Archive for the ‘نظرات ثاقبة’ Category
فتنة اللباس
Posted in نظرات ثاقبة, tagged الأخلاق, الإسلام, الدين, خواطر on 26 جوان 2012| 14 تعليق »
الحياة بعد الأربعين !
Posted in من هنا وهناك, نظرات ثاقبة, خواطر ،, ذكريات بطعم السرطان, tagged الأمل, السرطان, خواطر on 5 جوان 2012| 30 تعليق »
كنت في الخامسة والعشرين من عمري حينما قابلت مرة ابنة خالتي التي تعيش في مدينة ثانية . كانت تكبرني بست عشرة سنة ، وكانت قد اتبعت حمية غذائية ورياضة مستمرة ، صبغت شعرها وارتدت ثوباً جميلاً فهتفت بها : إيش الحلاوة دي يا أبلة ما شاء الله ؟ فقالت لي ضاحكة : الحياة تبدأ بعد الأربعين .
علقت جملتها هذه في ذاكرتي طويلاً ولا أدري ما السبب ، فأنا في ذلك الوقت كنت بعيدة جداً عن الأربعين .. أو على الأقل يُخيل إلي ذلك . وتمضي الأيام سريعة إلا أنها لم تكن بالسرعة الكافية التي تلهيني عن رؤية الخطوط الدقيقة التي بدأت بالظهور على جانبي عيني ، ولا غزو الشعيرات البيضاء لرأسي ، ولا ظل ظهري المحني قليلا على أرض الممشى ، ولا اضطراري لخلع النظارة كلما أردت أن أقرأ شيئاً قريباً. لم تفُتْني كل هذه المظاهر التي يؤكدها نداء حفيدتيّ ” يا جدة ” وكتابتي في خانة العمر في استمارة عبأتها قريباً : 46 سنة .
لسبب ما تذكرت جملة ابنة خالتي : الحياة تبدأ بعد الأربعين ، فهل بدأت حياتي أم أنها قاربت على الانتهاء ؟
تحرياً للدقة فإني أقول إن حياتي شارفت على الانتهاء قبل سنتين ونصف حينما أصبت بسرطان الثدي , إلا أنها بدأت من جديد بعد الشفاء . لا أخفيكم أني أدندن كثيراً على تقدمي في السن ، ولعل مرد ذلك اعتقادات مسبقة سببتها الرسوم الكاريكاتيرية والإعلام أن من تعدى الأربعين فقد بدأت رحلة نهايته .
في الأدب الانجليزي –وأعتقد في كل الآداب – نجدهم يمثلون الشباب بفصل الصيف وشمس الظهيرة ، والكهولة بفصل الخريف والشمس الآفلة .
حسناً ، قد يكون في تلك الاعتقادات بعض الصحة ، ولكن هذا لا ينبغي أن يحملنا على ترك الحياة ، بل العمل للآخرة مع عدم نسيان النصيب من الدنيا.. على الأقل هذا ما فهمته مؤخراً .
لماذا يسود هذا الظن عند الكثير من الناس ؟ لماذا يربط بعض الناس التقدم في السن بالعجز الجسدي والفكري ، فتجدهم تلقائياً يغلقون نوافذ التطور والتجديد في حياتهم بحجة السن ؛ النساء يرفضن ارتداء الألوان الزاهية ( عشان إيش يقولوا الناس ؟) والرجال لا يكادون يفلحون إلا في خوض غمار المراهقة المتأخرة واللحاق بما فاتهم من المتع . كلا الجنسين لا يحاولون تطوير أنفسهم في مجال العمل مكتفين بإنجازات الشباب ، عدم مواكبة العصر الحديث تقنياً وثقافياً، فقدان الرغبة في تغيير نمط الحياة مفضلين البقاء على روتينهم المعتاد ، عدم القدرة على التوافق مع شريك الحياة وكثرة الخلافات الزوجية بسبب عزوف المرأة عن الرغبة الجنسية إما زهداً فيها أو انصرافاً عنها إلى الأولاد والأحفاد ، وإقبال الرجل على ذلك في محاولة للتشبث بالشباب المتفلت ، العناد بدلاً من التفكير ، والسخرية من المخالف بدلاً من محاورته، والانغلاق على النفس أو على فئة معينة من الأصدقاء بدلاً من الانفتاح وتجربة مذاقات جديدة للحياة .
أليس من المفترض أن تكون الأربعين نقلة إلى حياة أفضل ، حيث تزداد الحكمة ويستقر الفكر ويستفاد من الخبرات والتجارب ؟
باعتقادي أن ما نراه من بعض النماذج السلبية يرجع سببها إلى الشخصية أولاً ، إذ أن الشخصية ؛ عيوبها ومحاسنها تتضخم بتقدم المرء في السن ، فإذا كان سلبياً فلن تزال سلبيته تتضاعف حتى تنسد السبل في وجهه وتضيق عليه الدنيا برحابتها ، ومثل هذا يكون عجوز القلب ولو كان في ربيع العمر ، أما لو كان إيجابياً فسيعيش في ظلال إيجابيته حياة معطاءة وسينعم بنجاحات متوالية تنسيه سنه الحقيقي فيبقى قلبه في شباب دائم .
إلا أن الشخصية ليست هي العامل الوحيد ، فهناك الثقافة التي تحدد توجهات الفرد ، و المجتمع الذي يثبط أو يشجع .
حين ننظر إلى كبار السن في الدول الأمريكية والأوروبية نجد أن حياتهم الحقيقية تبدأ بعد الأربعين ، حين يكبر الأولاد وتتحقق الإنجازات وتنضج الشخصية عندها يركن الفرد إلى الاستمتاع بالحياة ، إما عن طريق تجربة أشياء جديدة لم يجربها من قبل ؛ سفر ، طعام جديد ، مزاولة رياضات ، أو عن طريق إنجازات تعيد الحيوية إلى عروقه كالأعمال التطوعية وخدمة المجتمع ، وهو إن فعل ذلك فإنه يجد المجتمع الذي يشجع ويكافئ مادياً ومعنوياً على هذا التوجه فيستمر في العطاء حتى يصاب بالعجز أو الزهايمر !
أذكر أن والد امرأة أخي الهولندية كان يزاول رياضة التنس وهو في الثمانين من عمره ولم يتوقف عن ذلك إلا حين أصيب بمرض السرطان الذي توفي به ، بل كان يقود دراجته بعد أن أصيب بالزهايمر ويضيع أحياناً عن منزله ، ونحن نعد من يحافظ على رياضة المشي فينا وهو في الخمسين شخصاً “رياضياً” !
إلا أن الوضع ليس بهذا السوء عند الجميع ، إذ لا ينحى كل الأربعينيين والخمسينيين ومن فوقهم منحى ( كذب الكذبة وصدقها) ، وإنما كثير منهم بدأت حياته الحقيقية عندما أسن . هم أولئك الذين يعتقدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) رواه أحمد وصححه الألباني . هم أولئك الإيجابيون الذين يرون أنه طالما بقي في الصدر نفس يتردد ، وفي الجسد بقايا من قوة ، فلابد من العطاء . هم الأشجار التي تحب أن تموت و اقفة .
حدثتني صديقتي اليوم عن قريبة زوجها ، طبيبة تخصصت في الأشعة ، وبعد التقاعد من العمل الحكومي وتزويج الأبناء عملت لفترة في القطاع الخاص ، ثم انخرطت في العمل مع الجاليات ومكاتب الدعوة . هذه امرأة لم تدع سنها يقهرها ، وإنما هي من اتخذت المبادرة وجعلت فراغها من شغلها ومن مسؤولية الأطفال ميزة أحسنت استغلالها .
كل يوم أرى في الممشى نماذج جميلة لكبار في السن يمشون يومياً ، وبعضهم يمشي ( كالطلقة ) في سرعته ونشاطه مما يجعلني أتمتم بالتبريك عليه ، ولم يحملهم سنهم على الخلود في المنزل انتظاراً لهجمة الروماتويد .
ابنة خالتي إياها ، أنشأت مواقع على الشبكة العنكبوتية للتعريف بالمملكة العربية السعودية ودين الإسلام باللغة الانجليزية وموقعاً آخر لأشغالها الفنية . كما أنها ناشطة اجتماعياً في حيها السكني حيث تقوم بتعليم الانجليزية لفتيات الحي عن طريق المحادثة والمحاورة ، ولها حلقة تحفيظ قرآن في أحد المساجد .
