البحث عن الكنز !
5 سبتمبر 2011 بواسطة هناء
أوووف ..
هنا بعض الغبار ..
متى تقابلنا آخر مرة ؟
أعرف أعرف . ليلة الثالث والعشرين وفي تدوينة معادة ..
سأفترض متغابية أنكم اشتقتم لتدويناتي ( لأني اشتقت لتعليقاتكم بصراحة ) .
وأهنئكم بالعيد متأخرة ، ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل مطلقاً .
والآن ، ماذا عساي أن أتكلم عنه ؟
هل أفضفض قليلاً ؟
هل أكتب مذكراتي وما مر معي ؟
هل أكتب بعض الحكم والخواطر ؟
ليتكم تساعدوني (مرة واحدة في حياتكم فقط ) وتخبروني كيف تحبون أن تكون تدويناتي .
هل تفضلونها كمذكرات يومية أحياناً ؟
هل يزعجكم إذا ما قلبتها دروساً وعظية بعض المرات ؟
اكتبوا لي تعليقاتكم – لو كنتم تهتمون بقراءة تدويناتي – هنا أو في تويتر أو في الفيسبوك ، أو عن طريق الإيميل ، وربما الواتس أب وأخبروني عن تفضيلاتكم .
وحتى ذلك الحين فعليكم أن تقنعوا بما أكتب .
البارحة كان موعدي في مستشفى الحرس الوطني للفحص الدوري .
ليست هذه المرة الأولى التي أذهب فيها للفحص الدوري بعد انتهاء العلاجات ، ولكني لا أعرف لم كانت المشاعر طاغية هذه المرة .
انتقلت مشياً بداخل المستشفى من قسم الأورام إلى قسم مختبر القلب لإجراء بعض الفحوصات .
كنت أمشي متمهلة على غير عادتي في المشي السريع .
ربما كنت أسترجع بعض الذكريات القديمة ؟
أمر بالمقاهي الصغيرة المنتشرة التي تفوح منها رائحة القهوة والكراسون فيداعب الغثيان مؤخرة حلقي مبتسماً ويقول : فاكرة ؟
هنا غرف الكيماوي ، وهنا قسم العلاج الإشعاعي .
أما هذا القسم فقسم الأشعات : المقطعية ، والمسح النووي ،والماموجرام .. يالها من أسماء فخمة مهيبة ..
أمشي في الردهات الطويلة إلى مختبر القلب ، وأرى أفواج الأطباء والموظفين يتبادلون التهاني .
أمر بالعيادات الخارجية حيث كانت مراجعاتي للطبيب الجراح ..
يا الله .. هنا كنت أغير ضمادات جرحي بعد العملية .
أتذكر كيف كنت أقف متهالكة في غرفة الانتظار ذات المقاعد المحدودة ، ما بين تعب الكيماوي وضعف العملية أنتظر أن ترحمني إحدى الجالسات فتتنازل لي عن مقعدها أو تفسح لي مكاناً جانبها .
لم تداعت علي الذكريات بهذه الطريقة ؟
لا أعرف في الحقيقة .
لكن الغريب أني شعرت بحنين لتلك الأيام .
أبحث جاهدة في عقلي عن تفسير فلا أكاد أجد .
حنين ؟ أيكون حنيناً حقيقة ؟
من يحن للكيماوي وآلام التاكسوتير وغثيان ac ؟
من يحن للحزن الدفين الملبس بسكر المرح واللا مبالاة عند تساقط الشعر كاملاً مرتين واستئصال الثدي لأبدو بأعجب منظر يمكن أن أرى نفسي فيه !
من يحن للتعري المزعج الذي كنت أعانيه يومياً في جلسات العلاج الإشعاعي لمدة 25 يوماً ؟
من يحن لتغيير الروتين المقلق ( التغيير هو المقلق لا الروتين ) : ترك الأولاد لأسابيع طويلة في المدينة، والسفر المستمر ، والابتعاد عن بيتي : عن سريري وحمامي وكنبتي الأثيرة وبرامجي التليفزيونية المفضلة؟
لماذا أفترض أن يكون هذا الشعور حنيناً ؟
لماذا لا يكون شعوراً بالانعتاق والتخلص والفرح ؟
حسناً حسناً .
