بدأت الإجازة الصيفية عند الغالبية ، وبدأ معها مسلسل ضياع الوقت والفراغ المقيت الذي يصاحب كل إجازة .
لا أخفيكم أني لست بأفضل حال منكم ، ولكن استوقفتني قبل أيام فكرة new year resolution والتي تعتمد على معاهدة النفس بالقيام بتغييرات معينة ابتداء من عيد رأس السنة .. فكرت : لم لا يكون عندنا summer resolution ، ننوط به عمل بعض التغيرات التي نرغب فيها و أداء مهامنا التي أهملناها خلال السنة فتراكمت حتى علاها الغبار والصدأ .. فكرة جيدة ، أليست كذلك ؟
إلا أنّا لو فعلنا ذلك فإن هناك أخطاء مجهضة لتلكم الأهداف قد نقع فيها وتهدد بالفشل الذريع ، وإليكم ثمانية من هذه الأخطاء :
1- رصد قائمة طويلة : ليس الهدف من كتابة الأهداف هو “الهياط “وإنما تدوين نوايا جادة لفعل أشياء مهمة .. إذا كانت مهامك تستغرق وقتاً طويلاً لتحقيقها ، مثل تعلم لغة أو مهارة جديدة ، أو تحقيق إنجازات صحية أو الإقلاع عن عادة سيئة كالتدخين مثلاً ، فيكفيك أن تركز على ثلاث أو أربع مهام كبرى، خاصة وأن الوقت إجازة صيف، وقد يعتريك سفر أو استقبال ضيوف من خارج المدينة ، وعدم تحقيقك لكل هذه الأهداف الطويلة سيصيبك بالإحباط والشعور بالإخفاق ، أما لو كانت المهام من النوع السريع الذي لا يستغرق وقتاً طويلاً كترتيب مكتبتك ، أو فرز ما تحتاجه من ملابس العائلة والتخلص مما لا تحتاجه، أو القيام ببعض الإصلاحات المنزلية فارصد منها ما تشاء ودوّنه .. ستجد متعة فائقة في شطب المهمة تلو المهمة بعد إنجازه.
2- عدم مراعاة الظروف : ماذا تعني لك الإجازة الصيفية ؟ نوم وانقلاب الليل والنهار ، وخمول، سفر ، ثم ها أنت تضع للإجازة أهدافاً جادة تود تحقيقها ؟ راع ظروفك “الإجازية” ، لئلا تتعرض للفشل. قد لا يكون من المناسب البدء بحمية التمر واللبن مثلاً (مع تحفظي على هذا النوع من الحميات ) وأنت تستضيفين أهل زوجك لأسبوعين. قد لا يكون من المناسب أن تكون أحد أهدافك إتمام قراءة عشر كتب في شهر واحد وأنت تعزم على السفر .. كن منطقياً !
3- غير قابلة للقياس : من الخطأ مثلاً أن تكتب : ” أتمرن بشكل أكثر أو أكبر”، أو أحسّن علاقتي بوالدتي ، أو أكون زوجاً طيباً لئلا تتركني زوجتي. ما مقياس التمرين الأكثر ، أو تحسين العلاقة أو تطوير النفس ؟ هذا كلام عام جداً ، ولا يصلح لأن يكون هدفاً . كتبتُ في لائحتي أولاً: نزول 3 كيلو ، ثم مسحته بعد قليل لأن فقدان الوزن ليس بيدي ، إذ تتحكم فيه الضغوطات النفسية وقلة النوم والهرمونات وملايين الأسباب الخفية والظاهرة، وكتبت بدلاً عن ذلك : تحقيق مشي ما مجموعه 80 كيلو متر في الشهر على الأقل مشياً سريعاً صحياً ، ولو تحقق لي ذلك لأنهيت الإجازة الصيفية بمشي 240 كيلو تقريباً . هذا الآن هدف معقول وقابل للقياس ، بل ويمكنني أن أزيد عليه لأحقق درجة أعلى من الرضى.
4- أهداف مثالية : كلنا نحب أن نفعل أشياء خارقة تدير الرؤوس . عن نفسي أتمنى لو أكتب روايات تحقق عدد مبيعات هائل أو تفوز بجوائز عالمية ، أو أتمكن من المشي 10 كيلو في أقل من ساعة .. لو حددت مثل هذا هدفاً صيفياً فأنا أخطط لإخفاقي . كن واقعياً ، واكتف مثلاً بالتخطيط لروايتك الجديدة أو كتابة تدوينة أسبوعياً.. خطط للمواظبة على تمرين معين إذا كنت مبتدئاً ، أو الانتقال إلى مرحلة متقدمة إذا كنت محترفاً، ولاحظ أنك تتكلم عن خطط صيفية محدودة بثلاثة أشهر فقط ، حيث السهر والاجتماعات على الطعام، وحتى التمشيات تصير (تحشيات) ، وحين يسود الجميع فكرة أن الصيف للنوم وتضييع الأوقات .