أذكر جيداً كم كان يلفت نظري مشهداً كنت أراه أيام سكني في عنيزة في العقد الماضي .ففي الحين الذي كان يخرج (الشيّاب) من بعد صلاة العصر ليجتمعوا أمام أحد البيوت ( يتقهوون ويسولفون) حتى صلاة العشاء ، كان الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله –وهو في مثل سنهم- يجد الخطا على رجليه غالباً من بيته إلى الجامع الكبير حيث يقوم بتدريس طلبة العلم بعد صلاة العصر والمغرب والعشاء يومياً . كنت أرى هذه الفروق في النفسيات ، ففي حين كان الشيبان يبدون كما لو أنهم فرغوا من مهامهم في الكد لتحصيل لقمة العيش وتزويج الأولاد وأحيلوا إلى التقاعد وجلسوا ينتظرون الموت ، كان الشيخ رحمه الله كأنه يخطو في كل يوم خطوة إلى الجنة ، يعلم الناس ، ويصل رحمه ، ويشفع للمحتاج ، حتى بعد أن مرض كان يصر على التعليم كلما وجد في نفسه قوة على الكلام حتى كان آخر درس ألقاه في رمضان ليلة العيد وهو لا يكاد يتكلم من التعب ، وتوفي بعد ذلك بأسبوعين .
هل أذكر أمي الحبيبة التي كانت تستغل مواهبها الفنية فتشتري الصوف لتصنع منه قمصاناً وبناطيل ترسلها لنا لنوزعها على طلبة العلم المحتاجين في عنيزة ، وكانت تصنع بكلات الشعر وتبيعها ثم تضع ثمنها في صندوق جعلته قرب باب الدار لجمع التبرعات والصدقات . كانت تتسلى وتتصدق ولم تدع فرصة في يوم لأن يثنيها السن أو آلام الكهولة عن ممارسة الحياة . والآن حين وهن عظمها وثقلت عليها الأشغال الفنية أصبحت أكثر تطوراً وقامت بنقلة نوعية هائلة في التجديد ، إذ انضمت إلى فيس بوك وفتحت حساباً في انستاغرام وأخيراً في تويتر ، وأصبحت أمي الجدة الكول.
أعود إلى نفسي وأقول : نعم ، كنت عجوزاً قبل السرطان ، فلما مرضت أحسست أن هناك الكثير من جمال الحياة قد فاتني ، لعل أعظمها : الإحساس بالإنجاز .
ما ذلك الوهم الذي عشت فيه ؟ أني كبرت لمجرد أني تعديت الأربعين ؟ أني صرت جدة فعليّ أن أتصرف كما تتصرف الجدات : يسيطر عليهن الضعف والوهن والصوت المرتعش .. أني سأموت قريباً .. ومن يدري متى سيموت .
حين أصبت بالسرطان وشارفت على الموت فعلاً ثم ردني الله تعالى إلى الحياة قررت أن أعيش الحياة .
كان أول ما قمت به هو تأليف الكتاب الذي يحكي قصتي مع المرض : الحياة الجديدة .. نعم .. كانت بداية حياة جديدة . حياة مليئة بالتطلعات لإنجاز شيء جديد كل يوم . ألفت الكتاب أثناء المرض ، تعلمت مبادئ التصوير الاحترافي ( وأنا التي كان عقلي ينغلق تلقائياً لأي كلام في التقنية ) ، ساهمت في إنشاء مجتمع طهر لمرضى السرطان وقمت بترجمة العديد من المقالات التي تهتم بالسرطان من المواقع الأمريكية المعتمدة ، عدت إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد انقطاع دام 27 سنة وصرت طالبة في سن جدتي ! زاولت رياضة المشي يومياً ، استمتعت بركوب الدباب في البر ، والأدهى من ذلك أني ركبت القارب في ينبع أخيراً . أنا التي كنت أرفض رفضاً قاطعاً ركوب القارب لخوفي الشديد من البحر وعدم اتقاني السباحة ، وأؤكد لكم أن تلك الرحلة كانت من أمتع الرحلات في حياتي .. كادت أنفاسي تتقطع من الإثارة .. ها أنا الآن أتغلب بفضل الله على خوفي القديم . أواه كم من المتع ضيعت على نفسي .
والآن أشعر بفخر شديد وأنا أصف نفسي في تويتر بأني الجدة الكول . صدقوني ، كم هو جميل أن يكون المرء كبيراً و كول في الوقت ذاته !
أستطيع أن ألحظ بجانب عيني فخر أولادي بي .
أسعد كلما وصلني تعليق يثني على كتابي ، أو أقوم بتصوير صورة جميلة تلقى إعجاباً ، أو أنهي جزءاً متقناً من القرآن وتثني شيختي على أدائي في درس السند الذي بدأته العام الماضي ، أو أفقد كيلاً من وزني كل أسبوعين ، أو تشكرني إحدى المريضات على استشارة طبية سرطانية ..
بقي لي من المتع ما أسأل الله أن يقر عيني به قبل أن ألقاه : أن يسلم بسببي وعلى يدي بعض الأشخاص ، أسمع شهادتهم بأذني ، وأمسح دموع الفرح بيديّ ، هنا أكون قد عشت الحياة الحقيقية بعد الأربعين .
ثورة ثورة ثورة !!
Posted in نظرات ثاقبة, tagged الإسلام, الدين, خواطر on 28 أكتوبر 2011| 12 تعليق »
دخل الشهر الأخير من عام 1432 هـ وقد انقلب العالم رأساً على عقب .
لا أميل إلى استخدام التاريخ الميلادي إلا لضرورة ، والضرورة هنا منتفية فأرجو أن لا يمتعض أحد من (دقتي القديمة ) .
العالم العربي يعيش ثورات على الأنظمة البائدة .
شعب يريد إسقاط النظام .
وآخر يريد إسقاط الرئيس .
وآخر كانت مطالبه معقولة فأبى حاكمه فأصر الشعب على إعدامه .
نفوسنا تحتاج إلى ثورات من هذا النوع .
ثورات ضد الأهواء والأمزجة الفاسدة .
نحتاج إلى تقويم لتعيش قلوبنا الربيع الرباني الذي أزاح يوماً بقوته الوليدة فارس والروم حين تربعا في أيام خلت على عرش العالم .
لو قلت لأحد قبل سنتين فقط أن خارطة التاريخ العربي ستتغير بهذه الطريقة لاتهمني بالخبال .
أنا لا أطلب المستحيل .
أنا فقط أطلب إعادة تاريخ وواقع مر به أجدادنا ..
تاريخ الأمويين والعباسيين والأندلس .
اقرأ كتاب : شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه لتبكي على حالك .
كانت كلمة السر التي وصل فيها المسلمون إلى مجدهم : التمسك بالدين .
ولم يكن الانهيار سريعاً بعد الانحرافات التي حصلت ، وإنما كأي بنيان راسخ قوي تطرق إلى أساسه الخلل والضعف فإن السقوط يكون ببطء شديد ، ولكنه يسقط في الأخير سقوطاً مدمراً ومدوياً .
هذه دعوة مني لنفسي ولكم للرجوع إلى الجذور .
صوتٌ مشتاق ينادينا ..
ونفوسنا تهفو إليه فلم المكابرة ؟
نحتاج إلى تصحيح كثير من المفاهيم .
نحتاج إلى ترسيخ الكثير من الاعتقادات .
نحتاج للالتفاف حول العلماء من جديد ، فهم الأعلم وإن خالفوا أهواءنا .
نحتاج لتصحيح العقيدة ، وغرس التوكل على الله ونبذ الخرافات وزيادة جرعة الإيمان بالغيب .
نحتاج لتعزيز الصلاة في نفوسنا قبل نفوس أبنائنا لنجعلها قادرة على نهينا عن الفحشاء و المنكر .
نحتاج لنبر آباءنا وأمهاتنا أكثر من حاجتهم هم ، لأننا ببرنا سيبسط لنا في أرزاقنا ويُنسأ في آثارنا .
نحتاج أن نتعرف على صفات العدو الحقيقي لنعرفه وإن تنكر بألف ثوب وقناع .
نحتاج للكثير الكثير .
