Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘الصداقة’

وصلني برودكاست مضحك عبر الواتس أب يتكلم فيه عن بعض قفشات الماضي ، ومقارنات بين قطط الماضي وقطط اليوم ، وعرائس الماضي وعرائس اليوم ( جمع عروس وهي الفتاة حديثة الزواج لا الدمية ) ، وبنات الماضي وبنات اليوم .. كل ذلك مضحك ولكنه مكرر وقرأنا أمثاله الكثير، إلى أن نحا البرودكاست منحى أكثر جدية بنفس القالب المضحك ، حين تعرض لذكريات سببت لي – لسبب أجهله- شيئاً من الغصة والضيق ..

اقرؤوا معي ، وليخبرني قرائي – من زمن الطيبين أمثالي – هل شعروا بنفس غصتي ، أم أنني فقط من تتوهم ؟

” أيام زمان : تلفزيون والعشاء نواشف ، والمروحة على 5 ، وجالس تحل واجب الخط ، كانت حياة جميلة .

كل ما تعدي طيارة  نقعد نصرخ ونعمل لهم باي باي .

كنا نستنى سنة رابعة ابتدائي عشان نكتب بالقلم الحبر.

نستنى الامتحانات عشان ما ناخذ شنطة، ونستنى وقت الشهادة  عشان نلبس حلو ونتشيك .

لما أحد من أهلك يطلب منك كاسة موية  لازم تشرب شوية وقبل ما تدخل تمسح فمك عشان ماحد يعرف أنك شربت .. أكيد أنت تبتسم الآن على الأيام الجميلة .. حاول ترسلها لأصحابك ، حتلاقي نفسك بترسم بسمة على وجوه ناس كثير .. مجرد ابتسامة وقلب نظيف ، ونفس سموحة : هكذا تعيش جمال الحياة ” .

بالفعل ، ابتسمت وأرسلتها لصديقاتي ، ولكني شعرت بالضيق فجأة .. شعرت بشوق لسماع صوت المروحة الرتيب ، لهواء الحجرة الدافئ يداعب وجهي ( عبال ما يرتاح المكيف شوية يابنتي ) ، للفرحة المعلنة التي يطلقها إعلان أمي أننا سنتعشى اليوم بروست بدلاً من البيض والجبن المعتادين ، لجلساتي المسائية مع ابنة خالتي على أرضية البلكونة ، نأكل الفصفص ونشرب البيبسي المثلج ونتفرج على السيارات المارة ، وكأن أنوار السيارات عقود الضوء معلقة على عمارة عتيقة تعلن عن مِلكة أو عرس في السطح .. هل حضرت قط عرساً في سطح ؟

اشتقت لزياراتنا لجيراننا : ألعابهم غير ، وطعامهم غير ، ورائحة بيتهم غير .. كل شيء غير ، طالما أنه مختلف عما كان عندي في البيت .. ولزيارات بيت خالي الدورية في عطلة نهاية الأسبوع : عندنا أسبوع ، وعندهم أسبوع : نفرش “الطراريح” ، ونعد أفلام السهرة ليتفرج عليها الكبار ، في حين نغرق نحن الصغار في ألعاب ممتعة : مسرح عرائس ، شركات ومدراء ، برامج تلفزيونية ، وكل ذلك تكون فيه طاولة الكوي العنصر الأساسي المهم في الديكورات ، فهي تارة خشبة المسرح ، وتارة مكتب المدير ، وثالثة طاولة مقدم البرامج .

اشتقت لذلك الفرح الأصيل بلقاء عائلة خالتي كلما قضينا العيد عندهم في الخبر – مسقط رأسي- حيث تجتمع العوائل وتوصل حبال المودة  ، نصنع الزينة بأيدينا من ورق الكريشة ، ونفتح الهدايا يوم العيد ، بتؤدة ورصانة في البداية ثم لا نملك أنفسنا من تمزيق كل شيء كالمجانين وسط ضحكات الكبار واستحسانهم ..

بعض الروائح والمذاقات لا تزال في حلقي .. هل سمعتم برائحة تجد أثرها في الحلق ؟ الحقيقة – رغم غرابتها – أني

أجد هذه الروائح العتيقة في حلقي . سرني أن  أجد أن هذا البرودكاست قد أحدث نفس الأثر في نفوس صديقاتي .. فعلمت أني لست وحدي (غاوية النكد ) ..

شاركتني صديقتي الفاتنة سارة ( هل تذكرونها ) بعضاً من ماضيها الجميل ، ووهبتني شيئاً من شذاها العبِق ، ووجدت نقاط مشتركة كثيرة ، رغم أن ماضيها في المدينة ، وماضيّ في جدة ، ولكن الزمن واحد والطفولة واحدة ، وإن اختلفت البلدان .

تساءلتُ : لماذا نجد الماضي سعيداً ، رغم أن الحاضر أيسر وأسهل ؟ فأجابتني سارة بإجابة رغم بساطتها وبدهيتها ، إلا أنها غابت عني حيناً من الدهر : الحياة البسيطة تثير المشاعر وتقويها ، وتحسسك أيام الطفولة بالدفء الاجتماعي. ثم سردت لي بعضاً من طفولتها : تنزلي عند الجيران = تسكني عند الجيران ! تنامي عند قرايبك على مراتب يفرشونها في الصالون ، تلتم الأسرة في  الشتاء على المنقل “وبكرج” الحليب ( هل ثمة من يذكر هذه الكلمة ؟) وفناجيل باعشن. الصدور كانت واسعة ولا تشعرين بالحرج لو نقصك شيء واستعرت من الناس ، والعائلة وضيوفها كلها- وأنتم بكرامة – في دورة مياة واحدة ، ولا يصيبهم الضيق لذلك ، إذ الضيق في الصدور .

ذكرت لي الذهاب للبساتين صباحاً مع العائلة ( البساتين التي كادت أن تندثر مع توسع المدينة العمراني ، والله العليم ماذا سيحل بها بعد نزع الملكيات ) والاجتماع على الفطور : جبنة ، زيتون ، شريك ، شاهي منعنش ، وأحياناً حلاوة طحينية وفول وبيض حسب التيسير . نسيم البستان المحمل برائحة الزرع ، وصوت ” ماطور” الماء لازال في أذني حتى الآن ، كما هو صوت المروحة ، وكأنه يقول : استمتعوا بلحظات عذبة قد لا تعود إليكم متعها أبداً.

أتذكر تسليتنا بالدمى على مختلف الأنواع ، وإلا فلعب بالطين في الحوش وبعلب الجبن والصلصة نصنع قوالب “الكيك” ، ونلعب الزقيطة أو أم الخمسة ونط الحبل واللب ( التيلة أو البلي ، تعددت التسميات ) ، وحينما نغافل أهالينا أحياناً لننفلت في الشارع، نشتري البليلة و “تماتيك” ، وأحياناً أيسكريم التركي أو شراب الخربز المثلج (سلاش) أو المنتو من اليمني أو المنفوش فذلك النصر المظفر .

كثير من ذكريات سارة تشابه ذكرياتي : أنا أيضاً كانت أحلى أوقاتي حين أذهب للدكان مع أخواني وأتطلع إلى الحلويات وكأنها مجوهرات بولغاري أو ساعات رولكس ، وأشتري بنصف ريال ما أعجز عن حمله ، ثم نعرج على مخبز “الهولي” لنشتري منه خبزاً لابد أن يهش له الوجه النكد ! وأتوقع أن أهل نجد يجدون في رائحة الشجر المحترق وثغاء الماشية وخوار الأبقار سيمفونية عذبة مع “ماطور” الماء نفسه الذي يمد قنوات المزرعة بالحياة .

كانت الحياة بسيطة غير معقدة .. متعبة أحياناً .. يفوتك بعض من طيباتها أحياناً لقلة ذات اليد ، أو لصرامة الأهل، ولكن كانت الألفة والاجتماع والمشاعر الطيبة هي السائدة ( غالباً) . أخبروني .. هل لا زال أحد من الأطفال في هذا الزمن يرضى أن يحمل كوباً ويذهب به إلى الجيران ويقول لهم : أمي تسلم عليكم وتقول لكم أعطوني سكراً ؟ هل  لازال أحد يرسل لقيمات وسمبوسك وبريك في رمضان طعمة للجار غير الحميم ؟ هل يستطيع أطفالنا أن يقضوا سحابة أيامهم بلا أيبادات أو أجهزة (غبية) سلبت منهم بهجة المشاعر البشرية مع أشخاص حقيقيين ، وليسوا افتراضيين يوالونهم على حساب والديهم وإخوانهم ؟ هل لا زال مسمى “العائلة” و “الجيران” بمعناها الحقيقي موجوداً ؟

أرثي لحال أطفالي وأحفادي ، حين يكبرون ويحتاجون لتحديث ذاكرتهم أحياناً ، ماذا سيسترجعون ؟ إما شاشة أيباد أو شاشة أيبود أو شاشة كمبيوتر .. فأين الحب والذكريات السعيدة والعلاقات الاجتماعية البشرية ؟ أين اللعب مع الأقران ومحبة الوالدين والإخوان ؟ بل وفي كثير من الأحيان يمتد هذا السخط لينال من الدين والأعراف النبيلة ومكارم الأخلاق بعدما انتهت السخرية من الأمور العادية ..

يضحكونني حين يسمعوننا نسترجع القديم فيقولون بنرة سخط واضحة : أيامكم كانت “بيض” !!

وددت لو أني عرفت ما المسلي في أيامكم أي بَنيّ وأنتم لا تفتؤون تشتكون : طفش ، ملل .. حتى إذا ما هممت بإلقاء محاضرة تربوية قيمة، لم ألبث أن أُذكر نفسي أن هذه حياتهم ، وأن كلامي لن يزيدهم إلا سخطاً ونفوراً .. فأخرس على مضض وأحاول أن أُغرق نفسي في بعض الذكريات ترطب شيئاً من جفاف الحياة وتهبني قبساً من دفء الماضي ..

Read Full Post »

استيقظت لصلاة الفجر ، وشرعت في إيقاظ الأولاد للحاق بالصلاة في المسجد والبنات للمدارس ، وإلى أن يستعدوا للقيام فتحت تويتر لأجد منشناً ورسالة على الخاص تسألني عن خالد ، وهل صحيح ما “سمعوه” ؟

هوى قلبي بين رجلي .. أنا لا أتابع خالداً في تويتر ، فما الذي ” سمعوه ” بالضبط ؟

جريت لحجرة فاطم فوجدتها تجلس على سريرها بذعر تمسك بجوالها وتقرأ .. سألتها عن خالد ، هل قرأت عنه خبراً ؟

أجابتني بالنفي وقالت : لا أعرف .. سألني سهل عنه ، وأرى هناك هشاتاق اسمه #freejst5ald ..

