خمس خطيئات في رواية القصة
29 ماي 2013 بواسطة هناء
إليكم هذه الترجمة الثانية لكتيب صغير قمت بتحميله من موقع Writers’ Digest والمهتم بتعليم الصناعة الكتابية وخباياها ، الترجمة الأولى كانت بعنوان : خمسة عشر حلاً لأخطاء كتابية شائعة ، من نفس الموقع ، وأقدمهما وأي ترجمة تالية للمهتمين بتأليف المقالات والقصص القصيرة .
هذا الكتيب – ولعله فصل من كتاب ما – اسمه ( الفصل لا الكتاب ) الخطيئات الخمس لحكاية القصة ، من تأليف لوري ألبيرتس .
الخطيئة الأولى : “التقليد السيء” للكتاب الآخرين : بعض المؤلفين ينزعون إلى تقليد حرفي لبعض الكتاب العظماء الذين يكونون مفتونين بهم ومتيّمين في أول بداياتهم الكتابية ( والقرائية ) ، ولكن ما أن تمر الأيام حتى تجدهم يقلدون آخرين لهم خصائصهم الكتابية المختلفة ، وهكذا يتنقلون من تقليد كاتب لآخر .. الهدف : اكتب قصتك الشخصية . لا شك في أن محاكاة الكتّاب الكبار أمر مهم لتعلم الصنعة الكتابية . يمكنك أن تحلل كيف بُنيت مشاهدهم ، وأن تكتشف كيف يقومون “بعرض” -لا “الإخبار” عن – مشاهدهم ، ولكن في نهاية المطاف على الكاتب أن يجد صوته “الشخصي” وأسلوبه “الشخصي” اللذين سيروي بهما عمله “الشخصي” . بعض الكتاب عندهم رؤاهم الفريدة وأساليبهم المتميزة التي تحكي عن نفسها من أول كلمة يكتبونها ، وهؤلاء لا يواجهون أي مشاكل فيما يتعلق بهذا الموضوع ، ولكن لو كنتَ مثل أغلبية الكتاب حيث عليك أن تكافح وتناضل من أجل أن توجد لنفسك صوتاً وأسلوباً خاصين بك ، فإن عليك أن تنتبه كثيراً من أن تنحو منحى كتابك المفضلين وتقليدهم في كل شيء حتى لا يبقى لك طابع خاص بك يميزك عن غيرك.
فكما أنك لن تريد أن تسرق أعمال غيرك الأدبية ، فكذلك لن تريد أن “تسرق” أساليبهم أو قصصهم ، فأولاً سيلحظ القارئ تقليدك لهم ولن يعجبه ذلك حتماً ، وثانياً فإنك ستقوم بخداعك لنفسك وستحرمها من أجمل متع الكتابة : أن تكتشف ما تريد أن تقوله بطريقتك الخاصة .
الخطيئة الثانية : خطيئة الحوار المصطنع :
يبدو الحوار مصطنعاً كلما حوى معلومات تعرفها الشخصيات من قبل ولكن يذكرها المؤلف ليعرضها على القارئ ، فالحوار الذي يكون فيه : ” أمي – ليلى- ستكون سعيدة جداً لتلبي دعوتك على العشاء يا خالي سعيد” ، يكون بشكل أفضل لو كان : ” أمي ستكون سعيدة بتلبية دعوتك على العشاء ، شكراً ” . سنفترض أن الخال يعرف اسم الأم فلا داع لذكره ، أو حين تقول الأخت لأخيها : ” سأسافر إلى الخُبر ، مسقط رأسي ” ، مرة أخرى سنفترض أن الأخ هو أخوها الحقيقي لا أخوها بالرضاع الذي لا يعرف الكثير عن أخته ولا أين وُلدت .