ولكن بالاستعانة بالله والتوكل عليه والعزم الصادق ستهب الثورة تلو الثورة ضد أنظمة الهوى الغاشمة ، التي حكمت القلوب سنيناً فأظلمت وظلمت .
سيأتي يوم تشرق فيه شمس الدين وتورق أشجار الربيع وتزهر حياة القلوب .
فكن أنت من الغازين ولا تكن من فلول المنهزمين .
واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر .
والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
الدورة الجديدة
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged الأبناء, التربية, الدين, خواطر on 11 سبتمبر 2011| 8 تعليقات »
هممم ..
كم من الأمور يمكنك أن تتخيلها عند قراءتك للعنوان ؟
لذا لن أدع لك مجالاً للتخيل حتى ( لا تجيب العيد ) ، وسأشرح مرادي فوراً .
بدأ العام الدراسي ، وانتهت الإجازة ( بحمد الله ) وتنفست الأمهات الصعداء ، وعاد القطار إلى مجراه ..
هذه دورة جديدة من دورات الحياة ، تشبه دورات البرامح التلفزيونية او الإذاعية .
انتهت حقبة الإجازة الغثيثة التي قلبت الليل نهاراً والنهار ليلاً ، وقلبت الإنسان من كائن ( يفترض أن يكون ) منتجاً إلى كائن هلامي لا شكل له ولا لون ولا طعم ولا رائحة .
أنا شخصياً متحمسة جداً للدورة الجديدة .
أنا الآن في المستوى الثاني من الجامعة ( ولا أحد يقول خالة بعد كدة !!)
كتابي في دور النشر ينتظر الطباعة وأفكر جدياً في البدء بالكتاب الثاني والذي سيكون تثقيفياً أو جمعاً لقصص السرطانيات ، أو ربما كتاب طهي يخص السرطانيين ، لا أعرف فلم أقرر بعد .
كذلك أعد لدورة جديدة في المدونة ..
ربما تعلو همتي فأخترع لكم استبياناً أطلب منكم حله وأضفي به على نفسي بعض الأهمية .
وربما أرضخ لواقعي الأليم الذي ينص على أن قرائي لا يتفاعلون معي ( إلا قليل منهم ) لا في كتابة تعليقات ولا في طلبي منهم ذكر اقتراحات .
ولكن قبل أن ننتقل إلى الدورة الجديدة أود أن أذكر بعض وقفات طرأت لي خلال الإجازة .
هي وقفات متعددة ، وبالتأكيد لن تكفيها تدوينة واحدة ( خاصة مع العمل على محاولة تقليص عدد الصفحات منعاً للملل والإطالة ) ، لذا قد أذكر في كل تدوينة وقفتين أو ثلاث إلى أن تفرغ جعبتي من حصيلة الإجازة .
وقفة:
الفراغ القاتل .
الفراغ يحيط بي من جميع الجهات .
بعد أن كنت أدرس ما يقارب الاثني عشرة ساعة يومياً ، انتهت الاختبارات ووجدت نفسي كالطير الذي كف جناحاه عن الحركة في كبد السماء فبدأ يهوي من حالق .
بدأت أهوي فعلاً حتى تلقفتني عناية الله تعالى بعد يومين من محاولة التكيف مع الوضع ، وعدت أحلق من جديد لكن على ارتفاعات منخفضة .
ما زاد في توتري انتهاء أولادي من الإجازة ثم انطلاقهم في عالم الفراغ الرحيب .
سهر طوال الليل ، نوم بعد صلاة الفجر ، لعب بالكمبيوتر ، يليه لعب بالكمبيوتر ، ثم يختمون باللعب بالكمبيوتر .. جدولهم كان منوعاً كما ترون !
تمنيت لو عُززت ثقافة المخيمات الصيفية عندنا .
لكن لابد أن بعض الناس قد يربط المخيمات بالخوف من الإرهابيين ، وهذه مشكلة أخرى .
هنا أضيق ذرعاً بالفهم المتخلف للإرهابيين الحقيقيين الذين أدت حماقاتهم إلى منع الكثير من الأعمال التطوعية وجمع التبرعات ومنع إقامة المخيمات الصيفية والتي تعلم الفتيان على الاعتماد على النفس وتَعلُم مهارات جديدة تنفعهم في حياتهم المستقبلية اليومية .
وأتساءل ، كم من فهم سقيم أدى إلى شر عميم ؟
وقفة:
جمعتني نقاشات عديدة مع بعض شباب العائلة .
هناك فكر جديد يا ( قدعان ) .
هناك تمييع للدين ورد للنصوص أو تأويلها والهجوم على منهج السلف .
ماذا حصل في السنة الماضية ؟
لم اكتشف الجميع فجأة أن هناك خلافات وأفهام متنوعة لنصوص كشف وجه المرأة ، والاختلاط والسفر بغير محرم وصلاة الجماعة ؟
لم هذا الرد العنيف للدين ( القديم ) الذي نشأنا عليه بحجة أنه كان مهيمناً طوال القرن الماضي ساداً الطريق أمام الأنظار للأقوال الأخرى في الدين ، وأن الدين يسر وأن وأن ، وجملة من الشبهات التي لا أود إيرادها هنا .
وانتبهت في أثناء نقاشاتي معهم أن عندنا ( أجمعين ) قصوراً شديداً في قراءة كتب السنة الأساسية, ولا نكاد نجد من قرأ الصحيحين فقط ( فضلاً عن باقي كتب السنة ) من غير طلبة العلم ، ومع ذلك فالاجتراء على الفتيا ورد النصوص بحجة ( أن فيه غيرها ) وتخوين العلماء بات سائغاً ومقبولاً في أوساط الكثير من الناس ، وأكثرهم من فئة الشباب ، ولا أعرف ، أهم يبحثون عن الحقيقة فعلاً أم أنها الأهواء ؟
ما مفهوم الدين في أذهان هؤلاء القوم ؟
بطرق تفكيرهم الجديدة هل يبقى الدين قواماً متماسكاً وبنياناً قوياً ، أم أنه يضحى ثوباً مهلهلاً مخرقاً ومرقعاً ، كلٌ يدعي في كل مسألة أن ثمة خلاف فيها ويتبع الأسهل بحجة أن الدين يسر .
يا جماعة.. كدة لم يبق دين ..
وفي هذه الأيام ظهر أحد النكرات ليكتب مقالاً ينتقص فيه مقام الألوهية في إحدى الجرائد المحلية.
نعم .. لم تخطؤوا الفهم .. مقام الألوهية.
انتهى الناس من السخرية بأهل الدين ، ثم الأنبياء والنبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء الدور على مقام الألوهية ؟
هل انتهت المواضيع ؟
سبحان ربي ما أحلمه .
أفكر كثيراً : هل يعي هؤلاء المنتقصون لمقام الألوهية ، أو الساخرون بالدين وأهله ، أو المحتقرون أهل العلم لأن الله تعالى ينظر إليهم ويسمع قولهم ؟
فليحذروه إذاً .
ترون تدوينتي اليوم كوكتيلاً ؟
هذا خطؤكم، فلعلكم تذكرون أني طلبت منكم في التدوينة السابقة بعض الاقتراحات ولم أستلم اقتراحاً واحداً .
اقنعوا إذن بما تقرؤون ، ولن تعدموا فيه بعض فوائد بإذن الله .
دورة في الطهي !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, ذكريات بطعم السرطان, tagged نعم الله, الأمل, الحزن, السرطان, خواطر, سرطان الثدي on 20 أوت 2011| 11 تعليق »
تلقت آسفة خبر كونها عقيماً لن تنجب !
ينظر بأسى إلى قدمه المبتورة ويبتلع غصصاً وغصصاً محاولاً إظهار التجلد !
أقف أمام المرآة مكشوفة الجذع وأنظر إلى موضع الثدي المستأصل وأهز رأسي بمرارة !
تنتفض في مكانها وهي تقسم أنها سمعت صوت ابنها يلقي السلام .. ابنها الذي مات في حادث سيارة قبل أسبوع !
كم من الأمور المؤسفة مرت عليك أو على بعض ممن تعرف ؟
أمور من النوع الذي تستطيع أن تعبر عنه فعلاً بقولك : إنه خسارة .
هي أمور لا تستطيع أن تسترجعها إذا ما فقدتها .