ما هذا الاسم المفجع ؟

وسرعان ما دارت بي الظنون .. هل اعتقل؟ لكني لم أسمع صوتاً في الليل وحجرتي تطل على الباب الخارجي مباشرة .

لِم لم تتصل بي أروى ؟ لِم يعتقل أصلاً ؟

أسرعت بالاتصال بأروى فلم ترد ، ثم بخالد ، فلم يرد .. هل اعتقلا معاً ؟

أفلام هندية انعقدت في مخيلتي على الفور ..

لا زلت تحت تأثير صدمة حمزة كشغري ، والذي تعاطفت مع أمه حتى قبل أن أسمع اتصالها ببرنامج البيان التالي .

فأنا أم ، ولي أبناء يخالفونني في الكثير من الآراء .. وأعلم جيداً كيف هو الشعور الذي يسفر عن التباين الواضح بين تربية الأم الحازمة وتفلت أبناءها من آرائها .

اتصلت بأروى ثانية ، فردت عليّ .

حاولت أن أتلمس في صوتها ذعراً أو خوفاً ، ولكنها كانت تتكلم بهدوء تام .

سألتها عن خالد ، فقالت موجود .. فقط قرر أن يحذف حسابه في تويتر ، وخلد إلى النوم .

كدت أن أسألها : متأكدة أنه موجود ؟ هل هو أمامك ؟

ولكني عدلت عن ذلك لأني اكتشفت أني سأبدو بلهاء لو سألت .

عرفت في  الأخير أنها مزحة من أحد أصدقائه حينما قررخالد إغلاق حسابه لفترة ، فأطلق الهاشتاق مع مزحتين صغيرتين ، لكنها كانت كفيلة بأن تقض مضجعي بسؤال الناس عنه .

نسيت في غمرة ذهولي أن أتابع الأولاد ليذهبوا للصلاة ، وجلست على السرير أحدق في الجدار الذي أمامي ، وذهني فارغ تماماً .

انتبهت متأخرة أن الصلاة قد انتهت وأن الفجر بدأ بالإسفار ، فقمت لأصلي وأعد البنات للمدرسة .

بعد مغادرة من في البيت أمسكت ثانية بالعصفور الأزرق الذي أزعجني تغريده وهز كياني النفسي ، وقرأت التغريدات المكتوبة ، ثم أفرغت بدوري كل ما في جعبتي من زقزقات صارخة وبكيت !

لأول مرة منذ دخولي هذا العالم اُصاب بإحباط عنيف  .

ماذا جنيت من تويتر ؟

قبل يومين يدعو عليّ أحدهم معتبراً إياي مدافِعة عن من انتقص الله تعالى ورسوله ، فقط لأني دعوت له بالهداية ، ولأمه بالربط على قلبها ، واليوم أصطبح بسؤال أثار في نفسي خوفاً ورعباً وبكاء .

ماذا جنيت من تويتر ؟

وسرعان ما انهالت عليّ الردود ..

ردود جميلة ومشجعة بالفعل أرضت الكثير من غروري .

كنت عازمة على إغلاق حسابي في تويتر ..

فلما قرأت هذه التغريدات ، فكرت في أن أعيد نظر في موضوع تويتر بأكمله .. في الحسنات والسيئات ، وبعدها أقرر.

وزادني إصراراً على ذلك تغريدة أخيرة وصلتني تعلن لي إتمامي عامي الأول في تويتر ..

ماذا جنيت من تويتر ؟

حسناً .. أعترف أن هناك بعض السلبيات التي تضايقني ..

هناك ” التميلح ” الذي أراه طاغياً بين النساء والرجال ، وكأنهم أخوة ومحارم .

بعض الناس تعدوا مرحلة النقاش الهادئ المحترم وتجاوزوا الحدود المعقولة في المزاح و “تلقيح الكلام ” حتى صرت أعجب من الأزواج والزوجات .. ألا يغارون ؟

أتراني أضايق أحداً بكلامي هذا ؟

 أدرك أني – كما ذكرت في البايو- مطوعة ، وهذا شأن المطاوعة دائما ً: هدم اللذات وتفريق الجماعات ولكنه يضايقني يا جماعة ولا أستطيع أن أكيّف نفسي لأرضيكم .

شيء آخر ..

بعض الناس يتحسسون من عدم متابعتي لهم أو يؤثر عليهم إلغاء متابعتي خاصة وأن ذلك لا يتم غالباً بعد مشادة ، وإنما سلمياً وحبياً .

فتجدني بين الحين والآخر أضطر إلى إصدار إعلان أبين فيه سبب عدم متابعتي لكل الناس أو إلغاء المتابعة ، وهو أني أجد من الصعوبة بمكان أن أتابع أشخاصاً يخالفوني كثيراً في منهجي وطريقة تفكيري .

عده توحداً ، عده غروراً .. عده تفرداً بالرأي أو أنانية .

ولكني امرأة فقدت – مع تقدمي في السن – أعظم ما يمكن أن يتحلى به الشباب وهو المرونة .

نعم ، لا أريد أن أقرأ مخالفة ساخرة لمنهجي أو للأشخاص الذين  أتبعهم أو أبجلهم ..

من حقي أن أرفض قراءة التغريدات التي تصم بعض مفردات منهجي بالتشدد والانغلاق ..

هذا أو أدأب على مهاجمة المهاجمين ومحاورتهم والرد عليهم ..

ولا أعتقد أن تويتر جُعل من أجل هذا ، فلذا كان إلغاء متابعة البعض ، وعدم متابعة البعض الآخر من الأصل خير الأمور بنظري ، خاصة لو كان هؤلاء من الموغلين والمكثرين في الخوض  وبسخرية .. ولكن بعض الناس حساسون ..

وهذه الحساسية تتعبني ..

في تويتر الكثير من الغيبة وإساءة الظن و( الحش ) وسوء الأخلاق .

في تويتر تصلني الأخبار السيئة التي تتعب قلبي بالفعل .

تصلني بالتفصيل .

أخبار سوريا .. أخبار المعتقلين .. أخبار التيارات الفكرية المناهضة .. أخبار الفساد في البلاد ..

وأظل أنزل كل ما أقرؤه على نفسي وأولادي ..

 ولا تزال الأفلام الهندية تعمل في ذهني ..

وأزداد قهراً وغيظاً .. إذ ليس بإمكاني أن أفعل شيئاً.

ولا تزال نفسيتي تتأثر ، فأنا – كما ذكرت  مراراً – صرت أكثر حساسية بعد السرطان ..

ربما لاقترابي جداً من الموت في فترة من الفترات .. ربما بسبب العلاج الهرموني الذي أتناوله الآن .. ربما أبالغ !

 ما هذا الطائر الأزرق المزعج ؟

عهدي بالعصافير أنها رقيقة ، ولزقزقتها جرس عذب ..

أما تويتر فيكون أحياناً غراباً متنكراً – ببلاهة – بزي عصفور أزرق صغير .

ولعل أكبر المساوئ التي وجدتها لتويتر : سرقة الوقت .

أضحك من نفسي على الأوقات الطويلة التي أمضيها في تويتر ولا يزيد عدد من أتابعهم عن 130 مغرد .

كيف كان الحال لو كنت أتابع 400 مثلاً ؟

فقدت متعة القراءة في الكتب الورقية ذات الرائحة الزكية  بسبب انشغالي في تويتر .

فقدت متعة جلوسي مع عائلتي ، فتجدني أغلب الوقت في حجرتي أبحث عن مصدر من مصادر …. الهواء ؟

لا ، بل مصادر تويتر : آيباد ، آيفون ، لاب توب ..

حتى أني فكرت في تحميل التطبيق في آيبود البنات ، ولكني تراجعت سريعاً بعدما أحسست بغباء الفكرة .

كنت أضطر في أيام الاختبارات إلى الحلف أني لن أمسك تويتر لمدة ساعتين لأتمكن من إنجاز شيء ما ..

يا للهول ! ساعتين !!

هذا إدمان ، لنكن صرحاء ..

وليس دواء للإدمان أفضل من الحزم والصرامة .

ولكن هل هذا كل شيء في تويتر ؟

وعدتكم أن أكون صريحة ..

لا .. هناك خير كثير .. وبرأيي أن الخير يعتمد على المرء : يجلبه لنفسه أو يدفعه .

استفدت من تويتر أن أعرف الشر ..

قد يكون من الشر التعصب لرأي واحد طالما نشأت عليه دون الإصغاء للآراء الأخرى التي قد لا تقل وجاهة وتعقلاً عن رأيي .

تعلمت في تويتر أن أُعمل عقلي وأعترف بالخطأ ..

أعتبر نفسي امرأة عاقلة ، لي من الحكمة التي في اسم عائلتي نصيب .. وعندي بعض العلم الذي اكتسبته من الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .

قد لا أكون محقة دائماً ، ولكني لن أعدم بعض الحق .

فلأفكر إذن ، ولا أتعصب لرأيي .. المهم أن أفكر ، أن أعمل الأدلة التي طالما درستها .. أن أقلب الأمور في ذهني ، ثم أمضي بما أراه صائباً ، مراقبة الله تعالى في ذلك .

تعلمت في تويتر ضبط النفس ، إذ أن تغريداتي لا تعجب كل الناس بالضرورة ، وهذا حق ، فالناس تتفاوت أذهانهم وآراءهم ، ولا زال الاختلاف من سنن الله في عباده  ، ولكن بعض المتابعين تضيق نفوسهم برأيي المخالف لهم فيسيئون الأدب ويتعدون الحدود ويشعل الشيطان في النفوس نار الجدال والغضب ، فأتذكر ( لا تغضب ) ، فأرد على سفه البعض بتعقل ، فإن استمر في سفهه فإني أعد كلامه السيء لغواً ، أمر عليه قائلة ( سلاماً ) وأترك الجدال وإن كنت محقة .

استفدت من تويتر أجوراً  أرجوها من الله تعالى ، إذ أنه مجال خصب للدعوة والتذكير بالله الجليل بين أناس فيهم الكنوز الهائلة من الخير طمرتها أتربة الغفلة والهوى ..

أذكرهم ، وأذكر نفسي عن طريقهم ، فلا أريد أن أدخل في الوعيد ( كنت تأمر الناس بالمعروف ولا تأتيه ، وتنهاهم عن المنكر وتأتيه ) .

