تأملات طالبة في سن جدتي
7 جوان 2011 بواسطة هناء
وأخيراً ..
بعد عمل متواصل دؤوب استمر قرابة التسعة أسابيع سأنهي اختباراتي اليوم .
أشعر بشعور متسلق الجبال حينما يصل إلى القمة وينظر بشموخ من علٍ إلى البلدة الغافية في سفح الجبل ، ويعلن انتصاره على الجبل .
لا أعرف متى تسلقت الجبل لأعرف هذا الشعور ، ولكني أتوقع .
إنه شعور الإنجاز .
أنا اليوم أعلن انتصاري على الدراسة .
صحيح أني لم أستلم نتائجي بعد .
ولكن أتوقع بمشيئة الله أنها ستكون سارة .
إليكم انطباعاتي عن هذا الفصل في وقفات :
الوقفة الأولى : كانت غلطتي الكبرى أني بدأت متأخرة جداً ، تماماً كالأرنب الذي يسابق السلحفاة ، وقد ذكرت ذلك في أول تدوينة لي عن الدراسة .
قضيت الشهرين الأولين منذ بداية الفصل في لعب ولهو ، فأنا بعيدة العهد عن الدراسة الجامعية .
حتى إذا ما انتصف الفصل بدأت الدراسة الفعلية ، ويا لهول ما وجدت .
سبع مواد مختلفة الأحجام تنتظرني هازئة ، أن أرينا ماذا ستفعلين الآن ؟
كنت أستيقظ يومياً في العاشرة لأستدرك ما فاتني ، فأسمع المحاضرات المسجلة وألخص ، وأحضر اللقاءات الحية اليومية .
تركت المتع المبهجة التي تمتعني : القراءة ، التصوير ، متابعة برامجي المفضلة ، وتقلص عملي في المنتدى والمحاضرات الدعوية ، وانحصرت متعتي في اللقاء بكم مرتين أسبوعياً قدر الإمكان .
وفي الأسبوع الأخير الذي سبق الاختبارات زاد العمل حتى أني كنت أستيقظ من بعد الفجر وأذاكر حتى السابعة صباحاً ثم أنام ، لأعاود العمل في التاسعة والنصف .
أعتقد أني اكتسبت عادة جيدة كنت أتوق منذ زمن بعيد إلى اكتسابها وهي عادة التبكير .
قبل الدراسة كنت أستيقظ في الحادية عشر ظهرا أو بعد ذلك بقليل ، ,أظل أتمرغ في كسلي طوال اليوم ، حتى إذا ما هبط الظلام ظللت أندب يومي الضائع وأني لم أستغله بما يكفي .
الآن ، أشعر بالمتعة والحبور . أستيقظ مبكرة ، أتفرج على بعض البرامج ، أتفقد منتداي وأحكي شمسي حكاية ، ثم أبدأ دراستي ، ولا زالت الساعة العاشرة والنصف .
أرجو فقط أن تستمر معي هذه العادة خاصة مع قدوم الإجازة الصيفية .
الوقفة الثانية : كنت أقرأ دائماً أن أعضاء الجسم تكتسب قوتها من تمرينها ، فكلما مرنت العضو على أداء عمله الذي خلقه الله له قوي وصقل . ومن ذلك التمارين الهوائية cardio التي تنفع القلب جداً بحملها إياه على العمل بقوة لضخ الدم .
لا ينفع القلب أبداً الجلوس بدعة واسترخاء ، بل إن ذلك قد يؤدي إلى تصلب الشرايين وحدوث الجلطات ، ولكن ما يفيده هو الحركة الكثيرة والمجهدة (باعتدال) .
وكذا الذهن .. بعد العلاج الكيماوي ، شعرت أن تروس عقلي قد علاها بعض الصدأ .
صار تفكير بطيئاً ، وقل تركيزي جداً ، حتى أني لو لم أنطق بما في ذهني خلال خمس ثوان من تفكيري فيه لضاع فوراً ، ولا تسل عما حفظته من القرآن كيف اختفى في مكان ما من أدراج الذاكرة ، ربما تحت قميص أو جورب في أحد الأركان .