هي أمور لا تعود .
بعد مرور سنة ونصف من استئصال ثديي للسرطان الذي أصابه ، لا زلت أتضايق من رؤية (شكلي).
هذا المكان المبتور يعطيني انطباعاً بالعَوَر !
سنة ونصف مرت ، تغلبت فيها بفضل الله على فكرة إصابتي بالسرطان .
واجهت ضغوطاً كثيرة من نفسي تطالب نفسي أن ترضخ لفكرة المرض ، وتسلم ، وتتقبل .
جربت أنواعاً مختلفة من التركيز ومحاولة التعايش فوفقني الله إلى ذلك .
إلا هذا الشكل ..
حتى الآن لم أستطع تقبله بأريحية .
لا زال هذا الشكل يضايقني ..
طيب والحل ؟
أحاول أن أرمي ضيقي وراء ظهري ، وهي عادة جديدة اكتسبتها بعد إصابتي بالمرض ( ولابد أن هناك كومة من القمائم تختبئ وراء ظهري ) ثم أركز قليلاً وأخاطب نفسي .
ولم سميت “دنيا” إذا ؟
ألم تسم “دنيا” لتدني منزلتها عند الله تعالى ، ولو كانت تساوي عنده جناح بعوضة ما أكرم كافراً منها بشربة ماء .
اصبري يا هناء اصبري .. فهناك أشياء حلُّها في الجنة ..
عندما علمت بخبر عقم إحدى معارفي ،كأنما طعنت في قلبي .
لا أقوله اعتراضاً ، وأستغفر الله إن فُهم ذلك مني ، ولكني تخيلت موقفها .
هذه امرأة حُرمت الذرية للأبد .
ستخرج من هذه الحياة دون أن تحظى بشعور الأمومة الممتع .
وأخرى تخطت سن الزواج ولم تحظ بمتعة السكن والمودة الزوجية ، وثالثة فقدت ابنها أو ابنتها للأبد ، ورابع بتر عضو منه ، وخامس سقط الركن الذي كان يستند إليه لسنين طويلة : زوج أو زوجة.
وقس على ذلك كثيراً .
طيب ، ما العمل ؟
أقول : العمل عمل ربنا .
علينا أن نتسم ببعض الحنكة والحصافة لنعيش .
ليست الحياة متعة واحدة إذا فاتت فاتت عليك الحياة .
إنما الحياة مزيج متناغم من المتع ، يكمل بعضها بعضاً ، فإذا فقدت بعضها فليس من الحكمة أبداً أن تنتهي حياتك في هذه النقطة .
اخرج وابحث عن متع أخرى تجبر ما فاتك.
وصدقني ، ستجد الكثير الكثير .
بعد تشخيص السرطان واستئصال ثديي كان يصيبني بعض الإحباط والكآبة أحياناً .
وكان ذلك شيء مزعج ، إذ عند تلك الأحايين أشعر بفقدان الرغبة في الحياة .
رأس صلعاء ، وثدي مبتور ، أستغفر الله ، ما هذا الشكل ؟
كان عليّ أن أعوض نفسي .. أن أجد أشياء أخرى تثير البهجة في نفسي لئلا تتحطم معنوياتي .
فتحت عيناي ، وأدهشتني الكمية الكبيرة من المتع التي بإمكاني – لو أردت – أن أصيب منها فتمتلئ حياتي ألواناً .
اكتشفت أن المشكلة ليست في البلاء ، وإنما في ولع المرء في امتلاك ما لا يملك .
نحسد الطيور على قدرتها على الطيران ، والأسماك على حياتها في الماء في حين نعاني من لهيب الصيف.
ذو العيال يغبط أخاه خالي الوفاض , وخالي الوفاض يتمنى بيتاً بصخب الطفولة مزدحم .
المبتعث يتمنى الرجوع إلى بلاده ( غالباً ) ، والقاعد يكاد يحسد المبتعث على حظه السعيد في الابتعاث، الخ …
هذه دعوة مني لإهداء نفسك السلام والطمأنينة بأن تعيش حياتك بما فيها من متع ودعك من ضيق الأفق .
وتذكر أن الطاهي الماهر هو من يفلح في أن يصنع مما عنده من المكونات طبقاً متميزاً .
إتحاف الأعزة بالحصول على جلد الأوزة !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged نعم الله, الدعاء, الصدقة, خواطر, سرطان الثدي on 13 أوت 2011| 11 تعليق »
لو طلبت منكم أن تذكروا لي ثلاثة أسباب للقشعريرة ، فماذا ستكون إجاباتكم ؟
الأول : الشعور بالبرد.
الثاني : ارتفاع درجة الحرارة .
الثالث : صوت احتكاك الظفر بالسبورة !
حسن .. سأذكر أنا لكم الآن عدة أسباب أخرى تسبب لي القشعريرة وما يسميه الغربيون : جلد الأوزة goosebumps !
هناك مثلاً القصص العجيبة التي أسمعها في تعويض الله المتصدقين .
هل تتخيل أن يؤدي شخص ما صدقة قد يكون أخرجها من نفيس ماله ( الذي قل واحتاج إليه ) ويعطيها لشخص لا يعرفه ليفك عنه كربة أو يفرج عنه هماً .. فلا يلبث أن يرزقه الله أضعاف ما قدم؟
أليس حدوث مثل هذا الأمر يعزز في نفسك وجود الله تعالى وعلمه وإحاطته بمخلوقيه ، وكرمه وجوده فلا يقبل أن يكون أحداً أكرم منه .
من معارفي امرأة تصدقت كثيراً في شبابها.. كثيراً جداً بالنسبة لمالها الأصلي .
ثم أنها طُلقت حينما أسنّت ، وبدأت تشعر بالحاجة إلى أهلها وإلى الناس ، عندها أراها الله تعالى أنه لا ينسى المعروف ، ورأت بعينيها مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل ) رواه البخاري ، فصارت تُرزق من حيث لا تحتسب فعلاً ، وما زادها ذاك إلا صدقة ، شكراً لله على رزقه وامتناناً لجوده.
من الأسباب التي تبعث على القشعريرة في نفسي رؤية المصلين في الحرم المكي وهم يؤدون صلاة التراويح .
كنت قد كتبت في الفيس بوك قبل أيام : ( أنظر إلى صلاة العشاء في المسجد الحرام ، المسجد يغص بالمصلين حتى السطح ، قرابة المليونين مصلي يتحركون معاً : يركعون معاً ، ويسجدون معاً في تناغم وامتثال عجيب ، وأفكر : مليونين يؤدون نفس الحركة بأمر رجل واحد .. حتى أمريكا لا تستطيع أن تجند أشخاصاً يفعلون هذا الفعل بهذه الدقة إلا بتدريبات شاقة ، في حين يمكن لأي طفل عندنا في السادسة أن يمتثل.. إنه لدين لو كان له رجال !! )
وبقدر القشعريرة التي تنتابني لرؤية هذا المشهد المهيب ، ينتابني الألم لرؤية تخاذل أبناء هذا الدين عن نصرته . وحين أقول نصرته ، فإني أعني بذلك إقامة حدوده والاعتزاز بتكاليفه وأدائها على خير وجه ، لا محاولة تمييع أحكامه والتملص من أوامره وتهوين شأنه في نفوس المسلمين تحت مظلة (الدين يسر) أو (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) … الخ .
تنتابني القشعريرة كذلك حين يستجيب الله دعائي .
حينما أحتاج ( ودائماً أنا لله محتاجة ) فإني أختلي بنفسي ، وأغلق الأنوار لئلا يلهيني رؤية ما في الحجرة، ثم أغمض عيني زيادة في التركيز ، وأبدأ بالثناء على الله تعالى .
تعجبني كلمة : أهل الثناء والمجد .. نعم .. ربي أهل الثناء والمجد .
أسبحه ، وأثني عليه ، وأبدأ في سرد نعمه عليّ وحمدها .. تلك النعم الصغيرة التي لا نفكر فيها كثيراً .
أذكر لكم بعضها ؟
هناك نعمة الذهاب إلى الحمام .
هل تستهين بهذه النعمة ؟
من يعاني من الإمساك المزمن، أو كان يتلقى العلاج الكيماوي الذي يسبب الإمساك ، يعرف كم هي عظيمة هذه النعمة .