أخبرتكم منذ البداية أني لا أعرف كنه هذا الشعور .
قد يكون فيه بعض ما ذكرت ولكن قد يكون حنيناً فعلاً ..
ليس إلى التعب والنصب ولكن إلى المشاعر القلبية التي انتابتني .
كنت أجلس في غرف الانتظار وأفكر : كم من حكايا وقصص وصور ودموع شهدتها غرف الانتظار ؟
كم من العَبرات تسكب ، ومن العِبر تحصّل هناك .. وبين هذا وذاك تشهد نعم الله الجليلة عليك ، لو أفلحت أن تنظر بعين الرضا .
هذه امرأة انتفخت ذراعها بشكل ملحوظ جداً ومؤلم بعد إجراء عملية الاستئصال ، ولا حل لذلك للأسف ، على الأقل هنا في السعودية ، إلا الصبر ..
وتلك امرأة كبيرة في السن عاودها السرطان في نفس المكان بعد الاستئصال مرتين ، وهاهي عودة إلى الكيماوي والإشعاعي من جديد .
وأخرة فتاة صغيرة لم تجاوز العشرين أصابها السرطان وتعافت ثم عاد .. تتمدد بضعف على المقاعد متوسدة فخذ أمها ، وبنظرة واحدة إلى وجهها الخالي من الرموش والحواجب أعرف أنها تلقت العلاج الكيماوي ، وأتأوه بألم فقط لذكراه .
وأقلب عيناي لأجد أطفالاً في التاسعة والخامسة ، بل ودون السنتين قد عريت رؤوسهم عن الشعر بسبب العلاج الكيماوي يجلسون بوهن إلى جوار أمهاتهم فأحمد الله أني من أصابها السرطان وليس أحداً من أولادي .
كنت أشعر بفرح خفي أن الله اختارني ليلقي إليّ بهذا البلاء واعتبرته حظاً سعيداً .
أعلم أن منكم من سيرفع حاجبه ويرخي زاوية فمه اليمنى ويحرك رأسه ويفكر : هيا !! إيش هذا الاستعراض ؟
وأعذركم ..
وربما لو قرأت لشخص غيري ما أكتبه الآن لفعلت ذات الشيء .
ولكنه – والله – ليس استعراضاً ، وإنما هو دعوة معي للتأمل .
كيف أشعر بفرح ، وهو على ما يبدو من ظاهره ليس أمراً مفرحاً ألبتة ؟
ولكني لا أجد لذلك تفسيراً إلا أن يكون لطف الله ..
منذ أن أصبت بالمرض ورأيت في نفسي قوة لتقبله في ذات الوقت الذي شهدت فيه بعيني رأسي جزع من حولي
من أهلي وصديقاتي لإصابتي ، بل كنت أواسيهم وأصبرهم في مصابي ، علمت يقيناً أن الله تعالى ما ينزل من بلاء إلا وينزل معه لطفاً يساوي ذلك البلاء أو يفوقه ..
ألم يقل تعالى ” إن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً ” ؟
فهذا عسر السرطان غلبه في قلبي يسر ألطاف الله وشهود نعمه الوافرة وحب أهلي وصديقاتي الغامر .
من يقول أن السرطان دائماً تجربة سيئة ؟
حين يمكنني الله تعالى من ملاحظة نعم صغيرة متنكرة في حياتي اليومية ، ويوفقني لشكرها بلساني ، ثم يغمر قلبي حب الله ورضاي عنه ، ويلهج لساني بالثناء عليه وحمده هل تسمى هذه تجربة سيئة ؟
أرجو أن لا يفكر أحد ” يا الله ، كم هي شجاعة ومؤمنة وصابرة “..