أنشر بينهم حب الله تعالى الذي أراني – حينما مرضت بالسرطان –  منه ما تعجز الألسن عن وصفه من الجمال والجلال والخير .

لا أريد أن يُبتلوا ليشعروا بما شعرت به من نعيم .

استفدت من تويتر حب الناس وجبرهم لخاطري وتشجيعهم لي ..

كاذب من يدعي أنه لا يحب الثناء ، فلو كان المثنى عليه امرأة كان حب ذلك أبلغ !

حقاً إنه شعور موغل في اللذة والسعادة أن تجد من يمدحك ويشعرك بأهميتك ويثني على بعض صفاتك في وسط يحب كثير من أفراده التهجم والانتقاد واللمز .

ثم ترجع وتجدد حمدك لله على هذه النعمة العظيمة .

استفدت من تويتر التسلية الهائلة في الأوقات التي أكاد أن أتشقق فيها من الملل .

في السيارة ، في السفر ، في الأعراس ، في أي مكان غثيث .

هذه الحسنات ، وتلك السيئات ..

ترى أي جانب سيطغى ليؤثر على قراري ؟

Read Full Post »

هناك ثمة احتمال شبه قوي في أن أذهب لتناول إفطاري في الحرم ..

تداعت علي ذكريات العام الماضي .. في مثل هذا اليوم ، ليلة الثالث والعشرين حدثت معي قصة جميلة ، لم أكن لأنساها ،وكتبت عنها فصلاً في كتابي المرتقب أ، وأسميته ( الفصل لا الكتاب ) : صديقتي الفاتنة سارة !

اعذروني لإعادتها هنا ، ولكنها تبهجني حقاً ، ولعلها تبهجكم .

اليوم الأربعاء وقد دخلت العشر الأواخر ..

 وأولادي صاروا يتناولون طعام الإفطار في الحرم مع ( السفرة ) ..

أتراني أستطيع أن أفطر في الحرم ؟

 كنت كلما أنتظر أذان المغرب أمام شاشة التلفاز ، وأشاهد الجموع الغفيرة وهي تتناول إفطارها في تكافل وود ، وكلٌ يدعو الآخر لمشاركته ( الشريك ) أو ( الحيسة ) ، ويصبون القهوة لبعضهم البعض ، وأمام كل واحد منهم علبة اللبن الزبادي ، يأكل منه مع الدقة  بتلذذ ، و تهفو نفسي لمشاركتهم هذا الجو الرحيم..

كل يوم كنت أقول : الله .. نفسي أفطر في الحرم .

 وكل يوم كان خالد يقول : أوديكي بكرة ..

وكل يوم كنت أتراجع عن الفكرة لعدم رغبتي في الذهاب من الساعة الخامسة لأجد مكاناً ..

لم يكن بمقدوري أن أجلس على هيئة واحدة لأكثر من نصف ساعة ..

كما تعلمون .. رجلي اليمنى تؤلمني جداً..

لكن لما دخلت العشر الأواخر ، وازداد غياب أولادي بسبب ( السفرة ) و التهجد ، فكرت جدياً هذه المرة..

حادثت صديقتي سارة ، وأخبرتها برغبتي ، فتواعدنا ليلة الثالث والعشرين في مكان معين تفطر فيه مع بعض معارفها.

ويبدو أن خطئي الأكبر كان خروجي من البيت في السادسة إلا ربعاً ..

 لما وصلنا إلى الحرم ، كانت مواقف السيارات السفلية قد أُغلقت لامتلائها ، والشوارع مزدحمة بالناس وهم يتجهون إلى الحرم ومعهم في أيديهم زواداتهم ..

كان خالد يبحث جاهداً عن مدخل من هنا وهناك يقربنا إلى الحرم حتى لا أضطر إلى المشي لمسافة طويلة، وأنا أراقب الناس ، مبهورة ، تتلاحق أنفاسي من الإثارة ..

 أخيراً بعد انتظار طال سأفطر في الحرم . حيثما نظرت كانت الجموع الغفيرة تتجه إلى وجهة واحدة .. مسجد رسول الله r ، بأيديهم زجاجات الماء ، أو صناديق التمور، أو بضع حبات من ( الشريك ) .

ولكننا لا نكاد نجد طريقاً ..

 فهاتفت سارة وأخبرتها أن الشوارع مزدحمة جداً ، وقد لا أتمكن من الوصول، إلا أنها توسلت إلي أن أحاول جاهدة الاقتراب قدر الإمكان وأخذت تدعو لي أن أجد  منفذاً ، فكان إلحاحها علي بالمجيء دافعاً لأن أطلب من خالد المزيد من المحاولات ..

 كان خالد يرفض أن أنزل بعيداً رفضاً تاماً لعلمه بسرعة تعبي ، ولشدة الازدحام في هذه المنطقة، فكان يخشى علي من التعب ، ومن العدوى .

( خلاص ، أنزلي هنا يا أمي ، هذا أقرب ما أستطيعه ) ..

 بهذه الكلمات أيقظني خالد من شرود ذهني  ..

 نظرت ، فوجدت أننا نقف عند الباب الخلفي لإحدى الفنادق التي تطل على الحرم .

 نزلت بسرعة وعبرت من الباب الخلفي للباب الأمامي ، حيث  الساحة ..

ورأيت الجمال والجلال .. رأيت الحرم !!

يا الله ، كم أحب الحرم ..

كلما أمر به تهفو نفسي إليه ، وأقول : آآآه ، وحشني الحرم ..

أخيراً أنا هنا ؟ بعد غياب قرابة السبعة أشهر قبل  أول جلسة كيماوي ..

أحقاً أنا هنا لأفطر في الحرم .. أخيراً !!

الناس كنحل في خلية ..

الساحة تغص بالصائمين وقد افترشوا السفر بانتظار الأذان ..

رائحة رز ولحم تنبعث من زاوية، وفي أخرى رائحة ( الشريك) تسيل اللعاب ..

أين أنت يا سارة ؟

اتصلت عليها فحددت لي مكان اللقاء أمام بوابة قسم النساء بدون الأطفال..

شققت طريقي لها بين الزحام حتى إذا ما وجدتها ، كان علينا أن نشق طريقاً آخر لنصل إلى مكان سفرتها والتي كانت في أول صف في هذا المربع ، وفي أقصى اليمين ..

نظرت فإذا المكان ممتلئ لآخره .. وكما نقول ( ممتلئ حتى عينه ).. ولو شئت لقلت ( حتى شعره)..

كيف يا سارة بالله عليك تريدينا أن نصل إلى هناك ؟

ولكن بالإرادة والتصميم نفعل المستحيل ..

 صارت تمشي تقودني وأنا أمشي وراءها ألهث ..

 تعبت من المشي ..

وأحياناً أغطي أنفي وفمي باللثام ، وأحياناً أخرى أرفعه لأنه يكتم أنفاسي ، وذهني يحاول أن يبحث بين خلايا مخي التي صدئت بفعل الكيمو عن حديث ينهى عن تخطي الرقاب .. أكان الحديث في النهي عن تخطي الرقاب أثناء الصلاة أو تخطيها مطلقاً ؟

أحسست الآن بشعور طرزان ، فذاك كان يتنقل من شجرة إلى شجرة ، وأنا كنت أتبع سارة وأعبر السُفَر ، لم يكن مشياً في الواقع، كان يشبه القفز والمشي على الحبل .. أتخطى الرقاب وأحاول تفادي المشي على السفر التي يضع الناس عليها طعامهم ، أقف على رجل واحدة ، وأمد الثانية لأبعد ما أستطيعه في الجهة الأخرى من السفرة المعترضة ، وقد أفقد التوازن وأضطر إلى الاتكاء على إحدى النساء ..

  نطأ على أقدام البعض أحياناً ، وتصطدم أرجلنا ببعض الكؤوس أو صحون التمر فنقلبها أحياناً أخرى ، وأنا بين هذا وذاك لا أزال أردد : أوه أنا آسفة ، سامحوني ، طريق لو سمحتوا ، شوية شوية ..

وفي منتصف الطريق التفتت لي سارة وكأنها مستكشف عظيم منطلق في سبر أغوار طريق جديد يوصل إلى أرض الفردوس، فرأتني غارقة في لهاثي وأنا أحمل حقيبتي وكيساً به حذائي ..

سارة طبعاً خفيفة الوزن ، وأنا ما شاء الله جيدة !! ومعي حمل لا بأس به في يدي .. فمدت يدها والتقطت مني حملي غير مبالية ياحتجاجي ، وقالت لي مشفقة من العدوى : ” وددت يا هناء لو تلثمت”.. وأكملت سيرها حتى وصلنا أخيراً إلى المكان المنشود ، في أول صف في هذا المربع .

أجلستني سارة على كرسيها الوثير حتى ألتقط أنفاسي وأخذت تعد الإفطار وتعرف صديقاتها علي بقولها : هذه هناء صديقتي ، وهي تفطر في الحرم لأول مرة ..

فرحبن بي بحرارة وكلٌ تسارع لعرض ما عندها من طعام ، وسارة تقول : (نفك ريقنا أولاً ، ثم نأكل ) ..

قدمت لي ثلاث تمرات من عجوة المدينة الفاخرة ، وصبت لي كأس زمزم ( مبخّر ) من ثلاجتها، وجلسنا ندعو بعد أداء تحية المسجد ..

أذن المؤذن ونظرت سريعاً خلفي ، لأرى الجموع الغفيرة منهمكة في تناول الإفطار ..

يا الله .. كم أحب هذا المنظر ..

 المنظر الذي كان دوماً يشدني ، ها أنا فيه الآن .. يا فرحتي !!

أرى في سفرتي الأخوات وهن يصببن ماء زمزم من الثلاجات لبعضهن البعض ،  ثم القهوة من الدلال التي أتوا بها من المنزل ، في جو غاية في الروعة والبهاء .. وبين الحين والآخر تأتي امرأة أو فتاة من السفرة المجاورة تطلب ماء مثلجاً، أو تمراً معيناً والأخوات يبذلن ذلك بكل فرح وسرور..

أنظر وأتعجب ..

 لو كانت هذه أخلاقنا خارج الحرم وخارج رمضان ، هل بقي مسكين أو فقير ؟

أقيمت الصلاة ..