ليس خروج الفضلات هو النعمة الوحيدة في هذا الأمر .
ولكن من النعم أن تكون لك القدرة على أن تمشي بنفسك ، لا تنتظر مساعدة إلى الحمام وقتما احتجت ، وتغلق عليك الباب وتقضي حاجتك دون أن يسمع منك أحد أو يشم ما تكره .
كم مرة تمارس هذه النعم يومياً .. هل تحمد الله عليها بالذات ؟
حينما تعد لنفسك طعاماً هل تحمد الله على مجموعة النعم التي تركبت منها هذه النعمة العظمى ؟
أنك تجد طعاماً طيباً تأكله ، كما أنك تتلذذ بمذاقه ، ثم أنت تملك ترف الاختيار بين أنواع شتى من المأكولات والحلويات ، في حين حُرم هذه النعم أجمعين أهل الصومال الآن . هل فكرت في نعمة أنك لا تعد طعامك في زمن أسماء ؟ ( فضلا مراجعة التدوينة السابقة )
هل فكرت أنك تجد طعم البيتزا بيتزا وليس شراب ابنتك القديم ؟ ( فضلا مراجعة التدوينة التي تحمل هذا الاسم )
كم مرة تمارس هذه النعم يومياً ، هل تحمد الله عليها بالذات ؟
أستطيع أن أسرد لك مئات من النعم المركبة : نعمة شرب الماء النظيف البارد ، نعمة الملابس الجديدة ، نعمة التعليم ، نعمة الوالدين ، نعمة الإخوان والأخوات ..
أجلس في الظلام ، وأثني على الله بكل المحامد التي تخطر ببالي ، وأحمده على نعمه تلك نعمة نعمة ، حتى إذا أخذت النفس حظها من الاسترواح بذكر جمال الله ومحامده وامتلأ القلب حباً للباري أذكر حاجتي وأعلم يقيناً أن الله تعالى الذي صفاته ما ذكرت وما علمت سيجيب دعائي ..
فإذا ما استجاب الله فهذه قشعريرة أخرى .. أن الله موجود ، سميع ، حكيم ، عليم ، لطيف ودود ..
قشعريرة أنه كان ربي ، ولم يكن ربي بقرة أو ناراً حارقة ، أو صنماً أجوف .
تأخذني القشعريرةكذلك حينما أقرأ في القرآن ( وكان ذهني حاضراً ) آيات البطش بالظالمين ، ثم أنظر حولي فأرى التاريخ يعيد نفسه ( ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) .
أستحضر في ذهني مئات بل آلاف الصرخات للمستضعفين يجأرون إلى الله خالقهم أن ينجيهم ، ونداءات تلو النداءات أن رب ” إني مغلوب فانتصر” !
والظالم يزداد عتواً وتكبراً ويتعرض لوعيد الله بسوء أدبه .. ويحه ، ” أفبعذابنا يستعجلون “؟
ويمهله الله حتى يميز الخبيث من الطيب ، ” فاصبر ، إن العاقبة للمتقين ” .
ولا يزال الظالم يسيء الأدب حتى يستحق أن يأخذه الله ” فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ” .
هنا تنتابني القشعريرة ، حين أعلم أن الله جبار السماوت والأرض ، يقصم من ينازع الله كبرياءه وعزه ، ويرفع من صبر واتقى فتكون له العاقبة الحسنة .
أخبروني أنتم .. ما الذي يجعل جلودكم كجلد الأوزة ؟
يوم رمضاني في زمن اسماء !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged نعم الله, هراءات, القرآن, المرأة, الإفطار, الدين, خواطر on 5 أوت 2011| 3 تعليقات »
منذ أن كتبت التدوينة السابقة ، لا زال قلبي مبحراً في آلاء الله .
وزاد شعوري بالامتنان لله واهب النعم مشاهدة حلقة من برنامج آلاء والذي يعرض في عدة قنوات محافظة .
صرت أبحث بعقلي وعيني عن مظاهر نعم الله على عباده .
وأود في تدوينة اليوم أن أشارككم بعض النتائج .
قد تكون الفكرة مكررة ، ولكن ( معليش ) .
اصبروا عليّ واعتبروها مجاملة عابرة من تلك المجاملات التي تقدمونها لي بين الحين والآخر عندما أفرض عليكم قراءة ذكريات امرأة عجوز أو أحداثها اليومية .
دخلت المطبخ قبل قليل للبدء بإعداد طعام الفطور .
هنا هالني كمية النعم الموجودة في المطبخ .
أتعلمون كم من الوقت والجهد اختُزل بهذا التطور الحضاري الذي أصابنا ؟
هذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول : ” تَزَوّجَني الزّبَير وما لـه في الأرضِ مِنْ مالٍ ولا مَمْلوكٍ ولا شيءٍ غيرَ ناضحٍ وغير فَرَسِهِ ، فكنتُ أعلِفُ فرسَه ، وأستقي الماء ، وأخرِزُ غَربَهُ وأعجِن ، ولم أكن أُحسِنُ أخبز ! وكان يَخبزُ جاراتٌ لي من الأنصار ، وكـنّ نِسـوَةَ صـِدق ، وكنتُ أنقل النّوَى من أرض الزّبير التي أقطَعَهُ رسولُ صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهي مِنِّي على ثُلثَي فَرسَخ … “
كلما قرأت أثر أسماء أضيع يدي على رأسي لهول فعلها وأتخيل نفسي مكانها في حر المدينة الشديد التي من صبر على لأوائها وجهدها كان النبي صلى الله عليه وسلم له شفيعاً وشاهداً يوم القيامة .
اليوم جلست أفكر في طريقة إعداد مائدة الإفطار والتي ستتكون اليوم من شوربة الحب ، والسمبوسك باللحم المفروم ودوارق الماء البارد وعصير الفيمتو والتانج فقط.
فكرت أني لو كنت أعيش في زمن أسماء رضي الله عنها فلا بد من الاستيقاظ من الفجر أو قبله بقليل لأعد هذه المائدة البسيطة ، فضلاً عن الأصناف الأخرى والسحور .
دعونا نلعب هذه اللعبة ونتخيل كيف سنصنع لو كنا في ذاك الزمان وأردنا إعداد هذه المائدة .
أولاً لابد أن نذهب للبئر للحصول على الماء ..
الله يعلم أين تقع البئر .. لا أظنك ستجد بئراً في حديقة كل بيت .
كم دلواً سنحتاج ؟
نحتاج ماء للشوربة ولعجين السمبوسك والفيمتو والتانج ..وللماء نفسه .
أوه ، نسيت أني يجب أن أغسل المكونات .. هذا ماء إضافي .
والآن عليّ أن أذهب إلى الحظيرة ، أجمع بعض البيض لأضعه بعد سلقه في حشوة السمبوسك ، ثم أمر على الأغنام ، أنتقي خروفاً حسناً فأذبحه ..
يا إله الكون ، ذبحه وسلخه وتقطيعه وتوزيعه سيستغرق النهار بأكمله ..
لا تنسوا أني لا أملك ثلاجة في هذا العصر ، والخادم ستكون مشغولة بتوصيل قطع اللحم إلى جيراننا.
والآن أضع اللحم بعد غسله في القدر لينضج ، ولابد أن أعجن مبكراً ليرتاح قليلاً قبل فرده .
أخرج مرة أخرى إلى الجرين ( المخزن ) لأستخرج منه حبات القمح التي حصدها أولادي قبل فترة ..
أضعه في الرحى ( الطاحونة ) وأطحنها ..
يا إلهي ، هذا أمر متعب ..
أوتش .. أنظر إلى يدي فأجدهما شديدتا الإحمرار وبعض الندوب هنا وهناك من هذه الرحى الثقيلة .
أخيراً صار عندي بعض الدقيق ، أصب عليه شيئاً من الماء في الدلو وأعجن عجيني، وأتركه ليرتاح في (الطست) .
أنظر إلى الشمس ، انتصف النهار وأنا في عمل مستمر .
أين بناتي الكسلانات ؟ أين تلك الخادم المراوغة ؟
تركنني جميعاً لأعمل وحدي في إعداد هذه السفرة المتواضعة .
عليّ ملء هذه الجرار الفخارية ووضعها عند النافذة لتبرد قليلاً قبل تناولها عند أذان المغرب .