ما كنت أعتقد أبداً أنه سيكون باستطاعتي استعادة قدراتي الدراسية القديمة .
ولأني طالبة علم قديمة فقد كانت الدراسة الشرعية الجامعية ولمدة 9 أسابيع مصدر سعادة واستمتاع لا كما كان البعض يشعر بأنها ( شهادة و السلام ) .
كنت أستمتع للغاية بشعور الإنجاز حينما أنهي تلخيص مسألة من عشرين صفحة في ورقتين ، أو أستظهر بعض الفقرات فأجدها لا زالت في مكانها بعد أسبوعين أو أكثر من استظهارها .
بدأت أشعر بشعور الرياضي ذي البطن المتهدلة وهو يرى عضلات بطنه تزداد صلابة وانكماشاً بزيادة التمارين ( هذا شعور أزعم أني أعرفه جيداً لا كشعور متسلق الجبال ) .
كنت أشعر بالحياة تدب من جديد إلى عقلي ، وأن تروسه بدأت تدور بسلاسة أكبر ، وأن الصدأ آخذ بالانجلاء .
أقول لكم بثقة : جميل هو الإحساس بالإنجاز ..
الإحساس باستعادة النشاط بعد الإغماء ..
الإحساس أنك حي ، وتؤدي دوراً مفيداً في هذه الحياة .
وأقول لمن تقرأ عيناه كلماتي من وراء شاشته ، وقلبه من وراء يأسه واستسلامه : لا تستسلم !
فإن كنتُ قد نجحت بفضل الله ، فبإمكانك أن تنجح أنت كذلك .
فقط اكسر حاجز الرهبة وأقدم ، قد تتعثر في أول الطريق عدة مرات ، ولكن من يتهيب صعود الجبال يظل أبداً بين الحفر ..
ولا شك أن الجو في جبال أبها أجمل بكثير منه في منخفضات تهامة .
الوقفة الثالثة : حسبي الله على المعتزلة وأهل الكلام ، فإنهم ما دسوا أنوفهم العريضة في شيء إلا أحالوه جحيماً .
عانيت بشدة من هذه الفرق الضالة التي تظلم النهار وتغطي عين الشمس بباطلها وفلسفتها ، وذلك في علمي العقيدة وأصول الفقه .
العقيدة ؟؟؟
هل هناك أسهل من أن تكون مادة العقيدة تتحدث عن حق الله علينا من العبادة والانقياد والتوحيد ، ومعرفة أسمائه وصفاته وجماله وكماله ، وما أعد لعباده المؤمنين من الكرامة في دار الخلد ، وما أعد للأشقياء من الهوان والخزي ..
عالم جميل من رقة القلب ودمع العين خشية لله وحباً ورجاء وتعظيما ً .
فإذا بأهل الكلام ينقطون العلقم في الشراب السائغ ليكون مراً صبراً .
إليكم بعض هذه المسائل العربية كتابة ، الهيروغليفية معنى ( وكانت مهمتنا فهم هذه الهيروغليفية وترجمتها إلى العربية في أذهاننا ) :
-
مسألة التسلسل : فيقولون أن التسلسل في صفات الله ممتنع في الماضي وفي المستقبل لا يمتنع، وأما الجهمية والمعتزلة – قاتلهم الله- فمنعوا تسلسل صفاته تعالى في الماضي والمستقبل . أرأيتم المصيبة العظمى والفرية الكبرى ؟
-
تعريف المعتزلة للعلة ( أصول فقه ) : العلة هي المؤثر في الحكم بذاته وهذا التعريف هو بناءً على ما ذهبوا إليه من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين . فالعلة عندهم : ما أثرت في الحكم وأوجبته لا محالة، فإن ذلك عندهم من قبيل الاستلزام العقلي بحيث لا يتصور انفكاك المعلول عن علته !!