كان المسجد في لغط كبير ، إذ لا زال بعض الناس يأكلون ، ومنهم من كان ينظف منطقته من الفتات والعلب والكؤوس البلاستيكية ، فلما قرأ الإمام الفاتحة ، خفتت الأصوات بسرعة ملحوظة حتى لم  تعد تسمع إلا صوت سعلة هنا أو بكاء طفل هناك ..

ولما أمن الناس ، شعرت بالمسجد يرتج بالتأمين بهدير يبعث القشعريرة في النفس .

سبحان الله ، ما  أعظم الصلاة في تعليمها المسلم النظام .. لكن المشكلة لا تكمن في الشعائر وإنما تكمن في النفوس  التي تعجب من تناقضها ..

 فحين تراها غاية في التنظيم والترتيب في الصلاة ، تجدها هي هي غاية في الإهمال و الفوضى خارجها .

انتهت الصلاة ، ومدت السفر ثانية لتناول الطعام .

حسناً ، لم يكن طعاماً بالطريقة التي قد تخطر في بالك ..

 لم تكن ثمّ شوربة وسمبوسة ولقيمات وعصير توت ، فهذه إن شئتها تجدها بالخارج ، في الساحة مع الرز واللحوم والدجاج..

 لكن هنا لم يكن إلا الشريك والفتوت واللبن الزبادي و الدقة .

يرشون الدقة فوق اللبن الزبادي ثم يقلّبونها ويتناولونها إما بالملعقة ، أو بالشريك .

قالت سارة : ” تمكنت من إدخال اللبن الذي تحبينه لك ” ..

 وأخرجت من حقيبتها زجاجة لبن متوسطة ، وأردفت : “خسارة ، كنت أود أن أجد اللبن منزوع الدسم أو قليله ..كادت المفتشة التي عند الباب أن تأخذه مني ورفضت إدخاله في البداية ، لكني أخبرتها أن اللبن لصديقتي وهي مريضة ، وأن هذه أول مرة تفطر في الحرم ، فسمحت لي ” وضحكت ..

 ثم أخرجت صحناً بلاستيكياً مغلفاً فيه جبن القشقوان الأثيرة لدي ، وقالت :”  الحمد لله أنها لم تلحظ الجبن ” ..

وتناولت قطعة كبيرة من الفتوت ، قطعتها من المنتصف وحشتها بالجبن ونثرت عليها بسخاء من الدقة التي صنعتها والدتها وناولتني إياها ..

كم أسرتني سارة بمعروفها ..

 مثل سارة يُخدم ، فهي حاصلة على السند في القرآن الكريم من الشيخ إبراهيم الأخضر أحد أئمة الحرم النبوي القدماء ، وعندها خمس قراءات،  وكثير من النساء يقصدنها ليقرأن عليها بعضاً من الآيات فتصحح لهن قراءتهن ..

كما أنها من عائلة عريقة وثرية ، فمثلها في الحقيقة يُخدم ..

 وها هي الآن ، تؤثرني بمقعدها المريح وتجلس على الأرض أو على كرسي صغير ،  وتصنع لي طعامي ، وتناولني ما أحتاج من قبل أن أطلبه ، تقرأ نظراتي ، وتخمن ما أريد ..

وأنا غارقة في خجلي منها ، لا أحب أن أضايق أحداً بأن آخذ مكانه أو طعامه أو أتعبه معي ، ولكنها فعلت كل هذه الأمور ببساطة شديدة وعفوية محببة ، جعلتني أهتف أخيراً : سارة .. سأكتب اسمك في كتابي..

فضحكت، وقالت : إذن أكتبي ( ذهبت إلى الحرم مع صديقتي  الفاتنة سارة ) ..

 

Read Full Post »

أعتذر إليكم ، أعلم أني قد تأخرت عليكم ولكن تعلمون ظروف الإجازة ، والأعذار المتكررة في مثل هذه الظروف .

كما أعلم أني ربما أكون قد ( غثيتكم) بالحديث عن نفسي وذكرياتي التي قد لا تهم أحداً ، ولكنا اتفقنا من قبل أن هذه المدونة مشتركة بيني وبينكم ، فبعضها قد لا يهمكم ألبتة ( مثل الحديث عن نفسي وذكرياتي ) إلا أنها تدخل على نفسي بعض المتعة ، وقد أتحدث عن أشياء لا تهمني كثيراً ولا تروقني ولكني أفعله لأجلكم – صدقوني J –

يكفي هذا الهراء الذي لابد منه لصنع مقدمة لا بأس بها حين تفتقر إلى مقدمات مناسبة .

هذه الحلقة الأخيرة من استجلاب الذكريات السعيدة عن مدرستي دار الحنان .

سنوات الثانوي كانت حافلة بالعديد من النشاطات التي كانت لا تكاد توجد إلا في دار الحنان في تلك الفترة من الزمان .

لا أعرف في الحقيقة عم أتحدث وماذا أدع .. لا أكاد أذكر شيئاً سيئاً في تلك الفترة ..

قد يكون هناك شيئاً سيئاً وأسقطه عقلي من الذاكرة ، لكن فيما أراه ماثلاً في ذهني فلا أكاد أذكر أي مرارة أو أسى .

وإنما أذكر أشياء كثيرة أنظر إليها الآن ، وأحللها فقط لأكتشف نعم الله عليّ .

فمثلاً ، كانت من أنشطة دار الحنان رعاية المواهب الموسيقية ، وكانت لدينا مدرسة موسيقى تجيد العزف على البيانو ( الذي كنت أعشقه ) وتجيد قراءة النوتة الموسيقية ، وحين قررت مع بعض صديقاتي إنشاد أغنية وداعية استقيناها من إحدى الأفلام الأمريكية  على أن تعزف مقطوعتها هذه المدرّسة إلا أن الفريق الغنائي الذي كان معي لم يكن متقناً جداً فألغت الإدارة هذه الفقرة لعدم الإتقان . والآن أفكر في لطف الله بي إذ صرف عني الغناء والموسيقى في وقت كنت أحبهما وأجيدهما جداً ، والله وحده يعلم لو لم يصرف عني ذلك ماكان حالي الآن ؟

هل أخبرتكم من قبل عن مكتبة المدرسة ؟

كانت لدى المدرسة مكتبة كبيرة مرتبة ومنظمة ، ومنيرة بشكل مريح ، باردة ، واسعة ، وباختصار: مبهجة . وكان يعجبني منذ سني الابتدائية أن أزورها باستمرار لاستعارة الكتب ..

كنت أجد نهمتي البالغة للقراءة في قصص الأطفال المتينة نوعاًما ..

 كنت أستعير الكتاب في الفسحة وأشرع في قراءته بين الحصص ، وفي الباص ، وبعد تناول الغداء لأعيده في اليوم الثاني مع تعجب أمينة المكتبة ، فقط لأستعير كتاباً آخر .

 أين قرأت قصة بنوكيو وروبنسون كروزو و جزيرة الكنز وكتب نجيب الكيلاني إلا في مكتبة مدرستي؟

في علية المكتبة كانت غرفة السينما ، حيث تقبع آلة عرض الأفلام وكمية من الأفلام التعليمية والوثائقية التي كنا نتفرج عليها في بعض حصص الفراغ ..

نحن نتحدث عن أحداث تمت منذ قرابة الثلاثين سنة .. في تلك الفترة كان التفرج على الأفلام في المدرسة يعد ضرباً من الترف والرفاهية ، خاصة لو كان المكان نظيفاً وبارداً ..

حتماً كان ينقصنا بعض الفيشار والمرطبات .

في السنة الأولى الثانوي كان الذهاب إلى معامل الكيمياء والفيزياء من المتع كذلك ..

الخروج من الفصل الروتيني في طابور منظم لمعمل الكيمياء حيث تحاول غالبيتنا الجلوس في المقاعد الخلفية والعلوية من مدرج المعمل ، أو بجانب النافذة حيث تقتنص نظرات الجالسة هناك الرائحات والغاديات في الفناء ، وقد تكون إحداهن صديقتها فتظل ترسم وجوهاً مضحكة لتضحكها بها فتوقعها في شراك المدرّسة .

لا أنسى التجارب المعملية التي كانت تكلفنا بها المدرّسة أحياناً ، والتفاعلات الكيميائية ، والأدخنة المتطايرة ، والتعامل مع المجاهر ( الميكروسكوب ) . حقاً كانت متع لا تنسى .

كانت سنوات الثانوي حافلة بالمسابقات ، وكنت دائماً في الفرق المشاركة ..كانت هناك المسابقات الثقافية بين الفصول والتي كانت بمثابة اختبارات لمعرفة جودة الدراسة ، إذ أنها مراجعة على جميع المناهج الدراسية ، إضافة إلى سرعة البديهة في كثير من الأسئلة .

كما كانت تقام المساجلات الشعرية ، فكنا نحفظ مئات من أبيات الشعر والتي كنت أستخرجها من الدواوين الشعرية التي اكتظت بها مكتبة والدي رحمه الله ، نكتبها في أوراق كثيرة ، ونحفظها في عدة أسابيع لتعقد المساجلات بين الفرق : حيث يأتي كل فريق ببيت يبدأ بالحرف الأخير من البيت الذي ذكره الفريق الذي قبلنا .

أستغفر الله ، كنا نقوم أحياناً بعملية غش صغيرة إذا ما ( تورطنا ) ببيت نحتاج أن يبدأ بحرف الواو أو الفاء أحياناً ، فكنا نأتي بالبيت الذي يبدأ بأي حرف ، ونضيف إليه واواً زائدة أو فاء زائدة ، (ولا من شاف ولا من دري ) .

طبعاً لم نكن نستطيع أن نقوم بهذه الحركة مع كل الأبيات ، فمثلاً لو قلت :

“و” على قدر أهل العزم تأتي العزائم    وتأتي على قدر الكرام المكارم

لانكشفت حيلتك مباشرة..لعل شمسي تحفظ هذا البيت ، فلا يمكنك بحال تغيير أي شيء فيه .

لكن لو قلت :

“و”ما جال بعدكِ لحظي في سنا القمر          إلا ذكرتكِ ذكر العين بالأثر

فمن بربك يحفظ ديوان ابن زيدون ليكتشف غشنا ؟؟

من ابن زيدون أصلاً ؟؟

في السنةالأولى ثانوي انتقلنا إلى مبنى المطار القديم نظراً لوجود ترميمات في مبنى المدرسة الذي بلغ من العمر قريباً من العشرين سنة أو يزيد وبالتأكيد كانت سنة متميزة ..

أقيمت الفواصل في إحدى مباني المطار لتكون فصولاً دراسية ، وكانت مدرسة الأحياء تشرح درساً في الفصل المجاور فيطغى صوتها على صوت مدرسة اللغة العربية في فصلنا ، فتقع النوادر والقفشات.