أووووف . هذا الدلو ثقيل .
لا أعلم كيف تحمل الحمار المسكين وزنه طيلة هذه المسافة من البئر ( التي لا أعلم حتى الآن موقعها ) إلى بيتي .
هذه الجرة للماء ، وهذه للتانج والثالثة للفيمتو .
وهنا أستميحكم عذراً على تجاوز هذه النقطة وأرجو أن لا يسألني أحد من أين حصلت على الفيمتو والتانج في ذلك الزمان ، ولكن لابد لقصتي من بعض الحبكة غير المنطقية ، فقط لتكونوا في الصورة .
أووووووه ، نسيت أن أفرم اللحم .
أتطلع إلى الشمس بقلق فقد بدأت بالاصفرار ، ولم يتبق للمغرب إلا ساعتين ونصف فقط .
منذ أن استيقظت فجراً لم أتوقف عن العمل إلا لأداء الصلاة .
حلقي يكاد يتشقق ، وقواي بدأت تخور .
لا ، لست هنا مريضة بالسرطان لحسن الحظ .. يكفيني هذا العمل .
وضعت اللحم في هاون معدني كبير وصرت أضرب به قطع اللحم ، وهنا تقافز حولي صغاري يطالبون بحصتهم في هذه اللعبة ، كلٌ يريد أن يضرب قليلاً .
أعطيتهم ذلك لأتمكن من فعل شيء آخر ..
خرجت إلى الحقل .. يا ربي .. الحر شديد ..
قطفت بعض أعواد البقدونس وأتيت ببعض حبات البصل وقفلت راجعة مسرعة قبل أن تناديني جارتي المرفهة التي تعيش في أزمنتكم لتتحدث معي ، وقد أنهت من إعداد مائدتها من العصر، وهاهي الآن تقرأ القرآن وتنتظر فقط قلي السمبوسك ..
رجعت وأعددت البقدونس وسلقت البيض بحمد الله ، ولما انتهيت وجدت أن صغاري أنهوا عملهم بنجاح …. تقريباً ..
لولا نصف اللحم المتناثر من الهاون لكان عملهم متقناً .
أعددت الحشوة وناديت على الخادم لتساعدني في إعداد السمبوسك .
فرد العجينة متعب ، وأهل المدينة معروفون بعجينة البف ، ولازالت قواي تضعف بعد كل هذا الجهد الشاق .
صرخت بصوت واهن على صغاري الذين فضلوا البقاء في أزمنتهم وقطع الوقت بلعب الكمبيوتر بدلاً من ركوب الأحصنة الخشبية واللعب بعرائس العهن ، وطلبت منهم إعداد المائدة .
أخشى ألا أكمل التدوينة لشدة ما أصابني من وهن .
يبدو أن عليّ الرضوخ للواقع وأعود لزمني ..
فالوقت أدركني ولا زال أمامي خرف التمر من النخلة ، وجلب الحطب لاستخدامه في القلي فقد استنفذ سلق اللحم ما عندي من حطب .
أوووه ، هناك إعداد الشوربة نفسها وكنت قد تمنيت لو بقي لي متسع من الوقت لإعداد بعض اللقيمات .
ولكن الوقت .. الوقت ..
إضافة إلى أن جهدي لباقي اليوم قد استنفذ ولا أعرف كيف سأقرأ وردي ، أو أصلي التراويح ..
حسناً حسناً .سأعود مضطرة (وفرحة) إلى زماني في الخامسة عصراً .
أفتح مكيف المطبخ سريعاً ، أضع الحب على الشوربة وأدعها تغلي على الموقد الكهربائي ، وأضع دوارق الماء والعصيرات في الفريزر الكبير .
أسخن الزيت وابدأ بقلي السمبوسك ، وفي أثناء ذلك تقوم الخادم سعيدة ( هذا ليس اسمها ، وإنما هو “حال” من الخادم ) بغسل الأطباق بالماء النظيف النازل من الحنفية ، أرادته حاراً أو بارداً حصلت عليه كما أرادته .
وهكذا أنهيت إعداد مائدتي المتواضعة في يوم كامل .
أوف .. تعبت من مجرد السرد، فكيف بالعمل الفعلي ؟
طبعا تعلمون هوايتي في ( التنكيد ) ، وأني لا أحب إضاعة فرصة الوعظ كلما سنحت .
الآن قس كل ما يمكنك قياسه من هذه النعم على يومي الرمضاني المتعب في زمان أسماء رضي الله عنها .
كم من الوقت أمكنك اختصاره بالتمتع بكل هذه النعم التي وهبك الله ؟
لا أريد أن أكرر النعم ، ولكني أريدك أن تفتح باباً واسعاً لخيالك وتفكر .
والآن …
ماذا فعلت في هذا الوقت الزائد ؟
ماذا فعلت في هذا الجهد الفائض ؟
هل أمضيته في طاعة أو أضعته في كلام فارغ لا يأتي عليك بنفع ، أو الأسوأ من ذلك : في معصية تحارب فيها الله ، الكريم الذي وهبك كل شيء ؟
هل تقاصرت همتك عن ختم جزء من القرآن ، أو عن أن يلهج لسانك بتسبيح الله بعض مئات المرات ( وللمعلومية فكل مئة تسبيحة تستغرق 3 دقائق فقط ) .
هل ألغيت قيام نصف التراويح لأنها متعبة وتستغرق وقتاً طويلاً ، ثم هي سنة بعد كل شيء وليست فرضاً؟
تعتقد أن أسئلتي صعبة ؟
ماذا لو سألتك عن حفظ القرآن ، أو طلب العلم ، أو خدمة الفقراء في بيوتهم ، وغيرها من الأعمال الكبيرة فعلاً ؟
هل تشعر أنك مكبل عن الذكر والطاعة ؟
لا بأس لا بأس ..
لا أريد إحراجك ..
أنا فقط أسأل نفسي المقصرة عن طريقك .
عذراً !
لابد لي من القيام لإعداد الشوربة والسمبوسك ، بالطريقة الحديثة هذه المرة ، فلم أقرأ القرآن اليوم بعد .
صغائر كبيرة !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged نعم الله, الأخلاق, السرطان, الصدقة, خواطر, رمضان on 16 جويلية 2011| 11 تعليق »
قبل أيام طلبت من أخي الكبير أن يتصل على إحدى مؤسسات السرطان العلاجية في الولايات المتحدة ليحصل على إذنهم بترجمة الفيديوهات التعليمية التي حشدوا بها موقعهم لأقوم بالتعاون مع ابنة أخي بترجمة بعضها لمنتدى طهر لمريضات السرطان .
قام أخي بالاتصال على الرقم الذي زودونا به وشرح لهم مبتغانا فقاموا بتحويله إلى إدارة أخرى ، ليشرح لهم ثانية ، وهكذا تم تحويله عدة مرات ، وفي كل مرة كان يشرح الطلب ويقابل بالاعتذار والتعاون إلى أن وصل إلى من طلبت منه الاتصال في اليوم التالي على القسم المختص ( بالبزنس ) لأن اليوم عطلة رسمية والعاملين الآن من المتطوعين في قسم المرضى فقط ..
تذكرت أن اليوم كان الرابع من يوليو وهو يوم الاستقلال الأمريكي ..
إلا أن ما لفت انتباهي بشدة أن يقوم كم لا بأس به من الموظفين بالعمل في يوم عطلة رسمية تطوعاً لخدمة المرضى .
ثمة أمر آخر ، وهو كمية الأدب والاحترام الذي تلقاه أخي أثناء اتصاله ، وفي كل مرة كانت تقدم له الاعتذرات والتأسفات على التأخير ريثما يتم البحث عن طلبه .
ومباشرة تمت مقارنة هذا الأمر بما يجري عندنا !!
وفي ذهني دار التساؤل : ما الذي يدفع هؤلاء الناس لحسن التعامل مع الغير ؟
وتذكرت حينما كنت في الولايات المتحدة ونقوم بشراء أغراض البقالة ، تنهي ( الكاشييرة) معاملتها مع الزبون بقولها : have a nice day ..
وإنما استدللت بالبقالة لأنها أدنى الأسواق منزلة ومكانة ، إذ بإمكانك أن تشتري منهم بما يساوي 5 ريالات فقط وتتلقى نفس المعاملة الحسنة .