لست كذلك (بشطارتي ) ، ولكنها رحمة الله التي وفقني لها ، وكم حُرمها كثير !
لا أدعي أني سأفرح لو قدر الله لي أن أصاب بالسرطان ثانية ، ولكن لو استمرت نعمة الله علي ولم يحرمنيها بسوء فعالي فلن أموت كمداً ..
فمن ابتلاني جدير بأن يساعدني في بلواي خاصة لو استشعرت أني أدعوه في اليوم والليلة سبع عشرة مرة: ” إياك نعبد وإياك نستعين ” .
نداء إلى كل مصاب ، وكل منا مصاب بشكل أو بآخر :
تبن معي عقيدتي بأن البلاء ينزل محفوفاً باللطف .
صدقني هو موجود .. ولكن يحتاج أن تنقب عنه قليلاً ، كالكنز ذي الخريطة المخبأ في باطن الأرض ، حتى إذا ما وضعت يدك على طرفه فسترى عون الله في تحصيل البقية .
ابحث عن الخريطة أولاً ، ثم ابحث عن الكنز !!
0.000000
0.000000
أرسلت فى ذكريات بطعم السرطان | مصنف نعم الله, الكيماوي, الأمل, الثبات, السرطان, سرطان الثدي | 10 تعليقات
رائعة كعادتك و ماهرة في استخراج الكنز ؛) او كما قلت هو لطف الله في البلاء، شعرت و انا اقرأ الموضوع بعظم المصاب و لكن يأتي الجانب الاخر المشرق و هو ان الله معنا 🙂 كم تعجبني نظرتك التفاؤلية. “البلاء ينزل محفوفاً باللطف” :’)
شكراً لانا
دورك في البحث عن خريطتك وكنزك ..
الله يعطيكي العافية يا عمتي ويديم عليكي الشفاءوالايمان ماشالله عليكي. مدونة رائعة. الله يلهمنا الصبروالثبات ويعيننا على ايجاد الخريطة.. فعلا هية ضايعة ومدفونة في اعماق الاعماق. بس انشالله نلاقيها عشان ما تفوت علينا فرحة الكنز.
رائعة واكثر من رائعة انتظر كتاباتك بفارغ الصبر
ريم ، wezza
شكراً كثير على كلامكم الحلو ، ودمتم بخير
لا بالعكس كلامك دا يخلي الواحد فعلاً يحمد الله على النعم الي عنده أولها الصحة الي ما يحس بيها الواحد الا لما يمرض لا سمح الله ..جزاكي الله خير على التذكير وجعل كل ما ماريتي فيه من الم وتعب ومعاناة في ميزان حسناتك …
ماشالله عليك دائماً تخليني احس انو حتى المصيبة هي بحد ذاتها نعمه …ربي لا يحرمنا من تدويناتك ويخليك لحبايبك^__^بالنسبة للتدوينة لا تغير اسلوبك العفوي بالكتابة لانه ينبع من داخلك …
ما أكثر الكنوز بحياتنا..
وما الطف المولى عز وجل.. أن جعل رضاه مشروط برضانا نحن،
وما اروع مدونتك .. اذ تؤكدين انهف لولا الغروب لما استمتعنا بالشروق،
وما اثمن الكنز الذى وجدته هنا.. لانك كنتى خارطة واضحة وصادقة،،،
دمتى بكل عافية ورضا.. تحياتي
اعجبني كنزك وغرت منك لابحث عن كنزي
سلمت اناملك على هذا الابداع
كل تدويناتكجميله باي لون تكتب انتي مبدعه وسأترقب جديدك
دمتي لنا ولاحبتك
تعليقي لا شيء سوى البكاء 😢
خجلت من أنفسنا حينما نتذمر ان نقصنا شيء تافه ، فعلا نحن بنعم لاحصر لها اللهم لك الحمد والله يديم عليك الصحة ياارب
حمست أمي تقرا لك يا أبله هناء ❤