كنت نصطحب معنا الزلاجات إذ لا يمكن أن تجد مكاناً أنسب من أرض  مبنى المطار الناعمة والانسيابية للتهادى بالزلاجات عليها ، وكانت بعض الفتيات يستعرضن مهاراتهن في التزلج والتي اكتسبنها من سفرهن للخارج .

قاربت السنة على الانتهاء .. واقترب التخرج .

أقامت المدرسة يوما مفتوحاً ، مفاده أن تقوم من أحبت من طالبات الصف الثالث الثانوي بتقمص أدوار من تشاء من ا لمدرسات و الإداريات بعد استئذانهن .

انطلقت جرياً إلى وكيلة المدرسة الأثيرة لدي : أبلة فايزة كيال ، والتي كانت معروفة عندنا بأناقتها وقربها من قلوب الطالبات واستأذنتها في أداء دورها فوافقت .

وفي صباح ذلك اليوم ، دخلت في أول الدوام المدرسي مكتب أبلة فايزة .. وجلست على مكتبها..

جاءتني وعلمتني كيفية استخدام الهاتف ( السنترال ) وسمحت لي بفتح أدراجها والاطلاع على الأوراق الموجودة واشترطت ألا أفشي سراً وخرجت .

كان من أمتع الأيام إلى قلبي . استمتعت فعلاً بقراءة الملفات الموجودة ، والاتصال على بعض صديقاتي ممن آثرن أن يتقمصن دور المديرة أو الناظرة ..

كنت أؤدي دور أبلة أحبها وهذا يكفيني .

وكنت أحياناً أتصل على ( غرفة الخالات ) لتحضر لي إحداهن كوباً من الماء أو فنجاناً من القهوة.

للأسف لم تستمر هذه المتعة لأكثر من أربع حصص ، ورجعنا بعدها طالبات مرة أخرى .

في إحدى الأيام مررت ببعض الأبلات وهن يتحدثن ، كان منهن أبلة فايزة ، وأبلة ميسر رحمها الله ولما اقتربت سمعت إحداهن تقول بصوت منخفض : شش جاءت جاءت .

تحدثت معهن لبرهة ثم انصرفت وفي قلبي نما أمل ما ، حاولت طرده لئلا أنساق في الأحلام السعيدة .

وأخيراً حان يوم حفل التخرج . في ذلك اليوم ذهبت إلى مصففة الشعر وارتديت فستاناً أبيض أشبه ما يكون بفساتين الزفاف ، وعليها العباءة العودية والشريط والوشاح الورديين ، وكانت المسيرة على أنغام أغنية وطنية : بلادي بلادي منار الهدى .

اصطففنا على المسرح الذي أقيم في ساحة المدرسة وأدينا السلام الملكي ونشيد المدرسة ..

كنت أودع المدرسة التي قضيت فيها أجمل سنوات عمري ، والتي تعلمت فيها مهارات أجني ثمارها ونتائجها الآن :حيث تعلمت اللغة العربية السليمة ، وإلقاء الكلمات أمام الجماهير ، والتحدث باللغة الانجليزية بطلاقة ، وقراءة القرآن بأحكام التجويد الأساسية ، باختصار ، كنت أفعل كل شيء بثقة تامة ، وكلها أمور تفيدني الآن في المحاضرات الدعوية العربية والانجليزية على حد سواء ، وفي درس القرآن الأسبوعي الذي أنال به السند ..

ماذا ؟ لم أخبركم أني آخذ السند ؟

في تدوينة أخرى إن شاء الله ، ولكن دعوني أنهي هذه الآن .. أشعر أني قد أطلت فيها كثيراً .

غنينا معاً وبحزن نشيد المدرسة ، حتى وصلنا إلى مقطع مؤثر :

هنا في الحنان مشينا سوى         وسرنا معاً في رحاب الوفا
لنرفع أوطانــــــــــــــــــــنا للسما           ونسمو بها نحو فجر جديد

شعرت بالغصة  تخنقني ، ودمعت عيناي ، ولم أستطع إكمال النشيد ..

شعرت بشعور العروس السعيدة بزفافها ، ولكن مغادرة مرابع صباها حيث أجمل الذكريات لابد أنه
كان يكدر عليها شيئاً من فرحها ..

انتهت المسيرة وابتدأ الحفل الفعلي ، كلمة الخريجات التي ألقتها إحدى صديقاتي ، ثم التكريم ..

كانت ثمة فعاليات كثيرة طوال السنة الدراسية ، والآن حان وقت الحصاد .

حصدت في تلك الليلة ست شهادات تقدير ، لمشاركتي في جمعية الصحافة والإذاعة والمكتبة ..

مهلاً ، المكتبة ؟ كيف ؟

منذ أن دخلت الثانوية قلّت استعارتي للكتب من مكتبة المدرسة جداً لاعتمادي على شراء الكتب التي أود قراءتها ، لكن أمينة المكتبة أبلة مشيرة أشارت لهم بوضع اسمي ضمن المتفوقات في استعارة الكتب بناء على ما سبق .

ست مرات صعدت على خشبة المسرح لأستلم شهادات التقدير من الأميرة لولوة الفيصل .. وفي المرة الثالثة بدأت تهمس : ما شاء الله كلما رأتني .. وفي قلبي يتضخم الزهو والفرح ويتحرك لساني “ما شاء الله ” وبالحمد ..

بعد أن تم توزيع شهادات التقدير  ، استلمت درع التفوق الذهبي مكتوب عليه اسمي بمناسبة حصولي على المركز الأول على فصول الأدبي .

ولا يزال الفرح ينمو ويزهو ، حتى حُبست الأنفاس للإعلان عن الطالبة المثالية لذلك العام .

فلما تردد اسمي هاجت الساحة تصفيقاً وتصفيراً وصياحاً باسمي وأنا كالمذهولة ..

حقاً اختاروني الطالبة المثالية ؟

وهنا تداعت إلى ذهني الأحداث التي لم افهم مغزاها في وقتها : لم كانت الأبلات يسكتن إذا قدمت عليهن في اجتماعهن مع أبلة فايزة أو الناظرة أبلة هيام ، لم خبأت أبلة فايزة الكأس المكتوب عليه اسم الطالبة المثالية لما دخلت عليها أسألها عن شيء ما . لم كانت أبلة فايزة تضحك بمكر كلما سألتها أن تغششني وتخبرني عن الفائزة بلقب الطالبة المثالية .

قمت وسط صياح الجمهور واعتليت خشبة ا لمسرح ، وهنا سمعت الأميرة تقول بصوت واضح : ما شاء الله ، مبروك !!

استلمت الكأس واستدرت إلى صديقاتي والجمهور ورفعت الكأس عالياً فوق رأسي وسط الصياح والتصفير لأنال نفس فرحة رئيس الفريق الفائز بكأس الدوري .

وفي اليوم الأخير الاختبارات ، كان الأسى مخيماً على المدرسة ..

نعم ، كان هناك بعض الفرح بمناسبة التخرج والانتقال من مرحلة المدرسة على مرحلة الجامعة ، ولكن كانت هناك الغصة في الحلوق .

بعض البنات قذفن بالكتب عالياً في صراخ فرح لتسقط وتتشقق في حركة غير حضارية ألبتة .

وبعضهن طفقن يكتبن على قمصان بعضهن البعض العبارات الوداعية التذكارية ، في حين التقطت الكثير والكثير من الصور التذكارية .

مشيت مع صديقتي لنودع المدرسة ..

أقبل ذا الجدار وذا الجدار ..

تعانق عيني الفناء الواسع .. صالة الألعاب .. فصلي الذي درست فيه الثاني والثالث الثانوي .. المعامل العلمية ، غرفة الممرضة والتي كنا ننام فيها إذا ما باغتت إحدانا الدورة الشهرية ، النخلة العجوز التي تستقبلنا في مدخل المدرسة ، غرف الإداريات ..

مشيت أنظر وأتذكر ، وكأني أسمع الأصوات ، وأشم الروائح ..

خرجت من المدرسة ، ولكن المدرسة لم تخرج من قلبي ، ولا زلت أحتفظ عنها بأحلى الذكريات ، ولا زلت أكتب فيها أجمل السطور .

قد أكون أخفقت في توصيل مشاعري حرفياً إليكم ، ولكن فقط أقول : كلما شممتم رائحة  عطر جميلة ، أو اصطبحت أعينكم بمنظر طبيعي فريد ، أو غمرتكم السعادة في أوقات ما ، فاعلموا أن هذه المشاعر العذبة التي تجدونها هي ما يملأ قلبي كلما تذكرت مدرستي ..

إنها قصة حب ، سطرتها بقلبي قبل أصابعي ..

أشكركم كثيراً على صبركم عليّ وتحملكم قراءة كلمات قد لا يعنيكم شأنها في شيء .. ولكن حسبكم أنكم أتحتم لي سعادة غامرة وأنا أسطر هذه الأحرف .

أشكركم ..

Read Full Post »

حسناً يا سادة ..

دعوني أعدل من جلستي قليلاً ، أحضر كوب الماء إلى جانبي ، أمد ساقيّ المتعبتين أمامي ..

أسند ظهري وأغمض عيني وأحلق في جو الذكريات السعيدة لأعود إلى دار الحنان .

هلا بدأنا ؟

حسن ، ماذا لدي الليلة ؟

كنت قد ختمت المرة الماضية بذكر اليوم الرياضي .

في الحقيقة ، هناك أشياء لا أكاد أذكر تفاصيلها لأن ذاك عهد قديم وانقضى .. فقد أخطئ في ذكر بعض التفاصيل ولكن أعتقد أنه لا بأس بذلك .. فنحن لا نؤرخ للدولة السعودية ، أليس كذلك..

أقامت المدرسة يوماً ما يسمى باليوم الرياضي .

كانت هناك بعض المسيرات والتشكيلات بالرايات الملونة ولا أذكر فعلياً ما كان فحوى هذا اليوم..

لكن الاستعدادات التي سبقته لا تكاد تمحى من ذهني .

اتفقت المدرسة مع إدارة الاستاد الرياضي في طريق مكة والمعروف باستاد الأمير عبد الله الفيصل لإقامة اليوم الرياضي فيه .. وليومين متتاليين كنا نذهب من العصر وحتى المساء لأداء البروفات اللازمة لهذا الاحتفال .

غني عن الذكر أن الاستاد كان فارغاً تماماً إلا منا .