ومن هنا كانت فكرة هذه التدوينة..
كثير من الأشياء نفتقدها في حياتنا وتعاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض ..
وإذا نظرنا فيها وجدناها أموراً صغيرة ولكنها كبيرة في الحقيقة ..
إنها صغائر كبيرة ..
هل كان العنوان موهماً ؟
هل حسبت الموضوع أمراً آخر غير ما تقرؤه الآن ؟
ربما كنت تعتقد أني سأتحدث عن موضوع ديني ..
هو موضوع ديني بالفعل ولكن من زاوية أخرى .
نحتاج أن نثقف أنفسنا بثقافة التحلي بالصغائر الكبيرة لتحلو الحياة.
ألا يأمرنا ديننا بإحسان الخلق ، والتبسم في وجه أخيك ، وأن تعين الرجل أو تحمله على دابته فهو لك صدقة ؟
لن أعمم وأقول أننا نفتقد هذه الآداب في التعامل في دوائرنا ومؤسساتنا ومع بعضنا البعض ، فمن قال: هلك الناس فهو أهلكهم ، فقط أقول أننا نحتاج إلى المزيد.
كما أننا نحتاج أن نشجع من تحلى بهذه الفضائل ونشد على يديه .
أثناء زيارتي الأسبوع الماضي لموعدي في مستشفى الحرس الوطني بجدة، طلب مني الطبيب إجراء تصوير للقلب ، وكانت موظفة الاستقبال في ذاك القسم مدهشة بحق في تعاملها .
أزعم أني لم أر بدماثتها وحسن أخلاقها إلا رقماً صغيراً أقل من أصابع اليدين طيلة حياتي .
عندما أتممت التصوير المطلوب اتجهت إليها وشكرتها بحرارة ، فقط لتعلم أن حسن أخلاقها لا ينبغي أن يمر دون تقدير في الوقت الذي كان بإمكانها أن تستغل وظيفتها في إرضاء عنجهيتها التي يتقنها الكثيرون.
ثقافة التحلي بالصغائر الكبيرة تمتد لتشمل أنواع من الصدقات ..
هي غير صدقات المال ، والتي يتهرب منها الكثيرون للمناسبة ..
إنها صدقات الجاه ، وبذل النفس في غير القتال .
ما الذي يكلفك أن تصحب شخصاً في حاجته عند كبير أو وجيه يقدرك فتشفع له أو تطلب أن يساعده فيفعل ؟
ما الذي يكلفك أن ترسل عدة رسائل إلى الميسورين تطلب منهم صدقات لأناس أنت تعرف حاجتهم جيداً فتفك أسرهم وتفرج كربهم ؟
ما الذي يمنع أن تتطوع بما تتقنه لنشر دعوة الإسلام أو تعليم الجاليات آيات من القرآن أو تكون واسطة بين الميسورين والمعوزين في توصيل صدقاتهم ؟
في درس السند الماضي ، كان عند شيختي خمس طالبات ينتظرن دورهن للقراءة عليها .
كل طالبة كانت تقرأ ما لا يقل عن ست صفحات من القرآن قراءة متقنة مجودة ومرتلة ، وهذا أمر يستغرق ما يقارب الساعة على الأقل لكل طالبة ..
كانت إحدى الزميلات تقرأ فرفعت بصري فجأة إلى شيختي وصديقتي الأستاذة أمال كمال فوجدتها تستمع بإنصات إلى القراءة .. توجه وتصحح .
هذه امرأة تبذل نفسها وتقتطع من وقتها الساعات الطوال لتقرئ طالبات لا تأخذ منهن ريالاً واحداً .
ما الذي تستفيده هي ؟
كنت إذا ( سمّعت ) لأولادي قبل أن ينضموا إلى حلقة التحفيظ يصيبني النعاس بعد ثلث ساعة فقط، وأبدأ بالتثاؤب وأغلق عيناي قليلاً ( لأريحهما ) ويخطئ الولد وأنا في أحلامي السعيدة .
حتى إذا ما انتبهت رددت إليه المصحف وقلت له : (راجع كويس وتعال لي بعد المغرب !) ..
عذر فقط لأغفو قليلاً .
يومها نظرت إلى أمال وفكرت : لا يبدو عليها أثر النعاس .. يبدو أنها نامت جيداً البارحة. لكني لو كانت مكانها لخفق رأسي مراراً في هذه الساعات الخمس ولربما رددتهم جميعاً إلى بيوتهم لأتمتع بغفوة هانئة.
لو فكر كل الناس بثقافة البذل والعطاء ، كلٌ في مجاله وما يتقنه فكيف يكون حالنا ؟
انظر إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ” بلغوا عني ولو آية ” البخاري .
لا ينبغي علينا أن نحتقر الأعمال الصغيرة فلا يدري أحدنا بأي عمل يدخل الجنة .
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله ،
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ” ؟
ألم يخبرنا أن الله غفر لبغي سقت كلباً ماء ؟
ألم يأمرنا أن نكثر ماء المرق إذا طبخناه ونتعاهد جيراننا ؟
لا أريد أن أقضي نهاري في سرد الأشياء الصغيرة التي نفتقدها في حياتنا وتعاملاتنا مع بعضنا البعض ، مما تضفي البهجة والمحبة في حياتنا .
ولكن علينا أن نكون أكثر انتباهاً وبصيرة بها ، فلا يدري أحدنا متى يحتاج إلى المساعدة التي بخل بها عن غيره .
بعد عملية الاستئصال كان علي التوجه إلى المستشفى عدة مرات في عشرة أيام لمراقبة السوائل في أنبوب التصريف المثبت في الجرح ، ولفحص الجرح نفسه وتغيير اللصقات والشاش .
كانت الممرضة التي تولت ذلك فليبنية مسلمة ، أدت عملاً متقناً وبارعاً ينم عن إخلاص وتفان .
وعندما نزع الطبيب أنبوب التصريف في الزيارة الأخيرة ونظفت الممرضة مكان الجرح علمت أني أرغب في الاغتسال حالما أعود إلى البيت ، فقامت برش مادة عازلة على مكان الجرح وأعطتني المزيد من الشاش المعقم اللاصق ، من النوع الذي لا أجد مثله في الصيدليات الخاصة ، ثم ساعدتني على النهوض من السرير , فلم أتمالك نفسي أن هتفت لها : ( إنت مرة كويسة) ! سأدعو لك .
كنت أشعر أني أسيرة إحسان هذه الممرضة ..
نعم .. هي أحسنت لي بإتقان عملها وحسن تعاملها معي في ضعفي ومرضي .
فكنت أدعو لها بالفعل دائماً في صلاتي أن يسخر لها زوجها ويهدي أولادها – لو كانت ذات زوج وأولاد –
المثير في الأمر أن الممرضة تذكرتني في زيارتي التالية بعد خمسة أشهر أثناء أخذ بيانات الوزن والضغط وتعجبت من تذكرها لي وأنا منتقبة ولا يبدو مني إلا نظارتي ..
وبصراحة ، أنا نسيتها ، فكيف تذكرتني هي ؟
لم أجد لذلك تفسيراً إلا أن تكون قد تذكرتني بسبب شكري لها على حسن تعاملها في وقت كانت الممرضات يتحدثن من ( طرف خشومهن ) ، والمرضى ينهرون الممرضات ويشتموهن أحياناً .
لم يكلفها إتقانها شيئاً ، ولم يكلفني شكرها شيئاً ..
لكن ألم يثمر كلا عملينا ثمراً جيداً ؟
والآن ، وقد اقترب شهر رمضان ، شهر الصدقات ..
بادر بالتصدق بمالك وجاهك وحسن أخلاقك.
عود نفسك وأولادك على ثقافة الصغائر الكبيرة .
ولا تحقرن من المعروف شيئاً ، فما كان عندك قليلاً قد يعني لغيرك الكثير .
أطعم الطعام ولو لغير فقير ، فكل الناس يحبون أن يُهدوا شيئاً من الطعام .
أعر أذنك لاستشارة أو فضفضة أو نصيحة .
إذا رأيت ما يعجبك فبرِّك وأخبر صاحبه بما أعجبك وأدخل السرور في قلبه بثنائك .
لا تنس أنت تشكر كل من أسدى إليك خدمة أو معروفاً خاصة ضعاف الناس كالخدم والسائقين والباعة.