كذلك سيبدو الحوار مصطنعاً حينما تتكلم الشخصية بلهجة غير لهجتها في الأمثال الشعبية مثلاً ، كما لو قال أحدهم ” من ذا الذي يراك يا من تغمز بعينيك في الظلام ” بدلاً من أن يقول ” مين شايفك يالي في الضلام تغمز”! الشخصية استخدمت مثلاً شعبياً ، فلابد أن تذكره بلهجته الشعبية كذلك وإلا بدا الحوار متكلفاً .
أيضاً ، حينما يكون الحوار رسمياً جداً فإنه يكون متكلفاً ، فحينما يتكلم أستاذ الأدب بالاستعارات والتشبيهات البلاغية وبلغة أدبية رفيعة مع طلابه في التخصص فإنه يكون مقبولاً إلى حد كبير ، ولكنه إذا استخدم ذات اللغة مع السباك أو عامل البنزين فإنه إما أن يعرض نفسه للضحك أو للشفقة . طالما لم يفعل الكاتب ذلك بغرض الإضحاك والسخرية المتعمدتين فإن ذلك سيُعد حواراً سيئاً .
الخطيئة الثالثة : خطيئة ألا يحدث شيئ :
إذا كان على بطل القصة ( أو أي شخصية أخرى ) أن يملأ البنزين ثم ينزل إلى المحطة ليشتري شطيرة ويجري محادثة تلفونية ضاحكة دون أن يكون وراء كل ذلك حدث مهم فلعل من الحكمة أن يختصر المؤلف كل ذلك بجملة ( عبأت البنزين قبل أن آتيك ولذلك تأخرت ) مثلاً ، أو أن يترك سرد الحدث بالمرة . لا يحتاج القارئ أن تسرد له كل التفاصيل الدقيقة للشخصية لتثبت له أنه كان مشغولاً جداً ( أو أنه شخصية حقيقية جداً ) إلا لو كان وراء ذلك حدث مهم كمشادة أو حوار سيغير مجرى القصة ، وإلا فالأفضل اختصار الموقف بأكمله ، ولا تنس أن الاختصار والإيجاز من سمات اللغة العربية . تذكر ، أنت لا تكتب سيناريو لمشهد تمثيلي حيث يكون عليك أن تكتب كل إيماءة وإلتفاتة ، أنت تكتب مشهداً روائياً ، وبينهما فرق ، فتنبه .
الخطيئة الرابعة : خطيئة مشاكل المصداقية :
يقع الكثير من الكتاب في هذه الخطيئة التي تنتج عن قلة الانتباه والسرعة في الكتابة وعدم التروي . من مشاكل المصداقية وقوع التناقض والتضارب في المعلومات المقدمة ، فقد يكون فرق العمر بين الابن وأمه قليلاً جداً بشكل ملفت للنظر ، أو يذكر في الفصل الأول أن له أختين وبعد عدة فصول يذكر أن له خمس أخوات وفي فترة زمنية لا تكفي لأمه أن تنجب الباقي ( إلا لو قامت بتبنيهم مثلاً ) . من مشاكل المصداقية أيضاً حينما يكون الأطفال أذكى وأعقل من والديهم بشكل ملفت ودائم . المصداقية مشكلة متكررة في المذكرات الشخصية والسير الذاتية إذا أخفق الراوي ( والذي يمثل المؤلف) في إقناع القارئ بأن يثق أو يصدق بالعواطف والحقائق وذلك حينما ينزع إلى المبالغة في إظهار نفسه بمظهر الضحية ، أو العكس : يظهر بأنه الفائز الغالب دائماً ، فعندها سيشعر القارئ بالاستياء والإحباط. قد تجد في بعض الكتب هذه المبالغة وتكون مقبولة في الوقت ذاته ، ولكن هذا يكون بسبب تعمد المؤلف إلى سلوك هذا الطريق ، ويبين نيته في ذلك من أول فرصة لأن القصة تدور على هذه المفارقة ، وليس هذا ما نتحدث عنه بالتأكيد . في أغلب الروايات والسير الذاتية تكون الثقة بين القارئ والمؤلف مهمة جداً ، لا تغامر بخسران هذه الثقة بأن تجعل راوي قصتك مبالغاً في وصف الشخصيات .