كان بارداً واسعاً لم تنله يد البلى والأنوار الكاشفة في كل مكان .

كان مثيراً بحق ، إذ أن هذه المرة الأولى التي ندخل فيها إلى مكان رياضي مرتب كهذا ..

حجرات تغيير الملابس ، المغتسلات ذات الفواصل و ( الأدشاش ) القوية .

الأرضية الناعمة التي تسمح لنا بممارسة التزلج عليها بسهولة ونعومة .

و لاداعي أن أذكر أن وجبات الغداء والتي كانت تتكفل بها المدرسة لكامل الفريق كانت من ..

نعم .. البروست !!

وفي يوم الحفل كان علي أن أرتدي إلى جانب اللباس الرياضي المقرر : قفازات بيضاء ( كتلك التي يرتديها رجال الشرطاة الملكية البريطانية ) ، وحذاء رياضيا أبيض .. ذلك الخاص براقصي الباليه ، والذي كنا نشتريه من محلات الفالح للرياضة .

لكني لا أعرف كيف ، نسيت حذائي ولم أكتشف ذلك إلا بعد أن قارب الحفل على البدء وقد خرجت أمي من بيتها ، ولم تكن الجوالات قد اخترعت بعد ..

فكان علي أن أؤدي الاستعراض مرتدية شرابي الأبيض فقط ، داعية الله أن لايلحظ الجمهور أني الوحيدة بين الطالبات من كانت ترتدي شراباً وليس حذاء !

وكالعادة ، فإن ( من على رأسه بطحة ، يحسس عليها ) . كنت أشعر أن كل الأنظار اجتمعت لتنظر إلى قدمي ، وأن تلك الأم التي كانت تضحك في الصف العاشر إنما كانت تضحك سخرية مني لأني أؤدي استعراضي بالشراب لا بالحذاء .

لم تفلح محاولات أمي في إقناعي أن الناس لن ينتبهوا إليّ بالذات من بين خمسين طالبة كانت تشاركني  الاستعراض ، ولكن لم تكن بيدي حيلة .. فصرت أؤدي دوري وأنا بكامل ( فشالتي ) .

والآن ، كلما يخبرني أحد أولادي أنه لن يستطيع تأدية صلاة الفجر في المسجد لأن ثوبه مبقع قليلاً أو ( مكرمش ) أبدأ في إعطائه المحاضرة إياها : أن الناس ( يا دوب ) يفتحون أعينهم في هذا الوقت فلن يهتموا بمراقبة فلان الفلاني كيف هو ثوبه .. ولكنه لايقتنع ويظل متبرماً متسخطاً إلى أن ألزمه إلزاماً بالذهاب إلى المسجد ، وصوت ما يهتف في ذهني : ألا يذكرك بنفسك في تلك الحادثة؟ فأتنهد وأقول وقد جف ريقي من مهاترته :  الله يرحم أمهاتنا ويجزيهن عنا خيراً .

حصص النشاط كانت مثيرة عندنا . كان علينا  أن نختار من عدة ( جمعيات ) لننضم إليها ..

حاولت معي مدرسة الانجليزي أن أنخرط معهن في جمعية ( الباسكت ) أو كرة السلة طمعاً في طولي، ولكني لم أحب هذه اللعبة أبداً ، وأعدّ نفسي من أفشل خلق الله في إصابة الأهداف ، فكنت أرفض على الدوام كل محاولاتها .

كنت دائماً أعتقد أن المدرسة المكان المثالي للطلاب لتنمية المهارات الفردية . لذا فقد اخترت جمعية الصحافة .

كنت دائماً أطمح لأن أكون صحفية .

ولعل إصابتي بالسرطان كانت إحدى ثمار هذا الطموح ، إذ أني اطلعت مرة على تحقيق صحفي لرجل أصيب بسرطان في وجهه وأجريت له عمليات عدة حتى عوفي وشفي . فدعوت الله – بكل حماس المراهقة التي كانت تعتمل فيّ ( وغبائها كذلك ) – أن أصاب بالسرطان وأشفى منه لأكتب عنه !

وها أنا الآن ، أصبت بالسرطان ، وكتبت عنه في كتاب لعله يولد قريباً بإذن الله ، وأسأل الله أن يتمم دعائي ويكتب لي الشفاء التام .

في جمعية الصحافة مارست أشياء لم أفكر أن أمارسها أبداً . تعلمت الكتابة بالآلة الكاتبة ، وكنا نكتب المقالات لمجلة  المدرسة ، ونجري اللقاءات الصحفية مع بعض المدرسات ، ثم أطبعها على الآلة الكاتبة ، ونصف الورق ، ونقطعه بالقطاعة الضخمة – والتي لم أفلح يوماً في عملي بها .

وفي معرض الكتاب السنوي كنا نبيع هذه المجلة للزائرات ، والآن أستحضر تلك اللحظات ولا أعرف لماذا أتذكر في الوقت ذاته باعة اللبان والمناشف قريباً من المراكز التجارية.

في إحدى الأيام جاءتني أبلة رابحة النقادي إحدى إدرايات المدرسة وطلبت مني أن أحضر للمدرسة عصراً للتعليق على عرض الأزياء الشعبية والذي ستقيمه المدرسة لمجموعة من النساء الغربيات .

حضرت عصراً بالتأكيد ، واطلعت على الملبوسات والمجوهرات الشعبية التي تقلدتها مجموعة من الطالبات من بعض البيوتات الكبيرة المعروفة في جدة والمدينة .

ثم كان التعليق .. حاولت استحضار كل الكلمات المناسبة لوصف الأزياء والمجوهرات ، والعارضات أحياناً إذا ما خانتني الأفكار ..

لماذا تخونني الأفكار ؟ لأن التعليق كان باللغة الانجليزية ، والخطأ أمام هذا الكم من النساء الأوروبيات والأمريكيات ، لم يكن شيئاً مشرفاً بالتأكيد .. ولكن الحمد لله ، مرت تلك الليلة بسلام.

لا شك أن هذه النشاطات المسائية في المدرسة كانت مثيرة وممتعة لأقصى حد ، إذ فيها كم كبير من الإثارة والخروج عن رتابة وروتين البيت .

وعلى الرغم من موافقة أمي شبة الدائمة على اشتراكي في كل النشاطات إلا أنها رفضت وبشكل قاطع انضمامي للزهرات ( الكشافة ) .

وحتى اليوم لا أعرف سبب هذا الرفض .

أحاول أن أقلب ذلك في ذهني فلا أجد سبباً ظاهراً لذلك .

كنت أفعل في النشاطات المسائية ما كنت سأفعله لو كنت في فرقة الزهرات ، من تأخر في الرجوع إلى البيت مساء ، والقيام بزيارات مدرسية إلى مدراس أخرى ، فلم كانت ترفض الزهرات بالذات؟ هذا ماينبغي لي أن أسألها عنه في لقائي بها في المرة القادمة .. إن لم أنس، وإن هي تذكرت .

كان لباسهن يبهرني .. الطاقية العودية اللون تقبع بدلال على جانب الرأس ، تتوسطها شارة الكشافة .. التحية العسكرية ، و ( الصفقة ) المميزة والتي كانت بمثابة ( صيحة ) من صيحات الكشافة.

عالم ممتع مثير لا أعرف عنه شيئاً ..

ولكني لا زلت أظن أن أقدار الله خير .. ومادام الله تعالى قد صرفه عني ، فلا بد أن له حكمة في ذلك .

هل لي أن أختم حلقة اليوم من الذكريات ؟

قبل أن أودعكم أردت أن أخبركم بخاطرة خطرت لي بعد كتابة التدوينة السابقة عن أبلة ميسر .

أخبرتكم أني دهشت وذهلت ووجمت بعد سماعي بالخبر ..

تعلمون لماذا ؟

جلست قبل أيام أحلل سبب مشاعري تلك ..

أنا لا أعرف أبلة ميسر إلا وقد تجاوزت الثلاثين من عمرها .. حينها كنت أنا في السابعة عشر .

ثم توقف بي الزمن وتجمدت تلك الذكريات حتى سمعت نبأ وفاتها بعد 27 سنة من تركي لها .

وجومي ذلك كان لأني تعجبت من وفاتها وهي بتلك السن الصغيرة ..

ولما أفقت ، بعملية حسابية صغيرة انتبهت إلى أنها لم تكن صغيرة جداً لما توفيت ..

كانت قد جاوزت الستين على الأقل .

وهنا كان وجومي الثاني ..

أنا بالذات يتوقف الزمن عندي في مرحلة الشباب ، لذا أجد نفسي دائماً أنادي بعض النساء ممن يبدو عليهن آثار الزمن أناديهن : يا خالة .

ثم أتنبه إلى أنني خالة كذلك ، وأن المرأة التي ( خلخلتها ) لا تكبرني في الحقيقة بأكثر من عشر سنوات .

هممم .. هذا ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القدى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه !

أفلح بأن أرى الخطوط الدقيقة على جانبي العينين والفم لتلك ( الخالة ) المسكينة ، وأنسى خصلة الشعر البيضاء السميكة في مفرق رأسي ..

عندما سمعت بخبر وفاة أبلة ميسر ، كأني تخيلتها صغيرة ، لأني تخيلت نفسي صغيرة ..

فلما حسبت عمرها تعجبت من مرور الزمن علينا ونحن غافلون .

وأتساءل .. ترى ، هل سيمضي وقت كالذي مضى لأفيق بعد ثلاثين سنة وأنا في الخامسة والسبعين ، وأبنائي الكبار في الخمسين ؟

اسمعوا ..

كأني أصبت بصدمة نوعاً ما .. أعتقد أن من الأفضل لي أن أختم التدوينة ..

أفضّل أن تكون تدوينتي مرحة ومليئة بالذكريات العذبة ، وما أقوله الآن لا يخدم قضيتي .

إلى لقاء قريب بإذن الله مع التدوينة الأخيرة – مبدئياً – ، وأعدكم إن شاء الله أنها ستكون جميلة .

لا لأني مغرورة بكتاباتي والعياذ بالله ، ولكن لأن الكاتب حينما يصف امرأة رائعة الحسن فلن يصفها إلا بحسنها .

ودار الحنان ، في تلك الفترة لاشك أنها كانت غادة  المدرسات وواسطة العقد .

Read Full Post »

فتحت الفيس بوك قبل قليل لأجد تحديثاً لصفحة مدرستي دار الحنان والتي اشتركت بها مؤخراً . فتحتها وكلي لهفة أن أجد شيئاً عن إحدى صديقات العهد القديم ، فكان أن وجدت نعياً لإحدى مدرساتي الحبيبات في الثانوي : أبلة ميسّر البواب مدرسة التاريخ .