5- التخطيط العشوائي : عندك أفكار جبارة تنوي تحقيقها في الصيف ، ولا تعرف كيف لأنك تتركها “بالبركة” ، ويمضي الشهر الأول ثم الثاني والثالث وأنت لم تحقق شيئاً يذكر . وزع أهدافك إلى نطاقات : النطاق الصحي ، الثقافي ، الروحي ، الاجتماعي ، ثم قسّم أهداف كل نطاق إلى أهداف فرعية تكون بمثابة محطات الطرق السريعة التي تعرف عن طريقها كم قطعت وكم بقي لك فتكون لك خير حافز . حدد متى ستبدأ كل هدف على وجه التقريب ، وبعد انقضاء نصف المدة توقف مع لائحتك مرة ثانية وراجع مكانك ، وأعد تقييم أداءك ، وعدل ما يحتاج إلى تعديل ثم واصل الانطلاق.
6- لا تعرف دوافعك : لماذا أريد أن أفعل كذا وكذا ؟ خسارة الوزن مثلاً ، أو كتابة رواية جديدة أو صلة الرحم البعيد الخ .. لو لم تكن دوافعك قوية بما فيه الكفاية فستنقطع قريباً. قد يكون هدفك لنقصان الوزن رغبتك في ارتداء فستان السهرة الجديد لحضور حفل زفاف قريبتك . هذا هدف جيد ومقبول ، ولكن ماذا باعتقادك سيكون أول ما تفعلينه صباح اليوم التالي لحفل الزفاف ؟ سنبحث عنك في المطبخ لا شك .
7- أنت وحيد : ابحث عن فرق الدعم التي تؤمن بقضيتك .. أي إنجاز تود فعله ستحتاج فيه إلى فريق دعم يؤمن بقدراتك ويضخ في عروقك التشجيع والحماس كلما فترت .. لا أسأم من ترداد كيف منّ الله علي بفِرق تشجيع أثناء مرضي .. كانوا يحيطونني بالكثير من الحب والتشجيع ، يبكون إذا بكيت ، ثم لا يلبثون أن يضحكوا إذا ضحكت .. يذكرونني إذا ما ضعفت برحمة الله ، وبتكفير السيئات ورفع الدرجات ، حتى منّ الله علي بالشفاء ، بفضله ورحمته أولاً ، ثم بسبب الروح المعنوية المرتفعة ، وإن نصف العلاج يرجع إلى الحالة النفسية للمريض. إلا أنه يجب عليك أن تعطيهم الضوء الأخضر لتشجيعك بالقوة المناسبة لأن الأصدقاء قد يكونون لطفاء بزيادة فيخجلون من إغضابك أو إحراجك.. أخبرهم أنك تعطيهم كافة الصلاحيات لتشجيعك وأنك لن تغضب منهم لو كانوا خشنين معك إذا اقتضى الأمر .. تأكد أنك لن تغضب منهم بالفعل ، فلن تصيح على من يخطف الشوكولاتة من يدك بعد الغداء الدسم ، ولا أنك ستشتم في سرك من يمنعك من تناول الغداء الدسم أصلاً ( سيبدو على وجهك) ، ولا أنك ستستشيط غضباً حينما ينتقدك أحد أفراد فرق الدعم لتخاذلك عن التمرين / الكتابة / العمل الفني ، الخ …
8- اجتماعي بزيادة : قد يعتريك نوع من الإدمان ( إن لم تكن مصاباً به بالفعل ) على الشبكات الاجتماعية المختلفة ، وهذا بالتأكيد من عوائق النجاح الكبرى .. كلما هممت بإمساك المصحف أو البدء بعمل كتابي أو فني ، أو أي عمل في قائمتك فكرت : لم لا أتصفح تويتر لدقائق ، فما تنتبه لنفسك إلا بعد ساعة يكون وقتها قد حان دور عمل آخر .. وتمضي إجازتك ولَم تحقق نصف ما كنت تنوي فعله .. كن حازماً مع نفسك وقرر أنك لن تفتح تويتر حتى تنتهي من مراجعة وردك اليوم ، أو لن تتصفح انستغرام حتى تنهي تمرينك ، وهكذا .. أما لو كنت مدمن يوتيوب ، فكبر على إجازتك أربعاً وصل عليها صلاة الميت !
تدوينة مفيدة. شكراً
دايماً متميزة في تراقيمك ياهنو المقال حلو وأسلوبه بسيط عجبتني الفكرة الأساسيه ومحاولة استغلال الوقت بشكل أفضل واصلي في كتابة التدوينات بس حاولي باختصار موفقه يارب
أنتِ سيدة الكلمة ببساطتك وأسلوبك الذي يناسب الجميع ماشاء الله عليك
نصائح ثمينة ، ولكن تتطلب منّا الاستمرارية ، أكثر مايفشل مخططاتنا كما تفضلتي الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي و الضيوف المفاجئين و الشراهة بالطعام التي تصيبنا بالخمول بالإضافة الى كل ما ذكرتيه ، نسأل الله البركة في أوقاتنا و الهمة العالية ، جزاكي الله خيراً .
جداً جمممميل شكراً لكِ