبوسك ، بالطريقة الحديثة هذه المرة ، فلم أقرأ القرآن اليوم بعد .
0.000000
0.000000
أرسلت فى نظرات ثاقبة, خواطر ، | مصنف نعم الله, هراءات, القرآن, المرأة, الإفطار, الدين, خواطر | 3 تعليقات
الخيال في هذه التدوينة ليس بمتباعدٍ زمانه لو أردنا الحقيقة … وأكبر دليل هو أن والدتي تسرد لي مثل هذه القصة كلما تأففتُ قليلاُ من قلي البف اليومي والذي أكرهه بسبب رائحة القلي التي تلتصق بملابسي .. أو إن شكوت الغسيل المتكرر أو ربما أن أخي قام بتغيير ثوبه عدة مرات في اليوم وهذا يعني أن سلة الغسيل تحتاج إلى تفريغ، وربما ترك كأساً شرب فيه ماء أو شاياً دون ارجاعه إلى المطبخ … فتبدأ بسرد يوم من الأيام العادية في الصين … وكيف لأنها تسكن في قرية فكانت تقوم من الصباح الباكر لإحضار الماء من البئر والذي يكون بارداً جداً فتتألم يداها من جر الحبل والبرودة في وقت واحد … أو كيف أن الاستحمام يحتاج إلى تسخين الماء بالحطب وكيف كانوا يكتفون باستحمام واحد كل شهر لبرودة الجو.. أو كيف تقوم بحلب البقر واطعام الدجاج وفوق هذا وهذا كانت تقوم بالمداومة في المحل للبيع وحين تعود للمنزل ينتظرها العمل المنزلي.. كيف تقطع المشوار الى السوق مشياً على الاقدام وهو بعيد وخارج القرية لتعود أحياناً في وقت متأخر من الليل.. كيف أنها في أيام الدورة تضطر لغسل الأقمشة وأتذكر نعمة الفام وأحمد الله تعالى ألف مرة …
شكراً استاذتي على هذه التدوينة الجميلة .. ربما أجمعك بوالدتي يوماً لتشنفي آذانك بأيام زمان وما كانت تلاقيه من العنت والنصب…
أكيد يا ميمونة
أحب أن أستمع لأحاديث الكبار ، فمنهم نستقي الكثير من الحكم ، ومنهم نتعلم الصبر وقيمة ما في أيدينا .
في الحين الذي يبدو كل ما ذكرت مثيراً بإثارة هايدي وحياتها الجبلية إلا أني أعتقد جازمة أن الخبر ليس كالمعاينة .
شكراً .. لا أريد ان أعاين !
رااااااائع جدا
موضوع راقي في كلماته ومعناه وصوره الخياليه
احينت الاختيار واحسنت الوعظ
بارك الله فيك