وجمت لفترة لا بأس بها .

ظللت أرمق الصفحة ببلاهة ، في حين تداعت عليّ الذكريات .

أبلة ميسّر ..

من بقايا الماضي السعيد ..

كانت أبلة متميزة بالفعل ..

 لا يزال صوتها يرن في أذني في بداية كل حصة : طلعوا (الكلاسير) ، والذي عرفنا في النهاية أنه الملف ( ذي الطق طق ) والذي يأتي غالباً مع أوراق بثقبين في الجانب ، كانت تجري لنا اختباراً سريعاً تضيف درجاته لأعمال السنة  ، وتطلب منا الاحتفاظ بأوراق الاختبارات في ( الكلاسير ) بعد تصحيحها .

رحم الله أبلة ميسّر .

ما أذكرها إلا حريصة على فائدة الطالبات ، ودليل ذلك تلك الاختبارات التي سبقت المدرسات بها ، كما أنها كانت فعلاً تحترم عقلياتنا كفتيات مراهقات وتكثر من الحديث معنا خارج الحصص ، فكان أن نشأت بيننا وبينها علاقة حب امتدت للمدرسة ذاتها .

رحم الله أبلة ميسّر!

أجبرتني أخيراً  أن أجلس لأستعيد ذكريات ذلك الزمان البهيج .

كأني أرى المدرسة الآن ..

 تخيلوا معي ..

سأصف لكم القسم المتوسط والثانوي فقط .

ساحة كبيرة جداً ، يمكن لثلاث باصات من النوع الأصفر الكبير أن تصطف فيه مع باصين صغيرين كباصات خط البلدة ، ولكن أنظف بالتأكيد  وأجود تكييفاً .

كانت تقام في هذه الساحة مباريات الكرة الطائرة  في دوري بين الصفوف ..

كأني أسمع الآن هدير الطالبات وهن يشجعن الفصلين المتباريين بالتصفيق أو ( بالتخبيط ) على باب صالة الألعاب  ، حتى تلتهب الأيادي وتحمر في نهاية المباراة : ” بالطول بالعرض الأدبي يهز الأرض ” ( فصلنا ) ، أو : ” آه يا علمي يا أبهة ، إيه العظمة دي كلها “( فصل منى باسليم )  ، فإذا ما أحرزت إحدى اللاعبات هدفاً ( جيداً ) كانت المشجعات يهتفن : وحدة وحدة وحدة ، ( فلانة ) أحسن وحدة!

حتى إذا ما انتهت المباراة كانت رئيسة الفريق تُحمل على الأعناق فعلاً ( يا لتأثرنا بمباريات كرة القدم ) ومع ذلك كان جو الود بين الفريقين طاغياً واضحاً .

أما صالة الألعاب فهذه حكاية أخرى ..

كانت صالة الألعاب صالة واسعة وتستخدم لجميع الأغراض التي يمكنك تخيلها ، فهي أحياناً قاعة اختبارات تسع طالبات صف دراسي بكامل شعبه أو أكثر ( خاصة إذا ما علمنا أن عدد الطالبات في الفصل لم يكن ليزيد عن عشرين طالبة ) ، وأحياناً تكون معرضاً أيام البازار ، وقد تقام فيه حفل عيد ميلاد مفاجئة لإحدى الطالبات ( التي أول حرف من اسمها : هناء ! ) ، وهي في الأصل  كاسمها : صالة ألعاب ..

 هذا جدار كامل تغطيه المرايا الكبيرة ، وهنا مجموعة من الدواليب حشيت بمجموعة من الكرات الخاصة بلعبة الكرة الطائرة وكرة السلة والبسط الرياضية وأرواب التخرج ومجموعة من الثياب التي تصلح  للمسرحيات ، وفي  هذا الجانب جهاز المتوازي الذي تقام عليه بعض حركات الجمباز ، وعلى جانبي الصالة علقت سلتي كرة السلة عالياً .

لا أنسى أن إلى جانب مدخل الصالة كان ثمة درج يوصل إلى مكان ما لا أذكره ، ربما السطح وربما حجرة ما .. كان يحلو لي وصديقاتي الاختباء أحياناً تحت هذا الدرج في الأيام الأخيرة من السنة ، حين تكثر الاستعدادات لحفلة التخرج  ويكثر خروجنا من الحصص للسبب ذاته ، فنختبئ بعيداً عن أنظار الإداريات ونلعب لعبة ( الأونو ) التي بدأت في الانتشار في تلك الفترة .

بعض البنات ( الخطيرات ) كن أكثر (كوالة ) ، فكن يلعبن البلوت والطرنيب ، أما أنا فلم أكن لأتقن هاتين اللعبتين أبداً ، ولعل هذا من رحمة الله بي .

كان لدار الحنان نشاطات رائعة .. لا أزال أجد طعمها الحلو في فمي .

كان هناك البازار أو السوق الخيري.

يوم كامل من المتعة والسرور حتى الساعة الحادية عشر ليلاً .

تنتشر في أرجاء المدرسة العديد من الفعاليات : صد سمكة ولك هدية ، ارم الكرة على مجموعة القوارير ولك جائزة ، ضع ذيل الحمار وأنت معصوب العينين وتكسب شيئاً ، التلوين على الوجوه، و صنع الأشغال الفنية والألعاب الحركية مقابل مبالغ مالية بسيطة .

ورائحة الفشار والبرجر والبطاطس المقلية تنتشر في الجو وتسيل اللعاب ، والإذاعة تصدح بالإعلانات عن الفعاليات المقامة هنا وهناك ، وعن البضائع المعروضة في صالة الألعاب والتي ساهم في صنع العديد منها الطالبات في حصص التدبير المنزلي والأشغال الفنية والرسم .

أذكر أن شركة ألبان السعودية قدمت في إحدى السنوات تبرعاً للمدرسة متمثلاً بسيارة أيسكريم السعودية ، حيث وقفت في الساحة الجانبية عربة بها ثلاجات الأيسكريم ، وفيها شباكان كبيران كمنفذين للبيع .

واخترت مع صديقتين للبيع في هذه السيارة ، فاتفقنا على زي معين وصنعنا قبعات كرتونية رسمنا عليها شعار حليب السعودية لنشبه البائعين في مطاعم الوجبات السريعة قدر الإمكان .

كان العمل متعباً بعض الشيء خاصة في ظل انعدام ثقافة الطابور المنظم والهدوء أثناء الشراء ، وإنما هو التزاحم على الشباكين لترى الأيادي الممتدة إليك ببعض الريالات ، والأصوات تتقاذف من هنا وهناك: 3 فانيلا .. واحد شوكولاتة .. أبلة أبلة فيه فراولة ؟ ( أنا أبلة ؟ )

ويبلغ الأسى مبلغه حينما تقذف لك إحدى  المشتريات في هذه الزحمة بورقة من فئة المئة ريال وتطلب ( اثنين ايسكريم ) … بريالين .. وتريد الفكة ..تقضي بعض الوقت في إخراج الفكة من العلبة  ، أو تضطر للخروج من العربية إلى إحدى الأركان الترفيهية وتطلب فكة ، ثم تعود إلى مكانك وتبدأ المهمة الشاقة في البحث عن صاحبة المال في خضم هذا البحر المتلاطم من الأطفال الذين يبدون كأنهم لم يشتروا أيسكريما من قبل .

وفي نهاية الليل كان نوماً لا أحلام فيه لشدة التعب الذي أصابني من الوقوف المتواصل لسبع ساعات مستمرة ، إلا أن الإثارة كانت تملأ قلبي ، وكنت كلما أغمضت عيني أرى تفاصيل هذا اليوم تعاد كرة وأخرى في ناظري المغمض  فتعلو شفتي ابتسامة حبور .

وكان هناك معرض الكتاب السنوي ..

كل فصل يختار مادة ما يؤلف فيها بحثاً ، شخصية علمية أو أدبية ، أو بلد ما .

أذكر أن شخصيتنا المختارة في الصف الثالث  الثانوي كانت الدكتور الشاعر غازي القصيبي رحمه الله .

كنا نجمع كل ما يقع في أيدينا عنه : أخبار ، أشعار ، كتابات ، وتبرعت أنا بطباعة البحث . فكنت أطبعه على آلة كاتبة اشتراها أخي لي خصيصاً في زمن كانت الآلات الكاتبة كأجهزة الكمبيوتر الآن ، و كان الكمبيوتر عند الناس مقتصراً على الأتاري ولعبة الباك مان !

هل جربت الطباعة على الآلة الكاتبة ؟

لا شك أن الطباعة بالكمبيوتر يعد ترفاً هائلاً مقارنة بالطباعة على الآلة الكاتبة .

هل تتخيل أنك حينما تخطئ في كلمة فإنك تضطر إلى طمسها بالطامس ( كنا نسميه ليكويد ) ، وتعيد كتابة الكلمة عليها ..

فإذا غلطت في سطرين في وسط الصفحة ، فمن الأفضل لك أن ترمي الورقة بأكملها في سلة المهملات وتعاود الكتابة .

وبعد ذلك كنا ندفع بالبحث إلى مكتبة ما لتقوم بتصوير أوراق البحث على مئة نسخة أو مئتين ، ثم نحتل حجرة فارغة ، غالباً غرفة التدبير المنزلي ونصفّ الأوراق على الطاولات الكبيرة لتقوم مجموعة من الطالبات ( ستة تقريباً )  بتجميع البحث . 

غني عن الذكر أن هذه اللحظات كانت من أمتع الأوقات ..

كنا نستأذن من الأبلة لحصتين أو ثلاث أو أربع أحياناً لننهي البحث ، وكانت دائماً توافق لأن المستأذنات هن غالباً من المتفوقات .

نخرج من الفصل وعلى وجوهنا سيماء الجد والحزم ، فنحن في طريقنا لأداء عمل مهم وهادف ، حتى إذا ما غبنا عن أنظار الأبلة انطلقنا نجري ونضحك بهجة وإثارة إلى أربع حصص من الضحك والوناسة تنتظرنا تحت مسمى العمل .

أحياناً تكون ( مربية الفصل ) ذات تفكير خلاق ومبدع ، فتقوم مع طالباتها بابتكار مجسمات تنتمي إلى موضوع بحثها فيزداد بها قوة وجمالاً ، وقد تطلب مني مدرسة هذا الفصل أو ذاك مساعدتها في كتابة أو ترتيب ، أو تعليق شيء ( بسبب طولي ) ، فتنتفخ أوداجي زهواً  وأشعر فعلاً بالأهمية ، مع أني لا أعدو في الحقيقة أن أكون سلماً بشرياً !