-
من معاني التركيب : التركيب من الهيولي والصورة ، كالخاتم مثلاً : هيولاه الفضة ، وصورته معروفة ( ما عرفوا يقولوا ” عنصر ” مثلاً ؟) ، وأهل الكلام قالوا : الجسم يكون مركباً من الجواهر المفردة!! إذاً ، كلما أعوزتك الحاجة فاعمد إلى سن أو ظفر فانزعه وبعه فأنت غالي الثمن وأنت لا تدري !!
-
قال أحدهم عند موته : ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح !
أي ممكن وأي مرجح لا بارك الله فيك !
لذلك قيل أن العلم قليل ولكن الكلام كثير .
العلم الحق سهل سائغ مريء ، إلا أن صاحب الكلام فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر وجاء لنا بالعجائب في صفات الله الجميلة الحسنى ليجعله – تعالى عن إفكه – علواً كبيراً : ” جسماً ” عاجزاً عن الكلام ، وإذا أراد شيئاً فإنه يقوله في نفسه فيفهمه جبريل عليه السلام فيتكلم به ، فقاتلهم الله كيف جوزوا الكلام لجبريل ومنعوه عن الله بأقيستهم وخيالاتهم الفاسدة .
والكلام في هذا يطول ، وحسبي أني أوردت لكم بعض الغثاء الذي كنت ( أتصبح وأتمسى به للأسابيع التسعة الماضية ) نرد على هؤلاء المرضى بدلاً من الاسترواح بنسيم العلم الحق والتقلب في معاني التوحيد والأسماء والصفات ، ولكنهم أفسدوا علينا ديننا وعقائدنا ، أفسد الله عليهم هناءة رقادهم في قبورهم .
الوقفة الأخيرة : كانت لي بعض التأملات في مادة التفسير ، ومع تحفظي الشديد للأسئلة (#@%$ ) التي أتى بها أستاذها ، إلا ان ذلك لا يمنع أن هذه المادة كانت مثار تأملات ووقفات عديدة .
خذ مثلاً ما أوردته في تدوينة سابقة عن تحقيق الأمنيات ..
حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب نظره في السماء ينتظر أن يأمره الله بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وكان يعجبه أن يصلي إلى الكعبة .
ولبث بضعة عشرة شهراً يصلي إلى بت المقدس ، فلما نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة ، كيف عساها أن تكون فرحته ؟
العجيب في الأمر شدة استجابة الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يبلغهم بنفسه . فقد صح أن جماعة منهم كانوا يصلون صلاة الفجر في حيهم ( وذكر في سنن أبي داود أنهم كانوا في قباء ) فمر عليهم أحد الصحابة من بني سلمة وهم ركوع وصاح فيهم مرتين: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ، فيمموا وجوههم مباشرة إلى الكعبة وهو ركوع ..
مهلاً مهلاً ..
هذه وقفة لاينبغي أن تمر بسهولة .
أرأيتم شدة الاستجابة ؟
أمر تحويل القبلة أمر شاق على النفوس .. تخيل ! هم يصلون إلى بيت المقدس مذ قدموا إلى المدينة .. بضعة عشرة شهراً يصلون إلى جهة معينة ، مع ما كانت تعنيه الصلاة لذلك الجيل الذهبي ( وتلك شأنها تدوينة أخرى ) ..
وفي جملة واحدة قالها أحد الصحابة غير المعروفين عندنا ، (ليس أبا بكر ولا عمر ) تحول المصلون عن قبلتهم التي كانوا عليها لأشهر ، ولم يفكروا في أنفسهم : لعله كاذب ، أو واهم ، لعله أخطأ الفهم ، لننه الصلاة أولاً لنتأكد ثم نستجيب في الصلاة التالية ، هذا أمر شاق كيف نفعله ، ماذا سيقول عنا السفهاء من الناس ؟
ولكنهم تحولوا جميعاً وتلقائياً إلى الكعبة ، إذ المطلوب أولاً الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
هؤلاء الصحابة الذين فعلوا ذلك كان منهم من أسلم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، يعني لم يتجاوز إسلام بعضهم السنة ، ورغم ذلك أطاعوا بشكل مثير للدهشة .