أطلق لخيالك العنان في هذه الثقافة .
اخرج عن صمتك وتجاوز كسلك وبادر بالعطاء ، لعل كلمة منك أو فعلاً لا تلقي له بالاً يرفع أناساً لقمة السعادة !
تدوينة بطعم القهر !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged الثبات, خواطر on 17 ماي 2011| 8 تعليقات »
أعدكم أن تدوينة اليوم لن تكون طويلة ، فإنما هي نفثة مصدور لو لم أخرجها ربما أصبت بالسل !
أكتب لكم هذه التدوينة وأنا في حال كانت حماتي رحمها الله تسميها ” مغمبَجَة ” ! ويسميها أخي الأكبر : “معنكِبة”!! ولا أستطيع أن أطلق عليها اسماً أفضل من هذين الاسمين على وزن ( مفعلل).
اليوم سمعت خبراً آلمني وأشعر به وكأنه طُعن قلبي ..
أحد المنشدين الكبار ، ممن يعد من رموز الصحوة وكان يرفض تماماً استخدام المؤثرات الصوتية البسيطة ، أصدر ألبوماً إنشادياً بالإيقاع ، وحدد لحيته( وخنجرها) ، ووقف بزهو وتعال ينظر إلى الكاميرا في ملصق الألبوم الإعلاني .
سمعت مقطعاً إعلانياً عن ألبومه ، فوجدته يصدح بالنمط الغربي والآلات التي لا يزال الناس يسمونها إيقاعاً موهمين أنفسهم أنها تختلف تماماً عن الموسيقى فحرموا الموسيقى وأحلوا هذه ولا أعرف في الحقيقة سبب التفريق .
لست بصدد الكلام عن حكم الإيقاع ، ولا عن الألبوم الجديد ولا عن (النيولوك ) الجديد ولا عن (ستايل الأناشيد ) الجديد ، فكل هذه الجدة لا تعنيني في شيء ..
كان الخبر الذي سمعته اليوم فاتحة لسلسلة من التفكرات والتأملات .
في البداية أحسست بألم في قلبي ، وضيق في صدري ووالله كأنما نعي إليّ أحد أخواني ..
فجأة شعرت بالملل من الدراسة ولم أستطع أن أقرأ حرفاً واحداً ( وأنا التي كنت أرتب الآمال على ليلتي هذه في إنهاء أصعب مادتين : الفقه وأصول الفقه ) ..
أحسست أني أريد أن آكل شيئاً .. وقمت إلى المطبخ أفتش في الثلاجة عما يؤكل.
عجباً ! ألم أتناول عشائي قبل ساعة ونصف .
ولكنها عادتي .. حينما أتأثر نفسياً من موقف ما تأثراً سلبياً فإني أفرغ كافة انفعالاتي في تناول الطعام .
دهنت نصف رغيف بالجبنة ( الكاسات ) وأخذت كوباً من اللبن ورجعت إلى غرفتي والضيق يأبى أن يفارقني .
قمت لأصلي العشاء ، وهناك لا أدري ما البكاء الذي أصابني ..
لابد أني كنت مهمومة أصلاً وجاءت حادثة هذا المنشد فزادتني هماً إلى همي .
دعوت الله له أن يرده إليه رداً جميلاً .. فهذا ليس منشداً عادياً ، وإنما رمز !
تمددت على سريري وجلست أفكر ..
أسمع كثيراً هذه الأيام عن قصص الانتكاسات ..
منشدين تركوا النشيد واتجهوا إلى الغناء ..
( فاصل لم أستطع أن أقاومه : دائماً ( ألخبط ) أثناء الطباعة وأكتب بدل الدال : جيماً .. فأكتب المجينة المنورة ، ولا تنسوني من الجعاء !! وقبل قليل كتبت : منشجين تركوا النشيج ، و الحق أنهم كانوا ينشدون ، وصاروا ينشجون!! عجنا.. أقصد : عدنا !! )
متحجبات خلعن الحجاب .
دعاة تركوا الدعوة وغيروا المظهر الخارجي ، وصاروا أشخاصاً عاديين .
مذيعون بالقنوات المحافظة بدؤوا حياتهم العملية بلحى كثة ، وبعد سنوات من العمل الإعلامي والتعرض للأضواء المبهرة غشيت أعينهم وأصبح مقص الحلاق يزورهم سنوياً ليأخذ من لحاهم شيئاً فشيئاً ، بل وبعضهم لم يكتف بزيارة مقص الحلاق وإنما ضم له الموسى أيضاً .
مسنوّن ( يلعبون بذيولهم ) !!
ما الذي يجري ..
يا عالم ، ما الذي دهاك ؟
يا بشر ، أين الألباب والأحلام ؟
وأنا في غمرة كل هذه الأحداث أفكر : هل يا ترى سأكون مثلهم في يوم من الأيام .
وترتعد فرائصي هلعاً من أن يصيبني ما أصابهم .
وكعادتي في إخراج الأفلام الهندية تخيلت نفسي وقد خلعت النقاب ولبست العباءة المخصرة وو..
أعوذ بالله ..
اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك .
ولكن في الحقيقة .. مالذي يمنع ؟
ما الذي يؤمنني مكر الله تعالى ؟
أهو اغترار ببعض الحسنات التي قدمتها ؟
أهو إحسان ظن بالله تعالى ؟
هل إحسان الظن هذا في محله ؟
ما الذي يمنع الانتكاسة ؟
فكرت في أنه ربما يكون السبب في أمن الكثير منا مكر الله تعالى هو مرور حقبة زمنية من العمر ، غالباً مرحلة الشباب بيسر وسهولة وطاعة ودعوة .. فأعتقد أنه ما دامت قد مرت هذه الفترة الحرجة من الحياة بأمان فمرحلة الكهولة لا بد أنها ستكون أفضل وأكثر سلاسة وصلاحاً .
فيغتر العبد بعمله ، ويغتر بحلم الله عليه في هفواته ، وقد تحيط به صحبة فاسدة تزين له كل قبيح ، فلا يزال يرتاد المعاصي في الخلوات في البداية استحياء من الناس ، ثم ينفخ الشيطان في رأسه ويزين له المجاهرة والاستعلان ، ولا يزال به حتى يُظهر العيب ويكشف المستور ، نعوذ بالله من الزلل والخطل ومن سوء العمل .
لم يظلم الله ذاك العبد المنتكس ، ولكن العبد هو من ظلم نفسه .
هل ينتكس العبد ويترك الصلاة ، أو تخلع الحجاب ، أو يكلم النساء إلا بضعف في الدين ؟
وهل كل ضعف في الدين يمكن تشخيصه منذ البداية ؟
ألا يمكن جعل التهاون في أمر الصلوات ( فروضها ونوافلها ) والحجاب وبر الوالدين مثلاً من الإرهاصات الدالة على الانتكاس ؟
ألا يمكن جعل التمادي في المباحات حتى تطغى على الفروض والواجبات من الإرهاصات ؟
ألا يمكن جعل تخطي بعض المحرمات والاجتراء عليها كأنواع الزينة المحرمة ( كالوشم والنمص وإبداء العورات وإسبال الثياب للرجال وتشبه الرجال والنساء بعضهم ببعض ) من الإرهاصات ؟
قلبي يؤلمني ، ومزاجي معكر ، وبي وجل ..
هل يمكن أن يحل بي ما حل بهم ؟
هل يمكن أن يفجأني الموت وأنا بهيئة غير الهيئة التي أرتضيها ؟
لماذا أكاد لا أصدق إمكانية حدوث ذلك الشيء المكروه ؟
هل تكفي النية الحسنة وحب الله تعالى وحسب في اتقاء الانتكاس ؟
هل تكفي بعض الأعمال الصالحة القديمة في إسباغ الحماية ؟
تساؤلات تساؤلات تساؤلات ..
تعبت من التفكير ، وأصابني النعاس ، وصكتني الحموضة بسبب تناول الطعام ( الذي لم يكن له أي داع ) ..
و لازلت مصدومة ، ومتضايقة ومكتئبة .
ما يضيعش حق وراه مُطالب !
Posted in نظرات ثاقبة, خواطر ،, tagged هراءات, المساواة, السفر, بنات, خواطر on 9 ماي 2011| 14 تعليق »