ولعل أكثر ما يحدث في هذه الأيام إثارة أننا نضطر إلى التأخر في اليومين الأخيرين قبل إقامة المعرض لنعود إلى بيوتنا في التاسعة مساء .

كنا نتناول غداءنا في الساحة والذي غالباً ما يكون ( البروست ) والمعروف الآن باسم ( بروست البيك ) ، ولكنه وقتها كان “بروست ” و (بس ) !

ويالبهجة تلك الأوقات ونحن نتضاحك مع صديقاتنا في متعة طعامية مدهشة مكونة من الرباعي الرائع : بروست ، وبطاطس ، وثوم ، وبيبسي !

حتى إذا كان اليوم الموعود ، ما كان ينقصنا فعلاً إلا الألعاب النارية .

أذكر أني كنت أدور بنسخ بحثي ومجلة المدرسة التي كان يحررها طالبات المدرسة المتفوقات أدبياً ، وأعرضها للبيع كما يفعل باعة الجرائد في الأفلام المصرية .

هل يتسع المقام لذكر اليوم الرياضي ؟

قاربت على إنهاء خمس صفحات ، وأخشى أن أنساق في ذكر هذه الفعالية المثيرة لأنهي تدوينتي في ست أوسبع صفحات ..

وتعلمون جميعاً رغبتي الجادة في تقليص عدد الصفحات لأني لا أعتقد أن الكثير منكم يرغب في قضاء نصف يومه يقرأ تدوينة هناء .

لذا لنرجئ ذكر اليوم الرياضي للتدوينة القادمة ..

وأعدكم أن تدوينتي التالية ستكون بنفس جمال هذه التدوينة ..

طبعاً سأتغابى وأفترض أن هذه التدوينة جميلة.

هي جميلة بالفعل ، وذلك لأني أكتبها وانا أغلق عيني بين الفينة والأخرى لأستدعي الذكريات ..

أحاول أن أشم رائحة الفشار والبرجر والبروست .

أحاول أن أعيش جو الأنس مع صديقات غابت عني شخوصهن ، ولم تغب صورهن وضحكاتهن.

كتبت هذه التدوينة وأنا في عالم وردي جميل ما فيه إلا الأيام السعيدة ..

أفلا تكون التدوينة بعد ذلك جميلة ؟

انتظروني  في التدوينة التالية ..

وأرجوكم .. من باب المجاملة فقط .. اكتبوا تعليقاتكم وذكرياتكم ..

أحب أن أرى منكم تفاعلاً فأتشجع في كتابة المزيد .

اكتبوا لي عن مدارسكم وصديقاتكم ونشاطاتكم ..

وإن كنت واثقة أنكم لن تكتبوا عن مدرسة كدار الحنان !

Read Full Post »

لا زلنا في الاختبارات ، ولا زالت الضربات تتوالى من الأساتذة الذين يملكون حساً غريباً في وضع الأسئلة. غريباً جداً لدرجة أنك تتساءل في نفسك وأنت تنظر بغباء إلى ورقة الأسئلة مخاطباً الأستاذ  ( وش تحس فيه ) ؟

كفانا حديثاً عن الأسئلة فهذا موضوع تحدثت فيه إلى أن بح صوتي ولا يزال منسوب الأدرينالين (لعله) يرتفع بسببه وترتفع معه أشياء أخرى ( ربما الضغط والكلسترول ، والسكر الذي لست مصابة به والحمد لله .. حتى الآن على الأقل !) وأخشى أن أرتفع بذاتي محلقة في سقف الحجرة كلما تذكرت الأسئلة ، وألجم لساني بشدة خشية أن أدعو على هذه النوعية من الأساتذة وأفكر في نفسي : بل أريد من حسناتهم .. أريد رفعة من الله .. أريد أن أصيب ( عزم الأمور ) .

ما أهداف هذه التدوينة إذا ؟

الأهداف :

  • محاولة تعويد النفس على كتابة تدوينات من صفحتين فحسب .

  • استجلاب بعض الترويح للنفس المرهقة باستجلاب الذكريات .. أية ذكريات ؟ تعرفها في الهدف الثالث :

  • تحية لزميلة الدراسة الدكتورة منى باسليم ، استشارية جراحة أورام الثدي بمستشفى الملك فهد بجدة .

كنت أسمع باسمها وأتساءل ..

 منى ؟ أتكون منى التي أخبرها في مدرستي الجميلة دار الحنان ؟

وأعود بذاكرتي إلى الوراء ، وتتوالى علي الذكريات بمختلف الطعوم والروائح والألوان .

ذكريات سعيدة لأيام سعيدة قضيتها في مدرسة دار الحنان .

كم مرة ذكرت أني لابد أن أكتب عنها تدوينات خاصة ؟ ربما في إجازة الصيف !

الهدف الآن هو الكتابة عن منى ، منى الطالبة لا الطبيبة لأني لا أعرفها كطبيبة .

ولابد أن أحصر هدفي هنا لئلا ينتهي بي المطاف إلى كتابة تدوينة من عشر صفحات هذه المرة ، إذ أن مجرد الحديث عن المدرسة يقودني مسحورة إلى عالم جميل ، ومساحات شاسعة من اللونين الزهري والتفاحي في تناغم وود ، ولا بأس على الإطلاق بحشر بعضاً من البنفجسي (لوني المفضل) بأي درجاته  هنا وهناك .

تحسونه نشازاً ؟

لايهمني ، فمادام أنه عالمي فلأضع فيه ما يدخل إلى قلبي السرور من الألوان .

هناء !!

حسناً حسناً .. الاستطراد .. فهمت فهمت !

موضوعي : منى باسليم .

كانت منى من البارزات فعلاً في السنة الدراسية 1404 ..

ياااااااه ، ذاك عهد قديم .

ماهذه المعلومة المتسربة ؟ إنها تعطي دلالة واضحة جداً على أعمارنا لا تقبل الشك ولا الريب .

ولكن ، من قال أني ( أنا على الأقل ) صغيرة .

لا أزال أذكر في كل زمان ومكان أني ( خالة ) وطالبة في سن جدتي وكل هذا الهراء ، فلن يضير إذا ما ذكرت في أي سنة كان تخرجي من الثانوية .

كانت منى تتصف منذ ذلك الوقت بالعقل والرزانة  ، وكنت دائماً أعقد مقارنات في نفسي بيني وبينها ، وأتمنى بإعجاب خفي أن أحظى ببعض ما عندها ..

صوتها منخفض نوعاً ما ، هادئة ، من النوع ( التحتاني ) الذي يلقي بالتعليقات الساخرة وهي تقرأ كتاباً ، فتستلقي أنت على الأرض و( تكفشك الأبلة ) في حين تظل هي تقرأ كتابها  في براءة . لا أقصد أن موقفاً كهذا حصل معي ، فقد كانت في القسم العلمي  وكنت في الأدبي ، ولكن أقصد أنها كانت خفيفة الظل بلا صخب  ، وغني عن الذكر أنها كانت ( دافورة ) ما شاء الله .

ولمن لا يعرف معنى هذا المصطلح (دافورة ) فهو يعني القمة في ( الشطارة الدراسية ) .

جمعني بمنى بعض الإذاعات الصباحية من فئة : مديرتي الفاضلة ، مدرساتي الحبيبات ، أخواتي الطالبات … الخ ، وبعضاً من مباريات الكرة الطائرة ( وأرجو ألا أكون أخرف أو أن الصور عندي تداخلت ) وبعض الصديقات .

لم تكن صديقتي بالمعني الفعلي ، ولكن كانت زميلتي التي أعجبت بصوتها المنخفض وحرصها على الدراسة ورصانتها وكل ما افتقرت إليه في تلك الفترة .

حينما أشارت عليّ عمة أولادي أن أحادث الدكتورة منى باسليم أعرض عليها الاشتراك في تجمع طهر لمريضات السرطان ضمن الهيئة الاستشارية للتجمع

http://www.m-tohr.com/vb/

 أغلقت عيناي وسافرت بخيالي إلى ذلك العالم الساحر .. عالم مدرستي ، ورجعت أحاول تجسيد صورة منى في ذهني ..

منى في فصل العلمي ، منى في الساحة تلعب كرة الطائرة ، منى في الإذاعة (تستهبل ) أمام (المايك) قبل أن نكون على الهواء ، منى هنا وهناك .. منى والذئب !!

ماذا ؟ أوه نعم .. تلك ليلى والذئب .. معذرة .

كنت أخشى أن تتداخل علي الصور ، وها قد حصل المحذور .

أخذت الرقم وأرسلت لها رسالة في البداية ..

أعرف هؤلاء الأطباء لا يردون على أرقام مجهولة لئلا ( يتوهقون ) أو ( يبتلشون ) مع المرضى.. وعلى سيرة (الابتلاش) ذكروني فيما بعد أن أحكي لكم كيف تقرأ الشيخة شمس ( بنتي ) القرآن .

أرسلت لمنى أذكرها بنفسي وأطلب منها أن تحدد الوقت المناسب للاتصال بها .

تجاوبت معي جزاها الله خيرا ..

لا زالت بدماثة أخلاقها الذي أعرفه فيها..

ثم حادثتها أخيراً .

نفس الصوت ..

كنت أحادثها بحذر في البداية ، فمسافة 27 سنة تفصلني عنها ليست هينة .

خفت ألا تتذكر مني طبعي الساخر والصخب الذي كنت أحدثه فتنكرني .

ولكن كانت منى هي هي ، وكنت أنا أنا .

دون أية رتوش أو زوائد .

تحادثنا لعشر دقائق عجِلة ، لحرجي من أن أكون أشغلتها عن بيتها وأولادها .

أنهيت المكالمة وقلبي يبتسم بحبور .

هذه ذكريات جديدة من ذلك العالم الفاتن ( الذي يدعى مدرسة دار الحنان ) تتداعى علي .

دكتورة منى ، أرفع باروكتي تقديراً لك ، وأفخر بأن أقول : كانت زميلتي في الدراسة !!

ملحوظة : يبدو أن وضعي ميؤوس منه .. مع كل محاولات الاختصار بلغت هذه التدوينة 4 صفحات .. لنأمل أن يحصل بعض التحسن .. فقد نقصت تدوينتي صفحة هذه المرة .

 

Read Full Post »