الخطئية الخامسة : خطيئة المشاهد العاطفية :
هناك فرق بين العاطفة والمشاهد العاطفية ، الفرق بينهما تماماً مثل السكر ، وبديل السكر. المشاهد العاطفية صناعية كالسكر الصناعي . تحاول المشاهد العاطفية التلاعب بعواطف القارئ ، فتعتصر منه عادة الشفقة أو الحنين أو المشاعر الغامضة . طبعاً أنت تريد لقرائك أن يتأثروا ويتفاعلوا مع أحداث قصتك ، ولكنك لا تريد أن تطفئ حماس قارئك بمشاهد مغرقة في العاطفة المبالغة . غالبية القراء في العصر الحديث لم يعد لديهم القدرة على تحمل الكتابة العاطفية التي كانت منتشرة بين كتّاب العقود الماضية . إلى الآن لا نزال نجد من يمارس مهمة انتزاع الدموع عندما ينفصل الزوجان/ العاشقان بالكثير من النحيب و الدموع ، أو عندما يموت شخص ما . كثيراً ما نجد المفارقات العاطفية المضحكة في مشاهد الموت ، كما لو تاب الشخص في مرض موته وتحول – بقدرة قادر – إلى شخص طيب نادم على ما سبق ليديه أن اقترفتا ، أو كانت هناك لحظة مسامحة ومغفرة للذنب قبل الغرغرة ، أو النكتة الشهيرة قبل الموت : ( أنا مش أبوك يا بني ) . لا تفهمني خطأ أرجوك ، لست أبداً ضد مشهد يثير المشاعر أو العواطف لدى القارئ ، وإنما أنا ضد المشاعر الكاذبة المزيفة التي تُنتزع انتراعاً من القارئ .. كيف لنا أن نعرف الفرق؟ حينما يحركك شيء أثناء القراءة فاسأل نفسك : هل مستوى شدة العاطفة في المشهد تماثل مستوى شدة العاطفة التي ثارت فيك أثناء القراءة ؟ لو شعرت الشخصية بمستوى عالٍ من الانفعالات لم تتمكن أنت من الحصول عليها فهذا يعني أن الكاتب قد أخفق في إقناعك .. كذلك عليك أن تنتبه أثناء كتابتك : فإذا استعملت الكتابة العاطفية أكثر من العاطفة نفسها فحتى لو كنت تكتب مشهداً فإن الأمر سينتهي بك بأن “تخبر” به بدلاً من أن “تعرضه” .. ستخبر قارئك أن عليه أن يشعر بشيء أخفقت أنت في إظهاره بشكل مقنع ، وهذا سيهدم الهدف من المشاهد بأكملها .
0.000000
0.000000
أرسلت فى من هنا وهناك | مصنف مهارات, تطوير | 4 تعليقات
تدوينة جميلة!
خطيئة “ألا يحدث شيء” خصوصا احد الخطايا التي تمتلأ بها كثير من الروايات العربية والخليجية خصوصا، التي اجدها غارقة في وصف كل التفاصيل بدلا من مرور احداث متتالية تدفع القصة بسرعة..
أعتقد أن جزء من ذلك ذلك أمر ثقافي يعود الى ان المجتمع بطيء التغيير فيميل الى التأمل والوصف الدقيق.. بعكس المجتمع الغربي الذي تجري فيه الحياة بشكل سريع مما ينعكس على ثقافتهم ووسائل التعبير عنها..
شكرا لك
نقاط جميلة .. كل الامتنان استاذتنا الفاضلة
Reblogged this on Andergeeri's Blog.
نقاط مهمة فعلا…في رأيي أفضل كتابة هي التي تأتي من القلب 🙂
شكرا لك 🙂