ثم يقول البعض حينما يحتج لهم بطاعة الصحابة لأوامر الشرع : ( هاذولي صحابة ) .
ماهذا الاستغفال ..
صحابة من الفضاء الخارجي ؟
إنهم بشر مثلنا ولكن امتلأت قلوبهم بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتاهم الأمر نقلاً عنه وليس مشافهة لم يتلجلجوا أو يضطربوا وإنما سمعوا وأطاعوا ..
لذلك ملكوا الدنيا ..
بل ملكوا الدنيا والآخرة ..
أما نحن ، فيا رب رحمتك !!
هذه تأملاتي لهذا الفصل الدراسي ، وهناك الكثير مما لا تفي هذه الصفحات الخمس من استيعابه ، ولعلي أبثها في ثنايا التدوينات القادمة إن شاء الله .
أما الآن ، فعليّ أن أنهي قراءة مذكرة مادة النظم المتفرعة عن الثقافة الإسلامية .
يبدو أن لدي مشكلة ما مع هذه المادة ..
فأنا لا أحبها وأشعر أنها نوع من الفلسفة التي يمكن اختصارها في ملخص مفيد لا يتجاوز العشر صفحات ولكنهم مططوها لتبلغ ثمانين صفحة وليصدق عليها اسم ( مادة ) .
كفى حديثاً وإلا فلن ننتهي اليوم إلا بعشر صفحات ..
وإلى لقاء قريب ..
دمتم بود وإيمان .-
0.000000
0.000000
أرسلت فى خواطر ،, طالبة في سن جدتي | مصنف متع, القرآن, الإسلام, الدين, الدراسة, خواطر | 6 تعليقات
هنوتي الغالية
استمتعت بقراءة صفحاتك هذه وخصوصا المواضيع المشتركة بيننا ( الاساتذة ولعبة حرق الأعصاب ) الله يسامحهم
عزيزتي يسعدني المرور هنا وانتظر باقي الخواطر
والله يوفقك ويسدد خطاك ويمن عليك بالصحة والعافية
أختك / فائزة الغامدي
فايزة
منورة يا عسل وشرفتيني بمرورك.
مرحبا حنان….
كتابتك تمثل شخصيتك كحقيقتها تماما……كل الامور انصبت عليكي دفعة واحدة وبدائتي مرحلة معالجتها دفعة واحدة …..رويدك قليلا …..صحيح كل ماقلتيه ولكن هناك جوانب متعددة بابعاد مختلفة لكل هذه الامور فبقدر التعقيدات والضغط احيانا الا ان لها متعة سحرية تكمن في اللب لن تظهر لاي كان الا اذا تعمقتي في الجذور…والغاية التي تنشديها ستجديها تتسابق اليكي مسرعة دون ان تقضي العمر تنتظري الوصول اليها …..استمتعي بها فهي تستحق منك ذلك ….هو علم يصحبه عمل مباشر وتطبيق سريع وتصحيح لكل تراكمات ماكنا ولازلنا نرتكبه بسبب تقصيرنا….عاودي دائما استحضار النية الخالصة وانطلقي ……ولتبقى همتك في اوج نشاطها كما عهدتك…………..رفيقتك في اللجان……………..حياة
حياة ، أسعدني مرورك ، وأسعدني تشجيعك .
البحث عن هذه المتع السحرية التي ذكرتيها هي التي ( بعد إرادة الله وفضله ) تبقيني على قيد الحياة ..
هي التي تجعلني أصنع من الليمون شرابا لذيذا ..
شكرا لك حياة ، سعدت بصحبتك أيام الاختبارات .. وعلى فكرة ، أنا هناء مش حنان 🙂
اش هيولي وهيولاه …؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أما حكاية التعلل بالصحابة ودولي صحابة وداك الرسول … فكتري منها …
الله يرحمنا برحمته … قلبتي عليا المواجع…!!!! ربما أعود إن شرحتي لي معنى الهيولة ؟؟؟؟
ميمونة .. إن شا الله لما أعرف إيش معنى الهيولي أشرح لك .. عموما المدرس حذف عنا هذه الفقرة !!